22-11-2024 02:31 AM بتوقيت القدس المحتلة

النص الكامل لكلمة السيد نصر الله في الاحتفال التضامني مع الشعوب العربية

النص الكامل لكلمة السيد نصر الله في الاحتفال التضامني مع الشعوب العربية

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الاحتفال التضامني مع الشعوب العربية الذي أقامه حزب الله في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت.


كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الاحتفال التضامني مع الشعوب العربية الذي أقامه حزب الله في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا ابي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


السادة العلماء، السادة النواب، الإخوة  والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
اجتماعنا اليوم هو للتعبير عن تضامننا ووقوفنا إلى جانب شعوبنا العربية وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها، بالخصوص في كل من تونس، وبدأنا زمنيا ومصر والبحرين وليبيا واليمن.


هذا التضامن قيمته بالدرجة الأولى قيمة معنوية وسياسية وأخلاقية، وتأثيراته بالدرجة الأولى هي تأثيرات معنوية، لأن الأصل فيما يجري اليوم وما يمكن أن يؤدي إلى حسم مصير انتفاضة هنا وثورة هناك، مواجهة هنا ومقاومة هناك، الأصل هو ثبات الشعوب وصمودها ومقاومتها، وهذا يرتبط بالدرجة الأولى بإيمانها وبمعنوياتها وبروحيتها العالية.


أنا وانتم نذكر جيّداً في حرب تموز، في الأيام القاسية التي نشتمّ فضائحها في هذه الأيام في ويكيليكس، في تلك الأيام تذكرون جيّداً أن أي كلام في أي مكان في العالم، أي احتفال، أي تظاهرة، أي اعتصام، أي تجمّع، أي خطاب، أي بيان، أي تصريح كانت له آثار طيبة وجيّدة على معنويات المقاومة والصامدين والمهجّرين والمقاتلين. وهكذا الحال بالنسبة للشعوب الثائرة في مثل هذا اليوم.


نحن هنا اليوم لنقول لهم: نحن معكم، ندعمكم، نؤيدكم، نشد على أيديكم، نفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم، ندعو لكم بالنصر، ونعرض أنفسنا لنقول: نحن حاضرون لنمدّ يد العون والمساعدة في كل ما قد تقتضيه مصلحتكم ومصلحتنا وقدراتنا وإمكاناتنا أن نكون إلى جانبكم.
سأتحدث أيها الإخوة في الوقت المتاح عن عناوين متعددة وعن مجموعة عناوين مشتركة بين هذه الشعوب، كلمة حول كل دولة بإيجاز شديد وسأتوقف قليلاً عند موضوع البحرين نتيجة الإشكالية الطائفية بالموضوع الخاص والتعقيد الخاص القائم هناك، المسؤوليات والمبادرات المطلوبة، ثم أترك بعض الوقت للحديث عن مستجدات الوضع اللبناني الأخيرة التي لابد من أن  أتطرق إليها.


أولاً: يجب التأكيد على أن هذه الثورات هي إرادة ذاتية للشعوب.

أي اتهام يحاول أن يقول إن أمريكا هي التي تصنع هذه الثورات، هي التي تديرها وهي التي حركتها وأطلقتها هذا اتهام ظالم لهذه الشعوب وكلام غير صحيح.خصوصاً  وإذا تحدثنا عن هذه الأنظمة الخمسة ونحن نتحدث عن أنظمة حليفة لأمريكا، أنظمة تابعة لأمريكا، أنظمة منسجمة مع أمريكا، أنظمة قدمت وتقدم خدمات للمشروع الأمريكي، أنظمة لا تشكل أي تهديد للسياسة الأمريكية التي هي إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فهل يعقل أن الإدارة الأمريكية تأتي إلى أنظمة تابعة حليفة مطيعة منسجمة خاضعة وتنقدها وتطلق في مواجهتها ثورات شعبية؟

هذا أمر غير منطقي وخصوصاً أن أمريكا تعلم علم اليقين من خلال استطلاعات الرأي والدراسات والمعلومات العلنية والإستخبارية أن وعي هذه الشعوب وبصيرة هذه الشعوب باتت على درجة عالية من الوضوح وموقف هذه الشعوب من الإدارة الأمريكية والسياسة الأمريكية ومن وجود إسرائيل في أعلى درجات الالتزام والوعي والثبات، فكيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تطلق ثورات شعوب واعية وذات بصيرة ووضوح في الرؤية وذات عزم من هذا النوع وهي لا تعرف ما هي النتائج التي ستتمخض عنها هذه الثورات والبدائل التي ستنتجها هذه الشعوب على مستوى الحكومات وعلى مستوى الأنظمة. إذاً هذا اتهام ظالم لا أساس له من الصحة.

نعم لو كنا نتحدث عن نظام ممانع، نظام مقاوم، نظام خارج إرادة الولايات المتحدة الأمريكية  والمشروع الأمريكي، نظام يقف في وجه إسرائيل ويتحدى إسرائيل، ثم تحصل حركات احتجاج في وجه هذا النظام يمكن لنا ويحق لنا أن نتساءل ـ ولا نريد أن نحكم مسبقاً ـ أنه إذا قيل بأن هناك من يريد يحرض أو يعمل لإسقاط النظام يكون الكلام قابلاً للنقاش، أما أنظمة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ثم يأتي البعض ليقول لنا هذه ثورات أمريكية؟ هذا غير مقبول، وكذلك سخافة اتهام القاعدة بالثورة الليبية وسخافة اتهام إيران بقيام الشعب في البحرين.


ثانياً: أنا سأختصر بالعناوين والكلام كثير. هذه ثورات شعبية حقيقية منطلقة من الناس، من الشباب بالدرجة الأولى، من الرجال، من النساء، الصغار، الكبار، لحقت بها النخب، لحقت بها القوى السياسية، وهي تعتبر وتنطلق من إيمان ووعي وغضب وحماسة والأهم من ذلك من استعداد عالٍ للتضحية والفداء وهذا ما لا يجوز أن تغفل عنه هذه الأنظمة التي تواجه هذه الشعوب.

شاهدنا بأم العين في التلفزيونات شباباً يفتحون صدورهم أمام البنادق ويقولون لهم أطلقوا علينا النار، وتطلق عليهم النار. شاهدنا هذا في تونس، في مصر، في اليمن والبحرين، في ليبيا. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يأتي بعد ذلك شباب آخرون ويفتحون صدورهم أمام الرصاص وأمام البنادق.

هذا ماذا يعني؟ هذا مؤشر كبير جداً وعظيم جداً. هذا يعني أن القتل والترهيب والمجازر عجزت عن إخراج الناس من الساحات ومن ميادين المواجهة وهناك سنّة إلهية، سنّة تاريخية، سنة طبيعية حاكمة في التاريخ والمجتمع وهي:

عندما يحضر شعب بهذا المستوى من العزم، بهذا المستوى من الإيمان والوعي، بهذا المستوى من الاستعداد  للتضحية وبهذا المستوى من الاستعداد للصبر على الدماء، على الشهداء، على الجراح، على دمار المنازل، هذا شعب لا يمكن أن تلحق به الهزيمة ولا يمكن أن يهزمه أحد، لا أمريكا ولا إسرائيل ولا أنظمة الطغاة في أي مكان من العالم.

هذه سنة إلَهية، هذا قانون إلهي طبيعي، ولذلك قد تكثر التضحيات، لكن مع الثبات والصمود والإصرار والعزم يكون الانتصار في نهاية المطاف. هذا ما تؤكد عليه تاريخ الثورات والانتفاضات الشعبية وحركات المقاومة في الحاضر وفي الماضي، وهنا عنصر القوة الأساسي التي نجده اليوم في هذه الشعوب الثائرة.

وبالتالي نداؤنا من لبنان المقاومة المحررة عام 2000 والمنتصرة في تموز 2006 لهذه الشعوب أن الخيار الوحيد والمتاح أمامكم والمطلوب  منكم هو أن تثبتوا وأن تصمدوا وأن تصبروا وأن تصابروا وأن تكونوا على ثقة من نصر الله سبحانه وتعالى وعونه لكم إن صبرتم وثبتم وبقيتم في ساحات المواجهة والجهاد.


ثالثا: في رد فعل هذه الأنظمة.. ماذا كان رد فعل هذه الأنظمة على ثورات شعبية محقة، مطالبها محقة وذاتية الانطلاقة والإرادة؟

بدل أن تبادر هذه الأنظمة إلى حوار صادق، إلى إجراء إصلاحات حقيقية جدية بدون مناورات ونفاق وبدل أن تبادر إلى الدخول في حوار صادق مع ممثلين عن هذه الثورات والانتفاضات، بادرت إلى القمع، إلى القتل، إلى الاضطهاد، إلى الاتهام، إلى الإهانة والإذلال. قيل عن هؤلاء الشرفاء في كل الساحات والميادين، كيلت لهم الشتائم، قيل عنهم فئران وجرذان وحبوب هلوسة وطائفيين واتهموا في مكان ما بالقاعدة وفي مكان ما بالعمالة لأمريكا وما شاكل.

هذا عقّد الأمور في كل هذه البلدان، عطّل أي إمكانية للحوار وبالتالي رفع من سقف مطالبات هذه الشعوب ومن توقعات هذه الشعوب. عندما تعظم التضحيات، يكثر عدد الشهداء والجرحى تصبح الأمور أصعب ويصبح القبول بأسقف معينة صعباً ومتعذراً على هذه الشعوب وعلى قياداتها  التي أفرزتها الميادين. لكن في كل الأحوال تحقق انتصار كبير في كل من مصر وتونس، فيما دفع النظام الليبي ليبيا إلى حرب  داخلية قاسية ووضع كل من النظام اليمني والنظام في البحرين  شعبيهما على حافة الحرب الأهلية. ولولا إصرار كلا الشعبين البحريني واليمني على سلمية التحرك في اليمن وفي البحرين لكنا اليوم أمام حرب أهلية دامية وبائسة في هذين البلدين بسبب أداء هذه الأنظمة.


رابعا: من ما يجب التوقف عنده هو  الأداء الأميركي والغربي المكشوف والمنافق في كل هذه الأحداث الجارية منذ أشهر في منطقتنا العربية، حيث يمكن ببساطة أن نكتشف أو أن نفهم السياسات المتبعة حالياً من قبل الأميركيين فيما يتعلق بهذه التحركات والثورات على الشكل التالي:

حيث يمكن الحفاظ على النظام التابع لهم مع إجراء بعض الإصلاحات الشكلية فليكن.

ثانياً: حيث يمكن إعطاء الفرصة للنظام التابع لهم ليحسم المعركة مع شعبه ولكن ضمن مهلة زمنية قصيرة ودون تداعيات خطيرة في الداخل فليفعل.

ثالثاً: حيث يبدو أن المعركة ستكون مكلفة وخسارتها كبيرة على مصالح الأميركيين تأتي الإدارة الأميركية لتضع الحكام جانباً وتطلب منهم الرحيل وتعمل على تخفيف الخسائر ما أمكن على أمل إرضاء الشعوب أو خداع الشعوب وإعادتها إلى المنازل دون تحقيق الأهداف المعلنة للثورة.

مع كل هذه السيناريوهات تحاول الإدارة الأميركية أن تظهر بمظهر المدافع عن الشعوب، عن الحقوق المدنية، عن الحريات، عن التغيير، عن الإصلاح.

المطلوب اليوم، نداؤنا في هذا اليوم ألا ينطلي هذا الخداع على أحد في عالمنا العربي والإسلامي، وهو لم ينطلِ (على أحد) بالتأكيد، لأن الشعوب باتت تمتلك وعياً وبصيرة راقية وعالية تجاه السياسات الأميركية، وشعوبنا تعرف أولاً أن هذه الأنظمة بالذات هي صنيعة أميركا وهي بحماية أميركا منذ عشرات السنين وتم تسليحها وتقويتها وصنع جبروتها على شعوبها من قبل أميركا، وبالتالي فالإدارة الأميركية شريكة في جرائم هذه الأنظمة وفي كل ما ارتكبته بحق شعوبها خلال كل السنوات الماضية.

وثانياً لأن أي كلام أميركي عن حماية شعوب منطقتنا واحترام الحقوق المشروعة والحقوق المدنية وإدانة القمع والترهيب يبقى ساقطاً وبلا مصداقية نتيجة السياسة الأميركية الدائمة والمعلنة تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم. قبل أيام قليلة وضعت الإدارة الأميركية "فيتو" على قرار منع الاستيطان في مجلس الأمن الدولي. في فلسطين شعب يقتل، يقصف، تدمر منازله وأشجاره وحقوله، يهجر ولديه11 ألف معتقل، القدس تتعرض فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية للتهديد والخطر، والأميركيون يدافعون عن القاتل وعن المجرم وعن المعتدي وعن ساحق العظام وعن الذي يقصف بيوت المدنيين في غزة بسلاح الجو. طالما أن السياسة الأميركية تجاه فلسطين وشعب فلسطين هي هكذا فكل كلام أميركي عن خلفية صادقة ومخلصة في الدفاع عن حقوق شعب مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن أو البحرين أو غيرهم هو كلام منافق. هناك خلفيات أخرى للتدخل الأميركي من أجل تحسين الصورة، من أجل إدارة الأزمة، من أجل ضمان مجيء بدائل مناسبة للمشروع الأميركي حيث تسقط الأنظمة التابعة أو طمعاً في حقول النفط من أن تذهب إلى أيدي وطنية وصادقة ومخلصة. هذه هي خلفية التدخل الأميركي وليس لأن الخلفية أن إدارة أوباما هي إدارة مختلفة وأنها تريد أن تدافع عن الشعوب، لا، أنا أقول للشعوب العربية فلتبقَ عيونكم باتجاه فلسطين، طالما أن هذه الإدارة الأميركية تدعم إسرائيل في سحقها لشعب فلسطين واعتدائها على شعوب المنطقة فهي كاذبة في كل ادعاءاتها حول حقوق الإنسان والديمقراطية.


يمكن أن نعيد النظر في الإدارة الأميركية عندما نجد تحولاً جذرياً في سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه فلسطين وما يجري في فلسطين وشعب فلسطين، ولذلك يجب الحذر من السياسات الأميركية واللعب الأميركي على مصادرة هذه الثورات ودماء شهدائها والمحاولات الدؤوبة لتحريف مسار الثورات الشعبية ودفع الأمور في أكثر من بلد إلى تقسيم هنا ـ وهذه مخاطر جدية ـ إلى تقسيم بعض البلدان العربية هنا، وحرب أهلية مفتوحة هناك وهذا ما يخدم المشاريع الأميركية البديلة لمنطقتنا.


رابعا: أدخل على المقطع الثاني، في تونس ومصر تحقق الانتصار ورحل الطغاة بفعل عوامل عديدة لا أريد أن أستقرئها ولكن من أهمها:

ثبات شعبي تونس ومصر وتضحياتهم الكبيرة رغم مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
حياد المؤسسة العسكرية أيّاً تكن أسباب الحياد.


الخواء الشعبي للنظام ـ وهذا مهم جداً ـ بحيث أن نظام زين العابدين بن علي ونظام حسني مبارك لم يجد شعباً ليدافع عنه، لم يجد تظاهرة شعبية حقيقية لتدافع عنه وتتبناه ولذلك لجأوا إلى "البلطجية" واستأجروا الجمال والبغال للاعتداء على الملايين المحتشدة في الميادين، وكان الانتصار.


البعض ظن ممن يدير مواجهة هذه الشعوب في تونس ومصر أن الشعبين التونسي والمصري سيرضيان برحيل الحاكم وأسرته، وبالتالي إذا زين العابدين حمل ليلى طرابلسي ومشي وحسني مبارك حمل سوزان ومشي فالعالم ستمشي على بيوتها، وبالتالي الباقي يبقى كما كان، وهذا ما كانت تراهن عليه أميركا في سعيه لتخفيف الخسائر.


(ملاحظة) "قبل قليل أعطوني الأخوان ورقة، قالوا هناك تشويش هائل جداً جداً على كل الفضائيات ولا أدري إذا كان هذا صحيحاً أو غير صحيح، هذا دليل ضعف، إذا كان الإنسان يخاف من الكلمة، وخصوصاً من لبنان، هذه الكلمة ولبنان لا خمسين مليون ولا مئة مليون ولا عندنا نفط، وان شاء الله سيصبح عندنا نفط".


فوجئوا أن هذه الشعوب لم تذهب إلى بيوتها وإنما ما زالت تطالب بإسقاط الحكومات المسماة انتقالية وأسقطتها، تطالب بحل البرلمانات المزيفة وتم حلها، تطالب بإلغاء أجهزة الأمن القمعية والبوليسية وتم إلغاؤها، تطالب وتطالب وما زالت تطالب وهذا هو أملنا الكبير بالشعبين التونسي والمصري اللذين ندعوهما إلى التوحد والانسجام وخصوصاً في الخيارات الكبرى لأن الانقسام قد يؤدي ـ لا سمح الله ـ إلى ثورة مضادة أو إلى إعادة إنتاج الأحزاب الحاكمة أو الأنظمة الحاكمة أو المجموعات الحاكمة ، خصوصاً في مصر، بما لمصر من تأثير كبير في العالم العربي وعلى قضية المقاومة وفلسطين والصراع العربي الإسرائيلي.

إخواننا وأخواتنا في مصر يجب أن يعرفوا أنهم محط آمالنا جميعاً وأن موقعهم وموقفهم تتعدى تأثيراته حدود مصر لتصل إلى كل العالم العربي والإسلامي.


في ليبيا قام الناس كما قاموا في تونس ومصر. مجموعة شباب انطلقوا في بنغازي، تمت مواجهتهم بالرصاص وبالقتل واندفع الناس ليحتضنوهم وانتقلت الثورة من مدينة إلى مدينة، مظاهرات وعصيان مدني، وتم الرد على المظاهرات والعصيان المدني بالرصاص والطائرات والدبابات، وفرض على الثورة الشعبية السلمية والمدنية، فرض عليها الحرب. ما يجري في ليبيا هو حرب فرضها النظام على شعب كان يطالب بالتغيير دون استخدام السلاح وبالتالي أصبح هذا الشعب أمام خيار الدفاع عن نفسه، وهو ليس تنظيماً، وهو ليس تنظيماً مسلحاً، وكثير منه لا يمتلك أي خبرة عسكرية بل لا يمتلك السلاح الكافي، وبدأت الحرب المفروضة على هذا الشعب الليبي في الغرب وفي الشرق، وشاهدنا وإياكم على شاشات التلفزيون طائرات ودبابات ومدافع وراجمات صواريخ الكاتيوشا المصفوفة بما يذكرنا نحن في لبنان باجتياح 1982 وكل الحروب الإسرائيلية، هذا الذي يشنه اليوم نظام القذافي على شعب ليبيا هو نفس شكل الحرب التي كانت تشنها إسرائيل على لبنان وعلى غزة، هذه الجرائم الكبرى المرتكبة من قبل نظام القذافي يجب أن تكون موضع إدانة كل شرفاء العالم من جهة، ومن جهة ثانية يجب على كل من يقدر أن يقدم المساعدة في أي مجال من المجالات لهذا الشعب الثائر أن يقدم له مساعدة لكي يصمدوا ويثبتوا أمام الدمار وأمام المجازر .


إخواننا الثوار في ليبيا، وشعوبنا العربية يجب أن يعرفوا أن أميركا والغرب أعطيا الوقت الكافي للنظام الليبي ليسحق الثورة، كل هذا الوقت، كثرة الكلام والجلسات، لكن الناس صمدوا وثبتوا وقاتلوا وأحرجوا العالم بصمودهم وبثباتهم، لو أن الشعب في ليبيا ثورته انهارت خلال أيام أو خلال أسبوع أو أسبوعين لعاد العالم ليعترف بنظام القذافي ويرتّب أموره معه وليشتري النفط منه بالأسعار المناسبة والمطلوبة، ولعادت أموال القذافي لتدخل إلى جيوب رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء ونواب في الاتحاد الأوروبي ولغير الاتحاد الأوروبي. صمود هؤلاء الثوار هو الذي غيّر المعادلة اليوم.


في الموضوع الليبي كلمة أخيرة أقولها لكم: ليس أمام هؤلاء الثائرين سوى أن يصمدوا وأن يقاتلوا. نحن لدينا خبرة في الحروب، في القتال، في المواجهات، وفي الحرب النفسية أيضاً، وعندما ننظر إلى الوجوه نستطيع أن نعرف هل هذه وجوه خائبة؟ هل هذه وجوه خائفة؟ هل هذه وجوه يائسة؟


أنا شخصياً من خلال تجربتي، كل الوجوه التي نظرت إليها من المجاهدين الثائرين في ليبيا وجدت فيها العنفوان والمعنوية والاستعداد العالي للشهادة والعزم الكبير على عدم التراجع أو الهزيمة وهذا يدعو إلى الأمل، طبعاً بات الوضع اليوم في ليبيا معقداً جداً نظراً للتدخل الدولي الذي بدأ والذي قد يأخذ ليبيا إلى لعبة الأمم، وهذا ما يحتاج إلى وعي الثوار ووطنيتهم التي نثق بها عالياً


كلمة أخيرة أقولها لهم إنه من مقاومة لبنان التي صمدت 33 يوماً ليل نهار وفي سمائها أكثر من مائة طائرة إسرائيلية تقصف في كل المناطق تدمر وتقتل من هذه المقاومة المنتصرة أوجه ألف تحية إلى المجاهدين الليبيين الصامدين اليوم في بنغازي في أجدابيا في طبرق في مصراته في كل مدن ليبيا الصامدة والصابرة.


وما دمنا نتحدث عن ليبيا، تبقى الجريمة الكبرى التي ارتكبها القذافي في حق لبنان والمقاومة في لبنان، بل في حق المقاومة في فلسطين، بل في حق القدس باختطافه واحتجازه للإمام القائد السيد موسى الصدر ورفيقيه، تبقى هذه الجريمة الكبرى حاضرة وموضع إدانة وموضع متابعة من كل الشرفاء وأحباء الإمام الصدر وأبنائه، وأما كلام القذافي الأخير الذي إمتدح فيه لأول مرة الإمام موسى الصدر ثم تحدث عن أن الإمام سافر إلى ليبيا واستشهد بالقضاء الليبي ـ القذافي استشهد بحكم القضاء الليبي ـ هذا الكلام كذبٌ في كذب ونفاقٌ في نفاق، لا يمكن أن يُغيّر من حقيقة الاحتجاز والاختطاف شيئاً، ونحن نعرف مدى قوة تأثير أموال القذافي على الحكومة الإيطالية وحكومة برلسكوني وعلى القضاء الإيطالي. نبقى نتطلع إلى اليوم الذي يمكن فيه تحرير إمام المقاومة من قبضة هذا الطاغية المستبد.


أما في اليمن، وإن كانت أحداث اليمن سابقة على ربيع الثورات، وتراكم الأحداث والصراعات والحروب في اليمن أسبق مما حصل في تونس وفي مصر، لا شك أن هناك تعقيدات كبيرة في اليمن ولكن ما يجري هذه الأيام من قتل للمتظاهرين بالعشرات وإلحاق الجراح بالمئات ومن اضطهاد لهذا الشعب الذي يُطالب أيضاً بحقوقه المشروعة، لا يمكن السكوت عنه على الإطلاق، وبالتالي أيضاً نحن نُحيي صمود الشعب اليمني والمنتفضين في اليمن ونحيي أيضاً التزامهم بسلمية هذا التحرك، رغم أننا نعرف أن اليمن مليئة بالسلاح، يعني أن القبائل في اليمن ليس عندهم فقط كلاشينكوف بل عنده أيضاً آر بي جي ومدافع وعندهم دوشكا وعندهم مضاد للطائرات، ومع ذلك يُعبّرون بوعي شديد عن ضبط أعصابهم وصلابتهم وصمودهم وحرصهم على سلمية التحرك وعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية.


يبقى كلمة أخيرة لحكام ليبيا واليمن والبحرين،عندما أنتهي من الكلام عن البحرين، أما عن البحرين، اسمحوا لي أن أتوسع قليلاً نتيجة الإشكالية الخاصة في البحرين. كلنا شاهدنا ما جرى وما يجري في البحرين، وأنا أعتقد من خلال المتابعة التفصيلية والحثيثة لكل ما يجري في المنطقة وفي البحرين أن هناك توجد مظلومية خاصة. البحرين كما تعرفون هي جزيرة صغيرة وشعبه لا يصل تعداده إلى المليون نسمة، وهو شعب مسالم ومظلوم، خرج ليطالب بحقوقه المشروعة بشكل سلمي وحضاري، ورُدّ عليه بالقتل، في اليوم الأول خرج مئات من الشباب ولم يخرج آلاف ولا عشرات الآلاف، وكان يُمكن بسهولة استيعاب هذا الحدث، كان يمكن لدعوة الحوار أن تتم مع عدم إطلاق النار على هؤلاء الشباب، وأن تبدي الحكومة حرصاً ودعوةً للحوار وتقوم بخطوات ترمم الثقة المفقودة مع قوى المعارضة في البحرين، ولكن الذي حصل أنه رُدّ على هذا التحرك الشبابي المتواضع في البداية بالقتل، وتحت القتل تمت الدعوة إلى الحوار، تحت التهديد بالقتل، قيل لهم تعالوا لنتحاور، ولكن الشعب في البحرين واصل مسيرته السلمية، وقابل الرصاص بالورود، وأكد على وحدته الوطنية وعلى إنسانية ووطنية تحركه، وعدم انتساب هذا التحرك إلى أي خلفية إقليمية أو طائفية، ولكن أُستعين عليه بالجيوش وليس بالشرطة أو بالبوليس، فقُتل مَن قُتل وجُرح مَن جُرح وأعتُقل مَن أُعتُقل.


هنا توجد مفارقة أيها الأخوة والأخوات، مفارقة عجيبة غريبة، أن جامعة الدول العربية والحكومات العربية أمام النموذج الليبي هناك شعب يُقتل ويُقصف بالطائرات وبالدبابات وبالكاتيوشا، وأمام مشهد العالم كله جامعة الدول العربية لم تُحرك ساكناً، لم تُرسل جيشاً بمعزل عما إذا كان الليبيون يريدون ذلك أم لا، لم تحرك ساكناً، ولم تُرسل جيشاً ليدافع عن مصراته وعن أجدابيا وعن بنغازي وعن الزاوية وعن ... وعن... وعن...، وهو شعب يُقتل والمدن تدمر، لم يُحرك أي ساكن، في البحرين أرسلت الجيوش لتدافع عن نظام غير مهدد بالسقوط أصلاً ، صحيح أن المتظاهرين كانوا يطرحون شعار إسقاط النظام، لكن أنتم تعرفون أن مظاهرات مسالمة في ظل أنظمة عربية من هذا النوع لا يمكن أن تُسقط نظاماً. النظام في البحرين لم يكن مهدداً بالفعل بالسقوط، والمعارضة في البحرين هي معارضة سلمية بحتة، لم تكسر زجاجاً ولم تحرق سيارةً ولم تعتدِ على ممتلكات عامة، ويُستعان عليها بالجيوش العربية.


هذه مفارقة عجيبة وغريبة، داهموا حتى المستشفيات واعتدوا على الجرحى. سمعنا أن بعض قادة المعارضة المعتقلين دُمرت بيوتهم، وبالمناسبة هذه الطريقة إسرائيلية، هذه طريقة إسرائيل، عندما يعتقلون أحداً في فلسطين من إخواننا الفلسطينيين المجاهدين يهدمون داره،.... في البحرين هكذا يعملون، ضاق صدر الحكام حتى من دوار اللؤلؤة فهدموه، حتى هذا الرمز هدموه، لأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا.


لكن أقول لكم كل هذا يمكن الصبر عليه، لأن الوحشية هي من طبيعة الطغاة، وتقديم التضحيات هو من طبيعة المجاهدين، لكن المظلومية الأكبر هي محاصرة هذه الحقوق وهذه الدماء وهؤلاء المظلومين بحصار الطائفية البغيضة.


قبل أن أنتقد يجب أن أُوجه التحية إلى علماء السنة، إلى علماء السنة المسلمين في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، إلى الحركات الإسلامية السنية، لا بأس أنا مضطر أن أقول السنيّة، في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، إلى كل المواقف التي أخذتها أحزاب وقوى وشخصيات وطنية وقومية وعروبية، ويجب أن أقف بشكلٍ خاص أمام الموقف المميز والمعبر لرئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان، نعم هذه البداية.


هنا أود أن أسأل البعض في العالم العربي والإسلامي، أن أسأل البعض الذي يسكت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين، "لا بأس أن نفتح الدمّلة قليلاً": لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بهم؟ لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق؟ بل الذهاب أبعد من ذلك، إدانة تحركهم، إدانة هذا التحرك، اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى، هل فقط لأنهم شيعة؟ هل إذا كان الإنسان في بلدٍ ما ينتمي إلى دينٍ ما وإلى مذهبٍ ما يُسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية؟


هذا هو السؤال، للأسف الشديد، هل انتساب غالبية المعارضة ـ وليس كل المعارضة ـ في البحرين إلى المذهب الشيعي، يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق ومستباحة الدماء ومهدورة الكرامة، وتصدر في حقها الفتاوى وتُنشر في حقها الاتهامات؟ أين هو الحق والإنصاف في هذا؟


أيها الإخوة والأخوات: نحن جميعاً من المسلمين والمسيحيين، ومن السنة والشيعة، وقفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولم يكن يسأل أحد: ما هو مذهب الشعب الفلسطيني؟، نعرف أن في فلسطين مسلمين سنة ومسيحيين، لكن على أي مذهب من مذاهب السنة، لا أحد يسأل، ويمكن أن لا أحد يعرف أيضاً، لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب شعب فلسطين، دين ومذهب شعب تونس، دين ومذهب شعب مصر، دين ومذهب شعب ليبيا، دين ومذهب شعب اليمن، ووقفنا جميعاً وليس في هذا منّة، هذا واجبنا جميعاً، أن ننصر المظلومين والمضطهدين، وفي المقدمة أيضاً وقفت إيران في أعلى موقع لها، سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، في موقف عالٍ جداً وكبير جداً.. إلى جانب شعب تونس.. إلى جانب شعب مصر، إلى جانب اليوم شعب ليبيا، الموقف التاريخي لإيران إلى جانب شعب فلسطين، هل خلفيته مذهبية أما أن خلفيته إيمانية إنسانية أخلاقية، أليست هذه هي الحقيقة؟


أنا أستغرب كيف يدعو البعض ويقف ويقول يجب على أهل مصر أن ينزلوا إلى الشارع، ثم في ليبيا يقف ويقول لهم اقتلوا القذافي، ولكن عندما تصل المسألة إلى البحرين حيث لا يريد أحد في المعارضة أن يقتل أحداً، ينكسر القلم ويجف الحبر وتخرس الألسنة ويصبح الكيل بمكيالين.


بكل شجاعة اليوم أنا أريد أن أسأل وأنا لم اكن في يوم من الأيام في وارد أن أقف لأتحدث عن نظام عربي هنا أو نظام عربي هناك، وأنتم تعرفون سيرة حزب الله خلال كل السنوات الماضية، ولكن أنا أريد أن أسأل: اليوم، ما هو الفارق بين نظام آل خليفة ونظام آل مبارك؟ ما هو الفارق بين نظام آل خليفة في البحرين ونظام آل القذافي في ليبيا ما هو الفارق؟ هل هناك ديموقراطية، هل هناك مراعاة حقوق إنسان، أم أن هذه أنظمة ممانعة لإسرائيل ولأمريكا؟ أنا أفهم عندما يكون هناك نظام ممانع ومقاوم وتحصل بعض المشكلات في ذاك البلد أن نقف ونقول لأهل ذلك البلد "طوّلوا بالكم" قاربوا المسائل بطريقة مختلفة، عالجوها بالحوار استعينوا بصديق، لا، التفتوا إلى هذه الأولويات، أم هذه أنظمة كلها من سنخ واحد، أنظمة تابعة، أنظمة خاضعة؟ كيف تتغير المكاييل في هذه الحال؟


على كل الأحوال، ما يجري في البحرين ليس تحركاً طائفياً وليس تحركاً مذهبياً وإنما هذا سلاح يستخدمه العاجز في مواجهة حق أي إنسان له حق، وهذا لن يثني على الإطلاق ولن ينال من إرادة الثائرين أو الأحرار في البحرين.


كلمتي للأخوة والأخوات في البحرين: لا تتأثروا بأصوات الطائفيين ولا تحزنوا من إعلامهم ولا من فتواهم لأن هناك علماء وأصوات كبيرة في العالم الإسلامي من إخوانكم أهل السنة يقفون إلى جانبكم ويدعمون حقكم. أقول لإخواننا وأخواتنا في البحرين: اصبروا وصابروا واثبتوا في الدفاع عن حقوقكم. أقول لهم (لأني أعرف الأشخاص): لديكم قيادة حكيمة وعاقلة وشجاعة في نفس الوقت فاسمعوا لها وانسجموا معها. إن دمائكم يا إخواني ويا أخواتي، إن دمائكم وجراحكم ستهزم الظالمين والطواغيت وستجبرهم على الاعتراف بحقوقكم المشروعة، وما أنتم عليه اليوم يستحق التضحية ويستحق الشهادة ويستحق العمل الدؤوب وإن طالت المدة.


أما للحكام في ليبيا والبحرين واليمن فأقول لهم: كيف تتصورون المستقبل؟ كيف تتصورون أن تستقر حكوماتكم وأن تبقوا على عروشكم وأن تدوم أنظمتكم بعد كل هذه المظالم وكل هذه الجرائم وكل هذا الإذلال وكل هذا السفك للدماء. مهما طال عنادكم مصيركم الهزيمة فاستجيبوا لشعوبكم قبل فوات الأوان.


خامساً: للدول العربية والإسلامية لتتحمل مسؤولياتها مما يجري الآن في كل بلد في العالم العربي، هنا توجد مسؤولية، نعم، من واجبهم أن يتدخلوا، لا أن يتدخلوا بأن يرسلوا جيوشهم  لتقمع شعوب وإنما لتدافع عن الشعوب. إن تحمل الحكومات العربية والإسلامية لمسؤولياتها هو الذي يمنع التدخل الأجنبي.


اليوم، للأسف الشديد، نتيجة تخلي حكّام العرب والحكام المسلمين، نتيجة تخلي أغلبهم عن المسؤولية، يفتح الباب مشرعاً أمام التدخل الأميركي والغربي في ليبيا ولا نعرف إلى أين ستتجه الأمور في ليبيا؟ يفتح الباب أمام تدخل أجنبي في كل بلد عربي وهذا قد يعيدنا إلى مرحلة الإحتلالات والاستعمارات المباشرة أو التقسيم أو ما شكل.

في هذه المرحلة التاريخية المصيرية من واجب كل قادر في هذه الأمة على أن يتدخل لإيجاد الحلول. اليوم مثلاّ في اليمن والبحرين هناك أزمة ثقة بين المعارضة وبين السلطة، ليس هناك شك أنه يوجد أناس مع السلطة وتوجد أغلبية مع المعارضة في كل من اليمن والبحرين. المعارضة لا تثق بالسلطة لأسباب في اليمن ولأسباب في البحرين، أين هي الوساطة العربية؟ أين هي وساطة منظمة المؤتمر الإسلامي؟ هناك دول في الإقليم، دول موثوقة لدى المعارضة ولدى السلطة يمكن الآن أن تلعب دوراً. الدول التي أرسلت جيوشها إلى البحرين كان ينبغي أن لا تفعل ذلك، كان ينبغي أن ترسل وزراء خارجيتها إلى البحرين من أجل القيام بوساطة جادة وحقيقية، ولكن هذا الأمر ما زال قائماً ومفتوحاً.


اليوم، أيضاً في يوم التضامن مع الشعوب العربية النداء هو وجوب أن يتحمل الحكّام في هذه الأمة، العلماء، النخب، القوى السياسية، كل من لديه قدرة على التأثير لإيجاد حلول مناسبة في هذا البلد وفي ذاك البلد مما يؤدي إلى حفظ الوحدة، وحدة البلد الجغرافية والسيادية وحقن الدماء وتحقيق الحد الأعلى من مطالبات هذه الشعوب المظلومة، يجب أن يفعل ذلك.


أنا أريد أن أتحدث أيضاً كلمة مختصرة عن وضع لبنان في الدقائق الباقية.
شهدنا في خلال الشهرين الماضيين بعد سقوط الحكومة السابقة وتكليف شخصية جديدة لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، شهدنا دعوة مبرمجة ومنظمة ومبرمجة تحت شعار "إسقاط السلاح" وهذه الحملة ما زالت مستمرة إلى اليوم بأشكال مختلفة.


طبعاً، قيل في هذا كل ما يمكن أن يقال، يعني كل شيء يمكن أن يقال، صدق وكذب قيل. استخدمت وسائل إعلام مختلفة من إعلانات ويافطات ووسائل إعلام حتى الرسوم المتحركة، حتى موفاسا وسيمبا.


تعليقي فقط لتحديد المسؤولية، وإلا لا أريد  أن أدخل في سجال أو تعليق، تعليقي هو التالي:
أولاً في الشكل: كل ما قالوا وكل ما سمعنا والمهرجانات والتجمعات والخطابات دون أن يحصل أي أذى أو ضربة كف أو ترهيب لأحد هو دليل على كذب الإدعاء، هو دليل على أن لا مسدس في رأس أحد، ولا رشاش في وجه أحد، هذا يحصل في كل المنطقة، يعملون أقل من الذي يعملونه مع ذلك ماذا يحصل؟ أكثر من ذلك.


إلى جانب الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، قوى الأكثرية الجديدة، وبالخصوص حزب الله وحركة أمل في بيروت كانوا شركاء فعليين طوال الليل وطوال النهار لحماية من يشتم المقاومة ومن يعتدي على المقاومة ومن يسب المقاومة، هل بعد ذلك هناك حفاظ على الحرية؟ أصلاً الدليل على أنّه لا مسدس في رأس أحد هو أنكم تقولون وتفعلون وتحرّضون وتستفزون دون أن يتعرض لكم متعرض.

هذا في الشكل، أمّا في المضمون في الحقيقة خلال شهرين لم نسمع جديداً لنناقشه ونعلق عليه، كله تكرار لنفس الكلام السابق والشعارات السابقة والاتهامات السابقة، إذاً في المضمون لا جديد فيه لكي نجري مناقشة حوله.


موضوع المقاومة لا يعالج بالتحريض، نحن دائما كنّا نقول ليس لدينا أي مانع من الحوار ولا نخاف من الحوار لأنه لدينا منطق ولدينا رؤية ولدينا تجربة ولدينا أدلّة وشواهد دامغة ومدرستنا في الدفاع عن وطننا اليوم مدرسة تدرس في أعظم وأهم الكليات الحربية في العالم.
وكل هذا الضجيج، أنا أؤكد لكم، لن يؤثر شيئاً على أداء المقاومة، المقاومة مستمرة في أدائها، في التدريب والتسليح والتنظيم واستكمال الجهوزية المكتملة، لكن لرفع مستواها إلى مستوى أعلى والتعاون في  المعادلة الذهبية بين الجيش والشعب والمقاومة وهو مستمر وآخر نتائجه المنظومة التجسسية التي تمّ اكتشافها قبل أيام في جنوب لبنان...


إذن، كل هذا الصراخ لن يؤثر شيئاً، لا على معنويات ولا على أداء ولا على سلوك ولا على استعداد المقاومة، بل لن يؤثر شيئاً على إيمان جمهور المقاومة بالمقاومة، بل سيزيدهم إيماناً.


وغداً عندما تقرر أي حكومة لبنانية أنها ستحفر في البحر في الجنوب بحثاً عن النفط أو عن الغاز وتهددها إسرائيل لن نجد سوى هذه المقاومة لتفرض احترام إسرائيل والعالم للبنان ولحقّ لبنان في النفط والغاز، كيف سندافع عن نفطنا وغازنا؟ بالشِعر، باليافطات، بالقصائد، بالـ "كرافات"، يومها "خلونا نشوف الجاكيت"، هذا فقط لتلطيف الجو وإلاّ كل واحد حقه "يشلح ويلبس اللّي بدو ياه".


في كل الأحوال لهذه الحملة عدة أهداف منها جرّ المقاومة إلى سجال، لكن ـ وليكن لديكم علم ـ نحن لا يزال لدينا قرار أن لا نرد وأن لا ندخل في سجال. ماذا نفعل؟ هل نشرح للناس أهمية المقاومة وجدواها وجديتها وإنتاج المقاومة وإنجاز المقاومة، الناس تعرف ذلك وهم الذين صنعوه وليس نحن الذي صنعناه، نحن نعبّر عنه فقط.


نحن لن ننجر إلى سجال، اخطبوا قدر ما شئتم واحكوا قدر ما شئتم وناقشوا قدر ما شئتم، نعم إذا وجدنا شيئاً جديد، منطقاً جديداً، حجة جديدة جديرة أن نناقشها، نعم نحن نحترم عقول وكلام وخطاب الناس.


هناك هدف آخر للسجال هو الاستفزاز، هنا أتمنى من الشباب أن يسمعوني جيداً، حتى في الاستفزاز أحيانا يُذْهَبْ (به) إلى الموضوع الطائفي والمذهبي، نحن نرفض أي استفزاز ولا يجوز أن نستفز، خلّوا أعصابكم "رايقة قد ما فيكم"، من أعصابه لا تحمله لا يستمع ولا يحضر، ومن أعصابه تحمله يسمع ويحضر ولا مشكلة.


لا يجوز أن نستفز، اليوم عندما نقرأ وثائق ويكيليكس تعرفون أنّ هناك دائما فريقاً ما في 14 آذار وفي مكان ما من العالم يضع نصب عينيه فتنة شيعية سنية في لبنان، ويريد دفع الأمور بهذا الإتجاه. هدف الاستفزاز اليوم هو هذا الأمر، (راحوا) بموضوع المحكمة والإتهامات و(دانيال) بلمار يأملون أن يتمكنوا من خلال المحكمة الدولية والقرار الإتهامي الظالم أنّ يجرّوا لبنان إلى فتنة سنية شيعية، وأنا قلت لكم لن تكون هناك فتنة شيعية سنية بسبب المحكمة الدولية، واليوم الحمد الله وهذا القرار الظني ـ وصحيح أنه لم يعلن لكن الناس تعرف ما القصة ـ نحن نعتبر أن القرار الظني صدر وليس له أي قيمة ولم تحصل فتنة شيعية سنية في لبنان ولن تحصل فتنة شيعية سنية في لبنان. وثمن القرار الظني كان السلطة التي يتباكون عليها الآن، لكن لا ذنب لا للشيعة ولا للسنة حتى يكون هناك صراع بينهم على أمر من هذا النوع. نحن يجب أن نواجه وأن نتعاطى مع كل ما يقال في وسائل الإعلام بدرجة عالية من الصبر والتحمل والهدوء وليس هناك أساسا ما يدعو للقلق، هناك من يستفز ويغضب و"ينقهر" لكن هل هناك خطر وهل هناك شيء يدعو للقلق، لا شيء يدعو للقلق، المقاومة بخير وسلاح المقاومة بخير ووجود المقاومة بخير وجمهور المقاومة بخير والمقاومة عيونها وسلاحها دائماً وأبداً موجهة إلى العدو، "بس ما حدا يتحركش فيها"، وبالتالي ليس هناك ما يدعو للقلق على الإطلاق.


النقطة الثالثة بالموضوع اللبناني وثائق ويكيليكس، وثائق ويكيليكس في كل الأحوال تبرز حجم الرهانات على الحرب الإسرائيلية على المقاومة وحجم الآمال المعقودة، وأيضا تبرز حجم الخيبات التي حصلت نتيجة الانتصار في 14 آب. نحن سننتظر إلى نهاية الوثائق لنرى ماذا سيظهر في الآتي من الأيام، ويومها يمكن أن يكون لنا حديث.
يمكن مبدئياً وعلى عجالة أن أقسّم ما يطرح في وثائق ويكيليكس إلى قسمين:


القسم الأول هو ما ينقله (جيفري) فيلتمان أو (ميشيل) سيسون أو غيرهما عن أشخاص ويتضمن تحليلهم وعواطفهم وأمانيهم، فلا مشكلة في هذا القسم، "فليحللوا متل ما بدهم ويتمنوا اللي بدون ياه والعاقبة للمتقين والنصر تحقق وهم خابوا، ما في مشكلة".
وفي هذا القسم أيضا إذا وقفت أي شخصية سياسية أو نائب أو وزير وتقول إنّ هذا الحديث غير صحيح وهو مفترى نحن سنقبل منه ذلك، "شو بدكن أكتر من هيك".


القسم الثاني ليس تحليلاً بل طلبات، فلان يطلب من السفير الأمريكي أنّ تحتل إسرائيل بنت جبيل، فلان يطلب أن لا تقف الحرب إلا بعد تدمير حزب الله، فلان يطلب أن لا تتوقف الحرب إلاّ إذا تم الحصول على الشروط التالية: قوات متعددة الجنسيات على الحدود اللبنانية السورية، "مدري شو بتحطو على المعابر وإلاّ اوعا توقفوا الحرب لا تسمحوا لحب الله أن ينتصر"، هذا ليس تحليلا وعواطف، هذا تحريض، هناك أحد يحرض عدو لبنان الذي هو إسرائيل ـ والذي نقول عنه إننا مجمعون على أنه عدو ـ على قتل وقصف وتدمير لبنان وجزء من شعب لبنان وجزء من مقاومة لبنان وجزء من جيش لبنان، هل هذا فقط عواطف. كلا ليس عواطف، هذا موضوع مختلف.


في الشق الثاني فيما نقل عن أشخاص أيضاً أقسمه إلى قسمين : القسم الأول هناك شخصيات بعد كل الذي جرى أجرت مراجعة لمواقفها ولمسارها السياسي وغيّرت هذا الإتجاه وأعلنت وقوفها إلى جانب المقاومة، جيد نحن ماذا نريد؟ هذا الذي نريده... هناك قسم آخر ما زال يقول في العلن ويمارس ما قاله في "ويكليكس" منذ 2006، كان يحرّض وما زال يحرّض، يدعو إلى تدمير لبنان من أجل أغراض سياسية حزبية وفئوية وما زال يدعو إلى تدمير لبنان. يتآمر على المقاومة وما زال يتآمر على المقاومة.


هنا، نحن في الحقيقة نريد أن نكوّن ملفاً قضائياً، يعني لن نظم مظاهرات ولا شيء من هذا القبيل، أيضاً بشكل متمدن نحن سوف نكوّن ملفاً قضائياً، أهل بنت جبيل، أهل عيتا، أهل جنوب الليطاني، أهل شمال الليطاني، الناس الذين تعرضوا للضرب وللقصف، وبالأخص عندما يأتي شخص ويقول "اضربوهم واقصفوهم مثلاً في 15 تموز"، يعني كل الذين قتلوا بعد 15 تموز لهم مسؤولية في رقبته ليرفعوا عليه دعاوى.
سوف ننظر كيف يتصرف القضاء في هذا الملف. 
إذاً لدينا ملف جديد مثل ملف شهود الزور نريد أن نفتحه في البلد، نحن لم نفتحه.


في الـ 2006  كانت لدينا معلومات لكننا لم نكشفها، بعد 2006 من أجل أن يعرف كل العالم عندما أقول إن هذه المقاومة شريفة وأشرف الناس وأطهر الناس وأخلص الناس لأني أعرف وإخواني يعرفون كيف تواطأ من تواطأ وكيف تآمر من تآمر وكيف دّس من دّس، ومع ذلك أنا وقفت في 22 أيلول في مهرجان انتصار حرب تموز وقلت: تعالوا لنضع يداً بيد وكتفاً إلى كتف لنحمي لبنان ونعمّر لبنان، مع من؟ مع الذين نعلم أنهم تآمروا علينا وشاركوا في قتل رفاقنا وأطفالنا.


لكن اليوم أصبحت هذه الأمور على صفحات الجرائد، تشاهدونها في التلفزيونات، موجودة على مواقع الإنترنت، ومع ذلك نحن سنتصرف بكل حضارية إزاء هؤلاء الأشخاص الذين شاركوا بدمائنا ونشكّل ملفاً قضائياً ونتابع الموضوع على مستوى القضاء.


في موضوع الحكومة، أقول لكم بكلمة مختصرة، نعم هناك ضغوط.

أولاً في تشكيل الحكومة: يجب أن تبدأوا بمحاسبة الأكثرية الجديدة منذ لقاء البريستول عندما أعلنت قوى 14 آذار أنها لن تشارك، يعني نبدأ العد من ذلك اليوم وليس منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي.
طبعاً، هناك ضغوط كبيرة على الرئيس ميقاتي، سفراء ودول، سؤال عن طبيعة الحكومة، وبالتالي هناك ضغوط خارجية تقول: لا تشكّلوا حكومة من لون الأكثرية الجديدة، "طيّب كيف؟" هي أكثرية جديدة من حقها أن تتشكل منها الحكومة. نقاش في اللون، ضغوط على تركيبة الحكومة، ضغوط على بيانها الوزاري ، ضغوط على سياساتها المستقبلية.


الموضوع ليس موضوع عقد داخلية. في الأكثرية الجديدة هناك مطالبات وأنا برأيي هي مطالبات محقّة ويجب أن تناقش، وفي تشكيل أي حكومة في لبنان الأمور تجري بهذه الطريقة، وهذا ليس بدعاً الذي يحصل الآن، وقد يأخذ بعض الوقت، ولكن المسألة ليست فقط هذه، وإنما هي ضغوط. أنتم تستطيعون أن تسمعوا كل يوم في 14 آذار مهرجاناتهم وتصريحاتهم يطالبون الرئيس ميقاتي بتشكيل حكومة تكنوقراط؟ ماذا يعني هذا ؟ هل أنتم عندما كنتم الأغلبية كنتم ترضون برئيس وسطي يشكل حكومة تكنوقراط؟! هل الرئيس ميقاتي هو رئيس توافقي أم رئيس أفرزته أكثرية جديدة في إطار صراع سياسي قائم في البلد؟


وبالتالي لا شك أن الرئيس المكلف يتعرض لضغوط متنوعة. هذه عقد بعضها الداخلي طبيعي والخارجي هو غير طبيعي، بل يتم استجلاب الخارج وأنا أعرف وأنتم تعرفون مستوى الاستعانة بالخارج، الأميركي والفرنسي والغربي والعربي للضغط على الرئيس المكلف  وإذا احتجنا في يوم من الأيام لإظهار تفاصيل فنحن جاهزون لذلك.


لكن مع ذلك أنا في ختام الوضع اللبناني أريد أن أقول لكم: إن شاء الله الأكثرية الجديدة بكل عزم وبكل جدية سوف تعمل على تشكيل حكومة وستشكل حكومة لبنانية جديدة برئاسة دولة الرئيس نجيب الميقاتي وهذا تحدّ سياسي يجب أن نواجهه وأن نتحمله جميعاً في الأكثرية النيابية  الجديدة.


إنني في لقاء التضامن أتوجه إلى أرواح الشهداء الأطهار من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى البحرين إلى اليمن إلى فلسطين التي سقط فيها ويسقط فيها شهداء في كل يوم بالتحية إلى أرواح الشهداء  الطاهرة إلى المجاهدين الشرفاء إلى شعوبنا الثائرة والصامدة وأقول لهم : إن ربيعكم بدأ ولن يوقفه شيء ولن ينقلكم أحد إلى خريف آخر. إن إيمانكم وصمودكم وعزمكم أقوى من كل التحديات، ستنتصرون وننتصر إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.