أركان الإسلام خمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج «لمن استطاع إليه سبيلا»؛ يُعَدّ مسلماً كاملاً من يلتزم هذه الأركان التي ليس فيها ركنٌ له صلةٌ بالسياسة أو المجتمع
ناهض حتر
أركان الإسلام خمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج «لمن استطاع إليه سبيلا»؛ يُعَدّ مسلماً كاملاً من يلتزم هذه الأركان التي ليس فيها ركنٌ له صلةٌ بالسياسة أو المجتمع، سوى الزكاة. أما طابعها السياسي فلا علاقة له بالإيمان، وإنما بمصالح الدولة التي كان خالد بن الوليد يعطيها الأولوية حين قتل مالك بن نويرة وصحبه، على رغم التزامهم الصريح بأركان الإسلام، ما عدا الزكاة. وبالنسبة لغير المسلمين، كان الالتزام الوحيد المطلوب هو دفع ضريبة الجزية.
كان محمد علي والي مصر أول من فرض الضريبة العامة التي تحل محل استحقاقات الزكاة والجزية، عام 1814، ثم تبعته الدولة العثمانية عام 1857. وفي الدول الإسلامية الحديثة، أصبحت الزكاة واجباً اجتماعياً طوعياً مرتبطاً بالتقوى، بينما تحصّل الحكومات الضريبة على الدخل وسواها من الضرائب، من جميع المواطنين، وفق القانون المدني الذي يعدّ التهرّب منها جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن، لا بالقتل. ولا يمس استبدال الضريبة العامة بالزكاة والجزية، كواجبين سياسيين، مقاصد الشرع ولا روح الإسلام.
الجهاد نوعان: دفاعي وهجومي؛ الأول يتمثل في الدفاع عن الوطن. وهو واجب على جميع المواطنين، بغض النظر عن أديانهم أو ميولهم الفكرية. وهذا ما لمسناه في جهاد الشيوعيين والسوريين القوميين الاجتماعيين ضد العدو الصهيوني؛ الجهاد في سبيل الوطن هو قيمة عليا لدى جميع الشعوب، وليس امتيازاً اسلامياً.
أما الجهاد الهجومي التوسعي، فلم يحسبه الرسول ركناً من أركان الإسلام، مع أنه مارسه. ولكن ادراكه تاريخيّة هذا النوع من الجهاد، وارتباطه بالتأسيس للدولة وليس للدين الجديد، دفعه إلى اعتباره حالة خاصة في مرحلة خاصة؛ فلم يحسبه ركناً سادساً. وأول مَن اعتبره كذلك، فقهياً لا عملياً فقط، هم الخوارج؛ وفي العصر الحديث، الوهابية، الأيديولوجية الدينية والحركة، اللتان كانتا الضلع الثاني في تأسيس مملكة آل سعود، ثم تيار سيد قطب الاخواني الذي فرّخ معظم الإرهابيين.
والمفارقة التي تحكم المملكة الوهابية منذ تأسيسها هي أن المشروع كله حظي برعاية وحماية امبراطوريتين «صليبيتين»، المملكة المتحدة ثم الولايات المتحدة. وفي سياق تقسيم مرن للعمل بين السعوديين والوهابيين، أخذ الأوائل السلطة وعوائد النفط والبزنس والسياسة الخارجية، بينما جرى تسليم المجتمع والتعليم والثقافة للوهابيين. وإذا كانت هناك، دائماً، توترات، بعضها ساخن، بين الفريقين، فقد تعايشا طويلاً على قاعدة الشراكة.
ولعل الاستراتيجية الأميركية في الحرب على السوفييت في أفغانستان باستخدام الجهاد الوهابي الاخواني، خلقت سياقاً جديداً للشراكة السعودية الوهابية تحت قيادة السيد الأميركي. وهو سياق تعرّض للتوتر الداخلي مجدداً بسبب حدثين، هما هجوم نيويورك في 11 أيلول 2001، والاحتلال الأميركي للعراق الذي أدى إلى انقلاب سياسي داخلي لمصلحة الاسلام السياسي الشيعي.
بُعيد نيويورك، وبينما كانت الرياض تقدم الاعتذارات، كان أئمة المساجد الوهابيون يحيّون «الإرهاب ضد المتخاذلين والمنافقين والعلمانيين (...) باعتباره جهاداً في سبيل الله» (الشيخ وجدي الغزاوي، خطبة الجمعة في 6 تشرين الأول 2001). وهو يقصد، بالطبع، أولئك «المنحرفين» من السنّة، أما الشيعة والمسيحيون (العرب والغربيون) فقتالهم تحصيل حاصل.
لم تخرج السعودية، بالطبع، عن الخط العام للسياسة الأميركية، ووضعت مواردها ونفوذها السياسي والديني، دائماً، في خدمة الأميركيين ومخططاتهم. وعاد التواطؤ مع الجهاد ضد الأغيار إلى رأس جدول الأعمال لتخريب الثورات العربية، ومنعها من الاقتراب من السعودية، والتركيز على الهدف المشترك في تدمير الدولة السورية، واحداث انقلاب طائفي مضادّ في العراق المدمّر أصلاً. ولكن، ثنائية صمود النظام السوري وخروج الوحش الداعشي عن السيطرة ـــ وارتباطه الوظيفي بالمشروع العثماني المضاد للمملكة ـــ أوصلا التوتر الداخلي السعودي ـــ الوهابي إلى لحظة حرجة للغاية؛ فـ «الداعشية»، فكراً وممارسة، تتطابق مع الثقافة الوهابية المسيطرة في المملكة؛ إنها الخبز اليومي في المدرسة والمسجد والتلفزيون والإذاعة وطرائق التفكير حيال الأغيار، دينياً وطائفياً ومذهبياً، وتجاه النمط الغربي في الحياة، كما حيال المرأة. «الداعشية» هي التجسيد الحي للوهابية غير المدجّنة، وتشكّل المملكة جنّتَها الممكنة، من حيث الحواضن الاجتماعية والسياسية والثقافية، بالإضافة إلى أن دولة البغدادي تبدي من العزيمة والإصرار والتماسك العقائدي ـــ السياسي ما لا تتمتع به الأسرة السعودية الحاكمة التي تحصل على قسم كبير من الريع النفطي، على حساب المزيد من المفقَرين الغاضبين. فإذا ما أضفنا حالة التفكك التي يعيشها آل سعود، والصراعات التي تُنهك العائلة الحاكمة الكثيرة العدد، بين جناحين رئيسيين وأجنحة فرعية، وانعدام وجود آلية دستورية أو حتى توافقية لانتقال الحكم، نحصل، في النهاية، على مملكة مهددة بالاضطراب وبالسيطرة السهلة للدواعش، ستسمح لليمنيين باستعادة محافظاتهم السليبة، وتسمح لشيعة شرق المملكة بالانفصال؛ إنها لحظة الحقيقة بالنسبة لآل سعود الذين ينتظرهم «جهيمان» جديد أقوى وأكثر عديداً وعدة وأنصاراً.
http://www.al-akhbar.com/node/218015
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه