المادة ٣٨ من الدستور السعودي تؤكد أن لا عقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي، فكيف يعتبر حكم التعزير حكماً وفق نص، وبالتالي فإنه يتنافى تماماً مع معايير العدالة
«وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً»، (النساء: 58). يُبرز حكم الإعدام بالتعزير الذي اتخذه القضاء السعودي بحق آية الله الشيخ نمر النمر، مشكلة نزاهة القضاء في السعودية.
علي إبراهيم مطر/ جريدة الأخبار
وتثير قضية الشيخ النمر تساؤلات كبيرة حول احترام العدالة واحترام حقوق الشعب السعودي، ولا سيما حق الإنسان في الحياة.
أولاً: العدالة كيف تتحقق؟
تتمثل العدالة دائماً باحترام القوانين والحفاظ على المساواة. وتظهر العدالة في القانون الدولي من خلال العدالة الدولية التي تتجلى باحترام قواعد القانون الدولي من قبل الذين وضعوه. ويرى أرسطو أن العدالة هي تحقيق المساواة في مقابل الظلم. وفي إطار قانون حقوق الإنسان الدولي وعلاقته بالعدالة الجنائية، يظل الهدف دائما أن يتمتع الإنسان بضمانات معينة سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناء المحاكمة أو بعد المحاكمة.
كيف أتى الحكم السعودي مطابقاً لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية؟
العدالة هي إذاً، مفهوم يقوم على عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان وإنصافه، وهذا ما تؤكده إعلانات واتفاقات القانون الدولي. وهي لا يمكن أن تتغير من مجتمع إلى آخر، ولكن تطبيق مفاهيمها يختلف حينما يبدأ استخدام المعايير المزدوجة. هذه المعايير التي بدت واضحة من خلال حكم الإعدام بالتعزير الذي أصدرته محكمة الجزاء السعودية بحق الشيخ النمر.
من المؤسف أن هناك حكماً يسمى التعزير يُستخدم لدى القضاء السعودي عندما يخلو أي نص شرعي مُتَّبَع من أي تطابق مع الحالة التي تخضع للمحاكمة، وهو عبارة عن اجتهاد قضائي متروك لتقدير القاضي، علماً بأن المادة ٣٨ من الدستور السعودي تؤكد أن لا عقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي، فكيف يعتبر حكم التعزير حكماً وفق نص، وبالتالي فإنه يتنافى تماماً مع معايير العدالة لأنه يصدر بدون أدلة.
هذا الحكم يبيّن مدى عدم احترام السعودية للقوانين الدولية التي تحمي حق الحياة لكل إنسان، هذا الحق الذي يعلو على ما عاداه، وقد كفلته القوانين والأديان السماوية. وقد قام القانون الجنائي الدولي على ضرورة احترام محاكمة أي شخص، وبالتالي فإن المحاكمة الجنائية العادلة تكون وفق المعايير الدولية المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأن تتمتع الجهة القضائية بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، مع الإشارة إلى أن القضاة السعوديين يعيّنون بأمر ملكي بناءً على اقتراح المجلس الاعلى للقضاء!
ثانياً: نقد في أصل الاعتقال والتعذيب
لقد كان اعتقال الشيخ النمر مخالفاً في أصله، وكذلك طريقة تعامل السلطات السعودية معه وتعذيبه فقط لأنه يطالب بحقوق الشعب السعودي الطبيعية. وهذا الاعتقال يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يؤكد أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق... فقد نصت المادة 9 من الإعلان على أن «لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه»، كما أنه يخالف المادة 19 التي تؤكد أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء وحرية التعبير.
وتخالف السعودية المادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد أن لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات دون أي تمييز، كما تخالف المادة 18 من العهد التي تعلن أن لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.
وكذلك تخالف السعودية المادة 19 من العهد المشتركة مع ما ينص عليه الإعلان العالمي والتي تقول بأن «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير...»، وكذلك المادة 21 من العهد الدولي وغيرها من الاتفاقيات التي تؤكد احترام الرأي والتعبير. وفق هذه المعايير، شكل اعتقال الشيخ النمر خرقاً فاضحاً للقانون الدولي أمام التهم الموجهة إليه والتي تتمحور حول المعارضة والمطالبة بالحقوق، حيث تحظر المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً.
كما نجزم بأن تعذيب الشيخ النمر مخالف للأعراف والقوانين الدولية، حيث يؤكد الإعلان العالمي في المادة 5 بشكل حازم أنه «لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المحطة بالكرامة». وتمنع اتفاقية منع التعذيب، الموقعة عليها السعودية، تعذيب الأشخاص وخاصة المعارضين للحكم. وتقول المادة الأولى منها إن «التعذيب» يعني أي عمل ينجم عنه ألم أو عذاب شديد.
ويكون الاحتجاز والإجراءات القانونية الأخرى كما تنص المادة 6 من العهد مطابقة لما ينص عليه قانون تلك الدولة، على ألا يستمر احتجاز الشخص إلا للمدة اللازمة للتمكين من إقامة أي دعوى جنائية أو من اتخاذ أي إجراءات لتسليمه، لا أن يكون لمادة عامين دون محاكمة كما حصل مع الشيخ النمر الذي قضى هذه المدة في سجون السعودية تحت التعذيب دون مبرر.
ثالثاً: للحياة حرمة في الدين والقانون
إن نفس الإنسان وحياته مقدسة في القرآن الكريم، ويجب عدم الاعتداء على حرمتها، يقول الله جل جلاله في سورة المائدة/ الآية 32: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً».
لقد وردت متطلبات المحاكمة العادلة في المواد (7)، (8)، (9)، (10)، (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، م/14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية وفي القوانين الإقليمية والمحلية، حيث كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أي تفرقة. كما لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً. فإنه يحق له الدفاع عن نفسه، ولكن هذا ما لم يتمكن منه الشيخ النمر وفق ما تنص عليه المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية.
وقد نصت المادة 3 من الإعلان على أن «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه»، كما يؤكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن «الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، كما الحق في الحرية والأمان». ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً. وقد نص العهد الدولي في المادة 6 على أن لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
ما يثير التعجب، هو أن الدستور السعودي ينص على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، وهنا نسأل كيف أتى الحكم السعودي مطابقاً لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية، دون أدلة وبراهين تثبت التهم الموجهة للشيخ النمر؟ ومتى كان القانون وحقوق الإنسان والأديان السماوية تمنع الحريات؟
المادة ١٢ من الدستور السعودي تشدد على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام، وهنا نسأل كيف يعزز حكم جائر الوحدة الوطنية في السعودية ولا يؤدي إلى التفرقة؟
لقد أكد القانون الدولي وحقوق الإنسان أن من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف من قبل محكمة مختصة وحيادية. وهذا ما يطلبه الجميع للشيخ نمر النمر. وبالتالي فإن القضاء السعودي مطالب اليوم بأن يثبت نزاهته من خلال قبول الاستئناف وتوقيف حكم الإعدام الجائر. كما أن الحكم السعودي هو اليوم برسم المنظمات الدولية الإنسانية والأمم المتحدة والدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان.