13-05-2024 02:59 PM بتوقيت القدس المحتلة

في ذكرى استشهاده ..الإمام علي (ع) أول من آمن بالتعددية السياسية والثقافية

في ذكرى استشهاده ..الإمام علي (ع) أول من آمن بالتعددية السياسية والثقافية

تعامل الإمام(ع) مع التكفير الذي تناوله شخصياً كان مثاليا وحضاريا لجهة خضوعه لأحكام الشرع الإسلامي. إذ اعتبرهم (طلاب حق ضلوا) ولم يحرمهم حقهم في بيت مال المسلمين وكان يقارعهم حجة بالحجة

غلاف كتاب الإمام علي بن أبي طالب وحقوق الإنسان"الإمام علي بن أبي طالب وحقوق الإنسان"، ليس الكتاب الأول الذي يتعرّض لحياة الإمام علي (ع) ولكنه قد يكون من الكتب القليلة التي تلقي الضوء على الفقه السياسي عند "الخليفة الرابع" بعد النبي (ص)، ويظهر أنه الخليفة الوحيد الذي كان متمكناً من العمل بفقه سياسي وأطر شرعية تعمل على بناء دولة المؤسسات.


المؤلف هو الدكتور حسن الزين من جنوب لبنان وسكان بيروت والده المؤرخ المعروف الشيخ علي الزين، وقد صدر له مؤلفات مهمة عديدة تصب في هذا المضمار. ويحمل شهادة دكتوراه دولة في القانون العام من باريس. وأهمية الكتاب تبرز في أنه يقدم للتاريخ بموضوعية لافتة وتحقيق يتصل بعمق التاريخ والفكر الإسلاميين ليقدم الصورة الواضحة المدعمة بالمراجع البالغة في القدم إلى جانب المراجع البالغة في الحداثة.

إنه يعتمد في تفسير وتقييم التاريخ والفكر العلم والموضوعية لاسيما في وصفه للظروف الدينية والسياسية والاجتماعية التي ترافق أو تفسر القوانين والأنظمة. ومن هنا كان هذا الكتاب عن كل ما كتب حول هذا الموضوع.


الكتاب مهم في عنوانه وموضوعاته ويشكّل مرجعاً لأحداث اليوم :

المؤلف اللبناني الدكتور حسن الزينالكتاب هو عبارة عن قسمين، يضمان عدة فصول. القسم الأول يحوي تسعة فصول، تحدث فيها عن حقوق الإنسان كما عرفها الفقه السياسي الصادر عن الإمام علي في مقارنة مع الفكر السياسي الحديث. وعن الحرية، ومبدأ تساوي المواطنيين أمام القانون، ومبدأ التكافؤ الفرص وحق المعارضة السياسة والتعامل مع غير المسلمين وموقفه من الخوارج وقضية عبادة الشخص. في القسم الثاني يتعرض إلى وسائل حماية حقوق الإنسان من تعسف السلطة، وفيه دولة المؤسسات والقانون ومبدأ المشروعية، والحد من صلاحيات الحاكمين، والرقابة على أعمال الحكم، وحكم الشعب ودوره في مسيرة الحكم، والتنمية والإعمار والمساءلة والمحاسبة.

يرى المؤلف أن المواضيع التي برزت في هذا الكتاب تتصل بما يسمى اليوم في جميع الأنظمة الديموقراطية العريقة (مرتكزات الديموقراطية) وجميع هذه المرتكزات تتصل بها ما يدعى اليوم : حقوق الإنسان. وإذا كان هدف القانون في النظام الديموقراطي يتمثل في حماية حقوق الإنسان من تعسف السلطة بالتناقض مع هدف القانون في الأنظمة الديكتاتورية المتمثل في حماية السلطة من المواطنين، فإن الهدف (الديموقراطي قد ظهر جليا من خلال النظام الذي أقامه الإمام علي (ع) لجهة حماية حقوق الإنسان من تعسف السلطة.

الإمام علي (ع) طبّق مفهوم الحكم في ظل تعددية سياسية دون ظلم لأحد

السؤال الأول: في مبدأ المعارضة السياسية تقول إن الإمام علي مارس قولا وفعلا مبدأ التعددية السياسية والثقافية، في عهده، وإذ تمّ اختراع هذا المبدأ في العصر الحديث، كيف مارس الإمام ذلك، وكيف أوقعت المطابقة بين فلسفة مصاديق هذا التطبيق وبين أفق ما يدعيه فلاسفة ومفكري الحداثة؟.

الإمام علي بن أبي طالب خليفة رسول الله ووصيه من بعدهإن مبدأ المعارضة السياسية كما مبدأ التعددية السياسية والدينية لم يخترعا حديثا لأنهما كانا نتيجة لتفاعل حضاري تطور عالميا وتوصل إلى صيغته النهائية نتيجة للتيارات الثقافية التي انطلقت في بعض دول الغرب. أما المطابقة بين الصيغة النهائية لمبدأي التعددية الدينية والسياسية مع المبادئ والأحكام التي طبقها علي بن أبي طالب خلال عهده فهي تظهر مدى التطور والتفاعل الحضاري العالمي الذي أنتج هذه المبادئ. ولكنها ثبتت أيضاً أثر الدور الثقافي للحضارة الإسلامية في ما توصل إليه الغربيون في هذا السياق تماما كما حدث في مجالات الطب والفلسفة وغيرها من العلوم.

وكلام الإمام علي (ع) وتصرفاته في مواجهة الظروف التي واجهته قد فصلت من أمور نظام الحكم الإسلامي ما أضاف جديداً في مواجهة تحديات ذلك العصر وفي ما وضح من المبادئ والمواقف التي أثرت الفكر الإسلامي ولا تزال ولاسيما لجهة حماية حقوق المعارضة السياسية والأقليات السياسية والدينية والعرقية. هذه الحقوق التي لا يزال الكثير منها وحتى يومنا هذا يتلقى الاعتدءات الضارية في الكثير من بلدان العالم الديموقراطي الحديث لاسيما لجهة حقوق الأقليات الدينية التي تقف على حافة الهلاك في بعض الدول المتحضرة.

السؤال الثاني : كيف لنا أن نفسر أن الإمام علي (ع) قد قام بالحرب فعلا ضد بعض معارضيه في ضوء ما تتفضل به حول أسبقيته في سنّ مبدأ التعددية السياسية والثقافية؟.

مقام الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرفإن للحرب في الفقه السياسي عند الإمام علي (ع) شروطاً يجب أن تتحقق وتتمثل في تحقق الفتنة، والدفاع عن النفس أو عن أحكام الشرع. إنه لم يبدأ أحدا بقتال في جميع حروبه حتى إنه في موقعة النهروان مع الخوارج لم يسمح لجيشه ببدء القتال إلا بعد أن تمّ هجوم الخوارج عليهم. وكذلك كان الأمر في موقعة الجمل حيث أرسل من رفع القرآن الكريم على التقيد بنصوصه المتعلقة بالأمن أو بالسلم والحرب. وطبق المبدأ نفسه في حرب صفين وغيرها عبر المفاوضات والمراسلات التي استمرت من أجل إقناع معاوية بعدم الانجرار وراء الفتنة. وبعد أن كان معاوية قد رفض السماح لجيش الإمام بورود الماء ولكنه بعد أن أجلي عن المكان طلب من الإمام (ع) السماح لجيشه بورود الماء فسمح الإمام بذلك !.. هذا مع العلم أن مبدأ التعددية السياسية والدينية لا علاقة له بالمبادئ والمواضيع التي قامت حروبه من أجل الدفاع عنها وعلى أنه لم يبدأ احدا بقتال خلال جميع حروبه.

الإمام علي (ع) استوعب ظاهرة "التكفير" وحاول إعادتها للإسلام بأسلوب حضاري

السؤال الثالث: في ما نعيشه حالياً من أزمات في العالم العربي تعود ظاهرة التكفير تطل برأسها من جديد، الإمام علي هو أول من شهد هذه الحال في حكمه، كيف تعامل معها ؟.

رسول الله : انا مدينة العلم وعلي بابهاإن تعامل الإمام علي (ع) مع التكفير الذي حصل وتناوله شخصياً كان مثاليا وحضاريا لجهة خضوعه لأحكام الشرع الإسلامي. إذ اعتبرهم الإمام (طلاب حق ضلوا) وجاء في وصيته :"لا تحاربوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه". لقد تعامل مع مكفريه من الخوارج بمنتهى الحرية والديموقراطية، كان خليفة وكانوا من رعاياه ولكنه لم يسجنهم ولم يقطع نصيبهم من العطاء من بيت مال المسلمين. وفي ذلك يقول الناقد الكبير المصري طه حسين :"لقد كانوا أحراراً في الإعلان عن عقيدتهم آنى شاؤوا وكان الإمام وأصحابه يقابلونهم بمعتقداتهم بكل حرية ويجادلونهم فيها ويتبادلون معهم الأدلة والإستدلال". (ص35 من الكتاب). ولكن يقول ابن قتيبة في كتابه "الإمامة والسياسة" :"إنهم عزفوا عن الثورة واعتمدوا النهب والسلب حرفة". (ص36). لذلك تعقّبهم الإمام علي (ع) إلى شاطئ النهروان وحاربهم هناك.


لقد كان الإمام (عليه السلام( يبرر عدم التعرض لهم بالقول :" لهم علينا ثلاث أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلوننا ".(ص16). نعم، كان الإمام مضطرا إلى تلك الحرب خضوعا إلى أحكام الشرع الإسلامي واستناداً إلى معطيات فقهه السياسي في تفسير الأيات القرآنية. ألم يأت في الحديث الشريف :"أنا مدينة العلم وعلي بابها"؟. ولا بد أن نذكر هنا أن الإمام (ع) رفض السماح لأتباعه بقتل ذلك الخارجي الذي شتمه ووجّه إليه تهمة الكفر أمام ملأ من الناس ولم يسمح بالتعرض لابن الكواء عندما تعرّض له بالتهجم والتكفير أثناء الصلاة في المسجد.

مفهوم "الذمي" حوّر معناه والإمام علي (ع) أوصى بانصافهم

السؤال الرابع: في مسألة العلاقات مع غير المسلمين ما تزال تثار إلى اليوم قضية دفع الجزية للحكومة الإسلامية، والتي تتهم بأنها كانت تمارس ظلماً يجبر غير المسلمين على دفع ثمن أقامتهم في بلاد المسلمين رغم أنهم يساونهم في المواطنة. وتقول في كتابك إن الإمام علي قال لولديه الحسن والحسين في وصيته :".. والله الله في ذمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم". كيف يسميهم أهل ذمة وكيف يوصي بعد ظلمهم في الآن نفسه؟.. وهذا ما يفتخر به الغرب على الإسلام في التعاطي مع الاقليات؟.

لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقارأولا :  إن دفع الجزية حّرف عن معناه الأصلي، لأن له علاقة بإعفاء أهل الكتاب من بعض ما يلزم به المسلمون بالدفاع عن حياض الإسلام وبلاده ضد الأعداء حماية للجميع من استهدافات الأعداء في الخارج وقد سبق عند فتح أرمينية أن رفضت بعض سكانها دفع الجزية وعرضت أن تشارك في الحروب لحماية الجميع من العدو. واشترك المعترضون في القتال وانتهى الأمر بموافقة الفاتحين العرب. وكان أكثر المؤرخين يعرفون الجزية بأنها بدل الحماية التي يقدمها الفاتحون العرب ولا يشارك بها الأخرون.

ثانيا: إن الجزء الثاني من السؤال يحمل في طياته شئياً من الجواب حيث إن ما ورد في وصية الإمام يشير إلى أنهم "ذمة رسول الله" ونصح بالرجوع إلى المعاهدة التي أبرمها رسول الله مع نصارى نجران لأنها جددت حقوقا وواجبات متوازية للطرفين كما يقول الأب لامنسى اليسوعي. وكان للإمام كلام أخر يشير فيه إلى المساواة في الحقوق بينهم وبين المسلمين إذ يقول :"دماؤهم كدمائنا" و "دم الذمي كدم المسلم حرام". إن الواقع الذي كان قائما عبر التاريخ يظهر أنهم كانوا يتمتعون بامتيازات اقتصادية وغير اقتصادية وذلك عبر تعاطيهم تجارة الخمرة والخنزير وتعاملهم بالربا مما كان محرما على المسلمين. بعد أن أدت تلك الامتيازات إلى حصول أهل الذمة وأهل الكتاب على أرباح كبرى كما يقول المستشرقون. ويعترفون بأن عبارة ذمي ترجمت إلى الفرنسية عبر العبارة homme de foe  أي صاحب الضمير والشرف، فهي لم تحمل أية إهانة.


الإمام (ع) رفض تعظيم الشخص وكان يؤكد على تساوي الجميع
السؤال الخامس: كانت للإمام علي (ع) مواقف يشهد له التاريخ تفيد أنه كان يرفض تعظيمه من المسلمين وغير المسلمين، تقول في كتابك أن الغرب عندما حارب مبدأ تعظيم الشخص وصل به الأمر إلى قيام دولة القانون والمؤسسات والديموقراطية، هل ترى ما يزال هو السبب نفسه سببا لتخلف المسلمين في العالم العربي؟.


الإمام علي والإسلام واحد لا يفترقان إنه مبدأ عبادة الشخص يتناقض مع مبدأ تساوي الجميع أمام أحكام الشرع الإسلامي وهذا مار رفضه القانون الوضعي بالعرف الغربي. من هنا يشير الإمام (ع) إلى مستقبليه بطريقة تنم عن الخضوع التام إلى أن هذه العادة أو الطريقة تضر بهم في الدنيا ويحصلون من أجلها على العقاب في الاخرة. إنه يعتبر مبدأ المساواة مقدساً وأبرز ما جاء به القرآن الكريم. وإن مخالفته هي بمثابة مخالفة لاحكام الشرع الإسلامي. أو ليس هذا ما ينطوي عليه موقفه (ع) من مستقبليه لدى وصوله إلى مدينة الأنبار ويبدو بعض ما جاء في نهج البلاغة شديد التعبير في هذا الاتجاه حيث ورد (أنه لقيه عند مسير إلى الشام دهاقين الأنبار- من النصارى - فترجلوا واشتدوا بين يديه فقال لهم:" ما الذي صنعتموه؟ قالوا:" خلق منا نعظّم به أمراءنا. فقال لهم :والله ما ينتفع به أمراؤكم وتشقون به في أخرتكم ما أخسر المشقة وراءها العقاب وأربح الدعة ومعها الأمان من النار !).


وبعد ذلك يمكن الإشارة إلى أن ما يجري اليوم في مواطن المسلمين وغير المسلمين من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في كثير من الأحيان يعيد إلى الأذهان ذكرى وعبر مواقف علي بن ابي طالب في جميع دلالاتها وتعابيرها عن موقف الشرع الإسلامي من تقديس وحماية حقوق الإنسان (كخليفة لله على أرضه).


الإمام علي (ع) سعى في حكمه لإقامة دولة المؤسسات الفاعلة


السؤال السادس: أطلق المفكر الفرنسي بوسويه عبارته الشهيرة :"أيها الأمراء إنكم سوف تموتون ولكن دولتكم يجب أن تبقى وتستمر"، وتقول في كتابك ليس أبرز في هذا الكلام وانطباقه على "دولة المؤسسات" التي أقامها الإمام علي خلال تجربته القصيرة. هذا التصور يثير استغراب المسلمين أنفسهم، كيف ذلك وهل كانت المعطيات التاريخية والاجتماعية تساعده على ذلك؟.

كلمة قاله افمام علي حين استشهاده فزت ورب الكعبةيجب هنا العودة إلى تعريف المؤسسة أو المؤسسات من الناحية العلمية فدولة المؤسسات تعني مجموعة من القواعد القانونية المتداخلة، بحيث تؤلف آلية معنية. وهكذا يتعلق الأمر بنظام يقوم على مجموعة من القواعد الدائمة توضع موضع التنفيذ وتطرح بشكل موضوعي. كما يتعلق الأمر في هذا السياق بنظام يقوم على قواعد تلزم الأفراد وليس على إرادة الأفراد كالحكام. وهكذا فإنه إذا كان حكم المؤسسات يخضع الرجال الحكم لنفوذ المؤسسات أي يلغي نفوذ الشخص أو الأشخاص فإن هذا النفوذ اختفي في عهد الإمام علي بن أبي طالب من خلال احكام الشرع ونواهيه التي حلت محله. ومن هنا لم يتمكن الإمام من مساعدة أخيه بالمال ليسد به حاجته وفاقته وحاجات اطفاله وقال لأخيه إن المال مال الله. ثمّ ألم يثر نقمة أصحابه في موقعة الجمل عبر المحافظة على إعادة أموال المحاربين المهزومين إلى أصحابها؟.


باختصار كانت أعمال الإمام علي (ع) في الحكم تتمحور كلها حول إعادة بناء المؤسسات القانونية بعد الانهيار الذي اصابها في العهود السابقة، فساد خضوعه (ع) لحكام الشريعة السمحاء في كل ما قال وفعل فسادت أحكام المؤسسات القانونية جميع تصرفاته في تعامله مع أصدقائه وأعدائه على السواء.


لقد مات علي بن أبي طالب ولكن دولته لم تمت بل كانت تقع باستمرار في أساس جميع الثورات التالية ضد الظلم والاستبداد !.. لذلك أمكن تحديد المبادئ التي قامت عليها دولة الإمام علي حية في ضمير الأجيال في عصرنا الحالي وفي كل عصر، وإن نحيت عن الحكم منذ بداية العصر الأموي، وكان هذا الكتاب.

ملحوظة مهمة: الحوار لم يتمكن من تغطية كل موضوعات الكتاب على أهميتها، ننصح الجميع باقتنائه وهو صادر عن دار الفكر الحديث للمؤلف نفسه في بيروت - لبنان.