وصلت المفاوضات الجارية لشراء بيت التمويل العربي إلى حائط مسدود، وفق ما يؤكده مصرفيون على صلة وثيقة بطرفي الصفقة. السبب يعود إلى الشروط القاسية التي فرضها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الطرفين،
وصلت المفاوضات الجارية لشراء «بيت التمويل العربي» إلى حائط مسدود، وفق ما يؤكده مصرفيون على صلة وثيقة بطرفي الصفقة. السبب يعود إلى الشروط القاسية التي فرضها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الطرفين، فيما لم يتمكّن الطرف القطري الذي يملك حصّة أساسية في «بيت التمويل العربي» من تلبيتها، ما ترك انطباعاً بأن الصفقة صعبة التطبيق في ظل هذه الشروط، رغم أن بعضهم راهن على إمكان تغيّرها في ظروف مختلفة بعد أشهر.
يروي المطّلعون على تفاصيل ورقة التفاهم المبدئية التي وقّعها مالكو «بيت التمويل العربي» مع مجموعة من الأفراد اللبنانيين، أن صفقة بيع «بيت التمويل العربي» باتت مهزوزة بعد سلسلة اجتماعات عقدت بين طرفيها ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون أن تتوصل إلى نتيجة إيجابية. فقد حدّد سلامة شروطه للموافقة على الصفقة وإدراج الموافقة على انتقال الأسهم على جدول أعمال المجلس المركزي لمصرف لبنان، على النحو الآتي:
ـــ الإبقاء على حصّة قطرية مقبولة في «بيت التمويل العربي» تتراوح بين 20% و30% من الأسهم، لكونهم ضالعين في عمل الصيرفة الإسلامية، ولكون المجموعة التي تعرض شراء المصرف ليس لديها خبرات مصرفية.
ـــ زيادة رأس المال إلى 100 مليون دولار بعد إنجاز البيع، لأن الزيادة كانت مفروضة على المصرف سابقاً، إلا أنه أجّل التنفيذ بقرار من سلامة لمدّة 3 سنوات.
ـــ يجب أن تكون الإدارة العامة ذات خبرة ودراية بالعمل المصرفي الإسلامي، وألا يكون لها أي طابع أو هوية تستمدّها من مجلس الإدارة أو المجموعة الشارية.
هذه الشروط الثلاثة كانت قابلة للتحقيق جزئياً، فوقّع الطرفان اتفاقاً مبدئياً قبل فترة بعيدة، وكلفوا شركة «ارنست أند يونغ» بإعداد التقويم اللازم لإنجاز الصفقة، فأعدّت الشركة تقريراً يشير إلى الأوضاع المالية لهذا المصرف وتوزّع الملكية فيه، وخصّصت فقرة للخسائر المسجلة عليه خلال الفترة الماضية.
لكن هذه الشروط كانت تنطوي على قطب مخفية تكشفت خلال جلسات المفاوضات بين الأطراف المعنيين وخلال لقاءاتهم بسلامة، وآخرها في 24 تشرين الثاني. فالمجموعة التي عرضت الشراء كانت تتألف على نحو أساسي، في البدء، من 3 رجال أعمال معروفين هم: وسام عاشور، باسل بري، مرتضى قبلان. لكن سلامة اشترط عليهم أن يكون بينهم من لديه خبرة مصرفية، فعُرض على قاسم حجيج الدخول في شراكة شخصية له في المصرف المنوي شراؤه. لم يوافق سلامة على حجيج كمصرفي، رغم أن الأخير يملك مع أخيه حصّة الغالبية في بنك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فجاءت فكرة إبقاء حصّة للمالك القطري من أجل تغطية النقص في الخبرة المصرفية لدى العارضين.
لكن ما تبيّن لاحقاً هو أن سلامة يرفض خروج أي مساهم خليجي من المصارف اللبنانية في ظل الأوضاع الحالية، لكونه ذا تأثير سلبي على السوق. في هذا الوقت، وافق القطريون على الإبقاء على حصّة لهم في الأسهم توازي 10%، إلا أن سلامة كان يرى ضرورة في إبقاء حصّة تتراوح بين 20% و30%، علماً بأن هذا الأمر لم يمثّل مشكلة للعارضين، بل للقطريين أنفسهم لاعتبارات لم يفصحوا عنها، لكنها متصلة برغبتهم في الخروج من السوق اللبنانية. وبالتالي فإن ملكيتهم في هذا المصرف لن تتغير تغيراً جذرياً في حال تملكهم 20% من الأسهم، بل يكون المستثمر الكويتي قد خرج وحده.
ومن المعروف أن ملكية بيت التمويل العربي تتوزّع حالياً على النحو الآتي: 30% يملكها مساهمون كويتيون منهم شركة «أصول» وشركة «كفيك»، ونحو 70% يملكها قطريون منهم مصرف قطر الإسلامي الذي يحمل 32% من الأسهم والباقي يملكها بطريقة غير مباشرة عبر صندوق استثماري له حق إدارته، رغم أن عدد المكتتبين فيه يبلغ 80 مستثمراً بينهم المدير العام السابق للمصرف فؤاد مطرجي والمدير العام الحالي نبيل عثمان.
وفي جلسات المفاوضات التي قادها عاشور وحجيج من جهة الشاري، وصلاح الجيدة القطري وبدر المشاري الكويتي من جهة البائع، كانت هناك عناصر إضافية تطرق إليها الطرفان؛ فالقطريون واللبنانيون كانوا يريدون تأجيل زيادة رأس المال في حال موافقة القطريين على إبقاء حصّة لهم في المصرف. وبحسب تقرير «ارنست أند يونغ»، كان المصرف يعاني من تدنّي قيمة استثمارات المصرف في صناديق استثمارية كان قد اكتتب فيها سابقاً، وقد وصلت نسبة التدنّي في بعضها إلى 50% من رأس المال. هذا الأمر رتّب خسائر على المصرف خلال الفترة الماضية تقدّر بنحو 17 مليون دولار.
لا أحد يعلم السيناريو الفعلي لحصول هذه الخسائر، لكن الرواية الأكثر ترجيح
اً تقول إن الإدارة العامة للمصرف لم تكن لديها الصلاحية للموافقة على أيّ استثمار تزيد قيمته على مليون دولار، بل كان مفروضاً عليها العودة إلى رئاسة مجلس الإدارة في قطر... وهذا ما حصل بالنسبة إلى الاستثمارات في الصناديق التي أطلقها مصرف قطر الإسلامي، فقد «أُجبر» بيت التمويل العربي على الاكتتاب فيها، وحين انفجرت الأزمة المالية العالمية اضطر مصرف قطر الإسلامي إلى تصفية بعضها وبيع حصصه في بعضها الآخر لمصرف قطر المركزي من دون أن يشمل حصص بيت التمويل العربي في عملية البيع.
على أي حال، هذا الوضع بما خفي منه، كانت له تداعيات على بيت التمويل العربي. فقد استقال صلاح الجيدة من مركز الرئيس التنفيذي لمصرف قطر الإسلامي ومن عضوية مجلس إدارة بيت التمويل العربي، ثم استقال المدير الفرنسي الأصل من مصرف قطر الإسلامي جان مارك ريغال، واستقال فؤاد مطرجي من مركز المدير العام لبيت التمويل العربي. فور حصول الاستقالة، سرت شائعات أن القطريين يبحثون بيع بيت التمويل العربي والإبقاء في لبنان على مكتب تمثيلي مباشر لمصرف قطر الإسلامي، أو تصفية الفروع كلها باستثناء الفرع الرئيسي في كورنيش المزرعة.