28-04-2024 04:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

العبري للعربي: أعطني أرضك ملّكني روحك أهبك الحضارة والازدهار..!

العبري للعربي: أعطني أرضك ملّكني روحك أهبك الحضارة والازدهار..!

اليهود حينما نزحوا إلى فلسطين لم تكن جنة زاهرة، بل كانت خرابا موحشا، وهم الذين عملوا على ازدهار هذه الجنة وتحويل الخرائب إلى حدائق غناء وتحويل شعب فلسطين العربي من شعب متخلف إلى شعب مثقف يواكب ركب الحضارة

ثيودور هرتزل مؤسس العقيدة الصهيونية لم يكن ثيودور هرتزل مؤسس العقيدة الصهيونية وحسب، بل يعد في، الحقل الأدب العبري، من الذين حفروا في الوعي الصهيوني الأدبي صورة العربي – الفلسطيني في "الأرض القديمة" بشكل عميق على أنه، أي الفلسطيني، المواطن الأصلاني، لا يجيد الاعتناء بالأرض وأنه لو تمكن اليهودي من العيش في فلسطين سوف يجلب لأهلها الازدهار والحياة اللائقة.

ومن الملاحظ أن الصورة التي ترتسم في ذهن مؤسس الصهيونية تستمد بعض عناصرها من مناخ أوروبا الفكري ومن ذلك التقليد لنظرة أوروبا إلى الشرق وأهله، وتحديدا من عالم الاستشراق. ولكن من اللطيف أن ما يعرفنا به كتاب "صورة العربي في الأدب العبري في وطن الأشواق المتناقضة" للأستاذ الدراسات العبرية في جامعة عين شمس في القاهرة، الدكتور أحمد حماد، وهو ترجمة لكتاب الأديب اليهودي إيهود بن عيزر، بأن قصص " ألف ليلة وليلة" قد فعلت فعلها في نفس ثيودور هرتزل وأمدته بالكثير من الأساطير والملامح التي اختار أن ينظر من خلالها إلى العرب في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

غير أن الصورة التي تعنينا هنا تتعدى نطاق "الف ليلة وليلة"، وإن كانت تستمد منها بعض عناصرها وملامحها البارزة. فقد زار هرتزل فلسطين في خريف العام 1898 على رأس الوفد الصهيوني الذي لحق بالإمبر اطور الألماني سعيا وراء وساطته لدى السلطان العثماني وطمعا بجعل فلسطين محمية ألمانية. وكانت زيارة فلسطين باعثا له على تأليف روايته "الأرض القديمة – الأرض الجديدة (Altneuland ).


أدب إيديولوجي: تطور النظرة للعربي


افلسطينيون قاوموا المشروع الصهيوني منذ بداياتهوعندما تناهى إلى العرب خبر حلم هرتزل وطلبه بعث أحد المثقفين النافذين ويدعى يوسف ضياء الخالدي رسالة إلى الحاخام الأكبر في فرنسا بأن العرب يعارضون الفكرة الصهيونية وحلمها بأرض فلسطين، فما كان من هذا الحاخام أن بعث بالرسالة إلى هرتزل الذي سارع بالإجابة عليها. فكتب مدافعاً بأن لا أحد يفكر في إبعاد سكان فلسطين عن بلادهم:"بل سنزيد في رخائهم وثروتهم الفردية بما نقدمه نحن من أسباب الرفاهية". من هنا كان تركيز هرتزل في روايته في إبراز التباين بين القرى اليهودية المنتشرة في طول البلاد وعرضها وبين "بؤرات الوسخ والفقر"، التي كان يدعونها "قرى عربية" في السابق. ويستطرد هرتزل في رسم صورة للعرب الفلسطينيين " الفرحين" بالقادم الجديد إلى بلادهم، الذي ينبش خيرات الأرض ويعم الفائدة عليهم.

على أن هذه الصورة التي ترسمها الصهيونية الهرتزلية لعرب فلسطين "السعداء" و"الباحثين" عن النعمة اليهودية لقاء تنازلهم عن حقوقهم ليست وقفا على نظرة هرتزل، بل سارعت الحركة الصهيونية إلى تبنيها وإلحاق المزيد من التفاصيل والإضافات إليها، حتى وصل بها الأمر أن سيطرت هذه النزعة على الأدب العبري، وباتت من مفردات الإيديولوجية التي تميز بها، لأنه أضحى من الصعوبة أن نفهم ماهية هذا الأدب دون ربطه بإيديولوجية الفكر الصهيوني.

وجهد الأدب العبري في مراحله التاريخية، التي مر بها خلال العصور، في إبراز صورة الإنسان العبري الجديد، و"المثالي" و"البطل"، الذي عاد إلى أرض أجداده. ولم يتسنَ له رسم هذه الصورة "الناصعة" للعبري إلا عبر رسم مقابل لشخصية الإنسان العربي الفلسطيني "الخامل" والجاهل". فقد كانت الشخصية العربية ضرورة في هذا الأدب لوضعها ضداً حاداً للنماذج والأنماط الأدبية لشخصية الصهيوني – العبري التي سادت الأدب العبري الحديث لتكون تعبيراً عن "الأدب المجند". وبالتالي جاء ظهور الشخصية العربية في هذا الأدب ليعكس التفاعل بين هذه الشخصيات في أرض الواقع ومحاولة إبراز أبعاد الشخصيات الجديدة التي ابتكرها الأدب العبري من خلال وضعها أمام النموذج العكسي وهو الشخصية العربية.

العربي بطل سلبي مقابل العبري المثالي:

ويمكن أن نلمس في هذا الكتاب، من خلال القصص المختارة فيه (17 قصة)، بوضوح في النماذج التي قدمها إيهود بن عيزر في هذه المختارات، وبترتيبها الزمني، إذ تعكس لنا مراحل نمو الشخصية العبرية في الوقت نفسه الذي تعرض لنا فيه نظرة هذا الأدب للشخصية العربية ومراحل تطور العلاقة بين الشخصيتين اللتين تتصارعان على أرض واحدة، أو كما أراد أن يسميه إيهود بن عيزر الصراع على وطن تتناقض فيه الأشواق.

غلاف الكتاب صورة العربي في الأدب العبريوهو في تقديمه لتلك القصص يسقط حقبة تاريخية هامة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني ضد احتلال الأرض، ويحاول إبراز الرضى التام من جانب العرب باحتلال أرضهم ومباركتهم لهذا الاحتلال، فإن كانت هذه الأرض صخرية ورملية- كما يدّعي الكاتب أحد هاعام، فلماذا كل هذا التكالب على شرائها، هل هو نوع من السفه اليهودي؟!!.. ونلاحظ في مجمل الأعمال التي قدمها بن عيزر في هذا الكتاب، على اختلاف المراحل الزمنية التي تغطيها، تسعى إلى تأكيد أن اليهود حينما نزحوا إلى فلسطين لم تكن جنة زاهرة، بل كانت خرابا موحشا، وهم الذين عملوا على ازدهار هذه الجنة وتحويل الخرائب إلى حدائق غناء وتحويل شعب فلسطين العربي من شعب متخلف إلى شعب مثقف يواكب ركب الحضارة التي يقودها بالطبع المستوطنون اليهود.

وأبرز ما يطالعنا من صفات وضعها أدب المستوطن الصهيوني للشخصية العربية تتلخص بالنقاط التالية:
1- التركيز على المظهر الخارجي للمرأة العربية دون الجوهر "من لم ير عيون لطيفة لم ير في حياته عيونا جميلة". ويتكرر هذا الوصف أيضا في أكثر من قصة مثل قصة الكاتب أستير راف "مربة ورد".
2- محاولة إبراز ما يسمى بالأمراض الشرقية (الزواج بالإكراه – ضرب النساء – تعدد الزوجات- بيع النساء "كالحمير في سوق الزاوج".
3- حقد العربي على اليهودي "إنه غاضب لأنه يأخذ العمال بنصف الأجر ويسخرهم في أعماله ما بين حقل وأخر.. إن اليهود ينافسونه".
4- تصوير ما هو مأمول وليس ماهو واقع في الشخصية العربية "إنكم تروضون الأرض..أعتقد أن الأرض لا تستجيب إلا لكم.. أخذ يمتدح يهود إسرائيل الذين يحولون صحارى فلسطين إلى حدائق غناء ويناء وجنات ويضيفون قرى جديدة إلى قراها".
5- وضع الشخصية العبرية ضداً حاداً للشخصية العربية، فيقول على لسان شخصية عربية :"إنني أعرف لمن وعدت فلسطين، لم يوعد بها سوى إسرائيل، أولئك الذين وضع الرب تبارك وتعالى فيهم المهابة والاحترام والقوة والبطولة والكرم والسخاء، وينفذون مشيئته عن حب، هم الذين سوف يملكونها وسيكون ملكهم فيها أبد الدهر".

دولة اسرائيل قامت على انقاض فلسطين التاريخيةوتناسى إيهود بن عيزر الإشارة إلى منظور الوجه الأخر للعملة، عن المرض النفسي الذي أصاب رواد الصهيونية الأوائل حال انتقالهم إلى فلسطين وبعد اصطدامهم بالواقع المؤلم فيها، والذي تمثل في الرفض القاطع من جانب العرب للوجود اليهودي في أرضهم وتعاظم حركات المقاومة العربية التي أقلقت مضاجع اليهود النازحين إلى فلسطين آملين في الجنة الموعودة.

وقد تجلت هذه الحالة النفسية لدى العديد من الشخصيات الأدبية العبرية التي رسمت في تلك الفترة وظهرت في صورة هوس ليلي وجنون وعزلة. وأصدق تعبير عن هذه الحالة المرضية ما جاء في قصة الكاتب حاييم هزاز "الموعظة"، التي تعد نموذجا مثاليا لوصف اضطراب الشخصية اليهودية في تلك الفترة وكذلك النموذج الذي اختاره إيهود بن عيزر هنا عن برينر "الثكل والفشل" دون الإشارة بالطبع إلى هذه الحالة المرضية التي استشرت في المجتمع اليهودي أنذاك، والتي لا تزال تستمر حتى يومنا هذا.