19-05-2024 05:39 PM بتوقيت القدس المحتلة

في معركة الأحزاب .. برز الإيمان كله إلى الشرك كله

في معركة الأحزاب .. برز الإيمان كله إلى الشرك كله

العملُ الإعلاميُ والاستخباريُ والأمني الذي قام به نعيمُ بنُ مسعود بتوجيه من رسول الله (ص) في إيجاد الخلاف والنزاع بين الأحزاب والفئات المشاركة في هذه الحرب وبثِ الفُرقةِ فيما بينها من خلال خطةٍ أمنيةٍ استخ

عوامل الانتصار في غزوة الأحزاب (40)
كانت غزوة الأحزاب من أشد المعارك التي خاضها رسول الله (ص)

إن معركة الأحزاب وكما هو معلومٌ من اسمها كانت حرباً احتشدت فيها كلُ الجماعاتِ السياسية والقبائلِ والفئاتِ والأحزابِ المعادية للقضاء على رسول الله (ص) وعلى رسالته.

وكان اليهودُ هم الذين خططوا لهذه الحرب, وحرضوا عليها, وأقنعوا المشركين بها, وعقدوا التحالفات من أجلها، وكوّنُوا أكبرَ تجمعٍ عسكريٍ تشهدُهُ المنطقةُ آنذاك لمهاجمة المدينة والقضاء على الإسلام.

 

جيش العدو يتفوق بالعدد والعتاد :

ويذكر المؤرخون أن عدد أفراد جيوش الكفر التي زحفت باتجاه المدينة في غزوة الأحزاب كان أكثرَ من عشرةِ آلافِ مقاتل, في حين أن عدد المسلمين لم يكن يتجاوزُ الثلاثةَ آلافِ رجل. ومن المعلوم أن المسلمين حفروا خَنْدَقاً عظيماً حول المدينة بعدما وصلت إليهم أنباءُ جموع الأحزاب من أجل الدفاع عن المدينة ومنعِ هؤلاء الأعداء من اجتياحها, ولذلك سميت هذه الحرب أيضاً بغزوة الخندق نسبةً إلى هذا الخندق الكبير الذي حفره المسلمون حول المدينة.

جيش الكفار استطاع محاصرة المسلمين في المدينة من جميع الجهات وبقي هذا الحصار عشرين يوماً وقيل خمسةً وعشرين يوماً وحَسَبَ بعض الروايات بقي شهراً كاملاً. ومع أن العدو كان متفوقاً على المسلمين من جهات مختلفة من حيث العددُ والعتادُ والخبرةُ القتالية وغيرُ ذلك إلا أن المسلمين استطاعوا بتأييد من الله عز وجل الانتصارَ في هذه المعركة وإلحاقَ الهزيمة بكل هذه الحشود وإجبارَهَا على التقهقر والعودةِ من حيث أتت من دون أن تحقق شيئاً من أهدافها.


الإمام علي كان يمثل الايمان كلع في معركة الأحزاابوالسؤال الذي يُطرح هنا: ما هي العواملُ التي ساعدت المسلمين على تحقيق هذا النصر برُغم عدم وجود تكافؤٍ في القوى بينهم وبين الأعداء؟


في الواقعُ أن هناك عدةَ عناصرَ ساهمت في تحقيق النصر في هذه المعركة :

العنصرُ الأول: التخطيطُ العسكريُ الدقيقُ الذي تمثل بحفر الخندق وتحصينِ المدينة والحيلولةِ دون اجتياحها. ولقد بيّنا في المقال السابق أن النبيُ(ص) هو صاحبُ الفكرة ودورُ سلمانَ اقتصر على إقناع المسلمين بهذه الفكرة من خلال بيان وجهة الحكمة من اعتماد الخندق كإجراء دفاعي للحد من فاعلية الخيل والحيلولة دون اقتحامها إلى الداخل.

ومما يدل على أن صاحب الفكرة هو النبيُ (ص) هو ما كتبه النبيُ(ص) في رسالته الجوابية لأبي سفيان حيث قال له فيها: وأما قولُكَ من علَّمَنَا الذي صنعنا في الخندق, فإن الله ألهمني ذلك. فإن عبارة "فإن الله ألهمني ذلك" تدل على أن فكرة حفر الخندق هي إلهامٌ من الله لرسوله, فالله هو الذي هداه إلى هذه الفكرة ولم تكن هذه الفكرةُ باقتراح من أحد غيرِه.

 

علي (ع) يمثل الإيمان كله

العنصرُ الثاني: الذي ساهم في انتصار المسلمين في هذه المعركة هو الدورُ البطوليُ الذي قام به الإمامُ عليُ بنُ أبي طالب (ع) في هذه المعركة, حيث تمكن (ع) من قتل عمروِ بنِ عبدِ ود بطل معسكر الأعداء وأحدِ أبرزِ شجعانِ العرب وأبطالِها آنذاك والذي كان يعد بألف فارس, وبقتل هذا الرجل انهارت قوةُ الأعداء فيئسوا وشعروا بالرعب والضعفِ والهزيمة فقرروا الرجوعَ مهزومين من حيث أتوا. وكان الررسول (ص) قد أعطى الإمام سيفه الخاص ذا الفقار, وألبسه درعه وعممه بعمامته, وقال: اللهم أحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شِماله ومن فوقه ومن تحته.  وحين برز إليه علي (ع), قال النبي(ص) كلمته المشهورة: برز الإيمانُ كُلُهُ إلى الشرك كُلِهِ.

لقد حطمت ضربةُ علي(ع) لعمروِ بنِ عبد ود معنوياتِ الأعداء وهزمتْهُم نفسياً وبددتْ آمالَهم بالنصر, ولذلك قال النبي (ص) في حقها: ضربةُ عليٍ يومَ الخندق أفضلُ من عبادة الثَقَلين أو أفضلُ من أعمال أمتي إلى يوم القيامة, وذلك لأنه لم يبق بيتٌ من بيوت المشركين إلا وقد دخله ذُلٌ بقتل عمرو, ولم يبق بيتٌ من بيوت المسلمين إلا وقد دخلَه عِزٌ بقتل عمرو.

لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقارالعنصرُ الثالث: الذي ساهم أيضاً في الانتصار في هذه المعركة هو العملُ الإعلاميُ والاستخباريُ والأمني الذي قام به نعيمُ بنُ مسعود بتوجيه من رسول الله (ص) في إيجاد الخلاف والنزاع بين الأحزاب والفئات المشاركة في هذه الحرب وبثِ الفُرقةِ فيما بينها من خلال خطةٍ أمنيةٍ استخباراتية دقيقةٍ ومتقنة.

فقد استطاع هذا الرجل الذي كان يخفي إسلامه, تفريقَ الأحزاب المجتمعةِ على حرب المسلمين وإيجادَ الخلاف بينهم لانعدام الثقةِ فيما بينهم, فانهار الحلفُ الذي كان بينهم وخرج بنو قريظة وغيرُهُم من المعركة فاضطر الباقون إلى الخروج من ساحة المعركة والعودةِ بالهزيمة والذلِ إلى مناطقهم وبلادهم.

العنصر الرابع: الذي ساهم بالانتصار هو الإيمانُ بالله والاعتمادُ عليه والثقةُ بنصره التي كان يتحلى بها المسلمون بفعل توجيه النبي(ص) وروحه الكبيرة ، إضافةً إلى التأييد الإلهي الذي تمثل بجنود الله الغيبيين الذين نزلوا ساحة المعركة, والذي تمثل أيضاً بالرياح والعواصف الهوجاء التي أصابت معسكرَ الأعداء فزلزلتْ استقرارَهم وخيامَهم ومزقتْ جيوشَ الأحزاب.

لقد اجتمعتْ كلُ هذه العواملِ والعناصر, ووضعتْ الأحزابَ والأعداء أمامَ خِيَارٍ وحيد هو الهزيمةُ والفرارُ من ساحة الحرب خائبين أذلاء من دون تحقيق شيء.

 النص من إعداد الشيخ علي دعموش/ إذاعة النور

http://www.alnour.com.lb/programdetails.php?id=49