15-11-2024 08:41 PM بتوقيت القدس المحتلة

مقالات الصحف - السبت 3/9/2011

مقالات الصحف - السبت 3/9/2011

ـ الأخبار- ابراهيم الامين : في الأزمة السورية [2]: ورقة عمل سياسية ـــ إدارية لحوار بديل من العنف

المداولات الدبلوماسية في الأزمة السورية لم تحتل يوماً موقع المبادرة التي يتوافق عليها الأطراف، بغية التقدم خطوة نحو حقن الدماء. النظام في سوريا يرفض أي نوع من التدخل الخارجي. وهو في هذه النقطة لا يميز بين خارج بعيد أو معادٍ، أو خارج قريب وصديق، أو خارج لصيق وشقيق. بل هو حتى اللحظة، يرفض فكرة المبادرة، ما دامت تقوم على مبدأ أن هناك احتراباً بين جهتين يستلزم وساطة أو مبادرة. ومنطق النظام هذا يقوم على فكرة أن ما يجري في سوريا هو حركة احتجاجية في أحسن الأحوال، ومؤامرة خارجية بأيدٍ داخلية في الأسوأ من التقدير.
صحيح أن النظام يقفل حتى الآن أبواب المبادرات الخارجة عن إطاره. وهو يرى أن إطار الحوار الذي دعا إليه كافٍ، وفيه مساحة للجميع. لكن رجال النظام الأقوياء يعرفون أن هذا كلام غير ذي معنى، بدليل أن ما اتخذ حتى الآن من خطوات أو قرارات في سياق ما يسميه النظام «حزمة الإصلاحات» لم يتأثر قطّ بملاحظات المعارضين على اختلافهم. فضلاً عن أن تطبيق هذه القوانين يحتاج إلى سلطة من نوع مختلف. إذاً، لا يمكن أن ىُترك الأمن الذي يتدخل بخلاف وظيفته في حياة الناس وإدارة الدولة، أن يتولى هو الإشراف على عملية إصلاحية. بينما المطلوب من جميع السوريين اليوم، بمن فيهم المؤيدون للنظام، خطوات عملية، ذات فعالية ملموسة، تبعد الأمن عن الحياة اليومية للناس. في الجانب الآخر، ثمة معارضون تعوّدوا منذ عقدين على الأقل، اتباع منطق الصراخ في الهواء. هم يرفعون السقف عالياً، وعندما يبادر أحدهم إلى محاورتهم مباشرةً، يصبحون من دون برنامج عملي. وعلى المعارضين الإقرار بأن بينهم من يسعى إلى الحضور داخل دائرة القرار لا أكثر. وربما كان هذا حقه، ولكن ما يجري الآن في سوريا، يحتاج إلى نوع مختلف من الإدارة السياسية للمعارضة، وهو أمر ظاهر في طريقة تعبير المحتجين عن الأمر، سواء من خلال عدم قدرة كل هذه التجمعات المعارضة على إنتاج إطار وازن له صدقية واسعة، ويمكن الادعاء أنه يمثل غالبية في الشارع الغاضب، أو من خلال سعي كتلة انتهازية كبيرة، يقودها فريق من الإسلاميين ومن الليبراليين إلى ما يصفه نشطاء التنسيقيات بـ«سرقة دماء الشهداء» والذهاب نحو مبادرات وخطوات لا علاقة لها بما يجري على الأرض.

إلا أن الطامة الكبرى، هي تلك التي تصدر عن مراقبين، يفترض أنهم كذلك، لكنهم يمنحون أنفسهم صفة الناطقين باسم الثورة، وهم منتشرون بكثافة في مراكز القرار العربي والغربي، ويطرحون بدائل وأفكاراً تقوم في غالبيتها على رفض أي حوار فعلي مع النظام، ويدعون بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أنواع مختلفة من التدخل الخارجي بغية إسقاط النظام نهائياً.
وسط حفلة الجنون هذه، المعطوفة على جنون الأرض، برزت مجموعة مبادرات صيغت أفكارها ضمن أوراق جرى تبادلها بين معارضين فاعلين، وبين أركان في النظام، بما فيها القصر الرئاسي. ومن بين هذه الأوراق، واحدة تتضمن مبادرة متكاملة تقود إلى إخراج سوريا، في خلال وقت مقبول، من هذه الأزمة الوطنية الكبرى.
وبما أن الوقت لا يبدو مناسباً للكشف عن هوية من يقف خلف الأفكار وما يمكن أن ينتج منها قريباً، من المفيد عرض القسم الأبرز من الخطوات العملية المقترحة لمعالجة منطقية وباردة لأزمة بالغة السخونة.
في خلفية المبادرة يرد الآتي:
«تقف سوريا الآن عند مفترق طرق لعلّه الأخطر في تاريخها ما بعد الاستقلال. مدعاته حال الاستعصاء التي وصلت إليها الأزمة الوطنيّة الكبرى، والتي ستفضي، بالضرورة، إلى واحدٍ من مخرجين: إما الانزلاق إلى احتراب أهلي دموي عمره بالشهور، بل ربما بالسنين، وكلفته مليون ضحية بين قتيل ومشوّهٍ ومقعد، أو التوصّل إلى تسويةٍ تاريخيّةٍ كبرى ـــــ لطالما احتاج إليها الوطن السوري منذ أمد ليس بقصير ـــــ عنوانها التغيير، ومتنها استبدال نظام بتشييد دولة، دولة مدنية حديثة على قاعدة عقد اجتماعي جديد تتراضى عليه أطياف المجتمع السوري، ووفق ثوابته الوطنيّة والقوميّة (...). ولمّا كان النظام هو الحاكم والمسؤول، فبديهي أن يكون المطالب بالمبادأة والحكمة والشجاعة الأدبيّة، قبل المواطن الفرد ومجتمعه الأوسع. لذا، إن حزمة من السياسات الصادمة والإيجابيّة التي يمكن اقتراحها وتوقّعها من رئيس الجمهوريّة، تضحي أمر اليوم من دون اشتراط ذلك بضمان سلوك الشارع؛ لأنّ التظاهر السلمي كان في الأساس وسيلة ضغط الشارع الوحيدة على النظام.
أما بشأن المقترحات المباشرة، فيرد في الورقة:
ـــــ وقف النار الفوري على كامل الجغرافيا السوريّة، وعودة القوات المسلحة إلى ثُكَنها تدريجاً. ومن يستمرّ بإطلاق النار يُواجَه بعمليات أمنية موضعيّة تتعامل معه جراحيّاً وبحزم.
ـــــ إطلاق سراح كل المسجونين والمعتقلين السياسيين، وإصدار عفو عام وشامل عن كل القضايا السياسيّة، وإلغاء القانون 49 ورد الحقوق إلى أصحابها على الفور، سواء من مصادراتٍ أو استملاكاتٍ أو آثار ابتزاز، ما تقادم عليه الوقت منها أو ما استجدّ خلال الأزمة، والقبض على المسببين الفعليين لإيذاء الناس خلال الأزمة وإحالتهم على محكمة علنيّة، سواء منهم من بدأها في درعا أو من شابههم في محافظات أخرى لحقت بها. ثم معاملة كل ضحايا الأحداث، عسكريين ومدنيين، كشهداء للوطن، وتعويض أسرهم وفق تلك القاعدة، مع تخصيص أيام ثلاثة للحداد الوطني.
ـــــ طيّ ملف المفقودين وفق آليّة ملائمة وكريمة تحفظ حقوق المتضررين وأسرهم، وإنشاء هيئة وطنيّة للمصالحة والعفو تتعامل مع ملفات ما بعد 8 آذار 63 الجرميّة على الطريقة الجنوب أفريقيّة والمغربيّة، ثم تأليف لجنة وطنيّة تضع مسودة دستور جديد لتقدّم إلى مجلس النوّاب الجديد لمناقشتها، ثمّ إحالتها على الاستفتاء العام بعد بتّها.
ـــــ تأليف حكومة إنقاذ برئاسة رئيس الجمهوريّة، تضم شخصيّات من المعارضة الوطنيّة، إضافة إلى تكنوقراط كفوء، مع احتساب حقائب الداخليّة والخارجيّة والدفاع على حصة البعث. ثم إعلان الفصل الجماعي للمنتسبين إلى سلكي الشرطة والقضاء من عضويّة حزب البعث. وإلغاء امتيازات أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وفك أي ارتباط بينها وبين أجهزة الدولة.
ـــــ إعادة ترميم دولة الرعاية بكل ما تتطلبه من استيفاء حقوق الفقراء وذوي الدخل المحدود من دعم لأسعار السلع التموينيّة الأساسيّة لمستحقيها، وتوفير طبابة مجانيّة، وتعليم مجاني بكل مراحله، وتأمين ضد البطالة، وإسكان زهيد الكلفة وحظر الاحتكارات في قطاعات الاقتصاد والأعمال.
ـــــ الدعوة إلى انتخابات نيابيّة عامّة مطلع 2012، وتكون من أولى مهمات مجلس النوّاب الجديد مراجعة مسودة الدستور الجديد وإقرارها، وإعادة النظر في قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام والإدارة (الحكم) المحليّة والطوارئ والتظاهر والسلطة القضائيّة والجامعات والجمعيات والعقوبات وغيرها.
ـــــ تحقيق الاستقلال القضائي عبر اتباع سلك القضاء لمجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس محكمة النقض، وبضمنه النيابة العامّة والتفتيش القضائي.
ـــــ تأليف مجلس للأمن القومي برئاسة الرئيس وعضويّة نوابه ورئيس مجلس الوزراء ووزراء الدفاع والداخليّة والخارجيّة ورئيس المخابرات العامّة ورئيس هيئة الأركان العامّة ومدير المخابرات العسكريّة، وله أمين عام متفرّغ.
ـــــ فصل الفرع الداخلي عن إدارة المخابرات العامّة ليصبح تخصصها الأمن القومي البحت (التجسس الخارجي ومكافحة التجسس الداخلي وتقديرات المعلومات)، ودمج هذا الفرع مع إدارة الأمن السياسي تحت عنوان (إدارة الأمن الوطني)، وتتبع وزارة الداخليّة.
ـــــ إلغاء وزارة الإعلام، وإنشاء اتحاد عام للإذاعة والتلفزيون ومجلس أعلى للإعلام من شخصيّات يرشّحها رئيس الجمهوريّة وخاضعة لإقرار مجلس النوّاب.
ـــــ إعادة تنظيم القطاع العام بهدف فصل الملكيّة عن الإدارة، وعقد مؤتمر للإدارة والإنتاج لمناقشة قضاياه واستخلاص دليل عمل للمرحلة المقبلة، وتحقيق العدالة الضريبيّة بالتشديد على التحصيل الصحيح من دخول الأغنياء، ثم دمج الهيئة المركزيّة للرقابة والتفتيش مع الجهاز المركزي للرقابة الماليّة في جهاز واحد اسمه «الهيئة المركزيّة لرقابة الدولة» يتبع لمجلس النوّاب.
ـــــ دمج المحافظات الحاليّة في محافظات أكبر هي: دمشق، حلب، حوران، الساحل، العاصي والفرات، يديرها محافظون برتبة وزير يتبعون رئاسة مجلس الوزراء، مع إلغاء وزارة الإدارة المحليّة.
من الواضح أن لا مشكلة في إعداد مقترحات للحل. لكن المشكلة في من يقدر على تحويلها إلى ورقة عمل لدى الأطراف المتنازعة. ذلك لا يعفي النظام من مسؤوليته في إعطاء الإشارة الفعلية إلى أنه لا عودة إلى ما قبل 15 آذار. ومن يدّعِ العكس، فهو مجرم بحق سوريا.

ـ الحياة -حازم صاغيّة : المسألة السنّيّة

في لبنان وسوريّة ينتصب تناقض يصعب التغافل عنه أو تجاهله بذرائع تبسيطيّة كـ «الأخوّة» وتجنّب الكلام في الطائفيّة، ناهيك عن «وحدة» القوميّة والدين والعداء للاستعمار والصهيونيّة وسوى ذلك. مفاد ذاك التناقض أنّنا نعيش أزمة أقليّات مديدة فيما نعيش، بالقدر نفسه من الحدّة، أزمة الأكثريّة السنّيّة.
ووضع كهذا هو الهرم المقلوب للوضع العراقيّ في عهد صدّام حسين، حيث كانت الشيعيّة والكرديّة العَلمين الأبرز على اضطهاد تمارسه نخبة حكم سنّيّ. وهو أيضاً مغاير للحالة المصريّة حيث يتماهى الاضطهاد مع الأقباط والهويّة القبطيّة. ولقائل أن يقول، ردّاً على هذا التصنيف العريض، إنّ الشعوب كلّها مقهورة، وهذا صحيح. مع ذلك لا بدّ من التمييز، في الأوضاع المذكورة كلّها، بين اضطهاد يتأتّى عن شروط سياسيّة واقتصاديّة محدّدة، واضطهاد يترتّب، فضلاً عن الشروط تلك، على الهويّة الدينيّة أو المذهبيّة أو الإثنيّة لأصحابها.في هذا المعنى، فإنّ القبطيّ المصريّ والشيعيّ والكرديّ العراقيّين في عهد صدّام مُضطَهَدون مرّتين. وهذا ما يصحّ اليوم في السنيّ السوريّ واللبنانيّ.
أمثلة ذلك تمتدّ من تركيبة النظام في دمشق، والتي تعود في أصولها إلى 1963، إلى المصير الذي لقيه، عام 2005، رفيق الحريري في لبنان، كما لقيه أنصاره وتيّاره منذ 2006، وخصوصاً 2008.

لكنّ هذه المحطّات البارزة لا تغني عن تفصيل.
فانتخاب إميل لحّود لرئاسة جمهوريّة لبنان ثمّ التمديد له نصف ولاية رئاسيّة، والتحطيم والإذلال المتواليان لمدينة طرابلس، وشيوع نظريّة «حلف الأقليّات»، والتحالف السوريّ المديد مع إيران الذي نشأ في موازاة الصراع مع «الاخوان» السوريّين وتدمير مدينة حماة، وتنامي قوّة «حزب الله» بعد ضمور المقاومة الفلسطينيّة ثمّ تحوّله دولة أقوى من الدولة، هذه كلّها عناوين في تطوّر الإحساس السنّيّ إلى ما يتراوح بين التهميش والاضطهاد.
وهي تحوّلات كانت تكتنفها عوامل تُشعر السنّيّ المتوسّط بعدم الارتياح: فالعالم السنّيّ دفع الكلفة الأكبر لانهيار نظام صدّام، مثلما دفع الكلفة الأكبر لـ «الحرب على الارهاب». وإذا كان صعود الدور التركيّ قد أفرحه، فإنّ ضعف المراكز السنّيّة الذي تسبّب بالدور التركيّ لم يقع عليه وقعاً حميداً. أمّا الموضوع الفلسطينيّ، مثله مثل المقاومة، فصار، بسبب «حماس» وتحالفاتها، يتماهى مع الشيعيّة السياسيّة أكثر ممّا مع السنّيّة السياسيّة.
وربّما كان السبب الأهمّ وراء هذا التناقض الذي يجعل الأكثريّة مقهورة، من دون أن يخفّف قهر الأقليّات، أنّ الانقلاب العسكريّ في المشرق، وتحديداً في سوريّة، بات منذ الستينات مهنة أقليّة. وعلى رغم سطحيّة الحداثة التي حملها الانقلاب، غدت هذه الحداثة السطحيّة عاملاً إضافيّاً في توسيع المسافة التي تفصل الكتلة السنّيّة عن الحداثة. وإذ انعطف هذا على انعدام الاصلاح الدينيّ المزمن، بات الاضطهاد الذي يتعرّض له السنّة ناطقاً بلسان محافظ يسنده قلب محافظ. على النحو هذا يغدو المشرق أمام اضطهادين، لا واحد، كلّ منهما يحمل وعياً منقوصاً: الاضطهاد الأقلّيّ يتحالف مع الاستبداد وينضح بتآمريّة تقارب الفجور أحياناً فيما يتباهى بحداثيّة لا تتجاوز القشور، والاضطهاد الأكثريّ خائف من التقدّم، منشدّ إلى الماضي التراتبيّ والملليّ الذي ارتبط قمعه بقمع السنّة.وأكثر بؤساً ممّا عداه أنّ ما من أحد يستطيع أن يطمئن أحداً لأنّ الاضطهاد أضعف الأكثريّ بطريقة كما أضعف الأقليّ بطريقة أخرى. وهذا فيما يشتدّ الإلحاح على ضرورة حلّ مسألتين ضاغطتين، لا مسألة واحدة

ـ الشرق الأوسط-  رامي خوري :أفول شمس الأسد

الأمور لا تبشر بالخير بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد والشبكة المتلاحمة من الأقارب وهيئات الأمن وأعضاء حزب البعث ومعارفه من رجال الأعمال الذين يسيطرون على البلاد.وتزداد عزلة النظام السوري يوما بعد يوم داخل البلاد وخارجها، لكنه لا يزال متماسكا ومستعدا للقتال حتى النهاية. لكن لم تتضح بعدُ طبيعة هذه النهاية بالضبط، على الرغم من أنها تبدو وشيكة الآن، خاصة بالنظر إلى أحداث الأسبوع الماضي وأبرزها:
تصريح وزير الخارجية الإيراني بأنه ينبغي على نظام الأسد الاستجابة للمطالب السياسية المشروعة للمواطنين، وهو ما يعني أن القمع العسكري الذي يحدث في الوقت الحالي غير كافٍ لتهدئة الأمور والحفاظ على النظام القائم. كما تحدث حسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان، علانية عن حاجة جميع الأطراف إلى العمل معا لوضع حد للتوترات السورية بصورة سلمية.
وعندما يتحدث أكثر الحلفاء قربا لسوريا، وهما إيران وحزب الله، علانية، ويعترفان بأن المشاكل التي يواجهها النظام السوري عميقة ولا يمكن حلها من خلال الإجراءات الأمنية العنيفة التي يستخدمها النظام، فإن هذا مؤشر يدل على مواجهة سوريا لمأزق كبير.
أما على صعيد المنطقة، فقد استمرت تركيا في ممارسة الضغط على حكومة الأسد وذهبت إلى أبعد من ذلك، حين قالت إنها إذا اضطرت إلى الاختيار بين تقديم الدعم للزعماء أو الشعب فإنها ستختار الشعب.

حتى جامعة الدول العربية، التي تعد إطارا قديما للشرعية العربية والعمل الجماعي، أعلنت عن مخاطر الاستراتيجية الحالية التي تتبعها الحكومة السورية، كما أرسلت الأمين العام لها إلى دمشق لتقديم خطة لحل هذا الصراع.
في الوقت نفسه، تحرك الأوروبيون نحو فرض حظر كامل على تجارة النفط السوري ومنتجات الطاقة، وذلك في إطار سعي الولايات المتحدة ومجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، لإيجاد طرق جديدة للضغط على سوريا.
لكن ما يبعث الذعر في نفس الأسد، بصورة خاصة، هو قيام مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، بدراسة تبحث فيما إذا كان رد فعل الدولة على ثورة المواطنين قد تضمن أعمالا يمكن تصنيفها على أنها جرائم ضد الإنسانية، وهو ما يعني أن نظام الأسد يتقدم ببطء نحو إدانته من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
الشيء الأكثر أهمية هو أن هناك 3 خطوات من جانب السوريين أنفسهم، أولاها: مجموعات المعارضة المتنوعة التي اجتمعت في تركيا، والتي أعلنت عن تشكيل المجلس الانتقالي الوطني. الثانية: تصريح بعض الجماعات المسلحة في سوريا بأنها ستسعى إلى الحصول على سلاح من أجل مقاومة الدولة عسكريا. الثالثة: مطالبة مجموعات أخرى في سوريا المجتمع الدولي بحمايتها مما تتعرض له من قمع عسكري من نظام الأسد.
كانت هذه جميعا خطوات صغيرة وفردية لم ترقَ إلى أن تكون خطوات حاسمة، لكن عند اقترانها بتحركات إقليمية ودولية، سيتضح مدى تضييق الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية الخناق على النظام السوري والمؤسسة الحاكمة.
وقد أشار كثيرون، وأنا أحدهم، على مدار أشهر، إلى أن النظام السوري قوي الأركان والقواعد، كما أنه يحظى بشرعية لدى الكثير من السوريين.

لكن المشكلة التي يواجهها الأسد ونظامه الآن هي أنه أهدر الكثير من هذا الدعم وهذه الشرعية، وهو الآن «قوي» على نحو مختلف للغاية يجعله ضعيفا.النظام السوري الآن أشبه بمجموعة من الجنود الأقوياء عند اجتماعهم معا في معسكر حصين تحيط به قوات معادية من جميع الجهات. ولا تزال هناك قيادات وأجهزة أمنية لها دور حاسم تدين بالولاء للنظام، فضلا عن قاعدة سياسية وديموغرافية من الدعم داخل البلاد، بالإضافة إلى عدد كبير من الدبابات والذخيرة ومليارات الدولارات وعشرات الآلاف من جنود المشاة.لكن هذه الأصول كلها تم تجميعها في مساحة صغيرة تتقلص باستمرار مع ضعف العلاقات الإقليمية والدولية، علاوة على أنها تواجه حشودا شعبية هائلة تتزايد قوتها وحجمها وشجاعتها وقوتها السياسية بوتيرة ثابتة.. إن استخدام دبابات حربية لقتل مواطنيك ليس دليلا على قوتك بل على يأسك. وقد فشلت محاولة النظام السوري لحل الأزمة من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات الأمنية القمعية والحديث المنمق عن الإصلاح السياسي، وأدت فقط إلى إثارة المحركات الثلاثة الأكثر أهمية التي ستحدد مستقبله، وهي: تراجع شرعيته ومصداقيته أمام قطاع واسع من الشعب، وازدياد حدة تحدي السوريين له داخل البلاد وخارجها، علاوة على الضغط الدبلوماسي التي تمارسه القوى الإقليمية والدولية عليه.ومن المحتمل أن تظل سوريا في هذا الوضع لمدة أشهر وهي قادرة على ذلك. وإذا استطاع النظام الهروب من القوى التي تطوقه، فمن الممكن أن تكون لديه فرصة لتنظيم تغير تدريجي نحو نظام حكم أكثر انفتاحا وتحررا، لكن احتمالية حدوث ذلك في الوقت الراهن معدومة.
* محرر استشاري بصحيفة «ديلي ستار» ومدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت


ـ الجمهورية : في تقرير إستراتيجي لـ "فورين أفيرز" ايران: سوريا خط الدفاع الامامي في وجه أميركا

قالت نشرة "فورين أفيرز" للدراسات الاستراتيجية في تقرير لها حول ايران وعلاقتها بكل من سوريا والولايات المتحدة الاميركية "أن النظام الايراني هو واحد من الحلفاء القلائل المتبقين للرئيس السوري المحاصر بشار الأسد. وحاولت الولايات المتحدة الأميركية على مدى سنوات قطع العلاقات بين دمشق وطهران، ولكن الأزمة الحالية ساهمت في توطيد وتقريب العلاقات بينهما".
ويضيف التقرير "أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي أوضح أن إيران تعتبر الثورة في سوريا خدعة أميركية موضحا في 30 حزيران :"إن التدخل الأميركي والإسرائيلي جلي في سوريا". وأكد في الوقت نفسه الدعم الإيراني للأسد مضيفا "حيثما يكون التحرك إسلامي وشعبي ومناهض لأميركا فإننا ندعمه".
وعلى رغم من الخلافات في مسائل أخرى، يبدو أن سائر النظام الإيراني يتفق مع طرح خامنئي بالنسبة الى سوريا. وقد صنف الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الثورة في سوريا على أنها مؤامرة أجنبية. وفي 8 آب، عقب زيارته القاهرة، كرر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بوروجردي موقف خامنئي قائلا "بعد أن فقدت الولايات المتحدة الاميركية مصر، استهدفت سوريا".

ويقول التقرير: "بالنسبة لإيران، تعتبر سوريا الأسد خط الدفاع الأمامي في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل، اما خط الدفاع الثاني المكون من "حزب الله" وحركة "حماس" فهو صامد بسبب ولائه المضمون. وحسب التقديرات الأميركية، فإن حزب الله يتلقى سنويا امدادات وأسلحة بقيمة 100 مليون دولار من طهران عبر الأراضي السورية. وسيجد الحزب صعوبة متزايدة في الاستفادة من الوكيل الإيراني ضد إسرائيل في حال أُغلقت الحدود السورية. وبالإضافة الى تبادل الأسلحة ووسائل المراقبة، أشارت مصادر موثوقة من اللاجئين السوريين الى أن طهران أرسلت قواتها الخاصة الى داخل سوريا من اجل سحق التظاهرات".
وحسب التقرير نفسه "فإن النظام الإيراني متعاطف بنحو خاص لأنه يرى أن الاحتجاجات في سوريا شبيهة بتلك التي اجتاحت إيران في العامين 2009 و2010. واعتبرت إيران في حينها أن هذه الاحتجاجات كانت محاولة تدعمها أميركا لتغيير النظام. وهي تعتبر الآن أن الاحتجاجات في سوريا هي مناورة أميركية تهدف الى تدمير حجر أساس النفوذ الإيراني في المنطقة المتمثل في محور إيران – سوريا – حزب الله. وقد أوضح هذه النظرية السفير الإيراني السابق في سوريا أحمد موسوي عندما قال:"أن الأحداث الحالية الجارية في سوريا صممها الأعداء الأجانب وهي تشكل الصيغة الثانية لأعمال التحريض والفتنة التي حصلت في العام 2009 في إيران". مضيفا "أن العدو يستهدف أمن سوريا وسلامتها... والمتظاهرون هم مرتزقة أجانب يتلقون اوامرهم من العدو ومن الصهاينة".

ويضيف التقرير: "في ضوء ذلك بات من غير المستغرب إذا اتخذت إيران إجراءات كبيرة من أجل إبقاء الأسد في السلطة. وحسب مسؤولين اميركيين، فإن أيران وابتداء من شهر نيسان بدأت تقدّم الأسلحة ووسائل المراقبة والتدريب الى الأجهزة الأمنية السورية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، اعترضت أنقرة شحنة أسلحة متوجهة من إيران الى دمشق". ويفيد التقرير "أن النظام الإيراني زوّد الأسد أيضا التكنولوجيا الضرورية لرصد ومراقبة الرسائل الالكترونية والهواتف الخلوية ومواقع التواصل الاجتماعي. وكانت إيران قد طورت هذه القدرات عقب الاحتجاجات التي إجتاحتها عام 2009، وقد صرفت ملايين الدولارات من أجل إنشاء "جيش الانترنت" من أجل تعقب المعارضين الذين يستخدمون شبكة الانترنت. وتعتبر تكنولوجيا المراقبة الإيرانية من الأكثر تطورا وتعقيدا في العالم، وربما تحتل المرتبة الثانية بعد الصين. وبعد أن حصل النظام السوري على هذه التكنولوجيا بفترة وجيزة، رفع الأسد الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي بهدف إغواء المعارضين للخروج الى العلن".

ويشير التقرير الى أنه "حتى الآن، فإن الصوت الإيراني الوحيد الذي تجرأ على المسائلة عن الدعم الإيراني لنظام الأسد هو عضو مجلس الخبراء آية الله محمد علي دستغيب، أحد مراجع الشيعة الكبار. والذي شدد خلال جلسة لشرح القرآن في مدينة شيراز في 23 حزيران الماضي على أن الموارد الإيرانية يجب الاحتفاظ بها من أجل الإيرانيين، سائلا :"أين يجب أن ينفق المال العام الذي يمكن أن يجعل هذه الدولة من بين الأفضل في العالم؟ هل يجب إنفاقه في سوريا كي يستطيعوا قمع الشعب هناك؟".
ويختم التقرير: "من جهة أخرى، كان حليفا إيران الاقليميين الأبرز تركيا وحركة "حماس" مترددان في أن يحذوا حذوها. وإذ تقدر إيران تقدّر التحسينات المستجدة في علاقتها مع تركيا والتي جاءت مع صعود رجب طيب أردوغان الى السلطة، فإنها تريد من أنقرة أن تلعب دور الداعم لاستراتيجيتها الإقليمية. ولكن عندما إزداد انتقاد أردوغان للأسد، وتّرت إيران العلاقة مع تركيا، وحتى أن المسؤولين الإيرانيين اتهموا أردوغان علنا بافتعال التظاهرات في سوريا. وفي موازاة ذلك رفض المسؤلون في حركة "حماس" خلال الشهرين المنصرمين تنظيم مسيرات في قطاع غزة دعما للأسد. وحسب مصادر بارزة، فإن طهران قطعت التمويل عن حماس منذ ذلك الحين".


ـ الديار - دوللي بشعلاني : قلب الأنظمة في أفغانستان وباكستان والعراق وتونس واليمن وليبيا لم يؤدِ سوى.. الى الفوضى والمجهول .. مصدر ديبلوماسي : سوريا صامدة في وجه مشروع الشرق الأوسط الكبير رغم تضافر الجهود الغربية لإسقاطها

هل سيصمد نظام الرئيس السوري بشّار الأسد أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتحقّق في أفغانستان وباكستان ثمّ مع سقوط نظام صدّام حسين في العراق، فزين العابدين في تونس، وحسني مبارك في مصر، وعبدالله صالح في اليمن، وأخيراً معمّر القذّافي في ليبيا؟ والى متى ستبقى البحرين والأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج بمنأى عن الإحتجاجات الشعبية بعد أن قامت تحرّكات قليلة في البحرين والأردن، ما لبثت أن لُجمت بسرعة البرق؟ وصل الموس الى ذقن سوريا منذ أشهر، وبدأ الرهان على سقوطها المحتّم خصوصاً بعد سقوط أنظمة كبرى مثل العراق ومصر وليبيا. وتعتبر سوريا، على ما يقول مصدر ديبلوماسي الخصم اللدود لإسرائيل في المنطقة والذي يقف حائلاً أمام تحقيق «طموحاتها» في السيطرة على المنطقة كدولة قوية، ما يجعل واشنطن أكثر حرصاً على دعمها للمعارضة السورية في الداخل والخارج ومطالبتها الأسد بالتنحّي، فسوريا الضعيفة هي التي تخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة وليس سوريا القوية، ولهذا تتضافر الجهود الغربية في سبيل إضعافها. غير أنّ سقوط سوريا الحالية سوف يؤدّي لصعود نظام إسلامي سنّي غير قوّي - على عكس ما يعتقد البعض- يتوقّع أن تسيطر عليه تركيا التي فضّلت دعم حركات الأخوان المسلمين السورية بدلاً من دعم نظام الأسد. ولعلّ ذلك قد يخلق عائقاً جديداً أمام المخطط الأميركي الذي يهدف أيضاً الى تفتيت تركيا لاحقاً، كما حصل في العراق، خصوصاً وأنّ الإدارة الأميركية لم تنسَ بعد كيف وقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أخيراً في وجه إسرائيل التي منعت وصول المساعدات الإنسانية الى قطاع غزّة المحاصر.
وشدّد على أنّ سوريا لا تزال صامدة حتى الآن وتعمل من أجل عدم تحقّق المخطط الأميركي الصهيوني، مشدّداً على أنّ بقاء نظام الأسد لن يأخذ لبنان والمنطقة الى المجهول بل تربّع إسرائيل على عرشها، وفقاً للأحلام الغربية.
ومن المعلوم أنّ «الشرق الأوسط الكبير» هو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن، على منطقة واسعة تضمّ دول العالم العربي بكاملها، إضافة الى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان. وأطلقت الإدارة الأميركية هذا المصطلح في إطار مشروع شامل يسعى الى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حسب تعبيرها، في المنطقة. وطرحه الرئيس بوش بعد عام تقريباً من احتلال العراق، وبعد سلسلة مبادرات ومواقف كانت الإدارة الأميركية قد أعلنتها بعد الهجوم الإرهابي على برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن في 11 أيلول 2001، وذلك بغية التعامل مع مشكلات المنطقة العربية والتحديات المنبثقة عنها. وأعلن عن نصّ المشروع في آذار 2004 بعد أن طرحته الإدارة الأميركية على مجموعة الدول الصناعية الثمانية. ولكن بعد حرب تمّوز- آب 2006 على لبنان، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس آنذاك أنّ «الشرق الأوسط الجديد سوف يولد من رحم هذه الحرب».
وتشير الدراسات الى أنّ الشرق الأوسط ليس له ملامح جغرافية محدّدة المعالم، غير أنّ البعض يؤكّد على أنّها المنطقة الجغرافية الواقعة ما حول وشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتمتد الى الخليج العربي. وقد سُميت هذه المنطقة في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم، وهي مهد الحضارات الإنسانية وكذلك مهد جميع الديانات السماوية. ويمكن القول إن الكيانات السياسية في هذه المنطقة تتمثل بالدول الآتية: العراق، السعودية، فلسطين، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الإمارات، اليمن، سوريا، مصر، سلطنة عمان، السودان، إيران، أرمينيا، تركيا، قبرص. ويُعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً على الصعيد الأمني حيث شهد أكثر من إحدى عشرة حرباً.

وكانت الولايات المتحدة قد انتهجت طوال نصف قرن مضى إستراتيجية منسّقة إزاء المنطقة العربية تقوم على أربع ركائز هي: ضمان انسياب النفط العربي باتجاه السوق الأميركي بأسعار معقولة، (وقد وضعت يدها عليه كلياً في العراق وحالياً في ليبيا) فضلاً عن الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في الشرق الأوسط وحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وتفيد المعلومات أنّه «يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه. وقد غُرست إسرائيل في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف. فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيُشكّل ثقلاً إستراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، ويُشكّل عائقاً أمام الأطماع الاستعمارية الغربية، ففي إطار الوحدة والتماسك تُشكّل إسرائيل جسماً غريباً تلفظه المنطقة ممّا يعوق قيامها بدورها الوظيفي، كقاعدة للمصالح الغربية، أمّا في إطار عالم عربي مقسّم إلى دويلات إثنية ودينية فتعود المنطقة إلى ما قبل الفتح الإسلامي، أي منطقة مقسمة إلى دويلة فرعونية في مصر وأخرى أشورية بابلية في العراق وثالثة آرامية في سوريا ورابعة فينيقية في لبنان، وعلى القمة تقف دولة عبرية متماسكة مدعومة عسكرياً من الولايات المتحدة في فلسطين..
ومع التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، دولة طبيعية بل وقائدة في المنطقة. وكما قال شمعون بيريز: «لقد جرّب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن». وهي الرؤية نفسها التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات وتبناها المحافظون الجدد، وتدور السياسة الأميركية في إطارها. ومن هنا نلاحظ كيف تخلّت كلّ من إسرائيل وواشنطن أخيراً على استمرار دعمها لنظام الرئيس مبارك لا سيما مع تزايد القوى المعارضة، على الرغم من دعم هذا الأخير للمصالح الإسرائيلية طوال أعوام كثيرة».
ولأنّ الولايات المتحدة وبعد أن ذاقت مرارة الفشل في العراق وأفغانستان، عهدت لإسرائيل تنفيذ مخططها الاستعماري بحيث تقوم بتدمير لبنان وحكومته فيتحوّل لبنان إلى بلد ديموقراطي على الطريقة العراقية، أي يدور في فلك المصالح الأميركية، فشنّت الحرب على «حزب الله» المدعوم من نظام الأسد في العام 2006، على ما أشار مصدر سياسي لكنها لم تُفلح في تدمير هذا البلد على النحو الذي أرادته، ولا زالت تحاول القضاء قانونياً وقضائياً على «حزب الله» الذي فشلت في القضاء عليه عسكرياً من خلال استخدام المحكمة الخاصة بلبنان، ما يجعلنا نتساءل عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية سوف تغيّر مشروعها للمنطقة بحسب المعوقات التي قد تعترض تنفيذه.
ويقول المصدر الديبلوماسي «كان هناك تحديات ومعوقات عدّة أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، (الذي تحوّل الى «الكبير» بعد فشل الأول في التسعينات من القرن الماضي، ويتركّز المشروع المستحدث في المجال السياسي على عكس المشروع الأميركي السابق الذي يتمحور حول التعاون الإقتصادي)، على النحو الذي وضعته الإدارة الأميركية أهمّها وجود خلل أساسي في سياسة الولايات المتحدة إزاء العالم العربي، ثمّ الإنحياز المطلق للمواقف الإسرائيلية، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك عبر المحاولة الأميركية لطمس الهوية العربية، وجعل العلاقات الاقتصادية الشرق أوسطية بديلاً عن التكامل العربي. إضافة الى الممانعة الكبيرة من قبل كل من الحكومات أو المجتمعات العربية للمشروع الأميركي، لأنه يُشكّل محاولة أميركية للتدخل في شؤون المنطقة العربية.. ولهذا نجد أنّ الإدارة الأميركية تحاول اليوم تخطّي هذه المعوقات مستخدمة الشعوب العربية للثورة على أنظمتها تطبيقاً لمشروعها، فيأتي التغيير المنشود من الداخل ولكي لا تُتهم بالتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، على الرغم من رؤية العالم ككلّ كيف تدخّل السفير الأميركي في سوريا وبشكل علني دعماً للتظاهرات ضد نظام الأسد، ما أكّد المضي الأميركي في هذا المشروع رغم التحديات. ويضيف «إنّ ما حصل في العراق وتونس ومصر واليمن يؤكّد بشكل واضح كيف أنّ الإدارة الأميركية التي تزعم أنّها تريد نشر الديموقراطية في العالم العربي، تفرضها بالقوة عن طريق قلب الأنظمة متجاهلة بذلك المشاكل التي تعاني منها دول هذا العالم، وتاركة وراءها الفوضى بدلاً من الديموقراطية والتطوّر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ولعلّ وضع الدول العربية «المنكوبة» حتى الآن، على ما يصفها المصدر نفسه، هو خير دليل على ذلك.

أمّا ضعف الأنظمة العربية وافتقارها لإدارات واعية كفاية، ومعاناتها من أزمات بنيوية مستعصية على الصعد كافة، رغم بقاء كلّ رئيس فيها على عرشه طوال عشرات السنوات، واهترائها من الداخل، فكلّها عوامل شجّعت الولايات المتحدة على طرح طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد ثمّ الكبير، هذا مع العلم بأنّ الوطن العربي يساهم بنحو 30% من إنتاج النفط العالمي، ويحتوي على ثلثي احتياطي النفط في العالم، على ما تؤكّد المعلومات.
وكانت الإدارة الأميركية قد طرحت مبادءها وتصوّرها عن شرق أوسط (ديموقراطي) جديد، يبدأ من إلغاء الخرائط الاستعمارية القديمة التي أنشأها الاستعمار الفرنسي والبريطاني في بداية القرن العشرين لانتفاء الحاجة إليها بسبب المتغيرات القومية والطائفية الجديدة للبلدان المعنية بالتقسيم. إنّ التقسيم والاقتطاع وسيلة لأضعاف الدول، فيما الدول لجديدة التي ستنشأ ستكون موالية تماما للإدارة الأميركية بحكم العرفان بالجميل للعناصر الانفصالية المستفيدة إلى الدولة التي منحتهم الاستقلال، والدول التي ستتوسّع ستكون مدينة أيضاً بموالاتها لمشروع التقسيم والضمّ . والأردن الكبير سيكون الحل الأمثل للمشكلة الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين ونقطة جوهرية لتخليص إسرائيل من مشكلة تواجهها باستمرار وهي التغيير الديموغرافي للسكان لصالح الفلسطينيين في حال تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ونشر موقع مجلة القوة العسكرية في تموز 2006 خارطة جديدة للشرق الأوسط بمقال معنون «حدود الدم»، حدّدت ملامح جديدة لخارطة شرق أوسطية جديدة والتقرير يفترض إن الحدود بين الدول غير مكتملة وغير نهائية. والرؤيا الجديدة لشرق أوسط ما بعد التقسيم، لا تقوم على أساس خرائط معدة مسبقاً بل أعدت على أساس وقائع ديموغرافية (الدين القومية والمذهبية). ولأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلّب توافقاً لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن، ولضيق الوقت لا بدّ من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية التي يجب أن تستغل من قبل الإدارة الأميركية وحلفائها. يفترض إن إسرائيل لا يمكنها العيش مع جيرانها ولهذا جاء الفصل عن جيرانها العرب، ولذا فإن الطوائف المتباينة التي لايمكن التعايش فيما بينها من الممكن تجمعها بكيان سياسي واحد.
الأكراد، على سبيل المثال، أكبر قومية موزعة على دول عدّة بدون كيان سياسي. عليه، فإنّ الولايات المتحدة وحلفائها لا تريد أن تفوت فرصة تصحيح (الظلم) بعد احتلال بغداد مستفيدة من فراغ القوة التي كان يشكلها العراق الذي أصبح مؤكّداً الآن بأنه الدولة الوحيدة في العالم التي كانت الحاجز العظيم أمام تنفيذ المخطط الأميركي للمنطقة.
أمّا الدول المستهدفة بالتقسيم والاستقطاع فهي إيران، تركيا، العراق، السعودية، باكستان، سوريا والأمارات، و دول ستوسع لأغراض سياسية بحتة مثل اليمن، الأردن وأفغانستان. فيما الدول الجديدة التي ستنشأ: من تقسيم العراق تنشأ ثلاث دويلات (كردستان وسنيستان وشيعستان): - دولة كردستان الكبرى، وستشمل كردستان العراق ومن ضمنها طبعاً كركوك النفطية وأجزاء من الموصل وخانقين وديالي، وأجزاء من تركيا، إيران، سوريا، أرمينيا وأذربيجان، وستكون أكثر دولة موالية للغرب ولأميركا.
- دولة شيعستان، وستشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران(الأهواز) وستكون بشكل حزام يحيط بالخليج العربي.
- دولة سنيستان، ستنشأ على ما تبقّى من أرض العراق وربما تدمج مع سوريا.
- وخلق دولة بلوشستان الجديدة التي ستقطع أراضيها من الجزء الجنوبي الغربي لباكستان والجزء الجنوبي الشرقي من إيران.
- إيران ستفقد أجزاء منها لصالح الدولة الكردية وأجزاء منها لصالح دولة شيعية عربية وأجزاء لصالح أذربيجان الموحدة، وستحصل على أجزاء من أفغانستان المتاخمة لها لتكون دولة فارسية.
- أفغانستان ستفقد جزء من أراضيها الغربية إلى بلاد فارس وستحصل على أجزاء من باكستان وستعاد إليها منطقة القبائل.
- السعودية ستعاني أكبر قدر من التقسيم كباكستان وستقسم السعودية إلى دولتين، دولة دينية (الدولة الإسلامية المقدسة) على غرار الفاتيكان، تشمل على كل المواقع الدينية المهمة لمسلمي العالم ودولة سياسية (السعودية) وسيقتطع منها أجزاء لتمنح إلى دول أخرى مثل اليمن والأردن.
- في الأردن، ستنشأ دولة جديدة على الأردن القديم بعد أن تقطع أراضي لها من السعودية وربما من فلسطين المحتلة لتشمل على كل فلسطيني الداخل وفلسطيني الشتات (الأردن الكبير).
-اليمن سيتمّ توسعه من اقتطاع أجزاء من جنوب السعودية وتبقى الكويت وعمان بدون تغيير.
لكن السؤال يبقى هل هو هذا الحل الممكن للتخلص من المشاكل التي تواجه استراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على العالم وعلى مصادر الطاقة، أم أنها ستكون بؤر جديدة للتوتر ونوعاً جديداً من الحروب بين الكيانات القديمة والجديدة والاقتتال الداخلي والفوضى غير محسوبة العواقب في المنطقة والتي قد تؤثّر سلباً، وخلافاً للأحلام والتوقّعات على إسرائيل وعلى مخططات الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما وأنّه سبق لشارون أن حاول وضع الجزء الخاص بلبنان في هذا المخطط موضع التنفيذ عام 1982، ولكن المقاومة اللبنانية اضطرته للإنسحاب إلى الجنوب ثم إلى الدولة الصهيونية، ضاربة بأحلامه عرض الحائط؟!