25-11-2024 05:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

الجيش في طرابلس: الدولة.. أو «الإمارة»!

الجيش في طرابلس: الدولة.. أو «الإمارة»!

طرابلس في مهب العنف، ومصيرها مفتوح على احتمالات خطيرة، وفق ما تؤشر اليه الوقائع الميدانية المتسارعة فيها، وفي ظل إرادة واضحة لدى بعض المجموعات الإرهابية بأخذ طرابلس

هل انتهت مرحلة المساكنة مع المسلحين؟

 

نبيل هيثم

طرابلس في مهب العنف، ومصيرها مفتوح على احتمالات خطيرة، وفق ما تؤشر اليه الوقائع الميدانية المتسارعة فيها، وفي ظل إرادة واضحة لدى بعض المجموعات الإرهابية بأخذ طرابلس الى العتم وجعلها مدينة خارجة على القانون والشرعية.

في هذا الوضع تتسع مساحة القلق والخشية على المدينة، فكأنها تتعرض لمحاولة اغتيال لمحو تاريخها وموقعها. ومن هنا صار من حق الطرابلسيين أن يرفعوا الصوت، وأن يخشوا على أرزاقهم وأمنهم واستقرارهم.. وعلى حاضرهم ومستقبلهم.

صار من حق الطرابلسيين على أولياء الأمر السياسي أن يتلقوا إجابات: من يضع السكين على رقبة المدينة، وأي دور يلعبه السياسيون في خدمة هذا الهدف؟ ومن هم هؤلاء السياسيون؟ هل هم أولئك الباحثون عن مواقع في الصفوف الأمامية أم المؤتمـِرون بـ«فواتير مالية» من بعض السفارات؟ أم الملتحون المتسترون بالعباءات وبالدين؟ أم المحتمون بـ«أحلام النبوة» والحصانات النيابية؟ أم المتنعّمون حديثا بجنة الحكومة الذين يعتقدون أن تسلق القمة الحكومية لا يكون إلا بلغة التوتير والتدمير؟.. أم انهم كل هؤلاء؟

صار من حق الطرابلسيين ومعهم كل اللبنانيين أن يسألوا: لماذا استهداف الجيش ومحاولة شق صفوفه في الوقت الذي يعدّ فيه الجيش المؤسسة الوحيدة التي تعبّر عن آخر معلم من معالم الوحدة والتماسك الداخلي الهش، وانها كانت ولما تزل الملاذ الوحيد في اللحظات الصعبة؟

لعل الإجابة تتبدى في ملاحظات يستخلصها مرجع سياسي من الحدث الطرابلسي:

اولا، لقد تبلغت المستويات السياسية والأمنية اللبنانية من بعض السفراء مؤخرا أن هناك إرادة تخريب كبرى للبنان من قبل المجموعات الإرهابية.

ثانيا، ان المستجدات الطرابلسية ترسم علامات استفهام حول دور فيها لقوى إقليمية لها تأثير على بعض المجموعات المسلحة في طرابلس. ما يعني أن تحرّك تلك المجموعات ضد الجيش اللبناني ليس معزولا عن تحرّك المجموعات الداعشية في العراق وسوريا، والاحتمال الأقوى أن تلك المجموعات الطرابلسية تتحرك وفق أجندة محددة، لا تشكل تهديدا لمكوّن بعينه، بل لكل المكونات السياسية في لبنان، بسنتها وشيعتها ومسيحييها. على أن الهدف الأساس هو ضرب الاعتدال السني في لبنان وتهديد وجوده وحضوره السياسي ضمن المعادلة الداخلية.

ثالثا، المؤسف أن تلك المجموعات لا يمكن أن تتحرّك بمعزل عن بيئة حاضنة لها. واللافت للانتباه أن بعض القيادات الطرابلسية تبدو أمام هذه الفئة التي «تسيّدت» الشارع الطرابلسي في الأيام الأخيرة، إما محرجة أو ضعيفة وقليلة الحيل أو متراجعة الحضور ولا سلطة قرار لها. والمثال الأبرز تيار «المستقبل» الذي لطالما تعاطى مع طرابلس والشمال على انهما خزانه البشري، لكن وقائع الأيام الأخيرة، أظهرت عجزه عن التحكم بالدفة السياسية الطرابلسية، وظهر بلا فعالية في المشهد أمام شركاء «تكفيريين» جدد، لم يكن يحسب لهم حسابا في السابق، وظن للحظة أنه قد يستثمر عليهم في مواجهة خصومه فارتدوا عليه.

رابعا، ما حصل أكد انتهاء فترة المساكنة القسرية بين الجيش كمؤسسة حامية للوطن مطلوب رأسها من قبل مشروع تكفيري، ومسلحين تكفيريين يتظللون بخطاب يؤمّن لهم المظلة والحاضنة والحماية، يشترك فيه تيار «المستقبل» ونواب وسياسيون يريدون بناء شعبية على دماء العسكريين.

خامسا، الملاحظة الأساس، هي أن أداء الجيش في أحداث طرابلس انطلق من قاعدة: «إما الدولة .. وإما الإمارة». ومن هنا كان الجيش في طرابلس المبادر وصاحب قرار في مواجهة أخطر حرب تتعرض لها المؤسسة العسكرية ومعها كل لبنان.

سادسا، ان الخاسر الحقيقي مما يجري هم أبناء طرابلس والشمال، خصوصاً إذا ما جرى تقدير ما يمكن ان يرتسم فيما لو قدر لتلك المجموعات أن تسود وتحكم.

سابعا، ما حصل يرتب على المكوّنات والقيادات السنية، على اختلافها، أن تشكل المانع لتنامي تلك الأصوات التي تسعى الى ضرب الوحدة ولا تعيش إلا على رائحة الدم. ولعل سعد الحريري أكثر المطالبين من غيره بجملة خطوات، من بينها:

ـ الإقلاع عن سياسة الوجهين واللسانين، أي تقديم خطاب للخارج يراعي الخارج في حربه على «داعش»، وخطاب للداخل اللبناني لا ينسجم مع خطاب الخارج بل يكاد يقف معها ومن خلال تصريحات بعض نوابه وسياسييه، في خندق واحد مع تلك الفئة.

ـ المبادرة سريعا الى اتخاذ إجراءات زجرية وعقابية بحق الضاربين بسيف «داعش» من قبل بعض نواب وسياسيي تيار «المستقبل». والتبرؤ علنا من أي موقف سياسي يشكل، مباشرة أو مواربة، غطاء لمنطق التكفير وقتل الجيش وضباطه وجنوده، فمرحلة الرمادية قد انتهت والموقف يكون إما أبيض أو أسود.

في الخلاصة، يقول المرجع السياسي إنه يشعر بأن المجتمع الدولي ما زال معنياً بتحييد لبنان وباستمرار الاستقرار فيه، وألا يتمدد «داعش» الى لبنان، ولكنه يخشى «ان نجد أنفسنا، اذا ما تفاقم الوضع في طرابلس أكثر، أمام كرة نار قد تتدحرج ليس على الشمال فقط بل على كل لبنان».


http://assafir.com/Article/2/380417

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه