13-05-2024 05:33 AM بتوقيت القدس المحتلة

"ألموت" قلعة الدين والسلطة

زعمت أن الإسماعيلية مساعدو المغول في الإغارة على بغداد وفعلوا ما فعلوا في حين أن من له أقل إلمام بتاريخ تلك الأحداث يعلم أن الإسماعيلية كانوا الضحايا الأولى للمغول، فقد قتل المغول رجالهم وهدموا قلاعهم

غلاف رواية ألموترغم أن فلاديمير بارتول كان قد كتب روايته "آلموت" قبل ستة وستين عاماً إلا أن الأسئلة المريرة التي تطرحها قد اكتسبت منطقاً وحيثيات واقعية جداً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول العام 2001، حيث تم هناك مقابلة تاريخية في الأحداث المشابهة بين سيرة حسن الصباح وبين سيرة أسامة بن لادن.

فلاديمير بارتول كان كاتباً مهتماً بعلم الأحياء والفلسفة وحصل على درجة الدكتوراه المزدوجة في الأحياء والفلسفة في عمر لم يتجاوز خمسة وعشرين عاماً. ولد في الرابع والعشرين من شباط من العام 1903. وعاش في بلغراد يعمل في عدة صحف وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح عضواً مساعداً بالأكاديمية السلوفانية للعلوم والفنون التي بقي فيها حتى وفاته في 12سبتمبر العام 1967.

كتب بارتول عدة أعمال مسرحية وقصصية ولكن عمله الذي به اشتهر في العالم هو رواية "آلموت"، هذه الرواية التي نحن بصددها، وقد ترجمت إلى أكثر من 19 لغة من لغات العالم وأصبحت الرواية ضمن مقررات مناهج التعليم الثانوي في سلوفانيا. واستقى بارتول معلوماته التاريخية حول ابن الصباح وجماعة "الحشاشين" في ألموت من خلال كتابات المستشرقين والرحالة الأوروبيين وبخاصة ما كتبه الشهير ماركو بولو. من هنا جاءت المعلومات التاريخية التي تشي بها مشوهة ومقلوبة في عملية "ثأر ديني" من تاريخ الشيعة، الذي تجنّد معظم المؤرخين على تأليب الرأي العام القديم والحديث ضدهم.

الرواية قديمة جديدة بروحها الإيديولوجية:

ونظراً لتلك النظرة الإنقلابية تأتي أهمية الرواية، التي اجتذبت ملايين القراء في العالم  في أنها أصبحت جزءاً من ثقافة العالم الحية لسببين على الأقل، الأول: أن أحداث الحادي عشر من أيلول بدت كاستعارة لأنموذج لما يسمونه الإرهاب الإسلامي، والإسلام من كل ذلك براء. ولعل "آلموت" إشارة قوية إلى أن ابن الصباح، بسبب الوقائع المغلوطة حوله وحول تنظيمه، قد وجد صدى قوياً يتردد بقوة في أرجاء العالم مع ظهور تنظيم القاعدة الذي يتخذ الإسلام شعاراً لكل مشروعاته التدميرية. والسبب الثاني لأهمية الرواية، هو ما تحققه آلموت من متعة نقية في القراءة تماماً كما هي كل الروايات العظيمة، بالحبكة الدرامية الراقية التي تتعامل بمنتهى الاحتراف مع مثل هذه الموضوعات الأكثر حساسية، فخرج نص آلموت بخطاب متعدد من الممكن التعاطي معه كنص سياسي لما يتناوله من صراعات ما أسموه بالحشاشين السياسية وتنظيماتهم العسكرية، كما يمكن التعاطي مع آلموت كنص تاريخي مواز للوقائع التاريخية. بمثل هذه المقومات الفنية والتاريخية انتشرت آلموت في الأدبيات العالمية انتشاراً كبيراً وبيعت منها عشرات الآلاف من النسخ في كل لغة ترجمت إليها، وكما يُروى عن بارتول قوله.. إنه كان لديه شعور أثناء كتابة العمل أنه يكتبه ليس فقط لمعاصريه لكن أيضاً للقراء الذين عاشوا منذ خمسين سنة وأيضاً للقراء الذين سيعيشون بعد خمسين سنة.

حقائق تعري الرواية:

فلاديمير بارتول قبل الغوص في قصة الرواية وحكبتها، لا بد أن نوضح مواطن التشويه التي نالت من سمعة حسن الصباح وجماعته. هم القائلون بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (ع) بعد أبيه، وبذلك اختلفوا عن الشيعة الأمامية الاثني عشرية (الجعفرية) الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بعد الإمام جعفر الصادق(ع)، وقد كانت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلي. وبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر (427-487هـ) حصل انشقاق كبير في صفوف الإسماعيليين، ذلك أنه تولى الخلافة بعد المستنصر ولده أبو القاسم أحمد، ولكن أحمد هذا لم يكن الابن الأكبر للخليفة ولا كان هو المؤهل لولاية العهد بنظر بعض الاسماعيليين، بل كان المؤهل لها بنظرهم، أخوه الولد الآخر نزار، ويرون أن الخليفة المستنصر عهد إلى نزار بولاية العهد فعلاً وأخذ البيعة له خلال مرضه، إلا أن وزير الخليفة، الأفضل بن بدر الجمالي أخذ يماطل بذلك ليحول دون نزار وولاية العهد لأمور كانت بينه وبين نزار، ولقرب أبي القاسم أحمد من الوزير الأفضل، كما يرون أن المستنصر توفي ووزيره الأفضل مسيطر على الحكم فتمت بذلك ولاية العهد وانتقال الخلافة لأبي القاسم أحمد الذي لقب بالمستعلي بالله..

وهكذا فقد انقسم الاسماعيليون في العام 487هـ إلى فرقتين: واحدة تقول بإمامة أبي القاسم أحمد المستعلي بالله وسميت بالتالي بالمستعلية والثانية تقول بإمامة نزار وسميت بالتالي بالنزارية. وناقش السيد حسن الأمين مقالاً نشرته إحدى المجلات، نقل فيه كاتبه أقوالاً لابن تيمية تحدث عن الاسماعيليين وعن نصير الدين الطوسي وعلاقته بهم، وكان الحديث باطلاً في باطل، كعادة ابن تيمية حين يتحدث عمن لا يتفقون معه في الآراء، وكان نص ابن تيمية: "إن التتار لم يكونوا ليغيروا على بغداد، ولم يكونوا ليقتلوا الخليفة العباسي وبقية القواد المسلمين إلا بمساعدة الملاحدة الاسماعيلية، وأهم رجالاتهم الذين حملوا وزر هذه الأحداث، هو وزيرهم نصير الدين الطوسي في (ألموت) إنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة في بلاط الحكومة العباسية". وقد علق السيد حسن الأمين على هذا الكلام مخاطباً ابن تيمية صاحب هذا القول:"إن تعصبك الأعمى قد أوقعك لا في الجهل فقط، بل في الغباء أيضاً، حين زعمت أن الإسماعيلية مساعدو المغول في الإغارة على بغداد وفعلوا ما فعلوا.. في حين أن من له أقل إلمام بتاريخ تلك الأحداث، يعلم أن الإسماعيلية كانوا الضحايا الأولى للمغول، فقد قتل المغول رجالهم وهدموا قلاعهم وقضوا على دولتهم...".

وكان قد أطلق مجموعة من الكتاب والباحثين على النزاريين اسم (الحشاشون) نسبة إلى الحشيش المخدر المعروف، زاعمين أن ما كانوا يقدمون عليه من اغتيالات مقرونة بضروب من البسالة الفائقة وتضحية بالنفس عزيزة المثال، إنما كان نتيجة لتخديرهم بالحشيش، بحيث يفقدون إرادتهم وينفذون ما يؤمرون بتنفيذه بلا وعي. وهذا من أعجب الافتراءات، إذ إن من المسلم به أن استعمال الحشيش يقتل في النفس أسمى ما فيها من شجاعة وكرامة وغيره، ثم إن مستعمله يبوح بأسراره ويكشف عن مكنوناته، وهذا عكس ما يقتضي أن يكون عليه الفدائي المكلف بمهمات لا ينبغي لها شيء بعد الشجاعة مثل الكتمان وحفظ الأسرار. وأصل هذه الفرية هو ما ذكره الرحالة ماركو بولو عندما زعم أنه "جنة شيخ الجبل" والتي شاء له خياله أن ينطلق في وصفها انطلاقاً مغرضاً في التخيل والخرافة. ثم تفنن الزاعمون في مزاعمهم فكان مما قالوه: إن الحسن بن الصباح كان يعتمد تعويد أتباعه الحشيش وإدمانه فلا يستطيعون الحياة بدونه، وانهم كانوا ينفذون كل ما يطلب منهم لقاء حصولهم على الحشيش، فإذا نفذوا الأوامر أعطوا الحشيش وأدخلوا الجنة.

ورأى الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه (مجموعة الوثائق الفاطمية) أنه لما اشتد الصراع بين المتنازعين المنشقين عن الفاطميين، وبين الفاطميين، كان من وسائل هذا الصراع ما نسميه في اصطلاحنا الراهن الوسائل الإعلامية بإمكانيات ذلك العصر، فكان النزاريون يوزعون بيانات تبين فساد خلافة أحمد المستعلي ومن تلاه ويمكن أن يتلوه من الخلفاء فيرد الفاطميون على البيان ببيان وعلى الأدلة بأدلة.

رسم تشبيهي لحسن الصباحويرى الدكتور الشيال أن الفاطميين هم الذين بدأوا بنعت الإسماعيلية النزارية بهذا الوصف في عهد الخليفة الآمر أي بعد نشوب النزاع بين المستعلي ونزار بنحو عشرين سنة، ويفسر الدكتور الشيال إطلاق هذا الوصف على النزاريين بأنه كان للتشهير بهم، بمعنى أنهم في قولهم بإمامة نزار إنما كانوا يخرّفون كما يخرّف الحشاشة، أي إن الفاطميين لم يتهموا باستعمال الحشيش، بل وصفوهم بأوصاف مستعمليه. لما يطرأ على عقولهم من التخريف...أما الكاتب الغربي"بول آمير" في كتابه (سيد ألموت) فيقول عن ذلك: "بأن الصفة التي أطلقت على النزاريين (الحشاشون) هي في الأصل صفة: (الحشائشيون) وهي الصفة التي كانت تطلق في تلك العهود على من يتعاطون جمع الحشائش البرية التي تستعمل هي نفسها أدوية، أو تستقطر منها الادوية، وقد كان يختص بذلك أفراد، فيهم من هم من الاطباء أو الصيادلة، كان يطلق على الواحد منهم لقب: (الحشائشي) حتى لقد أصبح ذلك مهنة من المهن المشتهرة، وكان لها أسواق خاصة بها وتجار يتعاطون بيع الحشائش الطبية وشرائها. ويقول بول آمير: "عمل النزاريون في ذلك بشكل واسع، فقد كان لهم في جبالهم قرى وشرائها ومزارع كان ينطلق فيها حتى النساء والأطفال في جمع الحشائش الطبية التي كانوا يتوسعون في زراعتها ولا يقتصرون على ما تنبته الطبيعة، حتى لقد كانوا يزرعونها في حدائق البيوت.

كان جامعو الحشائش في الحقول والبراري يبيعون ما يجمعونه إلى أشخاص معينين متصلين بسيد ألموت حيث يصدرونها إلى مختلف المدن، وكان في كل مدينة سوق خاص يسمى سوق الحشائش، وكانت الحشائش تجمع في ألموت في جوالق يكتب عليها اسم المرسلة إليه واسم المدينة مع كلمة (سوق الحشائشيين)، أما ما يستقطر منها فيوضع في قوارير خاصة محفوظة من عوامل الكسر وترسل مع أحمال الحشائش، وبذلك كانت ألموت معروفة بأنها إحدى المراكز الكبرى للأدوية الحشائشية واستيرادها ثم تصديرها، ومن هنا لصق بالنزاريين لقب الحشائشيين، ثم استغله خصومهم فطوروه إلى "الحشاشين".


أحداث الرواية: حبكة متقنة بأحداث مغرضة

من الجيد لو حاولنا التعرف إلى الرواية، عبر العنوان الذي أراد لها الروائي أن تحمله، وهو عبارة عن قلعة تقع في وسط جبال البرز جنوب بحر قزوين، والجبال المذكورة تبعد عن العاصمة الإيرانية طهران قرابة المائة كلم، وقد جاء هذا العنوان تحديدا ليعبر عن الرواية لقدر ما يكتنزه من أحداث ووقائع، وحيث أن شيخ الجبل وهو أحد أكثر الشخوص تحريكا وبعثا للأحداث، إن لم أقل أنه الأوحد، كان يسكن هذه القلعة الحسن بن الصباح، أو ممن عرف بشيخ الجبل، وهذا الأخير لقب أسبغ على هذا الرجل ومن جاء على أثره من خلفاءه، كان قد استولى على هذه القلعة، فصارت تحت سطوته وسيادته، وقد كان اسماعيليا يعتقد بإمامة نزار بن المستنصر الفاطمي، اتخذ من هذه القلعة محلا لبث دعوته وأفكاره، وقد كان يناهض السلاجقة الأتراك آنذاك، وكانوا يعتبرون ألد أعداءه، وقد اتخذ أسلوب تطويع الأفراد لأفكار وأمور هو خطها وابتعثها، حتى كون منها عقائد ومبتناة على فلسفته الخاصة القائمة على الذوق والاستحسان بدلا من الدليل العلمي، وفق ما جاء في الرواية.

والرواية تبتدئ لتروي شأن فتاة، لا تعلم إلى أن يكون مصيرها، فينتهي بها القدر في أحظان هذه القلعة، وترافقها كثير من الأحداث والأمور التي تبعث على التساؤل والفضول لديها، إلا أن فتيات مثلها كن يسكن هذه القلعة، سألنها لزوم الصمت، باعتبار أن كثيرا مما يرتبط بتساؤلاتها كانت أمورا يحرم التحدث بها كالسؤال عن مالك هذه القلعة، وعن أغراض تواجدهن هنالك، وعن كثير من الأمور التي كان يعتبر الإفصاح عنها من ضرب المحرمات، وفضلا عن حرمة السؤال كان سكنة هذه القلعة "الحريم" يخضعن لبرنامج يومي صارم، بدءا من الدروس النظرية وانتهاء بالدروس العملية. وعلى الجانب الآخر من القلعة، كان يسكن الرجال أو الجند والعساكر، والذين لا يعلمون شيئا عن جانبهم الآخر، حيث يسكن الحريم والذين هم بدورهم لا يعلمن بسكنى الجند في الجوار.

وهؤلاء لم يكونوا بدعا من النظام الصارم، فقد كان هناك ثمة برنامج آخر يشملهم ويخصص لأجلهم، وهي عبارة عن الدروس النظرية والعملية. ولعل أكثر هذه الدروس أهمية كانت إتقان الفكرة والعقيدة الإسماعيلية والتعرف إلى قوادها وأئمتها، وموقع شيخ الجبل ( الحسن بن الصباح) منها. وأكثر الدروس العملية أهمية كانت الدروس الحربية والعسكرية في الشأن القتالي ومحاربة الأعداء. وقانون القلعة الذي سنه الحسن بن الصباح كان يحظر عليهم الحديث حول الملذات المباح منها والمحرم، مثل مقاربة النساء أو معاقرة الخمر أو غيرها من الملذات والمشتهيات. وحيث يمضي القارئ في هذه الرواية، تتكشف له كثيرا من غموض هذه الرواية، فيعرف هذا الرجل ( الحسن بن الصباح ) والذي أخضع سكنة هذه القلعة تحت إمرته ورياسته. وفضلا عن ذلك فقد اعتبر من نفسه ملهما ونبيا لأفكار هو أوجدها من ذاته، حتى ألفى نفسه بين أناس خضعوا لهذه الأفكار وصاروا دعاة لها. فقد اعتبر من نفسه ظل لله سبحانه وتعالى وانه بيده أمور قد فوضت إليه على غرار الأنبياء والرسل. وقد سعى لأن يبرهن على ذلك بأن أدعى أن الله سبحانه وتعالى قد منحه مفاتيح الفردوس، وكانت هذه حيلة لأن يوجد من صفوف الجند والعسكر أفراد أشداء ذوي بطش يأتمرون بأمره، ويقومون على تحقيق أوامره وإشاراته اللازمة لبسط نفوذه وتوسعة الفكر الإسماعيلي الذي كان يترأسه، وقد أفلح في ذلك فبدء ينتخب من بين صفوف الجند أفرادا سموا فدائيين.

رسم تشبيهي لقلعة ألموتوقد سعى الدعاة وأمراء الجند إلى تعريفهم إليه، وقد أقنعهم بحقيقة مدعاه فيشربهم حبة تسلب الوعي منهم، قيل أنها عبارة عن حشيشه حتى أنهم سموا لذلك بالحشاشين، وحين يغيب الوعي عنهم يتم إدخالهم في حديقة أوجدها واستخدم لأجلها الفتيات اللاتي جرى الحديث عنهن، بعد أن يتم إقناعهن بأن يؤدين دور الحوريات، وأن أي محاولة أو إخفاق في أداء هذا الدور سيكون على حساب حياتهن. ولعل أبرز أوامر الصباح تصفية كبار رجالات السلاجقة عبر اغتيالهم وتصفيتهم جسديا، رغبة في أن يدخلوا هذه الحدائق والجنان مرة أخرى، حيث أنهم بعيدون تمام البعد عن هذه الملذات الجسدية والمعنوية، فتصبح بالنسبة لهم كالعطشان الذي يلهث لشرب الماء في أقرب فرصة لذلك.

تبدأ أولى المحاولات لتنفيذ أحد هذه الاغتيالات، على يد فتى يدعى "ابن الطاهر"، وهو الذي قدم إلى القلعة مؤخرا رغبة منه في الإنضمام إلى هذه الدعوة. وينال بذلك حظوة لدى أمير الجند لبأسه وحسن أداءه في القتال، فيبعثه بن الصباح بعد أن يسبغ عليه رتبة الفدائي، لغرض اغتيال الوزير نظام الملك وزير السلاجقة، وحيث يفلح في مسعاه، إلا أن ثمة حوار يدور بينه وبين الوزير الذي كان يحتضر،يكون سببا لنزع الغشاوة عن عينيه فيتبصر حقيقة هذا الرجل، الذي يمارس الخداع عليهم بدعوى حيازة مفاتيح الجنان، فيولي بن الطاهر وجهه شطر قلعة آلموت حيث يخلى سبيله لقاء أن يغتال الحسن بن الصباح كونه يمارس الخداع والدجل باسم الدين والعقيدة. ولكن الأمور لا تسير كذلك، فحين يعود بن الطاهر إلى القلعة، يرتاب بن الصباح لأمره، ويكشف حقيقة نواياه ولكن يمارس عليه دور الفيلسوف الذي يتقن فلسفة هذه الحياة، وأن كل ما يعمله ابن الصباح لا يعد دجلا إذا ما أخذ بعين الاعتبار شرف القضية الإسماعيلية وعلو مكانتها وشرفها يستدعي صرف النظر عن طرق الدعوة إليها. فيقتنع ابن الطاهر بذلك ويكون هذا موردا لاعتزاز ابن الصباح به فيمنحه المال ويطلق سراحه فيبدأ السياحة في البلدان.

وهكذا تستمر سياق هذه الرواية، لتوضح طرفا من أطراف نشأة هذا الفكر الإسماعيلي على يد هذا الرجل (الحسن بن الصباح). بقي أن نشير إلى أنه مهما على شأن التشويهات في الحقائق التاريخية المتعلقة بهذا المذهب إلا أن ما بين ثنايا صفحات الرواية وردت أحداث عدة تشير إلى قرب المذهب الإسماعيلي من المذهب الشيعي (الأثني عشري) حين تنبري عاطفة الحب تجاه أهل البيت (ع) بين شبان القلعة الذين كانوا يتبارون في كتابة الشعر في حب الإمام علي والزهراء (عليهما السلام)، إذ كان ابن الطاهر البارع الأول الذي بلغ مجدا رفيعا في هذا المضمار مما أدى إلى تقربه من شيخ الجبل حسن الصباح وتعزيز مكانته لديه. وهذا يشير ضمناً إلى أن هؤلاء الإسماعيلون مسلمون مؤمنون موحدون، وأن كل تلك الافتراءات بحقهم التي تسحب منهم الانتماء للإسلام وأنهم لا يصلون ولا يصومون ليست سوى أقاويل واهية لإسدار ستار حول الوهج التاريخي لهذه الطائفة.