02-11-2024 09:26 PM بتوقيت القدس المحتلة

«توطين دولي» لمليون و350 ألف فلسطيني وسوري

«توطين دولي» لمليون و350 ألف فلسطيني وسوري

يحاول لبنان إشهار «أسلحته الديبلوماسيّة» لعدم التوقيع على الاتفاقيّة الدوليّة الخاصّة بوضع اللاجئين (أقرّت في 25 تموّز 1951)

المصري يشدّد على رفض «اتفاقيّة اللاجئين».. ومنصور يعتبرها «كارثة وطنية»

 

لينا فخر الدين

 

يحاول لبنان إشهار «أسلحته الديبلوماسيّة» لعدم التوقيع على الاتفاقيّة الدوليّة الخاصّة بوضع اللاجئين (أقرّت في 25 تموّز 1951)، وذلك برغم استمرار الضغوط الدولية عليه منذ أكثر من 10 سنوات لوضع ختمه عليها، علما أنّ لبنان وقّع على معظم معاهدات حقوق الإنسان الأخرى الخاصة بحماية اللاجئين.

 

لماذا كلّ هذه الضغوط الدوليّة؟

يبسّط أستاذ القانون الدولي د.شفيق المصري المسألة، ليشير إلى أنّ «لبنان في الوقت الحالي يطالب الدول بوقف تدفّق النازحين إلى أراضيه أو دفع تعويضات كي تؤمَّن احتياجات هؤلاء، أما إذا وقّع على الاتفاقية فإنّه سيكون ملزماً باستقبالهم والدول ستتحرّر من المطالبات اللبنانية بالمساعدات المادية لتتعاون وفق آلية الاتفاق ومؤسسات الأمم المتحدّة».

بالنسبة للدولة اللبنانية، فإن «ختمها» على هذه الاتفاقيّة يعني حتماً «كارثة وطنيّة» قد تؤدّي إلى «حرب أهليّة». الاتفاقيّة واضحة: «تقع على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين وتحتفظ المفوضية بـ«التزام رقابي» على هذه العملية، وتتدخّل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين الصادقين اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر. وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجدداً، إما من خلال العودة الطوعية إلى أوطانهم أو، إن لم يكن ذلك ممكناً، من خلال إعادة توطينهم في دول مضيفة أو بلدان «ثالثة» أخرى»...

إذاً، الاتفاقيّة تعني إعطاء صفة اللاجئين للنازحين، ويعني أنه يترتّب على لبنان إعطاءهم الحماية وعدداً كبيراً من الحقوق. والأخطر توطينهم أو على الأقلّ إبقائهم في لبنان لسنوات طويلة حتى يتأمن لهم الانتقال إلى بلد آخر. وهذا ما يخيف المسؤولين اللبنانيين: توطين أكثر من مليون و350 ألف لاجئ «ضربة واحدة»، بينهم أكثر من مليون لاجئ سوري وحوالي 350 ألف لاجئ فلسطيني!

ويقول المصري إن «لبنان يحرص على عدم التوقيع على هذه الاتفاقية المتعلّقة بشؤون اللاجئين، لسببين: الأوّل، أنها تحدّد رعاية اللاجئ بعد تعريفه تحت عنوانين: الإيواء والرعاية في الدولة التي يلجأ إليها. والثاني، عدم ردّ هذا اللاجئ إلى دولته طالما أن هناك ما يسبّب خوفه أو يؤدّي إلى ضرره».

 

حكومة ميقاتي: إنها كارثة وطنية

في الوقت الحالي، يتخوّف البعض من دخول جهات دولية في زواريب الانقسامات الداخلية بالإضافة إلى غياب الرؤية اللبنانية والتخبط أمام معضلة النازحين السوريين، حتى يأتي إلى الأمم المتحدة التوقيع اللبناني «على طبق من ذهب».

يعود هؤلاء بالذاكرة إلى عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة، حينما حاولت الأمم المتحدة الاتصال أكثر من مرّة بالدولة اللبنانية لحثّها على التوقيع. وكان كلّ مرة وزير الخارجية آنذاك عدنان منصور يرفض الأمر بالتنسيق مع رئاسة الحكومة، وهو قال للمعنيين إن لبنان يتحفّظ على الكثير من بنود الاتفاقية وإن التوقيع عليها كما هي بمثابة «كارثة وطنيّة»، على حد تعبيره.

هذا ما يقوله أيضاً المصري الذي يؤيّد الحكومة في رفضها للاتفاقيّة. ولكنّه يرى أن الخطأ الأكبر هو قيام الحكومة بالسماح لكلّ النازحين السوريين بتسجيل أسمائهم في الـ«UNHCR» (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).

ويلفت الانتباه إلى أنّ «الحكومة لا تراعي التدقيق في هذه المسألة لأن كلّ شخص يسجّل اسمه في مكاتب الـ«UNHCR» يصبح بمثابة لاجئ ويستفيد من تقديماتها، إلّا إذا كان هناك اتفاق خاص بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية لإعطائهم صفة لاجئ مؤقتاً.

ويؤكّد المصري أن «هذا الأمر بمثابة الورطة، لأنّه من الممكن أن تصرّ الأمم المتحدّة على ضرورة أن يوقّع لبنان على الاتفاقيّة نظرا لوجود عدد كبير من اللاجئين، الذي سجّلوا أسماءهم في مكاتب الـ«UNHCR»، ولكن من الممكن أيضاً أن يصرّ لبنان على عدم التوقيع لأن مكتب الـ«UNHCR» مفتوح لأسباب إنسانيّة وليس ليلزم لبنان نفسه بالتوقيع».

 

ضغط النزوح تاريخياً

في البداية، كان خوف المسؤولين اللبنانيين برفضهم التوقيع محصوراً بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، لا سيّما بعد أن صار لدى لبنان بين 350 ألفا و420 ألف لاجئ فلسطيني (خلال الـ1948 و1967).

اكتفت الدولة اللبنانيّة بإعطاء الفلسطينيين تسهيلات السفر والعمل في لبنان وتسجيل الولادات، عن طريق وزارة الداخليّة ـ المديرية العامة لشؤون اللاجئين، المديرية العامة للأمن العام ووكالة «الأونروا».

ويؤكّد د.شفيق المصري أن «المبدأين اللذين تقوم عليها الاتفاقية (أي الإيواء وعدم الردّ) لا يقبلهما لبنان، نظراً لوجود لاجئين فلسطينيين على أراضيه، لأنهما يعنيان رفضا لمبدأ حق العودة إلى الأراضي الفلسطينية، وبالتالي ضرب القضيّة».

وخلال السنوات اللاحقة وتحديداً في مطلع تسعينيات القرن الماضي، انتهت الحرب الأهلية اللبنانية لتندلع حرب الخليج الثانية (1991). حينها بدأ العراقيّون (الشيعة والأكراد الهاربون من نظام صدام حسين) يتوافدون إلى لبنان. كما استمرّت حركات الهجرة الفرديّة إلى لبنان خصوصاً من الصومال والسودان ومصر.

ولاحظ المسؤولون اللبنانيون آنذاك أن لبنان، بالنسبة للاجئين إليه، هو مقرّ مؤقت للانتقال عبره إلى بلاد أخرى (الترحيل غير فوري)، أو من الممكن البقاء فيه لسنوات، بالتنسيق مع الـ«UNHCR» بالإضافة إلى أعداد من اللاجئين الذين دخلوا البلاد بطرق غير شرعيّة.

ولكن أثناءالحرب الأميركيّة على العراق في العام 2003، بدأت حركة اللجوء إلى لبنان تتحوّل من فرديّة إلى جماعيّة. حينها تحمّلت الدولة السورية الجزء الأكبر من الأعداد (حوالي مليون ونصف لاجئ ووفد إلى لبنان 50 ألف لاجئ عراقي).

آنذاك، بدأ عدد من المسؤولين يحذّرون من أن بعض المنظمات الدولية تتعدّى على صلاحية الدولة اللبنانية التي لم توقّع أصلاً الاتفاقية الخاصة باللاجئين. المسؤولون يشيرون إلى أن الـ«UNHCR» كانت تستقبل كلّ الحالات وتعمل على تصنيفهم ضمن خانة «اللاجئين» (لا النازحين)، كذلك قامت بعض الدول الأوروبية (خصوصاً ألمانيا) بالتنسيق مع هذه المنظمة باختيار بعض اللاجئين لترحيلهم وإعطائهم الجنسيات على أساس العرق والدين!

هذه التصرفات خلقت مشاحنات بين بعض المنظمات الدولية كـالـ«UNHCR» والدولة اللبنانيّة. وعمل المدير العام للأمن العام في حينه اللواء جميل السيّد على اتخاذ إجراءات عدّة للحدّ من النزوح إلى لبنان. حتى أنه قام بالتوقيع باسم الدولة على اتفاق تنسيقي مع الـ«UNHCR» كان هدفه الأهم: «لبنان ليس بلد لجوء»، وقوننة دخول اللاجئين من خلال منع المنظّمة من إعطاء بطاقات من دون التواصل مع الأمن العام، وتحديد شروط لتسجيل صفة لاجئ مؤقت على بطاقة تعطى لـ6 أشهر غير قابلة للتجديد، وإذا لم يرحّل إلى البلد الذي يطلب اللجوء إليه خلال هذه الفترة يتمّ ترحيله إلى آخر بلد أتى منه. أما الحالات التي لا يوافق عليها الأمن فترحّل من دون حق لـ«UNHCR» بالاعتراض.

 

سلام: نلتزم بما يناسب مصلحة بلدنا

عشية توجه رئيس الحكومة تمام سلام الى برلين الاثنين المقبل لحضور مؤتمر الدول المانحة لبحث قضية النازحين السوريين، قالت مصادر السرايا الحكومية لـ«السفير» إن القيمين على المؤتمر طرحوا أفكاراً ومقترحات لاستيعاب النازحين، و«هذا أمر طبيعي، لكن الرئيس سلام والحكومة لن يوافقا إلا على ما يناسب مصلحة لبنان وواقعه المعروف، ولن يفرض أحد علينا أي قرار يناقض مصالحنا ويحفظ استقرارنا، ولبنان قدّم عملياً في موضوع استيعاب النازحين أمثولة للدول الاخرى كلها وفق إمكاناته، من حيث مراعاة حقوق الانسان والتزام الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، لكن لا يحملنا أحد أكثر من طاقتنا ولقد صار لزاماً على المجتمع الدولي دعم لبنان بكل الطرق لا فرض أمور لا تناسب مصالحه».


http://assafir.com/Article/1/380101

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه