23-11-2024 10:47 AM بتوقيت القدس المحتلة

«غواية» الشائعة: برغر بلحم البشر!

«غواية» الشائعة: برغر بلحم البشر!

يمكن للمرء أن يضحك ممن يصدق شائعات كهذه في القرن الواحد والعشرين. لكن الأجدى من كل ذلك ربما هو محاولة فهم جذر الشائعة، وما تعكسه من مخاوف غير معلنة

قبل أيام نشرت صحيفة «ذا إندبندنت» البريطانيّة، مقالاً طريفاً، يسخر من شائعات كثُر تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، حول وجود لحم بشري في المأكولات التي تقدمها 90 في المئة من مطاعم سلسلة «ماكدونالدز». يذكر المقال أن الكثيرين بادروا بالتعليق على «فايسبوك» أن الهامبرغر الخاص بهم يحتوي على «لحم أطفال».

نور أبو فرّاج/ جريدة السفير

«غواية» الشائعة: برغر بلحم البشر!لم تكن شائعة اللحم البشري الوحيدة من نوعها الأسبوع الماضي، إذ نشرت «ذا إندبندنت» أيضاً مقالاً يستنكر تصديق بعض الناس أن جثة أحد المصابين بفيروس إيبولا، عادت من بين الأموات على هيئة زومبي.

انتشرت الشائعة بعدما بادر موقع «بيغ أميركا نيوز» إلى نشر «لقطات أولى لمريض قضى بفيروس إيبولا تحت عيون الأطباء، وظهر بعد ساعات من بين الأموات». ليتبين فيما بعد أن الصورة مقتطعة ومعدّلة من فيلم «حرب الزومبي العالميّة».

تعيد أخبار الأسبوع الماضي بما فيها من خرافات طرح سؤال «كيف يصدق الناس شائعات بهذه السذاجة»؟ في كتابه «الشائعات الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم» يشرح الخبير الفرنسي جان نويل كابفيرير بعض العوامل التي تؤثّر في هذه العملية، ومنها موثوقية المصدر، وامتلاك مقومات تجعل الشائعة ممكنة التصديق. يستطرد الكاتب ليسخر: «وما هي الأخبار غير القابلة للتصديق في أيامنا هذه؟ هذا إلى جانب ما يطلق عليه كابفيرير اسم «حرَج اللحظة».

يقصد بذلك أنّ ما يبدو معقولاً اليوم، لم يكن كذلك البارحة ولن يكون غداً. وفي النهاية، يذكر الكاتب العامل الذي قد يكون الأكثر أهمية هنا، وهو «الرغبة بالتصديق»، أي أن تشبع الشائعة رغبة ما، أو تستجيب لهاجس مستتر. «الشائعة لا تقنع لكنها تغوي»، يقول الكاتب.

يمكن للمرء أن يضحك ممن يصدق شائعات كهذه في القرن الواحد والعشرين. لكن الأجدى من كل ذلك ربما هو محاولة فهم جذر الشائعة، وما تعكسه من مخاوف غير معلنة. تشكل شائعة «اللحم البشري في ماكدونالدز» مثالاً عن «حرج اللحظة» كما يصفه كابفيرير، وسط تراكم الشعور بالذنب في المجتمعات الغربية إزاء ما يحصل من حروب في العالم، حتى لو لم تكن تلك المشاعر معلنة.

إضافة إلى ذنب مضاعف من خلال معرفة تلك المجتمعات بأنّها تحصل على الغذاء، فيما تسيطر المجاعة على مناطق مختلفة من العالم. كذلك لا يمكن إغفال تأثير الصور المسرَّبة من مصانع اللحوم، والتي تكشف الجوانب الخفية القذرة لصناعة الغذاء في العالم. «إن كانت الشركات الكبرى لا تمانع طحن وعجن لحم الأبقار الفاسد للخروج بشريحة برغر لذيذة، ما الذي سيمنعها من استخدام اللحم البشري؟ خاصة وأنه متوافر وبكثرة؟»، سؤال تكرّر على مواقع التواصل.

على الصعيد العربي كانت شائعات الأسبوع الماضي أقل غرابة، ضمن واقع كل ما فيه غريب وغير قابل للتصديق. ومثالها أخبار عن تدهور صحة أبو تفليقة، وشائعة زواج «ابنة عمرو دياب من تامر حسني» (كأنّ ذلك مهمّ).

وفي الداخل السوري يمكن تعداد عشرات الشائعات التي ترى النور كل أسبوع مثل أنباء مؤكدة عن تسريح لفرق عسكرية تم الاحتفاظ بها قبل اندلاع الأزمة في البلاد، وغيرها من شائعات عن رفع الأسعار، ودس السموم في الأغذية. بعض تلك الأخبار يتمنى الناس لو أنها صحيحة. وأخرى يريدون لها أن تكون مجرد كابوس لن يتحقق. لكن يبقى الأهم وراء كل ذلك: أي رغباتٍ ومخاوف للشعوب تتخفى وراء الشائعات وتغذيها؟.