25-04-2024 07:19 AM بتوقيت القدس المحتلة

هل أصبحت دراما المحاكم اللبنانية مسرحية هزلية؟

هل أصبحت دراما المحاكم اللبنانية مسرحية هزلية؟

يزداد التوتر في لبنان وفي لاهاي إذ إن لوائح الاتهامات قد تنشر خلال الأسبوع القادم، وبناء على مصادر إعلامية، فقد دعم الفريق المؤيد للولايات المتحدة الأميركية توقيت ومضمون زيارة عضوَي مجلس الشيوخ الأمير

كتب د. فرانكلين لامب
ترجمة: زينب عبد الله

زحلة، لبنان
 لقد مرّ عليّ بالأمس يوم حافل في سهل البقاع. فمجددا، ولسبب أو لآخر، يبدو أنني كلما ذهبت إلى البقاع سأنتهي بيوم حافل.

كان ذلك خلال رحلة سريعة إلى منطقة زحلة حيث ذهبت لحضور جلسة محاكمة صديق لي في المحكمة الجنائية. وكلّ ما كان مطلوبا مني هو المثول أمام المحكمة كشاهد دفاع لشخص من أكبر عشيرة في سهل البقاع. والمدعى عليه في هذه القضية يمتهن الصحافة أحيانا، غير أنه قدّم الكثير من الخدمات لأميركيين وزارهم خلال السنوات القليلة الماضية بناء على طلبي.

وفي الحقيقة لم أكن أود يوم أمس أن أمضي الوقت في الحافلة المتجهة إلى سهل البقاع لأنني، كما حال الكثيرين في هذا البلد، منغمس في أشغالي. إلا أنني مدين لصاحبي هذا، وعلى أية حال فقد أقنعني محاميه بأن الجلسة ستكون مختصرة لأن كلّ شيء "تم ترتيبه" مسبقا، وقد أقنعني المحامي بذلك كما يقنعني كل لبناني ببراعة بأنه يقول الحقيقة. يا لهؤلاء الناس كم هم مقنعون! وقد عنى بذلك، أي الترتيب المسبق، شاهد الحكم الرئيسي وهو الشاهد الوحيد في قضية شراء المخدرات هذه. وقد أقام هذا الشاهد دعواه مدعيا أنه منذ خمس سنوات اشترى بعض البراعم الحمراء من صديقي السيد "أكس"، والبراعم الحمراء هي صنف جيد من الحشيش البقاعي كما يدعي سكان تلك المنطقة. 

وقد استغرقت هذه القضية قرابة خمس سنوات إلى أن وصلت إلى قاعة المحكمة. وينتمي الشاهد إلى ثاني أكبر العشائر البقاعية التي تتنازع في بعض الأحيان مع أفراد عشيرة السيد "أكس". وقد أدرك الشاهد مؤخرا أن تاجر المخدرات اسمه السيد "أكس" أي أنه في الحقيقة يحمل نفس اسم صديقي إلا أن الشخصين يختلفان تماما عن بعضهما البعض. فصديقي طويل القامة وضخم وفاتح البشرة، أما أوصاف التاجر بحسب ما قاله الشاهد فهو قصير ونحيل وداكن البشرة. ولذلك لم يصدر أي حكم في تلك القضية ولم يكن هناك "أي مشكلة". وقد بتّ أدرك أنه إذا ما قال أحد في لبنان "ما من مشكلة" فيجب أن نعلم أن هناك "مشكلة كبيرة" ستحصل.

كلّ ما كان يتوجب عليّ فعله هو أن أقول أمام المحكمة إن السيد "أكس" قد ساعد الكثير من الأميركيين خلال زياراتهم إلى "سهل البقاع الجميل" وقد "عزز العلاقات بين الأميركيين واللبنانيين"، وإنه إذا أطلق سراحه فسوف يستكمل "أعماله الحسنة لصالح الدولتين" وهذا صحيح بالفعل.

ولدى وصولي إلى دار القضاء في زحلة كنت مسرورا لأنني أقدم المساعدة لأحد الأصدقاء. وصلت إلى الطابق الثاني من الصرح الجميل ذي الطراز الفرنسي والذي يصل ارتفاع سقفه إلى عشرين قدم، فتوجهت إلى اليمين حيث قاعة المحكمة، دخلتها وجلست على المقعد الخلفي.

وبما أن النظام القضائي اللبناني يرتكز على النظام الفرنسي، فلم يكن هناك هيئة محلفين وإنما قاض منفرد وكاتب المحكمة والنائب العام، وكانوا جميعهم يرتدون أثوابا جميلة وطويلة، وكانت الأثواب سوداء ومنمقة باللون الأبيض عند العنق وبقطع صغيرة من القماش الأحمر في أسفلها.

وقد فوجئت عندما قام محامي السيد "أكس" وهمس في أذن القاضي الذي استدعاني على الفور للمثول أمامه. واتضح لي أن محامي صديقي قد بالغ قليلا في التعريف بي وبالمهمة التي جئت من أجلها، فقد فقال للقاضي إن محاميا أميركيا مشهورا قد وصل لمساعدته بقضية السيد "أكس". ولزمت الصمت حيال ذلك المشهد، فقد تكرم القاضي ومنحني ثوب المحامين لأرتديه، ولمّا بدأت المحاكمة شعرت بأنني مخادع كبير. جلست على مقعد محامي الدفاع وكنت أستشيظ غضبا من السيد "أكس" ومحاميه اللذان وضعاني في موقف لا أحسد عليه أبدا.

وسرعان ما تجاوزت غضبي وأصابني حال من الذهول ففقدت الإحساس بما جرى حولي خصوصا أنني لم أصدق ما حدث لاحقا. فقد تجهمت بوجه صديقي السيد "أكس" الذي كان في قفص الاتهام، غير أنه ابتسم بكل سرور كما فعل أفراد عائلته كلهم.

وعندما نودي للقضية، لم ينبس النائب العام ببنت شفة، أما القاضي الذي يشبه تماما "آركي بنكر" بتعابير وجهه وإيماءاته فسأل الشاهد الرئيسي عن اسمه. وبحسب مترجمي، فقد أقسم الشاهد بالقرآن الكريم وبأمه وأولاده على أن النائب العام قد أحضر السيد "أكس" المزيف، وإنه لم يشتر قط مخدرات من صديقي، بل إنه لم يره في حياته أبدا.

وبما أن أهل البقاع جميعهم يعرفون بعضهم بعضا، أو أن ذلك يبدو لمن يأتي من خارج المنطقة، فقد جن جنون القاضي الذي احمر وجهه وأخذ يصرخ بغضب شديد وهو ينعت الشاهد بالكاذب ويهدده بالسجن. وإذ رأى النائب العام ذلك صرخ هو الآخر إلى محامي الدفاع بأن "اخرس" وأقسم بأن يسجنه أيضا.

حينها انتفض الشاهد على الفور ليتشاجر مع النائب العام وقد قام بعض من أفراد عشيرته الموجودون في المحكمة لمساعدته. عندها تقدم نحو عشرين رجل أمن يلبسون الزي الموحد لتهدئة الجميع بما فيهم القاضي والنائب العام والمحامين.

كان القاضي والنائب العام غاضبين فرفضا دليل القسم واتفقا على تمديد القضية مدة ثلاثة أشهر. أما رجال أمن المحكمة فقاموا بتقييد "شاهد الزور" وسحبه إلى القفص نفسه حيث يوجد المدعى عليه على أن يبقى هناك إلى أن يستعيد ذاكرته.

أما محامي صديقي، الذي كان جالسا بقربي، فقد اعترض معتبرا أن القاضي قد ضغط على الشاهد. وما إن سمع القاضي اعتراض المحامي حتى قال له "اخرس" وأمره بالخروج من قاعة المحكمة وفصله من متابعة تلك الدعوى.

وإذ خرجت مسرعا من قاعة المحكمة، رأيت في الرواق ما يشبه مستشفى المجانين. فكان الأقارب والأصدقاء والمحامون الآخرون ورجال أمن المحكمة متفقين على أن القاضي قد تجاوز صلاحياته ولذلك كان هناك حاجة إلى محكمة استئنافية عاجلة (وهي اجتماع كبير لمجلس القضاء اللبناني كما يفعل غيره من الدول). أما عائلة السيد "أكس" فقد تشاورت مع ممثلي العشائر واتفقت على أن الحل السياسي هو أفضل الطرق للانتهاء من هذه القضية. ويمكن أن تلتقي قبيلة السيد "أكس" بفريق القاضي فتحاول بذلك الوصول إلى نهاية لهذه القضية عبر الحوار. ويقضي القانون المشؤوم الصادر عن الأنظمة القضائية بأن يخرج السيد "أكس" فورا وأن يكون "شاهد الزور" طليقاً، أما في الواقع فهما لا يزالان في الحجز.


التوتر يزداد في لبنان وفي لاهاي
وإذ ركبت الحافلة السريعة عائدا إلى بيروت جلست أستذكر ما شهدته، ولم أستطع حينها أن لا أفكر بالمحكمة الخاصة بلبنان وما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين من مناورات تهدف إلى استغلال المحكمة الخاصة بلبنان لأغراض سياسية بدلا من تحقيق العدالة.

فتحت الضغط الأميركي، يستعرض رئيس الحكومة السابق ورئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي سعد الحريري، يستعرض بحزم حلولا جديدة كان يتمنى مؤيدوه السنّة أن يستعرضها عندما كان رئيس حكومة. والآن، لقد سحبت صلاحياته، وفريق 14 آذار المؤيد للولايات المتحدة فيقاطع الحكومة الجديدة ويشير إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان ستستغل سياسيا لتكون فوق الآخرين كلهم.

ويهاجم الحريري سلاح حزب الله في أغلب الأحيان فيقول إن سلاح هذا الفريق بات يشكل مشكلة وطنية، فهو يبث السم في الحياة السياسية والحياة الثقافية في لبنان وأن ذلك يتطلب "حلا وطنيا". وقد اتهم الحريري حزب الله أيضا باستعمال سلاحه في الداخل اللبناني خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان هدف الحزب من ذلك هو تسيير النزاعات السياسية لصالحه.

وقد رأى الحريري أن تكون الذكرى السنوية لتأسيس "ثورة الأرز" في 14 آذار استفتاء شعبيا حول سلاح المقاومة بالرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنه تمت تسوية هذه المسألة في البيان الوزاري الذي صدر عام 2009 والذي اعترف بسلاح المقاومة عندما صاغ "معادلته الذهبية" التي تضمنت: الجيش والمقاومة والشعب.

ويظهر أن مزاعم استكمال الحوار خلال السنوات القليلة الماضية تم دحضها وبتنا الآن مرة أخرى أمام صراع كامل بين أقلية 14 آذار التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وبين الأكثرية الجديدة وهي تحالف 8 آذار.

ويزداد التوتر في لبنان وفي لاهاي إذ إن لوائح الاتهامات قد تنشر خلال الأسبوع القادم. وبناء على مصادر إعلامية، فقد دعم الفريق المؤيد للولايات المتحدة الأميركية توقيت ومضمون زيارة عضوَي مجلس الشيوخ الأميركي "جون مكاين وجوزيف ليبرمان"، ويعتبر الفريق نفسه أن المشروع الأميركي- الإسرائيلي الأخير ضد المقاومة يثير مجددا مسألة سلاح حزب الله.

والمخطط الآن هو إما أن ينضم الفريق الأميركي إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بناء على معادلة الثلث زائداً واحداً، وإما أن يكثف هذا الفريق هجماته على حزب الله من خلال انتقاد أيديولوجيته والزعم بأنه ليس لبنانيا بل أداة خارجية.

وقد بدأت حملة 14 آذار لاستهداف الرأي العام العالمي بهدف التأثير على قراره في بعض المناطق والمؤسسات الدولية ومنها المحكمة الخاصة بلبنان. فسوف يعتصم فريق 14 آذار في ساحة الشهداء يوميا للضغط على الحكومة الجديدة، ويقال إنهم يخططون لنقل شباب إلى منطقة الاعتصام لنصب الخيم والمكوث فيها، وهو الفعل نفسه الذي انتقدوا حزب الله على فعله بعيد حرب 2006.

ويدفع الفريق المؤيد للولايات المتحدة الأميركية بالإعلام العربي والعالمي للتركيز على "خطورة سلاح حزب الله وتهديده للأمن والاستقرار الدوليين" إضافة إلى التحذيرات التي أطلقتها واشنطن عبر مجلس الأمن والتي تعتبر فيها أنه سيكون هناك تداعيات جدية إذا ما "فشل لبنان في التعاون مع المحكمة الخاصة به". وكان الهدف من ذلك هو الاستيلاء على أي موقف يصدر عن حكومة نجيب ميقاتي خلال إعلانها عن عدم تعاونها مع المحكمة الخاصة بلبنان.

أما بخصوص مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانييل بلمار، فيقول البعض إنه واستكمالا لمشروع أميركي- إسرائيلي، وبعد تسليمه المجموعة الأولى من لوائح الاتهامات، لا زال يطلب من لبنان دلائل إضافية ضخمة لمرحلة "ما بعد التحقيق".

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطاً قوياً في هذا السياق، واستنادا إلى مصادر إعلامية فإن كمّا هائلا من معلومات الاتصالات الهاتفية والاتصالات بالفاكس التي جرت عام 2004 تطلب من الدولة اللبنانية دون سابق إنذار، أضف إلى ذلك طلب بيلمار لبصمات 4 ملايين شخص في لبنان، أي بصمات اللبنانيين جميعهم.

ويطرح حاليا عدد من الاستفسارات القانونية عما إذا كان البرلمان اللبناني سيوافق في جلسته المقبلة على هذه الطلبات، وعما إذا كان وزراء حكومة تصريف الأعمال (وزير الداخلية: زياد بارود، ووزير الاتصالات: شربل نحاس، ووزير الأشغال العامة غازي العريضي، ووزير الطاقة جبران باسيل) قد رفضوا بالفعل تقديم المعلومات التي طلبها مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان.


يجب تجميد مذكرة التفاهم مع المحكمة الخاصة بلبنان
وفي الإطار نفسه عقد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، مؤتمرا صحافيا في الرابع من آذار 2011 أكد فيه أن لبنان قد انتهى من تعاونه مع المحكمة الخاصة به. وقال رعد: "يجب تجميد العمل بمذكرات التفاهم بين كافة أجهزة المحكمة ولبنان، وذلك الى حين تشكيل حكومة جديدة تتولى مسؤولية البت بكل هذه الصيغ واتخاذ القرار الوطني المناسب بشأنها. ويعد طلب مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانييل بلمار بخصوص تلك المعلومات، أكبر عملية وصاية وقرصنة شهدها لبنان الحديث، والتي يتم فيها تجاوز كل معايير العدالة والحريات العامة وحقوق الإنسان". وأضاف رعد أنه ما من شيء يجبر أي وزير أو مسؤول في هذا البلد على قبول مذكرات مشكوك بشرعيتها ودستوريتها.

وقد عبّر رعد أيضا عن شك حزب الله بأن تسلم المحكمة هذه المعلومات المطلوبة إلى وكالات الاستخبارات، لا سيّما  الموساد، أو أن تسربها إلى العامة. وأضاف: "هي طلبات مشبوهة وتحمل صبغة العمل ألاستخباراتي الذي لا سابقة له، ومكتب بلمار لم يجبنا حتى الآن المدعي العام لم يجب حتى الآن على سؤال هل سبق وأن نقلت لجنة التحقيق أو المحكمة أي معلومات عبر الكيان الصهيوني. ونعتقد أن تبعات إعتراف المحكمة وإقرارها بحصول مثل هذا الأمر أمرٌ لا يحتاج لتوضيح ". وقد سخر رعد بطلب بلمار بصمات اللبنانيين جميعهم بمن فيهم رئيس البلاد والمسؤولون السابقون والحاليون والشيوخ والراهبات والرهبان.

وفي الخلاصة يظهر حاليا أن محاضر الجلسات باتت تتخذ طابعا غريبا في دار القضاء في زحلة. أما محاضر المحكمة الخاصة بلبنان فأصبحت خارج السيطرة إذ يعتقد الكثيرون أن الحوار والحل السياسي داخل لبنان يمكن أن يكوّنا الحل الأفضل للمسائل التي تتولى الشأن القضائي بعيدا عن السيطرة السياسية في لبنان.


فرانكلن لامب يجري بحثا في لبنان، ويمكنكم التواصل معه على عنوانه البريدي: fplamb@gmail.com