20-04-2024 09:59 AM بتوقيت القدس المحتلة

كربلاء، الشعلة الأولى في شرعة حقوق الإنسان !

كربلاء، الشعلة الأولى في شرعة حقوق الإنسان !

وإذا كانت المراسم العاشورائية تُخيف كل "يزيدٍ" في هذا العالم، فقد وصلت الأمور ببعض "يزيدييّ" السلطان في هذا الشرق أن حاولوا منع إحيائها، بذريعة الحفاظ على أمن المشاركين أو لأنها محرَّمة كما ورد في تصريح مفتي الوهابية.

إنطلاقاً من قول الإمام الحسين عليه السلام: "خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدِّي"، فإن ثورته الى جانب بُعدِها الديني العظيم، قد اتَّخذت بُعداً مدنياً عبر مواجهة الباطل، وإحقاق الحقّ وتعزيز الكرامات ونشر العدل والمساواة، وحماية حرية الانسان وصون حقوقه المشروعة في ظل حكمٍ خالٍ من التعسُّف، وبدأت منذ ذلك التاريخ أولى المداميك المدنية لبناء شرعة حقوق الإنسان لأن الثورة الحسينية جاءت في عصر نشوء السلطات المدنية سواء تحت مسمَّيات الخلافة أو الأمبراطوريات.

أمين أبوراشد/ موقع المنار

كربلاء، الشعلة الأولى في شرعة حقوق الإنسان !وإذا كان يزيد بن معاوية رمزيةً سلطوية ضمن الإطار المدني للدولة، فإن التحوُّل التاريخي للمجتمعات الى كيانات سياسية جعل من "يزيد" ظاهرة تتكرَّر في كل بيئة ومجتمع، بصرف النظر عن الإنتماء الديني لهذه الدولة أو تلك، وأينما حلَّ الظلم والإستعلاء والإستكبار ووأد حقوق المستضعفين يكون هناك "يزيدٌ"، يستوجب تلقائية إستحضار الحُسين (ع) وفكره ونهجه لمواجهة الظلم.

وإذا كانت كربلاء قد أطلقت بأجساد شهدائها الشعلة الأولى في التاريخ المدني لثورة المظلومين على الظالم، فإن المراسم العاشورائية قد تحوَّلت في تاريخنا المعاصر من إحياءات نمطية الى نمط حياة يُحتذى ويُعتنق، ليس لمن ينتسبون لمذهب الحُسين فحسب، بل لكل مجتمعٍ يحكمه أيّ "يزيد"، وليس أدلّ على ذلك أكثر من المشاركات في اعتلاء المنابر العاشورائية لعلماء السنَّة ورجال الدين المسيحيين إضافة الى النُخَب العلمانية التي تستحضر فكر الحُسين نهج حياة نضالية في مقارعة الشر والظلم والتسلُّط.

وقد عبَّر الكاتب أنطوان بارا في كتابه «الحسين في الفكر المسيحي» عن الواقعية في الثورة الحسينية قائلاً: "الثورة التي فجرها الحسين في أعماق الصدور المؤمنة والضمائر الحرة، هي حكاية الحرية الموءودة بسكين الظُلم في كل زمان ومكان وجد بهما حاكمٌ ظالمٌ غشوم، لا يقيم وزناً لحرية إنسان، ولا يصون عهداً لقضية بشرية، وهي قضية الأحرار تحت أي لواء انضووا، وخلف أية عقيدة ساروا".

وإذا كانت المراسم العاشورائية تُخيف كل "يزيدٍ" في هذا العالم، فقد وصلت الأمور ببعض "يزيدييّ" السلطان في هذا الشرق أن حاولوا منع إحيائها، بذريعة الحفاظ على أمن المشاركين أو لأنها محرَّمة كما ورد في تصريح مفتي الوهابية السعودية هذا العام، علماً بأن هذه المراسم ليست إعلان حرب من أحدٍ على أحد، بل استحضار ذكرى الوعد والعهد أن تستمر ثورة المظلومين في هذا العالم طالما الظلم قائم في ذهنية أهل السلطان.

وإذا كانت الثورة الإسلامية في إيران قد أنتجت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي نموذجٌ عن الإمتداد الديني والتأطير الحديث للمجتمع المؤمن بنهج الحسين، عبر استلهام التاريخ ومواكبة متغيِّرات العصر من جهة، ومن جهة أخرى الإنفتاح على الآخر في الإنسانية والدعوة للإلتقاء على القيَم المشتركة التي تجمع الأديان على الحق ومحاربة الظلم والإستكبار، وهذا ما أقدم عليه آية الله العظمى الإمام الخميني لدى توليه زعامة المرجعية الدينية و السياسية، من خلال حرصه على خير أمَّته  والتقارب مع الآخر، ومخاطبته الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والبابا يوحنا بولس الثاني حرصاً من سماحته على انقاذ البشرية وانقاذ ثقافات كانت قد انحرفت عن النهج القويم.

كربلاء، الشعلة الأولى في شرعة حقوق الإنسان !وإذا كان آية الله سماحة الإمام الخميني، يُعَدُّ أول مفكرٍ بادر في القرون المتأخرة إلى التنظير للثورة الحسينية وتطبيق مفاهيمها على أرض الواقع ضمن دولةٍ حديثة، فلأنه حقَّق ملازمة القول والفعل والعلم والعمل، وكانت رؤيته لمفاهيم التحديث وراء نجاحات سماحته وانتصاراته المتلاحقة التي تكلَّلت بقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر استثمار الدين في التطور الإجتماعي المنشود، وإن ثبات الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مواقفها المبدئية الى جانب المستضعفين في هذا العالم كائناً ما كانت أديانهم ومذاهبهم، ونضالاتها ضد الإستكبار والظلم حتى "الكربلائية" في المواجهة، هو خير دليلٍ على أن الفكر الحُسيني غدا دستوراً ومرجعاً للعدالة الإجتماعية عبر العالم، والحروف الأولى في تشريع حقوق الإنسان من الأزمان الغابرة وحتى قيام الأمم المتحدة في وضع تشريعاتها، وأن لكربلاء الحسين رمزية المواجهة حتى الشهادة طالما هناك خرقٌ لهذه الشُرعة، وطالما هناك "يزيدٌ" يحمل سيف الظلم، كائناً ما كان دين هذا الـ "يزيد" ومذهبه وانتماؤه...