26-04-2024 09:59 PM بتوقيت القدس المحتلة

بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (3)

بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (3)

في مثل هذه الأيام من العام ألفين وثلاثة عشر، اندلعت أولى شرارات "قتال إخوة المنهج"، بين أتباع أبو بكر البغدادي، وأبو محمد الجولاني، أي بين الجندي "المبايع" وأميره "المؤسس"

 

أحمد فرحات - صادق خنافر

في مثل هذه الأيام من العام ألفين وثلاثة عشر، اندلعت أولى شرارات "قتال إخوة المنهج"، بين أتباع أبو بكر البغدادي، وأبو محمد الجولاني، أي بين الجندي "المبايع" وأميره "المؤسس"، وفق ما يصطلح عليه من تسميات.. خلاف في ظاهره تنظيمي، وفي باطنه خلل كبير في تركيبة الفكر التكفيري، والتي سنستعرضها في هذا الجزء.

في الشهر الثامن من عام 2011، توجه الجولاني من العراق إلى سوريا مع سبعة من قيادات داعش، لتأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام"، بعدما بايع أبو بكر البغدادي على "السمع والطاعة"، وبدأ بجمع البيعات على أرض الشام لصالح أميره البغدادي.

وفي تلك الفترة، أوفد أيمن الظواهري المدعو أبو خالد السوري إلى سوريا، ليجمع البيعات أيضاً لصالح تنظيم القاعدة. وتوجه السوري إلى الجولاني ليبايع الظواهري، فرد الجولاني عليه بمهلة لدرس الطلب. وفي تلك الفترة، بدأت خلافات بين جبهة النصرة وقيادة داعش، حول مسائل تتعلق بالقيادة في سوريا، وبإرسال الأموال إلى العراق.

في بداية عام 2013، كان الجولاني قد أحكم سيطرته على كامل مفاصل جبهة النصرة، وأتم جميع الإستعدادات للإنفصال عن البغدادي، ولما وصل الأمر إلى الأخير، سارع إلى إلغاء الجبهة، وضمها إلى دولة واحدة، هي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في كلمته الشهيرة في 9 نيسان/أبريل عام 2013.

دخل الظواهري على خط الخلاف، وعين أبو خالد السوري مندوباً له، ووسيطاً لحل الأزمة في سوريا، غير أنه لم يفلح، لتندلع معارك عنيفة بين جبهة النصرة وجماعات مسلحة أخرى من جهة، وداعش من جهة اخرى، خسر فيها الأخير مناطق نفوذه في ريفي ادلب وحلب، فيما سيطر على مناطق نفوذ منافسيه في الرقة ودير الزور بشكل كامل.


التكفير يلتهم نفسه
كشفت هذه الأحداث هشاشة التركيبة الفكرية للتكفيريين، فكانت البيعة للمصلحة، فالجولاني بايع البغدادي وبعده الظواهري لمصلحته الشخصية، فيما أمراء داعش، بايعوا بن لادن، والظواهري لمصلحتهم أيضاً، وعندما انتفت مبررات وجودها، وبات الطرفان يتحكمان بالأرض، نقضوا ما قالوا إنها بيعة على "المنشط والمكره"، وتيبن أن هذه الدعامة الأساسية للتركيبة الفكرية ما هي إلا مطية للسيطرة والحكم.

ففي حين كان امراء التكفير من داعش والنصرة يعبؤون مسلحيهم وفق توجيهات دينية صارمة، كانوا يسعون إلى السيطرة على مناطق إقتصادية تؤمن لهم عائدات مالية، كالسيطرة على مصافي النفط في دير الزور، كلفت مئات القتلى من الجانبين. ووثقت العديد من التنسيقيات بالأسماء قيادات من داعش والنصرة، تاجروا بالنفط المهرب، وجنوا من وراء ذلك مبالغ مالية ضخمة.

أكثر من 7 آلاف مسلح وفق المعلن من الأرقام، قتلوا في حرب داعش - النصرة، بينهم نسبة كبيرة اعدموا ميدانياً، بقطع الرؤوس والصلب. فهذا الفكر الذي ارساه السعودي محمد عبد الوهاب والمصري سيد قطب، حكم على معتنقيه بالقتل أيضاً بنيران اخوته، وفق مبررات سطحية، هي نفسها التي يسوقها أتباع هذا الفكر لقتل من يختلف معهم، فإذا بالتكفير يلتهم نفسه، في دلالة واضحة على هذه المبادئ التكفيرية غير قابلة للحياة، حتى لدى مؤديها، فكيف لرافضيها بالأساس.

مبدأ الحاكمية الذي يريد أتباع مدرسة التكفير إرساءه في المجتمعات الإسلامية، لم يستطع أن يحكم بالشريعة بين جماعتين اختلفتا على "من هو الأمير"، فما الولاء للشريعة الا ولاء للأمير، الذي يقرر وفق الأهواء والمطامع.

وفيما نادت هذه الجماعات بفكرة جاهلية المجتمعات التي لا تحكم بالشريعة، أعادت حرب داعش - النصرة المسلمين إلى مرحلة الجاهلية، حيث كان القتل هو السمة البارزة. وقتل الطرفان باحكام الردة الالاف الذين جُلبوا من اصقاع الأرض، على خلفية أن في الشام "دار إسلام".

إسلام التكفيريين كفر الأنظمة، وأوجبَ قتال الحكام المرتدين. وفي حرب التكفير، فإن جبهة النصرة مرتدة وكافرة بنظر داعش، ومن لم يكفرها فهو كافر. وبالنسبة إلى النصرة، فإن داعش خوارج وبالتالي كفرة ووجب قتالهم، ومن لم يكفر داعش فهو كافر.

وفي هذه المعادلة، فإن كل جماعات التكفيريين كفاراً ووجب قتالهم، وفق فكرهم، وبالتالي فإن داعش كما الجماعات التكفيرية الأخرى مصيرها الزوال.

بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (1)
بهدوء.. داعش من أين وإلى أين؟ (2)