13-05-2024 11:17 PM بتوقيت القدس المحتلة

"الخيميائي" ..لـ "كويلو" اللاتيني المبهور بثقافة الأندلس الإسلامي

يمكث سانتياغو في واحة الفيوم فترة طويلة بسبب حروب طاحنة بين القبائل، ولأنه يتقن اللغة العربية فقد استعان به الإنجليزي للبحث عن الكيميائي المقيم في الواحة.

الروائي العالمي باولو كويلوكتب الروائي العالمي البرازيلي باولو كويلو في مقدمة روايته "الخيميائي"، المترجمة إلى العربية :" تبيّن لنا هذه القصة الجميلة المقتبسة من موروث التصوف في الإسلام، أن أحد أقدم الطرق التقليدية، التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله، كانت القصص والروايات، وفي ما يتعلق بي كانت الثقافة العربية إلى جانبي خلال معظم أيام حياتي، تبيّن لي أمورا لم يستطع العالم، الذي أعيش فيه أن يفقه معناها"...

الأساس الأول القرآن الكريم

يحق لنا أن نعلق على هذا الكلام من ناحيتين. الأولى الالتفات إلى أهمية الروايات والقصص في عالمنا اليوم، وهي بفضل تطور الفن السابع "السينما" ووسائل التواصل والاتصالات التكنولوجية والعلمية المذهلة بات لعالم الرواية والقصة أهمية قصوى بلغ معها أن الوسائل الإعلام تعتمدها مدخلاً لأي خبر أو موضوع تود الإخبار عنه، فقد أضحت تتغلغل في كل حنايا وسائلنا الحياتية، ولا بد من القول إن القرآن الكريم غني بأسلوبه القصصي والحكائي في متن السور الشريفة، مما أعطى الإسلام دورا مهماً في تفعيل القصة ومفهومها. ولفتني بشدة خطاب للإمام الخامئني (حفظه الله) في محاضرة قيمة ألقاها بين طلاب إحدى الجامعات في العاصمة الإيرانية طهران ركز فيها على عالم الرواية والقصة وأبرز أهميتهما العالية في التبليغ والإرشاد ونشر الإسلام.

من الناحية الثانية، هذا اعتراف كبير وجريء من أكبر روائيي الغرب، بهذا الفضل للثقافة العربية والإسلامية التي بسطت نورها ذات عصر تاريخي على معظم شعوب العالم وأمدتها بالرؤية النيرة وأساليب فكرية مزهرة لتفتح العقل الإنساني.. دهشت عندما قرأت هذا الاعتراف المتسم بالنبل ولكن عندما عرفت أن الروائي هذا من أمريكا اللاتينية، من البرازيل، خفّ اندهاشي، لأن هؤلاء شعب مثلنا تقريباً خضعوا للاحتلال الكولونيالي عقودا طويلة، وذاقوا مرارة أن يدوس الاحتلال على أبسط أشكال الثقافة المحلية بالبلد الخاضع للاحتلال، وهذا ما يحررهم إلى حد مهم من عقدة إنكار الأخر.

فمن الغريب أن هذا الأثر الكبير للكولونيالية (يقصد بها فترة الاحتلال الإمبريالي لبلد ما بالقوة العسكرية الكولونيالية وتأثيرها الثقافي إلى حدود بعيدة في الثقافة المحلية للمستعمَر) محدود في أدب الروائي العالمي باولو كويلو عندما يدرك بمزاجية فذة أهمية الثقافة العربية في تشكيل بنى الثقافات العالمية لا بل في أن تمتلك مكانة تفوق مكانة تلك الثقافات في تحديدها للعديد من المفاهيم والرؤى والقضايا. وكلنا يعرف أن هذه الثقافة صقلت بالعقيدة الإسلامية شكلا ومضموناً، فتركت هذا الأثر البليغ في ثقافات الشعوب.

رد الجميل للثقافة العربية :

رواية الخيمائيوهو عندما يقول :" واليوم أستطيع للمرة الأولى أن أرد على المكرمة بمثلها" فهو يقصد أن يرد الجميل للثقافة العربية لما ساعدته في تشكيل شخصيته الخاصة والروائية في الآن نفسه، ويرى أن ترجمة هذه الرواية بالذات إلى العربية تأتي عربونا عن شكره وامتنانه، خصوصا أنها مستمدة من التراث العربي، وتستلهم الفلسفة العربية الإسلامية في البحث عن السعادة والمغامرة والتفاعل مع الحياة والكون وفهم الناموس العام الذي ينظم الكون في منظومة موحدة. وهنا تكمن أهمية أن تحقق رواية الخيميائي نجاحا عالميا جعلت كاتبها من أشهر الكتاب العالميين. وهنا نأتي إلى السؤال ما هي قصة "الخيميائي" ولماذا نالت تلك المكانة المرموقة بين رفوف الأدب العالمي، أولاً دعونا نتعرف على هذا الروائي.

باولو كويلو روائي "روحاني" :

باولو كويلو، ولِد في مدينة ريّو دي جانيرو العام 1947، تقف على النقيض تماماً من صورته في مطلع شبابه. الشخص الروحاني اليوم كان مدمن مخدرات وفاشلاً، انتهى إلى مصحٍّ عقلي، ثم متشرّداً على دروب الهيبيز في حمّى أميركا الستينيات، وراديكالياً متطرفاً في مواجهة التقاليد والنظام السياسي في بلاده آنذاك. هو يعترف هنا  بتجارب من ماضيه المؤلم مع السحر الأسود والطقوس الشيطانية التي انخرط فيها ذات يوم، قبل أن يجد طمأنينته في مقاربة ما هو ميتافيزيقي. السفر والترحال عادة قديمة رافقت كويلو. فهو خلال تجواله في خرائط العالم، سواء عندما كان كاتباً للأغاني أو حين صار روائياً مرموقاً، كان يكتشف عن كثب ما تصنعه الحياة من قصص تستحق أن تُروى.

ليس لدى كويلو أوهام حول الشهرة وصورة الكاتب ومشاغله الوهمية، يقول في هذا الصدد "علينا أن نجعل الأمر مفهوماً بأنّ الكاتب لم يعد أكثر أهمية من شخص يبيع جوز الهند". شهرة كويلو كاتباً مرموقاً ظلت في دائرة القراء العاديين، إذ يرى معظم نقاد رواياته أنّ ما يكتبه يقع في خانة الإرشادات الروحية، لكن كويلو يدافع عن بساطته باعتبارها أداة للوصول إلى جميع القراء. يقول مبرراً نمط كتاباته "لا أعتقد بأنّ هناك طريقة واحدة صحيحة للكتابة. لكل من الكتّاب شخصيته وخصوصياته وكلُ يكتب للقارئ الخاص به". مهما يكن من أمر، إذا أحببنا باولو كويلو بشغف، أو اعتبرناه مجرّد «بائع جوز الهند» كما يقترح بنفسه، فإنّه يبقى في المصاف الأخير، كاتباً مثيراً للجدل والمشاعر الحادة، وقادراً على إيقاظ الحس الضائع تجاه الغموض والسحر.

الخيميائي رواية مغرقة في البساطة والحكمة:


ما تزال إلى اليوم اثار العمارة الإسلامية في الاندلس - اسبانيالم يوزع من رواية "الخيميائي" في البداية سوى 900 نسخة، بل إن الناشر اعتبرها عملاً فاشلاً لدرجة أنه أعاد لكويلو حقوق النشر. بعد ذلك نشرها كويلو عند ناشر أخر لتصبح الرواية الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي في القرن العشرين. وتتصدر قائمة الروايات الأكثر مبيعا في ثمانية عشرة دولة، ويباع منها فوق الأربعين مليون نسخة في مئة وخمسون دولة، وتترجم لأكثر من ست وخمسون لغة، حتى أنه في العام 2003 ( بعد خمسة عشر عام من نشر الرواية ) كان ترتيب الرواية السادس على العالم في مستوى المبيعات.

المكان الذي تبدأ منه رواية "الخيميائي" هو في جنوب أسبانيا، في سهول الأندلس. تأخذ الرواية مجراها، في أوائل القرن العشرين. فكرة الرواية تقوم على مبدأ الوحدانية، فكل الأشياء هي تجليات لشيء واحد؛ وكل الكون خلقته ذات الذات، وبالمثل، فإن كل ما نقوم به في حياتنا لإنجاز مهمة واحدة. وتضيف الرواية، أن أيضاً ما نتمناه ونرغب به هو جزء أصيل من هذا الكون ووحدته. أيضاً يشتهر كويلو ببساطة أسلوبه الشديد وببساطة مفرداته، تلك البساطة التي يرافقها دائماً عمق غير عادي في الطرح، ويذكر أنه من أهم أسباب شهرة رواية "الخيميائي" عالميا هو سحر الشرق، وعزز كويلو هذا السحر باستعراضه بعض أوجه التراث العربي والثقافة الإسلامية في الرواية.

قصة الرواية:


تدور الرواية حول فتى أندلسي "سانتياغو" تعلم في المدرسة واختار أن يرعى الغنم اعتقادا منه أن ذلك يجعله يسافر ويتعلم أكثر. يرى الفتى في المنام نفسه مع طفل يدله على مكان كنز في الأهرامات، ويتكرر الحلم فيقرر أن يحققه. يسافر سانتياغو إلى طنجة ويتعرض هناك للسرقة ويصبح في المدينة غريبا لا يملك شيئا، ويعرض على صاحب محل لبيع أدوات زجاجية أن ينظف له متجره فيوافق على تشغيله مقابل عمولة، ويعمل الفتى ويكسب في عام واحد ما يكفي لشراء قطيع من الغنم، ويفكر في العودة إلى الأندلس ليفتح دكانا في طريف، ولكنه يلتقي رجلا انجليزيا سافر منذ عشر سنوات ليتعلم الكيمياء ويريد أن يسافر إلى مصر ليقابل كيميائيا عربيا يقيم في واحة الفيوم استطاع أن يحضر إكسير الحياة الذي يطيل العمر ويحمي من المرض وأن يكتشف حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى ذهب، وأقنع سانتياغو بمرافقته إلى مصر لعله يجد كنزه. تعبر القافلة الصحراء ويتعلم سانتياغو أشياء كثيرة، ويتعرف في الليالي على أشخاص حكماء وشجعان، وتتوطد علاقته بالإنجليزي.

الراعي سنتياغويمكث سانتياغو في واحة الفيوم فترة طويلة بسبب حروب طاحنة بين القبائل، ولأنه يتقن اللغة العربية فقد استعان به الإنجليزي للبحث عن الكيميائي المقيم في الواحة. وفي أثناء البحث يتعرف على "فاطمة" ويحبها ويقرر أن يبقى ليعيش معها. تدل الإشارات سانتياغو على أن المحاربين سيهاجمون الواحة فيذهب إلى زعيمها ويخبره برؤياه، يصدقه الزعيم ويتحضرون للمعركة ويكسبونها. فيكافأ سانتياغو بخمسين قطعة ذهبية ويعين مستشارا.

ويأتي الكيميائي إلى سانتياغو ويتعارفان ويتحدثان طويلا وينصحه أن يتبع حلمه. ويتعرضان في طريقهما إلى عقبات عدة ولكنهما يتجاوزانها. ويمضى سانتياغو إلى الأهرام وتبهره بعظمتها ويتبع الإشارات حتى يهتدي إلى المكان الذي يجب أن يحفر فيه، ويمضى الليل طوله يحفر، ولكنه يتعرض له فارس ملثم يتركه في ما بعد. وفهم الفتى سانتياغو الإشارة، وعرف أن الملك العجوز والكيميائي والفارس الملثم هم شخص واحد، وأنه ترك له الذهب عند الراهب ليعود إلى إسبانيا، ورجع إلى قريته واستخرج الكنز، كان صندوقا مليئا بقطع ذهبية قديمة وأحجار كريمة وأقنعة ذهبية وتماثيل مرصعة بالماس ومخلفات غزو نسيته البلاد منذ زمن بعيد، لقد وجده في قريته تحت شجرة الجميز كما أخبره الفارس.