29-04-2024 10:07 PM بتوقيت القدس المحتلة

عزالدين القسام: صاحب حركة رائدة في ميدان الجهاد المعاصر بفلسطين

عزالدين القسام: صاحب حركة رائدة في ميدان الجهاد المعاصر بفلسطين

بعد مرور 75 عاما على استشهاده، ما زال يقف قامة شامخة في تاريخ الأمة الإسلامية، كان من أوائل العلماء الذين كشفوا، حقيقة ما يجري في فلسطين خلال الاحتلال البريطاني، بعد الحرب العالمية الثانية، وقف وصرخ ب

بعد مرور 75 عاما على استشهاده، ما زال يقف قامة شامخة في تاريخ الأمة الإسلامية، كان من أوائل العلماء الذين كشفوا، حقيقة ما يجري في فلسطين خلال الاحتلال البريطاني، بعد الحرب العالمية الثانية، وقف وصرخ بأعلى الصوت يجب مجابهة المشروع الاستعماري وحماية فلسطين من تسليمها لليهود. الشيخ عز الدين القسام، ذكراه ما تزال حية في قلوب المقاومين إلى اليوم، وما زال نبراسا تمجد حكايته مع كل انتصار لحركة المقاومة في لبنان وفلسطين.


وأول تحرك ميداني قام به الشيخ القسام لماّ دخلت القوات الإيطالية طرابلس الغرب (ليبيا) العام 1911،قاد مظاهرة طافت شوارع جبلة تأييداً للمسلمين هناك، ودعا الناس إلى التطوع لقتال الطليان، وجَمع التبرعات للأسر المنكوبة، إلا أن السلطات التركية منعته ورفاقه المتطوعين من السفر إلى ليبيا،فعاد وابعد أربعين يوماً من الانتظار، وبنوا مدرسةبمال المتبرعين لتعليم الأمّيين. وعندما دخلت القوات الفرنسية سورية في العام 1920،رفع القسام راية المقاومة ضد المستعمرين الفرنسيين في الساحل الشمالي لسورية،وكان في طليعة المجاهدين الذين حملوا السلاح في الثورة (1919ـ 1920) . فقد ترك قريته على الساحل، وباع بيته وهو كل مايملك واشترى أربعاً وعشرين بندقية،وانتقل بأسرته إلى قرية جبلية ذات موقع حصين. حاول الفرنسيون إقناع الشيخ القسام بترك الثورة والرجوع إلى بيته وإغرائه بالمناصب، إلاّ أنه رفض عرضهم، ونتيجة لإصراره على خط الجهاد حكم عليه الديوان العرفي الفرنسي في اللاذقية وعلى مجموعة من أتباعه بالإعدام، وطارده الفرنسيون فقصد دمشق ومنها إلى فلسطين.

في فلسطين : مدرّس وقدوة في حمل السلاح


عاش القسام ورفاقه في حيفا،وكان يقيم الدروس في المسجد، وقد جعل منها وسيلة لإعداد المجاهدين وصقل نفوسهم وتهيئتها للقتال، معتمداً اختيار الكيفية دون الكمية. في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال : (من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا)، فؤخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما. كان يقول للناس في خطبه : هل أنتم مؤمنون؟ ويجيب نفسه لا، ثم يقول للناس إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحد منكم بلا سلاح وجهاد. كان يركّز على أن الإسراف في زخرفة المساجد حرام، وأن علينا أن نشتري سلاحا بدل أن نشتري الثريات الفاخرة. كان يصل إلى جميع الناس من خلال عمله كمأذون شرعي وكخطيب. وكان يختلف كثيرا مع الشيوخ لأنهم كانوا لا يهتمون سوى بأمور العبادة من صلاة وصوم بينما كان اليهود يخططون ويشترون الأراضي. فكان يرى أن لا فصل بين الدين والسياسة، وأمور السياسة كانت واضحة بعد أن نال اليهود وعد بلفور. كما كان في شجار مع المستعجلين من أبناء تنظيمه الذين يريدون الثورة في حين كان القسام يعدّ ويتريّث ليضرب في الوقت المناسب فلبث سنين وهو يعدّ للثورة.

عمل على تأسيس جمعية الشبان المسلمين عندما استفحل الخطر البريطاني في فلسطين وانتشرت الجمعيات التبشيرية التي تدعو إلى تنصير المسلمين، وقام القسام من خلال نشاطه في الجمعية بتربية جيل من الشباب المسلم، الذين أنقذهم من دائرة الانحراف والضياع بسبب قسوة الظروف الاقتصادية والسياسية،وأدخله في دائرة العمل الجاد لصالح الوطن... كما أنه وثق اتصالاته بقيادات المدن الفلسطينية الأخرى، وكسب عدداً من شباب المناطق المختلفة للانضمام إلى تنظيم الجهاد. وقد واظب القسام خلال وجوده في الجمعية على إعطاء محاضرة دينية مساء كل يوم جمعة، وكان يذهب كل أسبوع بمجموعة من الأعضاء إلى القرى، ينصح ويرشد ويعود إلى مقره. وقد تمكن من إنشاء عدة فروع للجمعية في أكثر قرى اللواء الشمالي من فلسطين، وكانت الفرصة للّقاء بالقرويين وإعدادهم للدفاع عن أراضيهم. عمل القسام مأذوناً شرعياً لدى محكمة حيفا الشرعية سنة 1930، وقد كانت هذه الوظيفة للقسام وسيلة من الوسائل التي اتصل عن طريقها بمختلف فئات المواطنين من شباب وشيوخ، وعمال وفلاحين، وطلاب وموظفين، وتجار وحرفيين، وتحدث إليهم وأقام معهم علاقات قويةكان لها أثر كبير في اتساع دائرة حركته الجهادية.

القسام الرائد الأول في إعداد المجاهدين :


يعد القسام صاحب دعوة مستقلة وأسلوب متميز وحركة جهادية رائدة سبق جميع الاتجاهات في ميدان الجهاد المعاصر في فلسطين. ويتلخص هذاالأسلوب في تربية جيل من المجاهدين، فكان يعقد اجتماعات سرية في بيته وفي بيوت بعض أصدقائه، يحضرها عدد من الأشخاص المغمورين (غير البارزين أو المعروفين في ميدان الحركة الوطنية)، وكان يختارهم من الذين يحضرون دروسه ومواعظه، ويقوم بتهيئتهم وإعدادهم للجهاد، ويكوّن منهم خلايا جهادية، تقتصر عضويتها على نفر من المؤمنين الصادقين الذين لديهم الاستعداد الكامل للتضحية والفداء. وعندما تم إنشاء القوة المجاهدة بشكل متكامل، كانت مقسمة إلى وحدات مختلفة المهام، حيث لكل وحدة دور خاص بها تتولاه،وهذه الوحدات هي:
الأولى: وحدة خاصة بشراء السلاح.
الثانية: وحدة خاصة للاستخبارات ومراقبة تحركات العدو البريطاني واليهودي.
الثالثة: وحدة خاصة بالتدريب العسكري.
الرابعة: وحدة خاصة للدعاية في المساجد والمجتمعات، وأبرز أعمالها الدعوة إلى الجهاد.
الخامسة: وحدة العمل الجماهيري والاتصالات السياسية.
السادسة: وحدة جمع المال من الأعضاء والأنصار، ورعايةأسر المعتقلين والشهداء.


ولماّ قطعت الحركة شوطاً من الإعداد تم فيه تهيئة المقاتلين للجهاد، ابتدأ رجال القسام بتنفيذ عمليات فدائية ضد المستوطنات اليهودية عن طريق إعداد كمائن والهجوم على أفراد محددين ومستوطنات معينة، بهدف دفع اليهود في الخارج إلى وقف الهجرة إلى فلسطين. ولم تكن أعمال القسام مهاجمة المستعمرات فحسب وإنما قاموا بمجموعة أعمال أخرى ذكرها الأستاذ أميل الغوري في كتابه (فلسطين عبر ستين عاماً) فقال: أماّ الأعمال التي قام بها القسام كانت من أروع ما قام بها المجاهد في فلسطين، وعلى الرغم من كثرتها وتعدد أشكالها ومظاهرها، فإنها ظلت محاطة بالسرية والكتمان إلى مدى كان معه أكثر الناس يجهلون مصدر هذه الأعمال، بل كانوا لا يعرفون إطلاقاً بوجود حركة القساميين، وكان من هذه الأعمال: ملاحقة وتأديب الذين يخرجون عن الشعب ومصالحه، مثل التعاون مع الحكومة ضد الحركة الوطنية، والتجسس لحساب المخابرات البريطانية، أو بيع الأراضي لليهود أو السمسرة عليها للأعداء. وكان من أعمال القساميين العديدة الواسعة النطاق، التصدي لدوريات الجيش والشرطة، وقطع طرق المواصلات والإغارة على ثكنات الجيش ومراكز الشرطة، ومهاجمة حرس المستعمرات اليهودية، وزرع الألغام والمتفجرات فيها).


وفي الوقت الذي اعتبرت فيه أعمال القسام بمثابة الروح التي سرت في أوصال الأمة، فحركت الهمم وشدت العزائم، وحفزت الناس إلى العمل، كانت الحكومة البريطانية تعلن عن مكافآت ضخمة لمن يدلي بأية معلومات عن منفذي هذه الأعمال، لأنها فعلاً ألقت الرعب في قلوب اليهود الذين رأوا ولأول مرة عملاً جديداً من حديد ونار، وهذه لم يتعود عليها اليهود في فلسطين... وازدادت الحكومة البريطانية واليهود ذعراً وبثوا الأرصاد، ونشروا الجواسيس في الليل والنهار، وصار الاعتقال لمجرد الشبهة.
لذا أصبحت تحركات جماعة القسام تلاقي صعوبة شديدة، إذ استطاعت الشرطة الإنجليزية الحصول على معلومات بشأن عدد أفراد الجماعة وأسمائهم وأسلحتهم، نتيجة التحقيقات المكثفة التي قامت بها، وكذلك استطاعت الحصول على معلومات تساعدهم أكثر وأكثر على تحديد مكانهم.


معركة مصيرية الشرارة لإطلاق العمل العسكري :


وأخيراً وفي أحراش يعبد في منطقة جنين يوم 20 تشرين الثاني عام 1935،حددت الشرطة البريطانية مكانهم وهاجمتهم بقوات عسكرية كبيرة ودارت معركة رهيبة بين المجاهدين والشرطة، صمد فيها رجال القسام، وقاتل شيخهم قتال الأبطال، وظل يكافح حتى خر صريعاً في ميدان الجهاد شهيداً كريماً في سبيل إعلاء كلمة الله فوق أرض فلسطين، واستشهد معه بعض إخوانه المجاهدين، وجرح آخرون وتم أسرهم.
نقل الشهداء إلى حيفا، وتمت الصلاة عليهم في جامع الاستقلال، وشيعت جثامينهم الطاهرة بتظاهرة وطنية كبرى نادت بسقوط الإنجليز ورفض الوطن القومي اليهودي. كان لاستشهاد القسام أعمق الأثر في شباب فلسطين في الثلاثينات والأربعينات، كما أصبح القسام رمزاً للتضحية والفداء، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه بحق شيخ ثوّار فلسطين.