05-05-2024 04:58 AM بتوقيت القدس المحتلة

الولاية عند الإمام الخامنئي

الولاية عند الإمام الخامنئي

الولاية هي الحكومة التي يكون فيها لشخص الحاكم أواصر محبة وعاطفة وفكر وعقيدة مع كل أبناء الشعب

الإمام الخامنئي حفظه اللهالولاية باختصار معناها أن الإسلام لا يتلخص في الصلاة و الصيام والزكاة والأعمال والعبادات الفردية. للإسلام نظامه السياسي وفيه حكومة تقوم علي ركيزة الضوابط الإسلامية. يعبر الإسلام عن الحكومة بـ « الولاية » و يسمي الشخص الذي يقف علي رأس الحكومة بالوالي و الولي و المولي و كلها من اشتقاقات كلمة الولاية. الحكومة تسمي « الولاية » في المصطلح والعرف الإسلامي.

الولاية هي الحكومة التي يكون فيها لشخص الحاكم أواصر محبة وعاطفة وفكر وعقيدة مع كل أبناء الشعب. الحكومة التي تتحقق بالانقلاب و التي لا يوافق فيها الحاكم معتقدات شعبه و لا يتكرث لأفكارهم و مشاعرهم، الحكومة التي يتمتع فيها الحاكم حتي في عرف شعبه - كالحكومات في العالم اليوم - بإمكانيات و امتيازات خاصة و تكون له فيها إقطاعية خاصة لتمتعاته الدنيوية، و الشخص الذي يتولي زمام السلطة بالوراثة و التعاقب النسبي بعيداً عن الفضائل و الكيفيات الحقيقية المشترطة في الحكومة، ليست أي من هذه الحكومات بمعني الولاية. الولاية معناها الحكومة التي تكون فيها علاقات الحاكم بالجماهير علاقات فكرية و عقيدية و إنسانية و ودية و يكون الناس فيها مرتبطين بالحاكم و يحبونه، و هو يري مصدر كل هذا النظام السياسي و واجباته فيه من الله و يعتبر نفسه عبداً و مملوكاً لله. ليس ثمة استكبار في الولاية.

الولاية تكون حينما تكون علاقة الوالي أو الولي بالناس الذين يمتلك الولاية عليهم علاقة قرب و محبة و مودة، و كما كان الأمر بالنسبة للرسول الأكرم ذاته، أي أن يكون هناك من الناس أنفسهم شخص يتولي قضية الولاية و الحكومة. الحكومة التي يطرحها الإسلام أكثر شعبية من الديمقراطيات الدارجة في العالم اليوم، فهي علي صلة بقلوب الناس و أفكارهم و عقائدهم و احتياجاتهم الفكرية. الحكومة في خدمة الناس. هذا هو الأساس في الحكومة الإسلامية.

الولاية بمعني السيادة و الإشراف في المجتمع الإسلامي، تختلف طبعاً عن الولاية و الإشراف و الحكومة في المجتمعات الأخري. الإشراف علي المجتمع في الإسلام لله تعالي. ما من إنسان يحق له تولي إدارة شؤون بقية الناس. هذا الحق خاص بالله تعالي الذي خلق الإنسان و أنشأه و يعلم بمصالحه و يملك كل أموره بل هو مالك أمور كل ذرات عالم الوجود. ما من قدرة و لا سيف قاطع و لا أية ثروة و لا حتي أية قدرة علمية أو تدبيرية تمنح أحداً الحق في أن يكون مالكاً و صاحب القرار بشأن مصير بقية أفراد البشر. هذه قيم.

يُعمِل الله تعالي هذه الولاية و السيادة عن طريق قنوات خاصة. أي حتي عندما يمنح الحاكم الإسلامي و ولي أمر المسلمين صلاحية إدارة شؤون الناس سواء علي‌ أساس التعيين الشخصي - و هو ما حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب و الأئمة من بعده عليهم السلام - أو حينما ينتخب علي أساس المعايير و الضوابط، تبقي الولاية لله و يبقي هذا الحق لله و القدرة و السلطان الإلهي هو الذي يجري إعماله علي الناس. أياً كان ذلك الشخص و مهما كان فلن يكون له بمعزل عن الولاية الإلهية أي حق علي الناس الآخرين. هذه بحد ذاتها نقطة مهمة و مصيرية جداً للمجتمع الإسلامي.

خصائص الولاية‌ الإلهية هي القدرة و الحكمة و العدالة و الرحمة و ما إلي ذلك. الشخص أو الجهاز الذي يأخذ علي‌ عاتقه إدارة أمور الناس يجب أن يكون مظهر القدرة و العدالة و الرحمة و الحكمة الإلهية. هذه السمة هي الخط الفاصل بين المجتمع الإسلامي و كافة المجتمعات الأخري التي تدار بأشكال مغايرة. لذا ينبغي في المجتمع و النظام الإسلاميين أن تسود العدالة و العلم و الدين و الرحمة، و لا تسود الأهواء أياً كان صاحبها و في سلوك و أقوال أي شخص كانت.

إذا كان المجتمع المدني بمعني مجتمع مدينة النبي فإن ولاية الفقيه ستكون طبعاً علي رأس كل الأمور في مجتمع مدينة النبي لأن الحكومة في مدينة النبي هي حكومة الدين و ولاية الفقيه لا تعني ولاية و حكومة شخص معين إنما هي حكومة معيار معين و هي في الواقع حكومة شخصية معينة. هناك معايير أينما تحققت سيكتسب ذلك الشخص القدرة علي النهوض بالواجبات المرسومة للولي الفقيه.

لكن المجتمع المدني بمعني المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي تسوده المقررات و القوانين. يمكن لولاية الفقيه أن يكون لها في مثل هذا المجتمع نفس هذه المكانة القانونية التي لها، أي أن تنتخب بأصوات الشعب غير المباشرة و تبقي ببقاء المعايير و تسقط بزوال العايير. للولي الفقيه الدور الأساس في رسم السياسات لكنه لا يتدخل مطلقاً في التنفيذ، و سائر الأمور المذكورة في الدستور.

ولاية الفقيه بحسب دستورنا لا تلغي مسؤوليات الأركان و المؤسسات المسؤولة في البلاد. مسؤوليات الأجهزة المختلفة و مؤسسات البلاد مما لا يمكن سلبه. ولاية الفقيه موطن هندسة النظام و الحفاظ علي‌ الخط و الاتجاه في هذا النظام و الحؤول دون انحرافه يميناً أو يساراً. هذا هو المعني الأساسي و المحوري لمفهوم ولاية الفقيه و معناها. إذن ولاية الفقيه ليست أمراً رمزياً و تشريفياً محضاً أو وعظياً و ليست ذات دور تنفيذي في مؤسسات البلاد لأن للبلد مسؤوليه التنفيذيين و القضائيين و التشريعيين و علي الجميع القيام بأعمالهم طبقاً لمسؤولياتهم و عليهم تحمل هذه المسؤوليات.

دور ولاية الفقيه هو الحيلولة دون انحراف مسيرة النظام عن أهدافها و قيمها يميناً و شمالاً في غمرة هذه المنظومة المعقدة و المتشابكة من الجهود المتنوعة. حراسة الحركة العامة للنظام نحو أهدافها المبدئية العليا و الإشراف عليها هو الدور الأهم و الأرسخ لولاية الفقيه. أدرك الإمام الجليل هذا الدور و استنبطه من متن الفقه السياسي الإسلامي و من متن الدين. كما أدرك فقهاؤنا ذلك من الدين و عرفوه و اعترفوا به علي امتداد تاريخ التشيع و طوال تاريخ الفقه الشيعي في جميع العصور.

في الإسلام لا تقبل أية ولاية أو سيادة علي البشر إلا إذا عيّنها الله تعالي. تقبل هذه الولاية حينما ينفّذها الشارع و تنفيذ الشارع يكمن في أن يكون الشخص الذي تمنح له الولاية - في أية مرتبة من مراتب الولاية كان - ذا أهلية و صلاحية، أي يجب أن يتحلي بالعدالة و التقوي، و يريده الناس. هذا هو منطق الديمقراطية الدينية و هو منطق علي درجة عالية جداً من المتانة و العمق.

يخال البعض أن « ولاية الفقيه المطلقة » الواردة في الدستور معناها أن القائد مطلق العنان و يستطيع أن يفعل كل ما يحلو له! ليس هذا معني‌ الولاية المطلقة. علي القائد تطبيق القوانين و احترامها بمنتهي الدقة. و لكن في بعض الأحيان لو أراد المسؤولون و القائمون علي‌ الأمور العمل بالقانون المعتبر بمنتهي‌ الدقة فسيواجهون مشاكل. هكذا هو القانون البشري. و قد فتح الدستور طريق حل لهذه المشكلة فقال: حينما يواجه المسؤولون مشكلات في تطبيق القانون الفلاني في مجال الضرائب أو السياسة الخارجية أو التجارة أو الصناعة أو الجامعة و لا يستطيعون فعل شيء فالقائد هو المرجع. القائد و رئيس الجمهورية و الوزراء و النواب كلهم خاضعون للقانون و يجب أن يكونوا خاضعين.

المجتمع الإسلامي صاحب الولاية هو المجتمع الذي ترتبط كل أجزائه ببعضها و بمحور المجتمع و مركزه أي الولي. و نتيجة هذا الارتباط و الاتصال هو أن يكون المجتمع الإسلامي في داخله واحداً متحداً متصلاً مؤتلفاً، و أن يجتذب خارجياً العناصر المفيدة و يطرد بقوة العناصر المعادية و يعارضها. الولاية تعني حكومة الاتقياء المعاكسين لشهواتهم و أهوائهم و العاملين بالصالحات. هذا هو معني الولاية الإسلامية. فأي شعب و أي بلد لا يريد هذا و لا يكون هذا الشيء‌ لصالحه؟