28-04-2024 02:51 PM بتوقيت القدس المحتلة

النصرة ... "انتصارات وهمية" لإعلان الإمارة وتقارب في الأفق مع داعش

النصرة ...

هل تفتح الضربات الجوية التي استهدفت جبهة النصرة وحركة أحرار الشام باب التقارب مجدداً مع تنظيم أبو بكر البغدادي كونهم جميعاً يحملون الفكر القاعدي نفسه؟، وهل تشهد الأيام القادمة مفاجآت على صعيد صراع "إخوة المنهج"؟.

احمد فرحات

هل تفتح الضربات الجوية التي استهدفت جبهة النصرة وحركة أحرار الشام باب التقارب مجدداً مع تنظيم أبو بكر البغدادي كونهم جميعاً يحملون الفكر القاعدي نفسه؟، وهل تشهد الأيام القادمة مفاجآت على صعيد صراع "إخوة المنهج"؟.

الواضح أن ضربات التحالف الدولي بقيادته الأميركية في سوريا، وضعت هذه الأطراف الثلاثة في خانة واحدة، وهذا أمر يرى فيه العديد من أتباع هذا الفكر فرصة لإعادة التوحد، في وجه ما يعتبرونه "حملة صليبة تستهدف بلاد الشام".

ادلب التي شهدت ضربات التحالف الدولي، التي استهدفت قيادات كبرى في تنظيم القاعدة (جماعة خراسان)، دارت فيها أحداث مهمة على صعيد تقاتل الجماعات المسلحة.

وبعد مقتل قادة أحرار الشام قبل شهرين في ادلب ايضاً، حصل فرز للجماعات المسلحة، بين أتباع القاعدة من جهة، وغيرهم من الجماعات المسلحة من جهة أخرى، فيما انهت الأحداث الأخيرة في ريف إدلب بين جبهة النصرة وجماعات الجيش الحر، زواجاً هجيناً فرضته ضرورات الحرب على داعش.

وصوب جناح تنظيم القاعدة في سوريا البندقية إلى من تحالف معهم يوماً، واصفاً إياهم بالمرتدين والبغاة، وأبرزهم ما يسمى "جبهة ثوار سوريا" التي يتزعمها المدعو "جمال معروف".

وعلى خطى داعش تسير جبهة النصرة، بإبتلاع الجماعات الصغيرة في مناطق تواجدها، ويحركها حلم الإمارة لدى زعيمها أبو محمد الجولاني، والذي كشف عنه في تسجيل صوتي قبل أشهر.

لماذا ادلب؟

بعد الهزائم التي منيت بها جبهة النصرة أمام الجيش السوري في ريف دمشق وبالتحديد بالغوطة الشرقية وفي القلمون، وإخفاقها في الحفاظ على معقلها في دير الزور أمام داعش، لجأت إلى درعا، وحاولت إحداث خرق هناك، غير أن الأوضاع الدقيقة في تلك المنطقة الجنوبية على الحدود الأردنية، منعها من تثبيت حضورها بشكل فعال، وجعلها تبحث عن ملاذ آخر. فوجدت في ادلب الحاضنة، خصوصاً وأن هذه المنطقة شهدت أعنف الهجمات ضد الجيش السوري في بدايات الأحداث، وأولى المجازر خصوصاً في جسر الشغور.

كما أن قرب الريف الادلبي من الحدود التركية، جعل من هذه المنطقة مطمعاً لجبهة النصرة، نظراً للتسهيلات التي تؤمنها المعابر بالنسبة لدخول للسلاح، ولتدفق المقاتلين الأجانب إذا ما تم إعلان الإمارة فيها، وذلك في إطار سعي هذه الجبهة إلى إعطاء الشرعية العالمية "لجهادها"، عبر ضم أكبر عدد من "الجهاديين".

وهذا أمر لم يخفه الجولاني في كلمته الأخيرة، حيث وجه الدعوة إلى المسلحين الأجانب "للنفير إلى الشام"، أملاً بإستعادة الصفة الأممية لحركته، وإبعاد الصفة المناطقية عنها، بحسب ما قال في الكلمة نفسها.

وتتحرك جبهة النصرة في مواجهة الجماعات الأخرى بخلفية قاعدية، يريدها ويميل لها المفتي الشرعي العام سامي العريدي، وكنا قد أشرنا في مقال سابق إلى ان النصرة تسعى إلى تغليب الأيديولوجيا في علاقاتها مع المسلحين على حساب الميدان، وهذا ما بدا واضحاً من طريقة التعامل مع "قضية جمال معروف"، واستهداف جماعات بعينها ("جبهة ثوار سوريا"، لواء فرسان الحق"، "حركة حزم") محسوبة على ما بات يعرف بالتيار "العلماني"، وبالتعاون مع جماعات محسوبة على التيار القاعدي ("حركة احرار الشام"، "صقور الشام"، "جيش المجاهدين")، رغم أن سيطرتها على المناطق بريف ادلب، لا يغير من خارطة الصراع مع الجيش السوري بشيء، كونه لا يعدو سيطرة جماعة مسلحة على أرض كانت تحت سيطرة جماعة أخرى.

كما أن الهزيمة المدوية لجبهة النصرة أمام الجيش السوري في حماة، وتحديداً في مورك، دفعها إلى البحث عن إنتصار وهمي على فصائل هي بالأساس محلية، نطاق سيطرتها الفعلي محدود ضمن دائرة جغرافية محددة في ادلب.

لماذا التقارب مع داعش

وبالنسبة إلى العلاقات مع داعش، فإن السيطرة على ريف ادلب، يجعل من النصرة نداً في أي وساطات مع هذا التنظيم، تجري في السر، ويقودها عدد من منظري القاعدة في المشرق وفي أفغانستان، بهدف توحيد البندقية، خصوصاً في ظل ضربات التحالف الدولي على الجماعتين في سوريا، بحسب مصادر متابعة.

وتروي المصادر المتابعة، كيف أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري انحاز إلى جبهة النصرة في أوج الخلاف مع داعش، على أساس قاعدة فقهية لدى هذه الجماعات بأن الحكم يكون بالغلبة، و"من تغلب على الحكم واستتب له الأمر وجب له السمع والطاعة"، وأن طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه خير من الخروج عليه"، وفق بعض فتاوى هذه الجماعات.

لكن بعد خسارة النصرة أمام داعش، صمت الظواهري. وتستدل هذه المصادر على أن الجولاني يريد تحقيق مكاسب تضمن له حظوة أمام أميره الظواهري، وتجعل منه نظيراً لداعش بـ "الغلبة".

وقد تكون حرب التحالف الدولي على القاعدة وتفريعاتها في سوريا وكذلك على داعش، سبباً لتنشيط جهود التقارب، بعدما بلغ الخلاف أوجه، وضرب معاقل القاعدة وطالبان في افغانستان.

ففي افغانستان، وصلت الى حركة طالبان عدوى الإنشقاقات، مع مبايعة العديد من قادتها تنظيم داعش، في تطور ملفت يستحق الوقوف عنده. فهذه الحركة التي لطالما شكلت الظهير الآمن لقيادات تنظيم القاعدة العالمي، ومر في بلادها السواد الأعظم من قيادات فروع القاعدة، تعاني من انشقاقات داخلية على خلفية تأييد داعش، بدت واضحة بعدما كانت في الغرف المظلمة، بعد عزل المتحدث بإسمها شهيد الله شهيد، الذي جاهر بدعمه داعش ضد الحملة الدولية عليه.

ولهذه الأمور وغيرها، يبدو أن تقارب داعش والنصرة لم يعد بالأمر المستحيل، بل أنه يجري على قدم وساق، في إطار ترتيبات معينة، تجعل الجميع رابحاً، خصوصاً وأن الطرفين هما أصحاب مدرسة واحدة، أرسى دعائمها محمد بن عبد الوهاب قبل مئات السنين.

ومع تغير الأحداث على الساحة "القاعدية" وتبدلها، الثابت هو أن مشروع هذه الجماعات غير قابل للحياة في الشرق الأوسط، وأن نقل التجربة الأفغانية إلى المنطقة، دونه العديد من العقبات، ليس أولها أن المدارس الدينية هنا ترفض الفكر التكفيري الوهابي، خصوصاً في مصر وسوريا والمغرب العربي.