27-04-2024 11:08 PM بتوقيت القدس المحتلة

الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي: موقع العلم في مشروع النهضة والاقتدار

الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي: موقع العلم في مشروع النهضة والاقتدار

إن العنوان الأبرز الذي وضعه الإمام للعلم ضمن سياق عملية النهوض والاقتدار كاف في إطار ما ورد في الرواية عن العلم سلطان, سلطان يقود لامتلاك القدرة ثم الثروة ثم الاقتدار العسكري والسياسي, فوضع العلم...

"الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي"، سلسلة حلقات يغوص فيها الدكتور عبد الله زيعور- مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله - بتحديد موقع العلم الخاص والمميز من شخص الإمام الخامنئي قبل الثورة وبعدها (مشروع النهضة والاقتدار)، ويُشار إلى أن هذه السلسلة صدرت في كتاب حمل نفس العنوان، عن دار المعارف الحكمية.
 
                                             الحلقة الرابعة
                                   موقع العلم في مشروع النهضة والاقتدار

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي في مواصفات العلم
إن العنوان الأبرز الذي وضعه الإمام للعلم ضمن سياق عملية النهوض والاقتدار كاف في إطار ما ورد في الرواية عن العلم سلطان, سلطان يقود لامتلاك القدرة ثم الثروة ثم الاقتدار العسكري والسياسي, فوضع العلم في موقع صمام الأمان للدفاع عن الجمهورية في الداخل والخارج, ومثلما أن وزارات الأمن والدفاع تحفظ المسيرة من الأخطار وتؤمن القدرة على الدفاع عن الجمهورية ودستورها, فان العلم بحسب الإمام يأتي في ذات الموقع: لا بقاء للجمهورية الإسلامية من دون علم وثقافة وإبداع يحفظ المسيرة تجاه تحديات وأخطار الوجود التي تفرضها أمم الاستكبار علينا, لذا جاء في خطبة له:

" فالعلم أساس القدرة, سواء اليوم وعلى حر التاريخ, وسوف يبقى الأمر كذلك في المستقبل. إن هذا العلم يؤدي أحيانا إلى اختراع أو ابتكار ما وفي بعض الأحيان لا يكون كذلك, وكذلك المعرفة فإنها أساس الاقتدار, وهي تخلق الثروات وتؤدي إلى الاقتدار العسكري والسياسي, ففي رواية قيل: العلم سلطان من مجده صال به ومن لم يجده صيل عليه, أي أن للقضية بعدين: إذا كنتم تملكون العلم يمكن أن تكون لكم الكلمة العليا واليد العليا – صال يعني هذا – وذا لم تمتلكوا ذلك فلا يوجد حالة برزخية بل صيل عليه. فالذي يمتلك العلم تكون له اليد العليا عليكم وسوف يتدخل في ثرواتكم وفي مصيركم, وان كنوز المعارف الإسلامية مليئة بمثل هذه الكلمات".

في إطار المفهوم الإسلامي الذي يحض على العلم ويشجّع على نيل أعلى الدرجات العلمية، يتناول الإمام الخامنئي عدداً من الإشكاليات المتعلّقة بمفهوم العالم وكيفية ترجمته ليتحوّل سويّاً في إطار مشروع التقدّم والاقتدار للأمة، فيؤكّد على الحدود الإنسانية التي يضعها الدين للعلم وعلى الترجمة العملية لرؤية الإسلام للعلم في إطار اقتران العلم بالعمل ثم ينتقل ليعالج أدوات النمو للعلم في المجتمع وعدم القبول بالنموذج الغربي للعلم، وحول أهداف العلم والحث على إنتاجه، يقول الإمام:

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي"إن من بين العوامل التي تضاعفت قيمة العلم هو أن يكون للعلم هدف، وأن يتحرّك العلم باتجاه التقدّم والتطور بأهداف محدّدة جرى تنظيمها وفقاً للمتطلبات.

إن ما نشاهده من تطور للعلم وتوسّعه ورواجه وحب العلم وطرح العلم، إنما يعود لمرحلة ما بعد الثورة، فقد كان العلم مهجوراً ولم يكن محسوباً من قضايا البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة.

إن إنتاج العلم إنما يعني سلوك طرق يبدو أنها لم تسلك بعد، وهناك الكثير من المجاهل التي لم يصلها العلم المتطور المعاصر للآن وهناك احتمال كبير بأنها تفوق بكثير الأمور التي توصّل إليها الآن.

ففي يوم من الأيام كانت الكثير من الأمور التي يعرفها العالم وتعرفها البشرية مجهولة، فتجرّأ الناس وعرفوا هذا المجهول، فما الدليل على أننا نعجز على اكتشاف مجهول آخر.؟ وليس كل اكتشاف جديد يحتاج إلى أرفع العلوم وأعلى التقنيات".

ولأن ثمة استحقاقات واهمة تطال الأمة في كرامتها واستقلالها، لجهة إحكام الحصار الدولي الظالم على الجمهورية، لا يضع الإمام العلم لأجل العلم بل يربط بين العلم والعمل على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأمة جمعاء، ويدفع في اتجاه البحث نحو آفاق وميادين عليمة جديدة تطبيقية وإنسانية، فيقول في كلام له:

"في الحقيقة أننا لو أمعنّا النظر جيداً لوجدنا أن كل أمة وجماعة وأي فرد إنما ترتبط دنياهم وأخراهم ارتباطاً وثيقاً بهذين الأمرين: العلم والعمل، ولا يمكن لكل منهما أن يحتفظ بكامل خصائصه ما لم يُقرن بالآخر. فالعلم بلا عمل لا يجدي نفعاً، وقد ورد في الحديث: "العالم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر"، كذلك حال العمل بلا علم، حيث ورد في الحديث الشريف: "المتعبّد بلا علم كحمار الطاحون". إذن، لا فائدة من العمل بلا علم وإن كان ذلك العمل عبادة لله عزّ اسمه، فهو أشبه ما يكون يدوران الشخص حول نفسه؛ إذ لا ينتج عن مثل هذه الحركة أي تقدّم.

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيإنّ وطننا محتاج إلى العلم كما هو محتاج إلى العمل، وقد جعل الله لكل منهما ثواباً وأجراً، فاللعلم أجر وثواب وللعمل كذلك.

نحن إذ نشيد بالعلم، نشيد بالمعلّم حقيقةً؛ لأنه هو الذي يمنح العلم للآخرين، ولا يمكن الحصول على العلم دون معلّم، فمن أراد علماً أخذه عنه.


أعود قائلاً: لا علم دون معلّم، وكذا حال العمل، تكريم العمل إنما هو – في الواقع – تكريم للعامل وتثمين لدوره، إذ لا معنى لعمل دون عامل. لاحظوا جيداً مدى الترابط الموجود بين هذه المفاهيم، إذ يمكننا أن نعتبر العلم والعمل جناحي الشعب اللذين ينهض بهما به نحو التطور والتكامل. فالشعب الفاقد للعلم والعاطل عن العمل لا يمكنه التقدّم والتطوّر ".

وفي قراءة متأنّية لكلام الإمام وفي محطات متنوّعة مضموناً وحضوراً مشاركاً يمكننا استقراء معالم العلم الذي يريده الإمام: في حدوده وفي ضوابطه وقيمه الإسلامية وفي موقعه في مسيرة تقدّم البلاد، وأيضاً في محاوره التي تشترك جميعاً في صناعة الأبعاد الجديدة للتقدّم، لذا، سنعرض كل ما سلف مبوّباً في قالب تقديم العلم في صورته الكاملة المتكاملة وفق ما قدّمه الإمام.
الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي
عن أي علم يتحدّث الإمام؟

- يحتل العلم المرتبة الأولى من حيث تقدّم البلاد.

- لا علم بلا أهداف تحملها الأمة نحو نموّها واقتدارها.

- لا علم بلا عمل فالعالم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر، كما ورد في الحديث الشريف.

- من روافد العلم التوجّه لسلوك طرق استكشاف لم يبلغها أحد قبلاً ولا شيء لا الكفاءة ولا الإرادة ولا العزيمة يمنع من حدوث ذلك والوصول إلى نتائج، العلم يجب أن يتوجّه نحو الإبداع، وعلينا تربية الأطفال على الذهنية المبدعة الخلاّقة منذ نعومة أظفارهم.

- نمو العلم يجب أن يطال كلاً من القطاعين: العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية، وعلى ألا يكون أحدهما على حساب الآخر والتوسّع في الفروع العلمية، وتجاهل الفروع الإنسانية يظهر فيما لو دققنا به سوء نية في مكان ما.

- يجب أن يكون النمو العلمي ظاهرة من ظواهر البلد.

- التوسّع يجب أن يطال الإلمام بعلماء المسلمين.

- على الباحث والدارس التحلّي بروح الشجاعة العلمية والثقة بالله وبالنفس في الاتجاه نحو دراسة نظرية أو الوصول إلى إبداع أو ابتكار.

- إن مميزات البحث العلمي أن يكون حراً، ولكن بشرط أن يكون عقلائياً ودقيقاً.

- ضرورة تفادي التكرار العلمي والتقليد العلمي للغرب لما أراده لنا طيلة عقود.

- نحن لا ندعو لعدم أخذ العلم من الآخرين، لكن لا ندعو لبقائنا تلامذة أبد الدهر، فالنظرة التقليدية للعلم معناها أن نكون تلامذة فقط.

- إن العلم المستورد ليس علماً بالمعنى الحقيقي للكلمة ولكن العلم الذاتي هو الذي يمنح القوة.

- الالتفات لعدم التعبّد بآراء المفكّرين الغربيين في مجال العلوم الإنسانية، فالأساتذة الذين لا يتورعون عن السجود لهذه الأوثان دون الله تعالى، ويربّون الطلبة على هذه التبعية الفكرية لأصنام الفكر الغربي، فهذا لا قيمة له وهو خطأ فادح وإنني لا أثق بمثل هؤلاء الأساتذة فوجودهم لا يدر نفعاً مهما كانت درجاتهم العلمية، مع أن نفس الآراء الصنمية ربما تكون قد باتت منسوخة في الغرب.

- العلم لا ينفك عن الذوق والصناعة والفن والزراعة والخدمات العامة والعلاقات الخارجية، فيجب أن تتقدم جميعاً وإلى الأمام.

- إن أفضل مشجع على نشر العلم هو تكريم حامله.

- الخطاب المطلبي النقابي للأساتذة والعاملين في مجال العلم يجب أن يأتي من منطلق التشجيع والتحفيز لا من منطلق التثبيط وتخييب الآمال.

- عدم التفريط بالطاقات ذات القابلية الواعدة.

- ليس الدين حائلاً أمام التقدّم العلمي، بل يدعمه.

- يقف الدين أمام تجاوز العلم وتعدّيه الحدود الإنسانية والتي من الممكن أن يبتلى بها.

- إن البحوث العلمية التي تتوقف على تقدّمها حياة الناس اليومية بالنقود التي يضعها الإنسان في جيبه ليقوم بصرفها.

- التركيز على الأساتذة الجامعيين الشباب وإعطاء الأولوية للمتفوّقين.

- إن العلوم بناءٌ متكامل ومستقل علينا أن نظهره.

وبين سطور كلام الإمام يركّز وبشدة على عدم اقتباس المباني العلمية الغربية دون تدقيق وتمحيص عميقين لكي لا نقع في نفس الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء، فلقد أقدم البنك الدولي والمؤسسات المالية والنقدية العالمية على تقديم العديد من المشاريع والأطروحات الاقتصادية لدول وشعوب العالم، طبقاً للآراء والنظريات الغربية، وإذا بالغربيين أنفسهم يهاجمون تلك النظريات ويوجهون الانتقادات اللاذعة، ومع ذلك نجد من يأتي ليكرّر نفس تلك النظريات بحذافيرها مرة أخرى.

والأمة تحتاج إلى تفكير وتجربة عملية من أجل جمع وتدوين وتنسيق ما لدينا من علوم، وإلى نظرة علمية فاحصة على المبادئ والأسس التي وضعها الغربيون لهذه العلوم، فالهوية العلمية الخاصة بالأمة هو ما يريده الإمام، وهذه الهوية لها كامل الحرية عندما تكون في إطار مصلحة الأمة ونهوضها حتى ولو كانت نتائجها البحثية مخالفة لرأي القيادة، فواجب العلماء البحث والتحقيق وإعمال الفكر والمثابرة في العمل والتوصّل إلى النتائج حتى تعتمد القيادة وسواها على هذه النتائج العلمية، من أجل وضع البرامج لخدمة البلد.

وعليه، فلا حدود لحركة العلم والبحث العلمي لدى القطاعات المختصة طالما بقي في إطارين اثنين:

- المصلحة المباشرة للأمة والتي ترتسم في مشروع النهوض فالاقتدار، فالاستقلال.

- القيم الإسلامية ليكون العلم ترجمة حية لها نحو المصلحة العليا لإنسانية الإنسان ليكون الإنسان في آخر المشروع خليفة الله على الأرض، ولكي نتجنّب تطور العلم الأعمى نحو امتلاك القدرة لدى الشعوب القوية لاستضعاف الشعوب المحتاجة، والتفلّت بطرق الإفناء المتبادل بأسلحة الدمار الشامل وخصوصاً بالسلاح النووي الذي أوصلته قدرات الإنسان، إلى أن يدمّر الكرة الأرضية أربع مرات!!

المفارقة التي يتحدث عنها الإمام هي أن أكثر البلدان التي تعاني من فقدان الأمن اليوم هي التي وصلت إلى أعلى المراتب من الناحية العلمية والأمر يتعدّى فقدان الأمن ليصل إلى فقدان السعادة الإنسانية والعدالة، ويعاني الغرب من التمييز والفروقات الاجتماعية الهائلة بين ثروات هائلة وفقر مدقع يؤدّي غالباً إلى الموت نتيجة الجوع... وهل أن البلدان المتقدّمة من الناحية العلمية قضت على مشاكل الإرهاب والجريمة؟ وهل يتمتّع الأطفال بهذه البلدان بالتربية الحسنة في أحضان آبائهم وأمّهاتهم... ولعل عناوين الأمن والسعادة والكفاية والأسرة هي أهم الاحتياجات الإنسانية التي يتطلع إليها البشر من بداية الخليقة وحتى اليوم، وهذه العناوين لا زال مجتمع العلم في الغرب يبحث عنها ولا يجدها، لأن الإنسان في الغرب فصل الأخلاق عن العلم وبات المجتمع الغربي فاقداً للأهلية ليكون الطليعي في موضوع الطموحات الإنسانية، وهو بالتالي ليس الجهة الصالحة لتقدّم النموذج، تماماً على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه.

أما تركيز الإمام على ربط العلم بالقيم فقد أفرد له مساحة من التحليل والتعمّق فصحيح أن الهدف هو العلم، لكن شرط الهدف الأوعية والقلوب النيّرة التي تريد البحث في أسرار الكون والتي سوف تجد الله وقدرة الله وعظمة الله والتي ستعقل الخطاب الإلهي الموجه نحو عقول البشر، ولكن من خلال الإبداع في أسرار مكنوناته.


لمتابعة الحلقة الأولى هنا
لمتابعة الحلقة الثانية هنا
لمتابعة الحلقة الثالثة هنا


الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي
الرابط على موقع التعبئة التربوية