وصل قائد لواء جولاني المكان فمر بجثمان الشهيد خالد أكر ملفوفا ببطانية فأدى قائد اللواء التحية العسكرية أمام الجثمان فهمس قائد المعسكر في أذنه “إنها هذه جثة المخرب منفذ العملية”، فرد عليه قائد اللواء “إنه يستحقها.."
كانوا أربعة رجال.. يتسابقون على الموت.. فلسطينيان لا تزال أسماؤهم طي السرية، وتونسي يدعى “ميلود ناجح بن لومة”، ومقاتل سوري أسمه “خالد محمد أكر”. وقف هؤلاء الأربعة فوق وادي البقاع اللبناني بجانب طائراتهم الشراعية وأدوا التحية العسكرية لقادتهم في (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة) قبل أن يحلقوا مقلعين بطائراتهم الخفيفة في ليلة الخامس والعشرين من نوفمبر العام 1987م، الليلة التي دعيت في كل الأوساط “بليلة الطائرات الشراعية”.
كان هؤلاء الشبان الأربعة يحملون أرواحهم على أيديهم ويدركون تمام الإدراك أنها رحلة بلا عودة، يدركون أنه عندما تحط طائراتهم في نقطة الهدف فما من وسيلة ستجعلها تقلع مرة أخرى.
هبوط اضطراري
نتيجة صعوبات ميكانيكية فإن طائرتين اضطرتا للهبوط داخل الحدود اللبنانية، بينما تحطمت طائرة التونسي “ميلود” في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها قوات “جيش لبنان الجنوبي” والذي كان يدين بولائه لجيش الاحتلال الإسرائيلي.أما خالد فقد استطاع السيطرة بإحكام على طائرته وحافظ على تحليقه فوق منطقة الأحراش ليتفادى الرادارات الإسرائيلية ونقاط مراقباتهم.
ونتيجة حجم الطائرة الصغير والتحليق الصامت وبراعة وأستاذية الطيار، استطاع “خالد” أن يصل إلى منطقة الهدف: “معسكر غيبور” قرب “بيت هيلال” والذي يضم الصفوة من القوات الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك.
هبط البطل في هدوء، وحاملا “الكلاشنكوف” بيمناه ومسدسه الكاتم للصوت بيسراه، بدأ تحركه نحو بوابة المعسكر، وكانت مفاجأة قاتلة لجنود الاحتلال وهم يواجهون مقاتلا منفردا يقاتل كما الأسود. وقبل أن يستشهد البطل السوري “خالد أكر”-بعد أن تمزق جسده بفعل رصاصات الاحتلال- كان قد تمكن من إيقاع 37 جنديا بجيش الاحتلال بين جريح وقتيل.
وبعد اتصالات عاجلة بين نقاط المراقبة الإسرائيلية بدأت دوريات الاحتلال في مسح الحدود لكشف تواجد مقالتين آخرين وفي دورية مشتركة مع “جيش لبنان الجنوبي” عثر على طائرة “ميلود” المحطمة، الذي كان يختبئ على مقربة بعد أن التوي كاحله جراء هبوطه العنيف.ولم يستسلم “ميلود” وقاتل كما يجب أن يقاتل، وقد استطاع”ميلود” أن يقتل 5 من جنود الاحتلال قبل أن يستشهد.
خلف خطوط العدو
بعد عملية ما يسمى “سلامة الجليل” التي على إثرها اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي بيروت والجنوب اللبناني عام 1982م، وقف رئيس حكومة الاحتلال آنذاك “مناحيم بيغن” وقال لسكان المستعمرات شمال فلسطين المحتلة: “الآن آن الأوان كي تنعموا بالهدوء والأمن والاستقرار إلى الأبد وإن أي أذى لن يلحق بكم بعد الآن”، فكانت عملية “شهداء قبية” (الاسم الثاني لعملية طائرة الشراع) النوعية برهاناً لتكذيب مزاعم بيغن وباقي من تبقى من قادة الاحتلال، حيث أن الفوضى والرعب دخل إلى قلب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
خالد أكر.. الشهيد السوري قائد العملية .. لماذا سميت بعملية قبية؟؟
لأن ذاكرة العربي الفلسطيني المقاتل لا تنسى، ولكي يظل الوطن محفوراً في الوجدان والذاكرة ويظل الشهداء ماثلين أمامنا أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ونساءً، وحتى لا ننسى تفاصيل قرانا ومدننا وفلسطين الوطن. حملت عملية الطائرات الشراعية اسم قبية، لتكون قبية تاريخ فجر جديد مشرق بالانتماء لكل فلسطين: الأرض والإنسان، فلسطين هوية الأحرار والمناضلين.
قبية: قرية تقع في قضاء رام الله وفي تاريخ 14 – 10 – 1953 م من يوم الأربعاء مساءً شن العدو الصهيوني عدواناً إجرامياً بقيادة ارئيل شارون ليوقع 51 شهيداً من سكانها و 15 جريحاً وكلهم من المدنيين والمواطنين المسالمين المجردين من السلاح، ثم قامت العصابات بنسف جميع منازل القرية الصغيرة ودمرتها تدميراً شاملاً… وها هو المقاتل العربي الفلسطيني لا ينسى جراح شعبهِ وإن مضى عليها 34 عاماً.
بالإضافة إلى ما ظهر في هذه العملية من شجاعة المقاتل العربي وما ظهر من جبن لدى جنود الاحتلال والمفاجأة التي كان لها دور فعال، وبعد انتهاء المعركة نقل جنود الاحتلال جثة الشهيد خالد أكر في نقالة إلى المستوصف الصحي في مستوطنة “كريات شمونة” في الجليل المحتل ووضعوها خارج المستوصف قرب الباب، وعندما وصل قائد لواء جولاني المكان ذهب إلى المستوصف فمر بجثمان الشهيد خالد أكر ملفوفا ببطانية فأدى قائد اللواء التحية العسكرية أمام الجثمان فهمس قائد المعسكر في أذنه “إنها هذه جثة المخرب منفذ العملية”، فرد عليه قائد اللواء “إنه يستحق التحية”.