13-05-2024 02:55 PM بتوقيت القدس المحتلة

صدّق نحن ما زلنا في "سنة 501" والغزو مستمر ..!

صدّق نحن ما زلنا في

قد لا تصدق عزيزي القارئ إذا أخبرتك أننا ما زلنا في العام 501 من عمر تاريخ البشرية؟!. وقد تستغرب إن أخبرتك أنه بحلول الحادي عشر من تشرين الأول من العام 1992 ينتهي العام 500 من عمر النظام العالمي القديم!!..

نعوم تشومسكي المفكر اليهودي الكاره للصهيونيةقد لا تصدق عزيزي القارئ إذا أخبرتك أننا ما زلنا في العام 501 من عمر تاريخ البشرية!. وقد تستغرب إن أخبرتك أنه بحلول الحادي عشر من تشرين الأول من العام 1992 ينتهي العام 500 من عمر النظام العالمي القديم!!.. هذا ليس بأحجية بل هي تقدير فلسفي وثقافي من قبل المفكر الأميركي اليهودي نعوم تشومسكي، الذي يؤكد أن النظام العالمي الجديد لمّا يأت بعد وأن السمات الرئيسية للنظام الاسنعماري القديم لم تزل هي هي حتى الآن.

ويعرف تشومسكي بصفته مفكراً سياسياً يسارياً بامتياز مناهض للنظام السياسي الحاكم في أميركا فكرياً وأيديولوجيا منذ حرب فييتنام، ولم يجد حرجاً في الوقوف علناً أمام ما رآه هيستريا عسكرية وحربية وإعلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. ولا يتوقف المفكر الأميركي اليهودي عند انتقاد صنع القرار ورجاله ومؤسساته في واشنطن بل يراهم شركاء وصانعي أزمات وحروب إقليمية ودولية من أميركا اللاتينية إلى أسيا مروراً بوطننا العربي حتى أنه وصف حرب 2006 على لبنان بأنها كانت غزواً إسرائيليا أميركياً. 


تشومسكي في مقابلته مع قناة الجزيرةفي مداخلة من أحد الحضور، خلال لقاء تلفزيوني معه على قناة الجزيرة في برنامج "حوار مفتوح"، الذي كان يقدمه ويعدّه غسان بن جدو، سأل نعوم تشومسكي كيف يكون يهوديا ويدافع عن قضية فلسطين، فهو بصفته يهوديا يؤمن بأرض الميعاد وأن أرض فلسطين هي أرضه وأن اليهود هم شعب الله المختار وتالياً فإن الصهيونية واليهودية هما وجهان لعملة واحدة ؟!. فقال تشومسكي أنه نشأ في عائلة يهودية وأنه منسجم مع الثقافة اليهودية ويؤكد أن لا أحد كان يصدق هذه الأمور حول الأرض التي وعدنا الله بها أو ما تروج له الحركة الصهيونية، مشيراً إلى أنه بالنظر إلى الوقائع والحقائق ربما كان اليهود الأساسيون هم الفلسطينيون وأنهم اضطروا لمغادرة الأرض لأن بعض القوى جاءت وطردتهم، وتالياً هذا ما حدث طوال التاريخ والفلسطينيون الذين كانوا هناك هم السكان الأصليين. وأضاف أن اليهود مجتمعات خيالية لديها تعريف ثقافي وربما هناك هدف موحد لكل هذه المجموعات ولكن ليس لهذا أي علاقة بالمواصفات الدينية. 

 فمن هو نعوم تشومسكي؟.


يهودي كاره للصهيونية:
ولد نعوم إفرام تشومسكي في العام 1928 وحصل على درجته العلمية في اللغويات العام 1951 من جامعة بنسلفانيا. بعدئذ في بداية الخمسينات سافر إلى الكيان الإسرائيلي ليعيش لفترة في أحد الكيوبوتزات حيث اعتقد في الطبيعة الاشتراكية والإنسانية لحركة الكيبوتز. بيد أن الغشاوة انقشعت بسرعة عن عينيه فترك "إسرائيل" وعاد إلى الولايات المتحدة؛ حيث عمل في العام 1955 في جامعة هارفارد، ثم انتقل ليعمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا M .I.T  وما زال يعمل به حتى الآن.

بورتوكول لحكماء بني صهيوني يعلنون عن تشكيل الدولة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة العام 1948وهو يعد من أهم الشخصيات الثقافية على مستوى العالم. وأحد أكثر العلماء تأثيراً في علم اللغويات الحديث. وتستخدم نظرياته اللغوية بكثرة في علوم الاتصالات وعلوم الحاسب الآلي. بيد أن هذا الجانب العلمي لا يمثل الجانب الأهم في تشومسكي؛ فيكفي أن نعرف أنه أهم "المنشقين" في الولايات المتحدة الأميركية. وقد نعتته منظمة "بناي بريث" (أبناء العهد) اليهودية ذات الميول الصهيونية- بأنه أشد مواطني الولايات المتحدة الأمريكية عداءً لإسرائيل. ووصفه البعض بأنه يهودي يكره ذاته. واعتبرته محطة "سي إن إن" الإخبارية العالمية - أنه أهم نقاد السياسة الأميركية. واختير ضمن أحد الاستفتاءات الثقافية في الولايات المتحدة ليكون ضمن أهم ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة في هذا القرن. ولا غرابة في أن يتعرض تشومسكي داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها إلى حملات إعلامية منسقة كلما وضع كتابا جديدا أو كتب مقالا من تلك المقالات التي تصبح سجلا للمعطيات والأدلة الكاشفة للسياسة الأميركية في العالم، حتى إن العديد من الصحف الاميركية تمتنع عن نشر مقالاته وشهاداته التي تغضب اليمين الأميركي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وتضرب صفحا عن التعريف بكتبه وإنجازاته الفكرية.

كتاب "سنة 501 الغزو مستمر" :
النسخة العربية المترجمة من كتاب سنة 501 الغزو مستمرمن وجهة نظر تشومسكي فإن إزالة الآخر هو نهج الحضارة الغربية وطاعونها. وهذا النهج/ الغزو مستمر من وجهة نظره المدعومة بمزيد من الوقائع التي يستقيها تشومسكي من الوجه الآخر المظلم والمسكوت عنه للحضارة الغربية.. ففي كتابه "الغزو مستمر" يؤكد تشومسكي على ذلك، فمن وجهة نظره أن العام 1992م من قرننا المنصرم طرح تحدياً أخلاقياً وثقافياً خطيراً على القطاعات صاحبة الامتياز في المجتمعات المسيطرة على العالم، فبحلول الحادي عشر من تشرين الأول 1992م ينتهي العام (500) من عمر النظام العالمي القديم والذي يدعى بالحقبة الكولومبية ـ نسبة إلى كريستوف كولومبس ـ أو حقبة فاسكو دي غاما، تبعاً لأي من المغامرين النهّابين الذين بدأوها، أو "رايخ الـ 500عام". وإذا ما أردنا ـ

 والقول لتشومسكي استعارة عنوان الكتاب التذكاري الذي يقارن طرائف النازية وأيديولوجيتها بمثيلاتها عند الغزاة الأوروبيين الذين أخضعوا العالم لسيطرتهم ونهبهم، ولذلك فقد أثر تشومسكي أن يجعل عنوان كتابه الرئيسي هو ""سنة 501" والعنوان الفرعي هو "الغزو مستمر" وكأننا أمام فاتحة جديدة لغزو جديد ونهج تاريخي جديد هو طاعون حضاري كما يرى تشومسكي من شأنه أن يهدد العالم بأسره والكون برمته. يقول تشومسكي: كان الأوروبيون يحاربون بهدف القتل وكان لديهم من الوسائل ما مكنهم من ارضاء شهوة الدم عندهم.. بهذا يجعل تشومسكي من نهج التاريخ وطاعون الحضارة شيئاً مستمراً فلم يتغير "العمل العظيم في الاخضاع والفتح" على حد تعبيره المتهكم على مر السنين إلا قليلاً من القتل والاستقتال السائد الآن في ظل الامبريالية العالمية والذي يمثل من وجهة نظره الوجه الحقيقي والآخر لتلك الإبادات الجماعية التي عرفتها الحقبة الكولونيالية.


تقول الفكرة الأساسية التي تخترق صفحات "سنة 501" كلها تقريباً إن الإمبراطوريتين الانكلوساكسونيتين (إنكلترا، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية) الليبراليتين "من الخارج" تملكان في جوهرهما، الأكثر استتارا، نظاماً مافيوياً. ويلاحظ أن هذا النوع من النظام ظهر في أميركا مع استعمارها من قبل القراصنة والبروتستانت: وصل قراصنة شمال أميركا حتى بحر العرب في أواخر القرن السابع عشر.

نيويورك القديمةوبحلول ذلك الوقت صارت نيويورك سوقاً للصوص، حيث كان اللصوص يتخلصون من أسلابهم القادمة من أعالي البحار". ويقتبس تشومسكي عن نيتانيلر: "وقد لعب الكسب غير المشروع، والفساد دوراً حيوياً في تطور المجتمع الأميركي الحديث، وفي خلق الآلية المعقدة المتداخلة المؤلفة من الحكومة ورجال الأعمال، الآلية التي تقرر مجرى شؤوننا في الوقت الحاضر".‏ يبدو الشبه مذهلاً بين مصير أوروبا الشرقية في نهاية القرن العشرين، ومصير الهند قبل قرنين، يعيد تشومسكي إلى الأذهان أن بنغلاديش الفقيرة الحالية كانت قبل قدوم الإنكليز بلداً مزدهراً، عرفت بقطنها الممتاز، الذي انقرض اليوم، وبجودة نسيجها الذي صارت تستورده"، وكانت عاصمتها دكا تقارن بـ"مانشستر الهند"، وهنا يلاحظ المطلعون على أوضاع أوروبا الشرقية أن عدداً من الصناعات المتطورة بدأ يختفي في بولونيا في الأعوام الأخيرة- ويكفي ذكر الصناعة الإلكترونية في محافظة فروتسلاف- كما صيغت في عهد رئيس الوزراء بييليتسكي (1992) الخطة "الأوروبية" لتفكيك 80% من معامل النسيج في "مانشستر البولونية" أي في محافظة لودج.‏


تكريس ثقافة الغزو :
يكرّس تشومسكي اهتماماً خاصاً لأسس غزو العالم بمساعدة الأفكار البدائية المناسبة، ولاسيما بمساعدة "السوق الحرة" الشهيرة التي أكد الإخلاص لها الرئيس البولوني كفاشنييفسكي، فور انتخابه، في حديث هاتفي مع الرئيس كلينتون. ويذكرنا المؤلف هنا بأن الفيلسوف المجري- الإنكليزي كارل بولاني لاحظ قبل نصف قرن تقريباً أن "السوق الحرة لم يكن لها أن تستمر لفترة طويلة دون إتلاف الجوهر الإنساني والطبيعي للمجتمع، وكان من شأنها أن تدمر الإنسان وتحول محيطه إلى خراب". ينبغي النظر إذن إلى الفكرة الحديثة عن السوق الحرة كالنظرة إلى البطانيات حاملة عدوى مرض الجدري التي وزعها الأميركيون على الهنود في إطار "المساعدة الحضارية".

الاحتلال الأميركي للعراق ألا يثبت ان الغزو ما يزال مستمرا؟وهذه الحيلة تعرفها تماماً المؤسسات فوق القومية التي تشرف على تطور العالم. ويذكر المؤلف رأي البنك العالمي بأن "خلق أسواق حرة في روسيا وغيرها من البلدان الفقيرة قد يؤدي إلى إبطاء ارتفاع حرارة الأرض أكثر مما تفعله أية إجراءات أخرى يحتمل أن تتبناها البلدان الغنية في التسعينات".‏ ويلاحظ تشومسكي هنا مصيباً أنه "في مرحلة الفساد الثقافي الحالية، من الضروري التأكيد على أن المبادىء الاقتصادية التي يعظ الحكام بها إنما هي أدوات سلطة، مثلها مثل مبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان الموجهة للآخرين بحيث يمكن استغلالهم وسرقتهم على نحو أكثر فعالية. لا يقبل أي مجتمع غني هذه المبادىء لنفسه إلا إذا قدمت له منافع مؤقتة مصادفة. ويكشف تاريخ هذه المجتمعات أن الافتراق الحاد عن هذه المبادىء كان عاملاً هائل الأثر في التنمية”.‏


وبصفته أخصائياً في علم اللغة يكرّس تشومسكي اهتماماً خاصاً للثقافة الخاصة للكلمة التي تشجع "الأوروبيين" منذ قرون على أعمال الغزو. ويذكرنا هنا بحقيقة معروفة جيداً وهي أن "كل طفل أميركي ممن يتعهدون" بالولاء لأمتنا في ظل الرب" يُعَلَّم كيف أستعار البيوريتانيون فصاحة وخيال العهد القديم، محولين أنفسهم عن وعي إلى شعب الله المختار الذي يتبع إرادة الرب "بقتل الكنعانيين وطردهم من أرض الميعاد". لقد رصد مؤرخون عديدون وجه الشبه بين تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث وتاريخ إسرائيل القديم. ولدى كتابته عن هذه الظاهرة يلاحظ تشومسكي: "من منا لم يظهر أسفاً عند دراسته المؤرخين الذين مجدوا أسلافنا المبجلين لأنهم قاموا بعمل الرب وفقاً لإرشادات قادتهم الدينيين، مؤدين "مهمتهم السماوية" عبر هجوم مفاجىء قبل الفجر على قرية البيكوت الكبرى (الهندية- عام 1637-م.م)، عندما كان معظم الرجال خارجها، وذبحوا النساء والأطفال والعجائز بأسلوب توراتي أصيل؟"‏.


رغم زكائه الوقاد ألا أنه يخطأ في  رؤية الصراع الحقيقي في المنطقة أدت طريقة "الاستقامة السياسية"- أي السرقة تحت غطاء القانون، كما كان يقال قديماً- إلى كوارث حضارية هائلة في الماضي نتيجة الحاجة إلى تزييف الواقع باستمرار. فبمثل هذه الكارثة انتهى في العصر القديم تاريخ إسرائيل، وشهد العصر الحديث تدمير تشيكيا التام تقريباً بعد أن أصيبت بالكلفنة (نسبة إلى كلفين من زعماء الديانة البروتستانتية)، وفي القرن العشرين لقي المصير نفسه الألمان الذين خدعتهم روح الشعب المختار. واليوم يحاول الأميركيون الذين يرون أنفسهم- في غالبيتهم - "أبناء الله" تجسيد إيديولوجية العهد القديم بشأن غزو الأرض والسيطرة على "الحيوانات" المشار إليها في الصفحة الأولى من التوراة. يحاولون تجسيدها على مستوى الكرة الأرضية، ويحاول نعوم تشومسكي منذ أعوام تعثير حضارة "أبناء الكذب" هذه التي أوصلها جشعها إلى الجنون.‏