برغم كل محاولات إسرائيل التعامل مع ظاهرة «داعش» وكأنها بعيدة عنها، وتستغلها فقط لتخويف الغرب وقتما تشاء، صارت مؤخراً تكثر من الإشارة إليها كخطر يزداد اقتراباً
حلمي موسى
برغم كل محاولات إسرائيل التعامل مع ظاهرة «داعش» وكأنها بعيدة عنها، وتستغلها فقط لتخويف الغرب وقتما تشاء، صارت مؤخراً تكثر من الإشارة إليها كخطر يزداد اقتراباً. وقد غدا «داعش» مادة حيوية في الصحافة الإسرائيلية بعدما تزايدت الأنباء عن مشاركة ومقتل فلسطينيين من مناطق الـ1948 في القتال إلى جانب هذا التنظيم في العراق وسوريا. غير أن الاهتمام الجوهري بـ«داعش» يعود إلى المخاوف الإسرائيلية على الدولة الأردنية التي كان استقرارها ولا يزال أحد ركائز الأمن القومي الإسرائيلي.
وبرغم استغلال إسرائيل لوجود ونجاحات «داعش» في تأكيد الزعم بأن الصراع العربي الإسرائيلي ليس أساس الصراع في الشرق الأوسط وأنه يعاني من مشاكل بنيوية أشد أهمية، فإنها تعلم أن الأصولية الإسلامية المتطرفة سوف تتجه إليها في نهاية المطاف.
وقد تستفيد إسرائيل واقعياً وبشكل مرحلي من الاقتتال الداخلي العربي ومن الفتنة المذهبية، وما يظهر كخطر يمكن أن تتشارك فيه مع قوى محلية أخرى، إلا أنها تعلم أنها في نهاية المطاف كيان يصعب التسليم به وجاذب للصراع. ولهذا السبب احتار الخبراء في إسرائيل تجاه الرد على سؤال مركزي: هل نجاح «داعش» سيئ بالضرورة لإسرائيل؟
ويرى خبراء أن إسرائيل لا ترى إجمالاً في نجاح «داعش» مصلحة إسرائيلية، لكنها تستفيد جداً من محاربة «داعش» للشيعة، وبالتالي ضد إيران التي تعتبر عدواً هو الأخطر في الظروف الراهنة. وينطلق هؤلاء من فكرة أن عدو عدوي صديقي خصوصاً أن الأعداء الشيعة، إيران و«حزب الله»، هم الأخطر حالياً على إسرائيل. لذا، يرى البعض أن من مصلحة إسرائيل استمرار قتال «داعش» مع القوى الأخرى، لكن لا مصلحة لها في ترسيخ هؤلاء لسيطرتهم على مناطق واسعة أو نجاحهم في تحقيق هدفهم بإعادة «الخلافة» إلى المنطقة.
ويذهب خبراء إسرائيليون إلى حد القول إن من مصلحة إسرائيل أن يستمر اقتتال «المتطرفين الإسلاميين» من الجانبين. وهذا القتال المستمر بأشكال مختلفة منذ ثلاث سنوات يمنح إسرائيل وقتاً للتلذذ بمشاهدة مظاهر الكراهية التي تزداد عمقاً، وهي تأمل أن يستمر هذا القتال لسنوات طويلة مقبلة. وتتمنى إسرائيل أن يصل «داعش» إلى بغداد وأن ترسل إيران قواتها إلى هناك ليظهر الصراع بهذا الوجه ويستقطب قوى أخرى.
ويعتبر خبراء إسرائيليون آخرون، أن الحرب العالمية على «داعش» لن تحقق غاياتها ولن تجلب الاستقرار إلى المنطقة. وفي نظرهم، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» هو ثمرة انهيار النظام السياسي في الهلال الخصيب، ونتيجة سيرورة تاريخية واسعة.
ويذهب أحد خبراء الاستخبارات الإسرائيليين السابقين إلى الاستنتاج بأن الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 أنتج «حزب الله»، فيما أنتج الغزو الأميركي للعراق «داعش».
وفي كل حال، دفع الإعلان عن مقتل الطبيب المتمرن عثمان أبو القيعان من فلسطينيي العام 1948، الإسرائيليين إلى التساؤل عما يدفع أمثال هذا الشاب للالتحاق بصفوف «داعش».
ويرى المعلق العسكري لـ«القناة العاشرة» الإسرائيلية ألون بن دافيد أن الشاب المتدين الفلسطيني من مناطق 1948 الباحث عن رجولته والراغب في مسار عسكري لإثبات قدراته يمكنه الانضمام لـ«داعش». فهو يعرض عليهم خليطاً من «الأكشن، الذكورة، الجنس تحت غطاء الدين والاعتراف بأنهم يقاتلون لغرض سام، وأيضاً الإذن بقطع الرؤوس».
من جهتها، تشرح «هآرتس» وقائع انضمام عدد من فلسطينيي 1948 لصفوف «داعش»، وجميعهم من الإسلاميين، مفسرة ذلك بدوافع دينية لا يلعب البعد الاقتصادي أي دور فيها. فهؤلاء الشباب، وبعضهم أكاديميون وكلهم غير متزوجين، يلتحقون بـ«داعش النجم الصاعد» في وسائل الإعلام العالمية.
وتشير عائلات الشبان إلى أن ما يدفعهم إلى الذهاب إلى سوريا هو التحريض الديني المترافق مع صور القتل والدمار في سوريا. كما يلحظ كثيرون أن قسما كبيراً ممن يذهبون للقتال في سوريا إما ينتمون لجماعات أصولية أو تعلموا في الأردن.
ويكشف المعلق العسكري في موقع «والا»، أمير بوحبوط عن مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احتمال تسرب «داعش» إلى الأردن. وعلى خلفية هذه المخاوف، قال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى إن الأردن محاط بتنظيم «القاعدة» شمالاً و«داعش» شرقاً، لكنه خلافاً لسوريا ينجح الملك عبد الله الثاني ورجاله في استخدام آلية تحفظ مصالح القبائل في مختلف الجبهات.
ويرى هذا المصدر أن «الأردن قوي استخبارياً وأمنياً مقارنة بالدول الأخرى المحيطة، وبفضل الأردن لم ننشئ جداراً على الحدود. فالاستخبارات النوعية للأردنيين، سوية مع قوات ومنظومة قبلية جذرية صاحبة نفوذ، تنجح في استيعاب سيرورة ديموغرافية خطيرة تشمل 1.3 مليون لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ عراقي فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين».
وبحسب هذا المصدر، فإن الأردن يمنع عمليات ضد إسرائيل، لذلك فإن قوته الأمنية والاستخبارية تشكل «قاعدة لتغيير جدول أولويات الحكومة الإسرائيلية التي تنشئ جداراً أمنياً على الحدود الشرقية».
وحذر من الاستهانة بقدرات الأردنيين، قائلاً إن «بيننا وبينهم منظومة علاقات سرية هائلة. من جهة يمكن الوصول إلى استنتاجات فظيعة عندما ترى ما يحدث في المنطقة والحدود الأردنية، ومن جهة أخرى عندما تأخذ بالحسبان القوى الداخلية أنت تفهم من أين يأتي الاستقرار، الأردنيون يوفرون علينا دماء».
ومع ذلك، يشدد المصدر الإسرائيلي على أن إسرائيل تفتح عيونها جيداً تجاه ما يجري في الأردن.
http://www.assafir.com/Article/1/379409
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه