29-03-2024 03:13 AM بتوقيت القدس المحتلة

قطع الرؤوس في مملكة الظلم… قصة شهداء الإعدامات الثلاثة

قطع الرؤوس في مملكة الظلم… قصة شهداء الإعدامات الثلاثة

"السلام على رأس الورد المذبوح، السلام على الدم المراق على العروق الذابلة، السلام عليك يا مهجة الروح… مرات كثيرة وما بين النوم واليقظة كنت أرى رأسك مفصولاً عن جسدك الصغير

"السلام على رأس الورد المذبوح، السلام على الدم المراق على العروق الذابلة، السلام عليك يا مهجة الروح… مرات كثيرة وما بين النوم واليقظة كنت أرى رأسك مفصولاً عن جسدك الصغير، مخضباً بدمك البريء صارخة شرايينك متفجرة أوردتك، يخط ذلك الدم البريء: أنا مظلوم يا رب.
 
… وقبل ما يقارب ال 4 شهور رأيتُ تشييعك في أحلامي لم أرَ جنازة تُحمل، بل رأيت حشوداً كالأمواج المتلاطمة، رأيت صورتك بثغرك الباسم ورأيت لوحة بجانب تلك الصورة: حرية أو شهادة، رأيت نفسي وكأني أشاهد ذلك المشهد وأردد دائماً: كان يقول أريد أن استشهد ولكن لا تسألوني كيف."
 
بهذه الكلمات نعت والدة الشهيد علي الربح ولدها، بعد تلقيها نبأ إعدامه في مجزرة طالت الشهيد الشيخ نمر باقر النمر وشابين آخرين هما محمد الصويمل ومحمد الشيوخ.
 
صباح الثاني من كانون الثاني/ يناير2016  لم يكن كسابقيه بالنسبة لعوائل الشهداء. ثلاثة شبان أكبرهم لم يتجاوز 21 عاماً يوم اعتقاله، قُطعت رؤوسهم بدم بارد. من هم هؤلاء الشبان؟ وأي جُرم ارتكبوه ليستحقوا به قطع رؤوسهم؟
 
علي الربح.. "لم نتعرف على ملامحه"



هو من مواليد العام 1993، يتوسط أخاً أكبر منه وأختاً تصغره.  تميّز "بالحنان والطيبة والابتسامة الدائمة، كان متسامحاً وخدوماً"، هكذا تصف السيدة "زهراء حسن" ابنها الشهيد في حديثها مع موقع قناة المنار.
 
في 29 شباط/فبراير 2012 جرى اعتقال "علي الربح" ولم يكن يومها قد تجاوز سن الثامنة عشر، تذكر والدته كيف "تم اقتياده من على مقعده الدراسي بشكل مشين أمام زملائه ومدرسيه". جُرمه الوحيد كان المشاركة في تظاهرات خرجت في القطيف للمطالبة بإصلاحات. إلا أن التهمة التي وُجهت له من قبل الإدعاء كانت "حمل السلاح"، وهي تهمة أكد محاميه بطلانها، وفق ما نقلت "صحيفة خبير" السعودية. يقول المحامي: "نحن أثبتنا بطلان التهمة، وطالبنا الادعاء بتقديم أدلة إثبات. لم يتم تقديم أي إثبات عملي، ومع ذلك جرى إعدامه".
 
ويضيف: "الربح كان شاباً شديد التهذيب. هو شاب عفوي، قال إنه لم يحمل سلاحاً في حياته ولكنه أقر بمشاركته في التظاهرات، واقتنعتُ بكلامه 100٪".
 
"في أول زيارة إليه... لم نتعرف على ملامحه، كان هزيل الجسم، خسر ما يقارب نصف وزنه الذي كان ما قبل الاعتقال. جسده كان يرتعش بقوة، وآثار التعذيب والحروق واضحة على كل أجزاء جسده. وعلى أنفه كانت تظهر علامات لكسر لم يُعالج إلى يوم قتله"، تقول والدته.
 
وتصف الوالدة كيف كانت حالته في الزيارة الأخيرة، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي: "ٳستقبلنا بتلك الٳبتسامة المعهودة... كان متفائلاً جداً ومعنوياته عالية. كان يسألنا عن الجميع"، وردد بلهجته "لا تخافوا عليّ أنا ما سويت شي أخاف منه ولا خايف من حكمهم… والله مو خايف".. وضحك، تقول السيدة "الربح".
 
"شكا لنا من استمرار اعتقاله في زنزانة الانفرادي ومن سوء المعاملة. قال لا أملك غير هذه الملابس أغسُلها وألبسها...وعندما أمرض لا علاج ولا دواء".
 
عشرون يوماً مضوا على فاجعة الإعدام، لم يخففوا من وطأة الصدمة على عائلة فقدت ابنها ظلماً. تقول السيدة الربح: "صدمة قوية لم نستوعبها بعد..ما زلنا ننتظر كل ثلاثاء لنسمع صوته".
 
محمد الصويمل ورؤية الشهادة


قبل أحداث العوامية بستة أشهر التي جرى فيها استخدام سلاح من قبل مجهولين ضد قوات الأمن، تحديداً في 5 نيسان/ أبريل 2011م، اعتقلت القوات السعودية محمد الصويمل (مواليد 1991) بعد عملية "دهس متعمدة من قبل قوات الأمن" على خلفية مشاركته في التظاهرات السلمية، ليُتهم لاحقاً بإطلاق النار على دوريات الأمن.

في تصريح لموقع المنار تنقل والدة الشهيد الصويمل أنه "كان يبكي من الظلم والألم" في اول زيارة له ."آثار التعذيب بدت واضحة على جسده، والكسر في يده جراء دهسه لم يكن قد عولج أيضاً".

حدّث الصويمل عائلته عن ليلته الأولى بعد الاعتقال، وعن تعرضه للضرب على يد ملثمين، وعن التعذيب بالصعق الكهربائي الذي تعرض له.

ثلاث سنوات ونصف قضاها محمد الصويمل تحت وطأة التعذيب.. إلى أن أصدرت محكمة الاستنئناف  حكماً بإعدامه تعزيراً، بعدما قدمت العائلة طعناً بحكم إعدامه بحد الحرابة.
 
في حسابها على "تويتر" كتبت غدير، شقيقة الشهيد: "الزيارة الأولى بعد إصدار الحكم، زيارة مختلفة عن سابقيها… رأيتُ فيها دموع أخي قبل رؤيتي وجهه! يُتمتم بصوتٍ مكسور: لا تهمني نفسي، كل ما أفكر به هو أنتم!"... تعلق "غدير" بحسرة: "لا أحد يعلم حجم الإنكسار في صوتٍ يترقب الموت، بلا جُرم!".

تتحدث والدة الشهيد الصويمل عن مساعيها مع الجهات الرسمية في المملكة السعودية لحل قضية ابنها. قصدت الوالدة  الديون الملكي في الرياض ووزارة الداخلية، ثم توجهوا إلى قصر الملك لمقابلته ولكن الحرس منعوهم "بحجة أن الملك لا يقابل حريم!"

وفي أول تشرين الثاني/نوفمبر الماضي سُجلت الزيارة الأخيرة التي جمعت العائلة بابنها. قصّ الشهيد على ذويه أحد مناماته :"كنت أسمع صوتاً شجياً يردد الأبيات الحسينية: أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً، وقد مات عطشانا بشط فرات، إذا للطمت الخد فاطم عنده، وأجريت دمع العين في الوجنات"... "وبينما كنتُ في حالة من البكاء شديد، رأيت الإمام الحسين "ع" مقبلاً نحوي، كسر القيود التي تكبل يدي.. وقال لي: بَشِّرِ الصَّابِرِينَ".
 
تستذكر الوالدة الاتصال الأخير الذي تلقته من ابنها، قبل ثلاث أيام من تنفيذ الجريمة. "خمس دقائق استغرقت مدة الاتصال، نقل لنا محمد أن الضابط أخبره بأن اتصالاته بدءاً من الأسبوع القادم ستكون مدتها 10 دقائق"... وقبل أن ينتهي الأسبوع أُعدم محمد!

محمد الشيوخ.. الجُرم: علم البحرين



هو ابن بلدة العوامية، ومن مواليد 1993، من أب قطيفي وأم بحرينية، وقضى سنوات طفولته في بلدة الدراز غرب العاصمة البحرينية، وكان يزورها في إجازاته الصيفية.
 
اعتقل محمد الشيوخ في شباط/فبراير 2012، أثناء مروره على احدى نقاط التفتيش، بعد خروجه من النادي الرياضي في بلدة العوامية، ضبطت القوات السعودية علم البحرين في سيارة الشيوخ، فاقتادته معتقلاً إلى سجون النظام.
علاقته بوالدته السيدة "نعيمة المتروك" كانت أشبه بالعلاقة الأخوية، كان كثير المُزاح معها، قريباً منهاً". تندبه اليوم بصوتها المبحوح وباللهجة البحرانية: "يا حسرتي عليه وعلى شبابه".
 
الأم التي فقدت النظر في إحدى عينيها بعد ارتفاع السكر منذ اعتقاله، بدت مرهقة في مجلس عزاء ابنها، تحدثت عن معاناة ولدها في السجن الانفرادي لأكثر من ثمانية أشهر، "عذبوه بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء دون أية رحمة"، تقولها الوالدة بحسرة.
 
"بقي في السجن ثلاثة أعوام و أحد عشر شهرا، ولم تتضح تفاصيل اتهامه وإدانته، وحتى إصدار حكم الإعدام كان مبهماً، إذ لم يتم إخبارنا بتفاصيل القضايا التي حُكم من أجلها ومن غير إشعارنا بأوقات جلسات المحاكمات أو حضورها".
 
في الزيارة الأولى إليه، بدا "الشيوخ" منزعجاً بعض الشيء، "إلا أنه سرعان ماعاد إلى طبيعته المرحة والمزح"، وفي الزيارة الأخيرة بشهر تشرين الثاني/نوفمبر لم يُخبر الشهيد عائلته عن التعذيب الذي تعرض له، "لكنني رأيت على جسده أثار الضرب والتعذيب". تصمت الأم قليلاً وتتمتم: "نفتخر بأن نكون أمهات شهداء، ولكن حرقوا قلوبنا على الشباب، عرسان بعمر الزهور".
 
"في اتصاله الآخير الذي صادف ذكرى ميلاده، سألني أماه هل تعرفي تاريخ اليوم؟ أجبته نعم يا عمري هو ذكرى ميلادك الـ 22 كل عام وأنت بخير ياحبيب قلبي. بعد هذه المكالمة بأسبوع، تلقيت الخبر المفجع… ليقضي على كل ما تأملته لناحية تغيير حكم الإعدام.. لقد خسرت ابني"!

المصادر المطلعة على ملف الشهيد الشيوخ القضائي تنقل للمنار أنه تم انتزاع اقرارات للشهيد تحت وطأة التعذيب عن استخدامه للسلاح، تماماً كما حصل مع الشهيدين السابقين. أثبت محامي الشهيدين "بطلان التهم، وطالب الإدعاء بتقديم أدلة عملية، وكان واثقاً بأن الحكم سيصدر ببراءة الشباب إن لم يصدر حكماً مخففاً، إلا أن حكم الإعدام أتى صادماً للجميع!"
 
تلخص قصة الشهداء الثلاث، الذين استشهدوا مع الشيخ نمر باقر النمر كل معاناة أهالي المناطق الخاضعة لحكم آل سعود… لم يكتف النظام في مملكة السيف بقطع رؤوس شبان أبرياء، بل منع أهلهم من دفنهم او حتى توديع جثثهم، لتصدق بذلك رؤية والدة الشهيد الربح!
 
هكذا يُدار الحكم في مملكة آل سعود: بالسيف القاطع لأي صوت يطرق قصوراً بُنيت بالدم، وفق ما توثق الكتب المؤرخة للوهابية (تاريخ ابن غنام- تاريخ ابن بشر..)