29-04-2024 07:05 AM بتوقيت القدس المحتلة

روسيا لن تتراجع وتكشف خاصرتها الجيوسياسية في اوكرانيا

روسيا لن تتراجع وتكشف خاصرتها الجيوسياسية في اوكرانيا

تستمر إتصالات مجموعة النورماندي المجتمعة مؤخرا في مينسك المؤلفة من الرئيس الروسي بوتين المستشارة الألمانية ميركيل والرئيس الفرنسي هولاند والأوكراني باراشينكو



احمد حاج علي - موسكو


 تستمر إتصالات مجموعة النورماندي المجتمعة مؤخرا في مينسك المؤلفة من الرئيس الروسي بوتين المستشارة الألمانية ميركيل والرئيس الفرنسي هولاند والأوكراني باراشينكو إضافة لمكالمات وزيري الخارجية لافروف وكيري الهاتفية المتكررة  لتصب كلها في  خط مراقبة تطبيق إتفاقية مينسك الثانية بتفاصيلها المتعثرة.

من ناحية أخرى  يرى مراقبون مصلحة روسية وأوروبية في صمود وقف إطلاق النار شرق أوكرانيا بالرغم من انه مبني على اتفاق لم تتطابق بنوده مع ظروف الواقع الميدانية بحسب خبراء مطلعين.
وبين إيجابيات وسلبيات الإتفاق تبقى رؤية أطراف متناقضة في مصالحها تجتمع تكتيكيا على حل يجمع خبراء السياسة على تقييمه المرحلي الطابع.

ويرى الكاتب و المفكر السياسي فاليري بادن ان المراهنات على الصراع في أوكرانيا كبيرة وروسيا لن تتراجع، و "لن نترك أبناء قومنا يواجهون مصيرهم بمفردهم في الدونباس و لن نكشف خاصرتنا الجيوسياسية".
إتفاق مينسك خطوة مرحلية فالمصالح التكتيكية لأطراف الصراع تلاقت! الكل بحاجة لإلتقاط أنفاسه كي يقيم من جديد الواقع الميداني  إذا قرأنا بنود الإتفاق فكل منها ممكن تفسيره باشكال مختلفة!
و يسجل خبراء مطلعون لقوات الدفاع الشعبي التي أحكمت حاليا سيطرتها على عقدة ديبالتسوفا المفصلية تفوقا إستراتيجيا على القوات الأوكرانية المدعومة بمرتزقة و مقاتلي جناح اليمين المتطرف.
و يضيف بادن أن " قوات الدفاع الشعبي تمسك اليوم  بزمام المبادرة الإستراتيجية ولا مقدرة لكييف في القيام بعمليات هجومية حاسمة،  ألمانيا والإتحاد الأوروبي لا يرغبان في تفجير الصراع المسلح  في أوروبا، ومناصروا حزب الحرب في واشنطن". 

 بالحد الأدنى سمح إتفاق مينسك بوقف التراشق المدفعي الواسع النطاق بين أطراف النزاع إلى أجل مسمى.  
 الإتفاق يعني تأجيل تحديد وضع هوية منطقة الدونباس القانونية  و بشكل أو بآخر يبقي وضع الحدود مع روسيا بيد قوات الدفاع الشعبي عمليا حتى لو تواجد عناصر أمن عام أوكراني عند مراكز مراقبة من الجانب الروسي فقط.
وتوقع مدير مركز الدراسات السياسية و الإجتماعية رئيس قسم أبحاث معهد دول الكومنولث فلاديمير يفسييف  ( و هو خبير عسكري و جيوسياسي أيضا )،  توقع أن تستأنف الحرب لاحقا في الدونباس، على الأرجح بمقاييس أوسع من كلا الجانبين اللذين يقومان بحشد المتطوعين وموضعة القوات،  قوات الدفاع الشعبي كانت تقاتل قبل شهر آب على مستوى كتيبة و الان تقاتل على مستوى الوية و خروج المقاومة الشعبية من نطاق منطقة دونباس بات أمرا ممكنا في المستقبل.  

 ويضيف يفسييف أن ميركيل و هولاند قدموا إلى موسكو لإنقاذ بيوتر باراشينكو لأنهم كانوا على علم بمحاصرة قواته في ديبالتسوفا أولا، وثانيا لخشيتهم من إنهيار الجبهة من الجانب الأوكراني وتقدم قوات لوغانسك و دانيتسك  لتوسع دائرة إنتشارها خارج الدونباس.
في المحصلة أقنعوا روسيا بتوقيع ورقة لا تختلف عن اتفاقية مينسك الأولى من حيث عدم الإعتراف بجمهوريتي لوغانسك و دانيتسك الذاتيتين.
ومن الإيجابيات التي يرصدها يفسييف ومحللون آخرون،  إقرار إتفاق مينسك الثاني  بتغيير الدستور الأوكراني بموافقة مناطق لوغانسك و دانيتسك ما يعطي الجمهوريتين المعلنتين من جانب واحد وضعا خاصا  لا يفصلهما عن روسيا من جهة مع إبقائها ضمن تركيبة  الخارطة السياسية الأوكرانية. 

 وبحسب يفسييف لا تستعجل روسيا الأحداث.  فلو أرادت الحسم لإنهارت أمام قواتها الجبهة الأوكرانية فورا وإنتهى الأمر على الأقل بتحرير منطقتي  لوغانسك و دانيتسك بشكل كلي.
 روسيا لم تذهب إلى هذا الخيار بالرغم من إتهامها بالتدخل بشكل مستمر، ويقول رئيس قسم أبحاث معهد دول الكومنولث أن  التدخل يأتي في الواقع من الجانبين  الداعمين لطرفي الصراع وهذا التدخل سوف يستمر قدما من قبلهما.  من ناحية أخرى أوروبا وروسيا لا تريدان تفاقم الوضع المتصاعد بقوة، و هذا يفسر قبول روسيا توقيع إتفاقية مينسك الثانية لعدم إعطاء ذريعة للولايات المتحدة لتتمادى في دعمها لكييف عسكريا تنفيذا لمخططها التوسعي من خلال الصراع.   

 لكن لو ذهبت الولايات المتحدة إلى تسليح القوات الأوكرانية بشكل أكبر، ممكن  أن تُقدِم روسيا حينها  على تسليحٍ يعيد التوازن لصالح المقاومة الشعبية،  لكن إختارت روسيا الحل السلمي كونه أكثر فاعلية. فأوكرانيا ممكن أن تصمد بشكل أو بآخر في مواجهة عسكرية و لكن لا يمكن  للغرب ضمان صمودها الإقتصادي.  
و تحاول فرنسا و ألمانيا إنقاذ الوضع من وجهة نظر مصالحها، و لكنها تفهم أن ذلك مستحيل فالمبالغ التي وعدت بها أوكرانيا خلال السنوات الثلاث القادمة تقارب 40 مليار دولار بينما أوكرانيا بحاجة ماسة الان ل 44 الى 50 مليار دولار و ليس خلال ثلاث أعوام كما جدول الغرب القروض المقترحة. طبيعي أن لا تفي تلك الاموال إحتياجات أوكارنيا لأنها تدفع فقط فوائد خدمة دين ما يقارب ال 15 مليار دولار و هذا المبلغ يعادل ما هو مقرر أن تتلقاه كييف كدفعة أولى موعودة. 

 توجد طريقة للحل، و الغرب يعرفها جيدا، وهي إدخال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة ، ولإتمام إدخال قوات سلام يجب فصل اطراف النزاع بكامل أسلحتها ليس كما هو الوضع الحالي حيث بدأت مرحلة سحب الأسلحة الثقيلة  وتبين من خلالها إجتهاد البعض لا يعتبر الدبابات من ضمن الأسلحة الثقيلة.
و لا يمكن القبول بقوات حفظ سلام تابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي ولا غيرها من الهيكليات الدولية سوى قوات تابعة للأمم المتحدة يقدرها الخبير العسكري يفسيف  ب 30 الفا على أقل التقديرات.
   دخول قوات حفظ سلام هي فرصة للحل لكن لها  دلالات تشير الى أن ما يجري ليس عملية مكافحة للإرهاب كما تزعم كييف وليست حالة طواريء بل هو صراع حرب أهلية بين جبهتين متناقضتي المصالح و التوجه وهذا يُعتبر بحد ذاته إعترافا بوجود جمهوريتي دانيتسك و لوغانسك الشعبيتين بل أكثر من ذلك يعتبر إعترافا بقيادتيهما - زاخارتشينكو و بلوتنيتسكي .

 إقتراح إدخال قوات حفظ سلام و فصل بين اطراف النزاع كان بدايةً إقتراح ألماني على أن يتم إرسال عديدها من روسيا، كزخستان و بيلاروسيا. ولم يكن الموضوع جديا حينها.  أما الأن فالوضوع مطروح على جدول اعمال البحث مع الجانب الأميركي.
وتأتي هذه الخطوة بعيد الموجة القادمة من المعارك المرتقبة المجمدة حاليا بشكلها الواسع بفضل إتفاقية مينسك 2 المرحلية الطابع.
 اليوم يجري الحديث فقط حول توسيع  لوائح العقوبات على روسيا وليس فرض عقوبات جديدة عليها، الأمر الذي قد يأتي مع موجة قادمة من المعارك تكون أوسع إنتشارا ووحشية.
 قد تخرج المواجهة من نطاق الدونباس لتطال مناطق أخرى شرق أوكرانيا مستقبلا. والعقوبات بأي حال يفترض أن تطبق فقط في حال إذا ثبت تورط روسيا بحسب المعايير الغربية. وحاليا الأمر مؤجل حتى الصيف القادم وروسيا أنجزت إستعداداتها تحسبا لإمتصاص صدمة جملة عقوبات جديدة أكثر صعوبة.
  أجرت روسيا تجربة للتعامل بنظام السويفت المصرفي على مستوى الداخل الروسي، وربطت به ما يزيد عن خمسين مؤسسة مالية. تهديد روسيا بعزلها عن نظام السويفت المصرفي العالمي  لن يكون له تأثير فعلي لأنه تم تأسيس بديلا عنه  داخل روسيا.

 كما أن موضوع الميسترال لا يشكل لفرنسا فقط مشكلة إعادة أموال روسية مدفوعة، بل كذلك كلفة حراسة البوارج و خدمتها في مراسيها الفرنسية إضافة للمصداقية .
 وفي المحصلة لا يصب  الوضع الحالي في مصلحة الولايات المتحدة لأن روسيا مرتاحة على وضعها وتلعب على أرض ملعبها في أوكرانيا وإستمرار الوضع الراهن لسنوات ثلاث أخرى تقريبا  يعتبر أمرا إيجابيا بالنسبة لها.
 فكل ما طال  امد إستمرار الوضع على ما هو عليه، يزيد ذلك من ضعف سلطة كييف على الأقاليم  الأوكارنية الأخرى وتتضائل رغبات الغرب في الإستثمار بمساعدتها.  لذلك يعتقد الخبراء المراقبون بأن عامل الوقت يصب في مصلحة روسيا.
و تبقى العبرة في تطبيق التفاصيل وما يكمن فيها. وفي هذه الأحيان ساحة النزال مجمدة مع خروقات محدودة لم تؤثر حتى الآن على صمود  وقف إطلاق نار أطلق عملية تسوية برعاية روسية فرنسية ألمانية...