28-03-2024 06:32 PM بتوقيت القدس المحتلة

"إبن سينا أو الطريق إلى أصفهان" : ترجمة سيرة عالم مسلم للغرب

وإن أكد الراوي، أنه بعيد عن التأثر بالاسشتراق، إلا أنه وقع ضحية هذا الفخ "الإمبريالي"، ونأخذ عليه أنه لم يذهب في بحث تاريخي وعلمي ليوثق بعض المعلومات التي ذكرها عن ابن سينا

غلاف رواية ابن سينا أو الطريق إلى اصفهانهو يؤكد أن الاستشراق ليس مهنته، وأنه يستوحي قصص رواياته التاريخية من عبق التاريخي الشرقي والعربي، خصوصا أنه ولد وعاش مدة طويلة في مصر. إنه الروائي الفرنسي جيلبير سينويه، الذي كتب رواية طويلة عن الشيخ الرئيس ابن سينا، وقدمه إلى الجمهور الغربي، خصوصا أن الرواية كتبت بالفرنسية وترجمت إلى العربية وعدة لغات أخرى.

سينويه صاحب مواقف إنسانية تتسم بروح مناضلة يقول كلمة حق في وجه باطل، ولا يهتم لردود الفعل الغاضبة التي هاجمته بشدة، حين قال إن "إسرائيل هرطقة وخطأ من الأخطاء التاريخية الرهيبة التي ارتكبت في القرن العشرين".

 ويقول سينويه إن للشرق مكانة عالية لديه، ورغم الإقامة في باريس:«غالبية كتبي تدور أحداثها في مصر..كان جدي يحكي لي قصصا وأنا استمد أسلوبي من ذلك القص.

وأظن أن الإنسان لا يمكن أن يتنصل من طفولته. وأريد أن احتفظ بالجانب الشرقي بشخصيتي وإبداعي». واضاف أيضاً: «أنا لدي هوية مزدوجة في جانبها الشرقي والغربي، وأقبل هذين الجانبين من حياتي، ولعل الجانب العاطفي مني هو شرقي والجانب الفكري فرنسي الأصل. وهذا رائع لأنه يسمح لي أن أتخذ مسافة من الشرق ومسافة من الغرب كلما تطلعت إلى كل منهما».

"ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان" هو عنوان الرواية التاريخية التي تحكي سيرة هذا العالم والطبيب والشيخ والفليسوف الفارسي المسلم، الذي طبقت شهرته الأفاق في عصره، وحملت انجازاته العلمية إلى عصور متقدمة، استفاد منها العلم الحديث بشكل رئيسي وهو مدين له بها. هذا باعتراف كبار من رجالات الغرب فهذا لسير ويليم أوسلر يقول عن كتاب القانون لابن سينا " إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن" والعالم أوبرفيك يقول عنه " ولقد كانت قيمته قيمة مفكر ملأ عصره... وكان من كبار عظماء الإنسانية على الإطلاق".


ابن سينا رواية وسيرة : 
تقع الرواية في 479 صفحة من القطع المتوسط قسمها الراوي إلى إحدى وثلاثين فصلا سماها بالمقامات. تتناول حياة بطل الرواية وهو الطبيب والعالم والفيلسوف نابغة ذلك العصر ابن سينا. وذلك على لسان تلميذه أبو عبيد الجوزجاني الذي لازمه كظله وأحبه كما لم يحب أحد فأفنى وقته ونفسه لخدمته وخدمة العلم الذي قدمه للبشرية. لكم كان بارعا سينويه في وصف حياة ابن سينا التي وصلت شهرته العلمية إلى أبعد آفاق الأرض، وهو لم يزل مراهقا في السادسة عشرة من عمره، وكيف أصبح طبيبا ومعلما ومدربا وهو لم يبلغ الثامنة عشرة إلى جانب سيرة رحلاته العظيمة وهو يتنقل من ملك إلى أمير والمصاعب، التي تعرض لها من ظلم واستبداد الملوك وقصور نظرة بعضهم وغرور بعضهم الآخر، وذلك بما تتضمنه من تفاصيل وتقلبات ومغامرات لا تخلو من التشويق والإثارة.

رسم افتراضي لشخصية ابن سينالقد لعب لعبته بذكاء سردي وفطنة عجيبة حين منح الجوزجاني دورين في عملية السرد، إذ إنك تراقبه وهو يظهره بجلاء ليصف الأحداث من خلال وجهة نظره فتجعله غاضبا وعاتبا متألما أو خائفا وأحيانا أخرى يخفيه ويرتدي لباسه ويحركه ضمن الشخصيات بصفة محايدة بإقتدار كما يفعل مع بقية شخوص الرواية دون أن يشعر القارئ بوجوده بينهم !.


هما دوران متعاضدين في عملية السرد: دور الراوي المعلن المعتمد على ضمير المتكلم، الذي يصف الأحداث من زاوية نظره الشخصية، ودور الراوي المستتر، الذي يتقمص دور المؤلف ويدعي الحياد بتقديم نفسه ضمن سائر الشخصيات المتحركة داخل دائرة الأحداث المروية. تتأمل حروف الرواية التي مالت للشاعرية في وصف الكثير من الأحداث والوقائع والشخصيات التي مر بها أبو علي، وأغبط نفسي كثيرا لأنها لغة ذات جناحين، وأنا اعشق التحليق إلى الأعالي وبلا حدود، حروفه طارت بي هناك حيث قصور الأمراء تارة، وحيث الصحراء حين هب الأعصار المهول وراح ضحيته الطبيب المسيحي السهيلي رفيق رحلته.


ولقد استفاد المؤلف من الصفحات التي وضعها الجوزجاني تلميذ ابن سينا في عمله الروائي هذا. إنه ابن سينا الذي يقول عنه تلميذة أبو عبيد الجوزجاني:"لم يزل اسمه ملفوظا وذكره محفوظا من سمرقند إلى شيراز ومن أبواب المدينة المدورة، بغداد، إلى أبواب الاثنتين والسبعين أمه ومن فخامة القصور إلى ضواحي طبرستان ولم يزل الصدى يترسل بأخبار عظمته في أرجاء المعمور". لسنوات، طويلة جاب ابن سينا إيران يعمل عند الامراء المحليين، وفي العام 1017م، عمل بصفته وزيرا وطبيبا لحاكم همدان، ولكن بعد موته وفي العام 1022م، سجن لمدة أربعة شهور ولكنه تخفى وهرب في زي أحد الدراويش إلى أصفهان حيث أمضى حياته طبيبا لعطاء الدولة.

وذات مرة استدعى ابن سينا للكشف على أحد المرضى، وبعد فحصه فحصا دقيقا تأكد أنه لا يعاني من مرض عضوي ولكن من حالة نفسية، وعندئذ استدعى رجلا يعرف أحياء المدينة وشوارعها خير المعرفة، وأخذ في سرد أسماء الاطباء اسما إسما بيما يضع ابن سينا إصبعه على رسغ المريض ويحس نبضه ويلحظ التغيرات على وجهه، حيث لاحظ عليه التأثير عند ذكر اسم حي معين، وعندئذ بدأ في ذكر شوارع ذلك الحي حتى اكتشف الشارع الذي تأثر بذكره هذا المريض، وهكذا حتى وصل إلى ذكر البيوت وساكنيها فردا فردا، حتى ذكر اسم فتاة معينة، فعرف ان الشاب يهواها ، وكان العلاج هو الزواج وتم بعده الشفاء.


ويتغلل الإسشتراق في الرواية:
وإن أكد الراوي، كما أسلفنا، أنه بعيد عن التأثر بالاسشتراق، إلا أنه وقع ضحية هذا الفخ "الإمبريالي"، ونأخذ عليه أنه لم يذهب في بحث تاريخي وعلمي ليوثق بعض المعلومات التي ذكرها عن ابن سينا. فهو في الصفحات الأولى من الرواية يطالعنا بأن بطلنا الشاب الفذ، كان هاويا للنساء يقيم علاقة معهن دون عقد زواج، وأنه شارب للخمر بل محب له رغم معرفته بحرمته وأنه كان إسماعيلي المذهب حينا وحين أخر يذكر هجرانه لهذا المذهب.

الروائي الفرنسي جيلبير سينويهوأكثر المصادر التاريخية التي تتحدث عن سيرة الشيخ الرئيس أبي علي الحسن بن سينا تشير إلى كونه إسماعيلي المذهب نظراً إلى ما ورد في سيرته الذاتية التي أملاها على تلميذه الجوزجاني من أن أباه كان ممن أجاب داعي الإسماعيلية في بخارى، فالمظنون جداً أن أبن سينا قد اقتفى أثر والده في الاعتقاد، غير أن بعض العلماء ممن ترجم له رجح أن يكون ابن سينا اثنا عشرياً إمامياً لا إسماعيلياً .. وذلك بناءً على ما ورد في بعض كتبه من قوله بالإمامة وذهب إلى هذا الرأي المحقق المصري سليمان دنيا في مقدمته لكتاب الإشارات والتنبيهات الطبعة المصرية.

ويقول السيد حسن الصدر "أبو علي ابن سينا، شيخ الحكمة في المشائين، حاله في الفضل أشهر من أن يذكر، وقد أطال القاضي المرعشي في طبقاته الفارسية في الاستدلال على أمامية الشيخ الرئيس.. نعم هو ولد على فطرة التشيع، كان أبوه شيعياً إسماعيلياً". وأنه في وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكاملها ولا أشتغل في النهار إلا بالمطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى و دعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له.