29-03-2024 04:10 PM بتوقيت القدس المحتلة

بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (2)

بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (2)

كغيره من الشباب العربي، هاجر الأردني أحمد فاضل نزال الخلايلة إلى أفغانستان أواخر الثمانينات للقتال هناك ضد السوفيات، متأثراً بالأفكار التي تم الترويج لها بكثافة في تلك الفترة، والتي أوضحناها بالجزء الأول.


أحمد فرحات - صادق خنافر

كغيره من الشباب العربي، هاجر الأردني أحمد فاضل نزال الخلايلة إلى أفغانستان أواخر الثمانينات للقتال هناك ضد السوفيات، متأثراً بالأفكار التي تم الترويج لها بكثافة في تلك الفترة، والتي أوضحناها بالجزء الأول.

سهولة الذهاب إلى أفغانستان، لم تكن نفسها بالنسبة للعودة، حيث عمدت السلطات السعودية كما الأردنية على ملاحقة "المجاهدين" وزجت بهم في السجون، ومن هؤلاء كان الخلايلة "أبو مصعب الزرقاوي".

وهناك في سجن السواقة الصحراوي، تعرف الزرقاوي على الاردني المدعو عصام البرقاوي "أبو محمد المقدسي" (1959م - ... )، حيث تأثر بأفكاره، وأسس لنظام قائم على "مبادئ" أرساها النجدي محمد بن عبد الوهاب، ومبدأ تكفير كل من يحكم بغير الشريعة، الذي أطلقه المصري سيد قطب.

عام 1999، وبعد خروجه بعفو ملكي اردني، ذهب الزرقاوي إلى أفغانستان للمرة الثانية، وهناك أنشأ معسكر هيرات لتدريب الوافدين العرب، العراقيين والمصريين والسوريين بشكل أساسي تحت اسم "جند الشام"، وتلقى دعماً من قيادتي القاعدة وحركة طالبان.

وبعد الغزو الأميركي وسقوط نظام طالبان، غادرت العديد من قيادات القاعدة البلاد، وانتشرت في البلدان المجاورة، ووجد الزرقاوي ضالته في العراق عند جماعة "أنصار الإسلام" الكردية، إلى أن جاء 9 نيسان/ابريل 2003، تاريخ سقوط نظام صدام حسين.

وفي تلك الفترة، أنشأ الرزقاوي جماعة "التوحيد والجهاد"، وبايع زعيم القاعدة السابق اسامة بن لادن في 17-10-2004، ليعلن بعدها عن تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، بعد اتصالات دامت لـ 8 أشهر، وبعد تفهم قاعدة بن لادن لاستراتيجية "التوحيد والجهاد"، بحسب ما جاء في بيان المبايعة.

التقى الرجلان في هذا التنظيم الوليد، واستفاد بن لادن من هذا التوحد بتوسيع دائرة تنظيمه، فيما الزرقاوي وجد في القاعدة الأم الشرعية التي تسمح له بإستقطاب المقاتلين الأجانب، والتأسيس فيما بعد لدولة مترامية الأطراف، تحكم وفق المبادئ التي تتلمذ عليها على يد معلمه المقدسي.

وتمتعت قاعدة العراق بإستقلالية شبه تامة عن قاعدة خراسان، واتفق الطرفان على الهدف والإستراتيجية، لكنهما اختلفا في التطبيق. واعتمد الزرقاوي في منهجه على مبدأ "الحاكمية" وتكفير المجتمعات، التي قسمها إلى دارين "كفر وإسلام"، وصنف أعدائه إلى "بعيد وقريب".

لم يكن للزرقاوي مشروع دولة بالمعنى الصحيح، بل مشروعاً يقوم على مبدأ السيف والقتل، عبر بنفسه عن هذا الأمر في حوار نشر له على موقع "التوحيد والجهاد"، عندما سئل عن المشاريع السياسية. لم يتحدث الرجل عن أية مفاهيم إسلامية تتعلق برعاية المواطنين، ولا بقيام المؤسسات الإجتماعية، وحدد أهداف حركته بـ"طرد العدوّ ثم نقيم دولة الإسلام ثم ننطلق في فتح بلاد المسلمين لاستردادها، ثم بعد ذلك نقاتل الكفار"، والكفار هنا هم كل من يخالفه لأي جهة انتمى.

بعد قاعدة الجهاد في العراق، اندمجت الجماعات المسلحة في العراق تحت راية "مجلس شورى المجاهدين" في 15 كانون الثاني/يناير 2006، بزعامة عبد الله بن رشيد البغدادي، وضم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، "جيش الطائفة المنصورة"، "سرايا انصار التوحيد"، "سرايا الجهاد الإسلامي"، "سرايا الغرباء"، "كتائب الأهوال"، "جيش اهل السنة والجماعة"، "كتائب المرابطين"، و"كتائب الأنبار".

في تلك الفترة، قتل أبو مصعب الزرقاوي في 7 تموز/يونيو 2006، وتولى القيادة بعده المصري عبد المنعم عز الدين علي البدوي "ابو حمزة المهاجر" (1968-2010)، وبعدها بفترة قليلة اعلن عن "حلف المطيبين" والذي جمع الجماعات المسلحة في العراق، وتم الإعلان عن قيام "دولة العراق الإسلامية"، بزعامة حامد داود محمد خليل الزاوي "ابو عمر البغدادي" (1959-2010) وعين ابو حمزة وزيرا للحرب.

ورغم أن قيادة خراسان بشخص أيمن الظواهري لم تستشر في هذا الإعلان ولم يتم إخطارها حتى، غير أن أبو حمزة المهاجر أرسل رسالة إليها يبرر فيها هذا الإعلان، وأخذت القيادة عهداً من البغدادي بأنها تابعة للقاعدة، ولم يتم الإعلان عن ذلك لإعتبارات سياسية، بحسب قال ايمن الظواهري في احد بياناته.

وبذلك تحولت القاعدة من "تنظيم إلى دولة"، وحازت فيما بعد على مباركة وثناء من الظواهري نفسه، رغم ما كانت تقوم به هذه الدولة من إرتكابات بحق المسلمين من مختلف مذاهبهم، وتحقق حلم الزرقاوي.

قتل المهاجر وكذلك أبو عمر البغدادي، وتسلم إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي "أبو بكر البغدادي" زمام الأمور في "دولة العراق الإسلامية"، عام 2010.

وأحكمت هذه الجماعة السيف في رقاب المسلمين في هذا البلد، فيما عملياتها ضد المحتل الأميركي كانت خجولة وإعلامية بالدرجة الأولى، إلى أن جاءت أحداث سوريا، وقررت القاعدة الدخول في المعركة، فكان تأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام"، بقيادة أبو محمد الجولاني، عام 2011، التي وصفها الأخير بالحدث التاريخي المنتظر.

وفي تسجيل صوتي عام 2012، حمل اسم "وبشر المؤمنين"، أوضح البغدادي أن الجولاني هو جندي في "دولة العراق الاسلامية"، وتم انتدابه إلى الشام للعمل مع الخلايا الموجودة هناك، ووضع الخطط لهم وأمدهم بالأموال والرجال. وفي نفس التسجيل تم الإعلان عن دمج "جبهة النصرة" مع "دولة العراق"، تحت إسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ليندلع الخلاف الشهير بين الطرفين.

وأرجع البعض الخلاف إلى نية مبيتة لدى الجولاني بإعلان الإستقلال عن العراق، وتأسيس دولة له في الشام، على خطى أميره البغدادي، كيف لا وهما أصحاب مدرسة واحدة.

وأشارت المعطيات إلى أن البغدادي ولدى علمه بنية الجولاني، أعلن تبعية النصرة لدولة العراق، ودمج القطرين بدولة واحدة، وفي ظنه أن الجولاني سيمتثل لهذا الأمر، نظرا للبيعة التي في عنقه، غير أن ما حصل هو أن الجولاني رفض الإندماج، وعوضاً عن ذلك، أعلن بيعته للظواهري، لإعطاء "الشرعية الدينية" لقتاله.

تحاكم الطرفان إلى الظواهري، فأصدر حكمه ببطلان "دولة العراق والشام"، وأعطى الولاية المكانية للجولاني على الشام، وللبغدادي على العراق، في رسالة صوتية نشرت على مواقع التواصل الإجتماعي.

وهنا، ما زال البغدادي تحت راية القاعدة، لكن تسجيل "عذرا أمير القاعدة" للناطق بإسم "داعش"، ابو محمد العدناني، اعتبر بمثابة الإنشقاق عن القاعدة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه أيام أبو مصعب الزرقاوي، وجماعة التوحيد والجهاد.

وفي الخلاصة نلاحظ أن الأسس الفكرية التي قامت عليها جماعات "دولة العراق الإسلامية وداعش وجبهة النصرة" هي نقطة إلتقاء بين مبادئ محمد عبد الوهاب من جهة وسيد قطب من جهة أخرى، وركزت على تقديم قتال العدو القريب على العدو البعيد، وفق هذه المفاهيم الأساسية:

  • الحاكمية: الولاء للشريعة وليس للقوانين الوضعية.
  • جاهلية المجتمعات: المجتمع الجاهلي هو من لا يحكم بالشريعة وهو مجتمع شرك، ولا بد من إعلان ثورة شاملة عليه.
  • العنف المسلح هو الطريق الى الاصلاح.
  • تكفير الانظمة وقتال الحكام المرتدين.


وفي الجزء الثالث والأخير: التكفير .. وجهاً لوجه

لقراءة الجزء الأول، اضغط هنا