24-11-2024 07:54 AM بتوقيت القدس المحتلة

نص كلمة السيد حسن نصر الله في المجلس العاشورائي 27 تشرين الأول 2014

نص  كلمة السيد حسن نصر الله في المجلس العاشورائي 27 تشرين الأول 2014

كلمة السيد حسن نصر الله في المجلس العاشورائي 27 تشرين الأول 2014

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد أبن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله الحسين يا ابن رسول الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيتُ وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.

السلام على الحسين وعلى علي أبن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.

السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

في السنوات الماضية، في ليالي عديدة، أيضاً في أكثر من مناسبة، سواء أنا أو إخواني، كنا نتكلم عن ثورة الإمام الحسين عليه السلام أو حركة الإمام الحسين عليه السلام، وما يتعلق بتلك المرحلة بالتحديد. ومن جملة ما كنا نقول إن الحسين عليه السلام شخّص من خلال الوقائع والمعطيات والأهداف والنوايا والخلفيات وما يجري في تلك المرحلة ـ خصوصا لما تسلم يزيد بن معاوية للسلطة ـ أن هناك تحديات وتهديدات وأخطاراً وجودية وخطيرة تواجه مجموعة عناوين:

ـ العنوان الأول هو نفس الإسلام، الإسلام في خطر، كدين، كرسالة، كتعاليم، كقيم. ولذلك يقول الحسين عليه السلام "وعلى الإسلام السلام" إذا كان يزيد هو الذي سيتولى أمور المسلمين ويحكم هذه الأمة ويدير شؤونها.

ـ والخطر الثاني هو على الكيان الإٍلامي على كيان المجتمع الإٍسلامي الفتي والناشئ والجديد والذي إقيم على مفاهيم جديدة وتقاليد جديدة وثقافة جديدة.

الإمام الحسين عليه السلام شخّص بأن بيعة يزيد أو أن السكوت على سلطان يزيد وحكم يزيد سوف يعرّض الإسلام كدين، والأمة الإسلامية، الكيان الإسلامي، إلى خطر بهذا المستوى، ولذلك هو تجاوز كل الحسابات وكل الاعتبارات وكل الأصول والقواعد السياسية والأمنية والعسكرية والثورية والاجتماعية، وقام بهذه الحركة.

في التشخيص، في ذلك الوقت، أن يزيد، كقائد في المشروع السفياني الأموي، نعم كان يستهدف إزالة الإسلام بل إزالة أي ذكر لنبي الإسلام محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويريدون إعادة الأمة إلى الجاهلية الأولى، إلى مفاهيم الجاهلية وتعاليم الجاهلية وقيم الجاهلية، وعملوا على ذلك، وعملوا على تحريف الإسلام وتزوير الإسلام وتشويه الإسلام وإدخال ما ليس من الإسلام في الإسلام، سواء على المستوى العقائدي أو على مستوى الأحكام الشرعية وما شاكل. وأيضاً كان يريد لهذه الأمة أن يضرب نسيجها الاجتماعي والأسس التي قام عليها المجتمع الجديد، أسس أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وأن أفضلكم عند الله أتقاكم، ليعيدوا إحياء مسألة العرب والعجم، والعرب والمَوالي، وأيضاً في الدائرة العربية التقسيم القديم: القيسي واليماني، والقرشي وغير القرشي، والصراعات القبلية، لأنه في ظل مجتمع متصارع قبليا يمكن للملك العضوض الذي أسس له بنو أميّة واستمر معهم ومع بني العباس أن يستمر وأن يقوم وأن يدوم، وهذا يعني نسف الأسسس التي أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجتمعه الإسلامي على أساسها وإدخال المجتمع الإسلامي في صراعات كتلك التي كانت في الجاهلية، ذات طابع عشائري وقبائلي وعرقي وما شاكل، وتكون الحكومة هي التي تسيطر على الجميع، وعملوا أيضا على نشر الفساد الأخلاقي والفساد الأجتماعي وما شاكل.

حركة الإمام الحسين عليه السلام استطاعت أن توجه ضربة قاسية جدا لهذا المشروع وأن تحفظ الإسلام وأن تحفظ كيان المسلمين بالتفصيل الذي كنا نتحدث عنه بالمناسبات المختلفة.

أنا فقط أردت أن أذكر هذا الأمر كمقدمة لأقول: عندما يكون الإسلام في خطر وكيان الأمة في خطر يصبح المطلوب موقفاً حسينياً، موقفا بهذا المستوى من التحدي، بهذا المستوى من الاستعداد للتضحية، بهذا المستوى من الفداء، وبهذا المستوى من الثبات والعزم والإرادة والحماسة.

ما نعيشه في هذه الأيام في عالمنا الإسلامي، وفي منطقتنا بالتحديد، على ضوء المستجدات التي حصلت في السنوات الأخيرة، ونمو وتنامي وسيطرة التيار الذي نسميه بالتيار التكفيري على مساحات واسعة في بعض البلدان العربية والإسلامية وممارسته لكل هذه المصائب والفجائع والفضائح التي نشاهدها صباحَ مساء، ونسمع بها صباح مساء، يدعونا لأن نقف بشجاعة وأيضاً بوضوح لنحدد طبيعة الأخطار الذي تمثلها سيطرة التيار التكفيري على بلد عربي أو إسلامي هنا أو هناك أو على أكثر من بلد.

أيها الإخوة والأخوات، بكل بساطة، وسترون أن حديثي سهل بسيط واستدلالاته أيضا بسيطة وسأبتعد كالعادة عن أي مصطلحات علمية معقدة أو ما شاكل.

بكل بساطة نعم نستطيع أن نقول اليوم إن هذه الأخطار هي أخطار مشابهة لسنة 60 و61 للهجرة، أولا الخطر على الإسلام كدين كرسالة كقيم كمفاهيم التي يشكلها هذا التيار.

سأقدم دليلاً أن هناك خطراً حقيقياً.

أولاً: في خطاب هذا التيار. هو ينسب نفسه للإسلام وينسب نفسه للقرآن، وكما ورد في بعض الروايات، في النبؤات عن هذا الزمن أن هؤلاء حَفَظَة قرآن، يحفظون القرآن ويستدلّون به وبآياته، هذا في الخطاب العام. أيضاً أثناء الممارسة تجده عندما يقتحم أو يذبح أو يقتل أو يمارس أيّاَ من هذه الفجائع التي يمارسها ثم في خطابه يستدل في نفس المشهد  أو نفس ما يعرض على التلفزيون أو في الإنترت يستدل بـ قال الله تعالى"كذا وكذا" قال الله تعالى "كذا وكذا". طبعاً هم لديهم مشكلة في فهم الآيات القرآنية وهم يتبعون ما تشابه ويخطئون في فهم القرآن وفي تفسير القرآن، وهذا طبعاً بحث علمي مستقل، الآن لا يساعد عليه سياق الخطاب، لكن الشاهد أنه مع كل شيء يقومون به يستدل بالآيات القرآنية أو يستدل بأحاديث مكذوبة وموضوعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"كذا وكذا وكذا". هو لا ينسب الجريمة التي يرتكبها إلى المفكر أو إلى العالم او إلى الشيخ أو إلى الأستاذ أو إلى الجهة التي يتبعها ويمشي خلفها في هذا السلوك وفي هذا المنهج وإنما يريد أن ينسب ذلك مباشرة إلى كتاب الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

طبعاً هذا خطير جداً. معنى ذلك يود أن يقول مع الاقتران الذهني الذي يحدث، حادثة مع حادثة مع حادثة، يوم أثنين ثلاثة سنة سنتين ثلاث، إذاً هذا هو الإسلام، هذا هو الإسلام.

ليس أن هذا منهج منحرف، منهج خاطئ، لا يمت إلى الإسلام بصلة، لا. ولذلك بدأنا نسمع في بعض الأماكن في الغرب وحتى في المنطقة عندنا من يقول لا، هذا الموضوع أن هناك مذاهب في الإسلام وتنوّع بالإسلام واجتهادات بالإسلام واتجاهات فكرية متعددة في الإسلام، لا، هذا هو الإسلام، هذا هو دينكم، وهذا هو قرآنكم، وهذا هو نبيكم، وهذا طبعاً خطير جداً.

مع الوقت أيضاً هذا سيؤدي إلى تركيز هذا الفهم الظالم للإسلام وهذا الفهم الخاطئ للإسلام ولكتاب الإسلام  ولقرآن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم.

أستطيع بكل جرأة أن أقول إن ما يجري اليوم هو أكبر تشويه للإسلام في التاريخ، بكل صراحة. أولاً لأن طبيعة الأحداث التي تجري الآن قلّ نظيرها في التاريخ، إن كان لها نظير، ويبدو لها في بعض الأماكن مظاهر، ولكن للسبب الثاني وهو أننا اليوم بزمن وسائل الاتصال وسائل الإعلام وسائل التي توصل المشهد أو الصورة أو الصوت أو الكلمة إلى كل بيت في العالم، إلى كل أذن في العالم. في الماضي، في مئات السنين يمكن حصلت فجائع كثيرة، ولكن لم تصل بالصورة ولا بالصوت ولا بالدقة ولا بالتفصيل، ووصلت بعد حدوثها بأزمنة طويلة جداً. أما الآن بث مباشر، اليوم الذبح بث مباشر، والمجازر الجماعية بث مباشر، والارتكابات المختلفة والمتنوعة موجودة بالصورة والصوت، وأنتم تعرفون أن هذا أشد تأثيراً في العقول والقلوب والمشاعر حتى من النقل الشفهي أو الكتبي، ولذلك نعم، ما يجري اليوم هو أخطر ما تعرض له الإسلام على مستوى الإساءة لقيمه ولتعاليمه ولفكره ولسمعته نتيجة ما يؤدي إليه هذا السلوك.

أولاً إبعاد غير المسلمين عن الإسلام. اليوم في كثير من بلدان العالم هناك ناس لا يتبعون أي دين ولأسباب من الفراغ الفكري أو العقائدي أو الروحي أو المعنوي يتعرفون على الإسلام ويؤمنون بالإسلام، هناك عبدة أوثان في العالم، هناك عقائد وأشكال مختلفة، كثير من هؤلاء اليوم يقبلون الإسلام، يقبلون على الإسلام في كل انحاء العالم.

ماذا يجري الآن؟ الآن يقدم النموذج الذي يراد أن يقال هذا هو الإسلام، هذا هو الإسلام الصحيح، وهذا هو الإسلام السليم، لأن لديهم إصراراً على هذه الأدبيات، الصحيح والسليم والسوي إلخ. من يرى هذه المشاهد يقول هذا هو الإسلام؟ في أمان الله (وداعاً) أصلاً لا يكون لديه أي استعداد حتى ليناقش أو يقترب أو يبحث أو يسأل.

ثانياً: إبعاد غير المسلمين عن المسلمين، لأنه بهذه الطريقة يقدَّم المسلمون كجماعة متوحشة مجرمة متعطشة للدماء لا يمكن أن يتعايشوا مع أي إنسان آخر، وهذا بطبيعة الحال يعرّض المسلمين كجاليات وجماعات وشعوب في كل انحاء العالم إلى مخاطر العزلة وإلى مخاطر العداء ومشاعر العداء.

ثالثاً: أيضاً وهو خطير جداً، وهو إبعاد نفس المسلمين عن الإسلام. كثير من المسلمين لا يعرفون عن الإسلام إلا القليل، ثم تأتي كل وسائل الإعلام لتقول لهم هذا هو الإسلام وهؤلاء هم شيوخ الإسلام وعلماء الإسلام ومجاهدو الإسلام وذباحو الإسلام، كثير من هؤلاء المسلمين سيقولون كفى، نحن ليس لنا علاقة بهذا الدين، لا علاقة لنا بهذا الإسلام.

ولذلك الآن يوجد بدايات، وأنا لا أود تكبير الموضوع، ولكن في أكثر من بلد عربي، حتى في داخل السعودية، في مصر، في أماكن أخرى، هناك بدايات إلحاد، وهناك حديث عن موجة إلحاد، لماذا؟ لأنه سوف تصل الأمور إلى التشكيك بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهل هو نبي من الله أو ليس نبياً من الله، وصولاً إلى التشكيك بالله ووجوده أساساً. هذا بالتعبير العامي البسيط عندما نقول: سيكفّرون الناس بالإسلام. هو هذا الآن، توجد بدايات لهذا الأمر في أماكن عديدة. أنا لا أريد أن أتحدث عن تيار أو ظاهرة كبيرة، ولكن من باب الاحتياط، وإن كان يوجد معلومات تتحدث عن ذلك، ولكن من باب الاحتياط أقول هناك بدايات، بدايات خطرة وصولاً إلى أن حتى المؤمنين بالإسلام والمتدينين بالإسلام يأتي وقت نتيجة هذا التكرار على مدى أشهر وسنين مثلاً ـ يقصف الله أكبر يذبح الله أكبر يعمل عمايل الله أكبر ـ رويدا رويدا تصبح يودون إيصال الناس لمكان عندما يسمع الله أكبر يعني هناك قتل وذبح ومصيبة تحل في الناس في بلاد العرب وفي بلاد المسلمين.

وصولاً إلى الإساءة إلى كل الفكر الإسلامي والأدبيات الإسلامية والشعارات الإسلامية والتقاليد الإسلامية، يصبح الحجاب والعباءة مظهراً لكذا وكذا من ما أساءوا إليه، تصبح اللحية مظهراً للإساءة، كلمة الجهاد تصبح كلمة منفرة، كلمة الشهادة تصبح كلمة منفرة. أليس هذا خطراً على الإسلام؟ ما هو الإسلام؟ الإسلام هو هذه المفاهيم وهذه التعاليم وهذه القيم وهذه العادات وهذه التقاليد. هذا أولاً في التهديد للإسلام.

عندما نأتي للتهديد للكيان العام للأمة، نعم، الآن هم يهددون الكيان العام للأمة، هم يمزقون هذه الأمة، يفرقونها يستبيحون دماءها وأموالها وأعراضها ومقدساتها ومساجدها وكنائس جزء آخر منها. كل شيء اسمه آثار تاريخية وما يمت إلى التاريخ بصلة وكل شيء من أضرحة وهذا كله ليس له مكان. المشهد العام الذي يقدّمونه هو مشهد تمزيق وتدمير وصراعات دامية.

انظروا، في كل المنطقة، هنا صراع دامٍ، هنا صراع دامٍ، هنا صراع دامٍ، لماذا هذا؟ لماذا وصلنا إلى هذا المكان الذي فيه الناس لا يستطيعون أن يتحدثوا مع بعضهم البعض، ولا يتحاوروا مع بعضهم، ولا يجدون حلاً سياسياً مع بعض، ولا يجدون أي صيغة للتلاقي مع بعض. ما هو السبب؟ طبعاً هناك أسباب متعددة، لكن من أهم الأسباب ومن أول الأسباب أنه وجدت قوى وتيارات في منطقتنا هي ليست جاهزة لا لحوار ولا لنقاش وهي تملك الحقيقة المطلقة وهي تنظر إلى الآخر هذه النظرة السلبية الحادة الحاسمة النهائية، هذا هو.

إذا جئنا وقلنا نعم، ما يجري في المنطقة الآن وفي العالم هو تهديد للإسلام كدين وهو تهديد للأمة وللمجتمعات الإسلامية ككيان. علينا أن نواجه هذا التيار وهذه الظاهرة، الصحيح القول وهذا يقال أحيانا بالعالم او على المنابر أحياناً يقال كواقع وكحقيقة ولكن أحيانا يقال للتهرب من المسؤولية و"تكبير الحجر" أن نحن يجب أن لا نكتفي بمعالجة النتائج، وإنما يجب أن نعالج الأسباب، هذا صحيح وسأتحدث عنه الليلة أنه يجب أن نعالج الأسباب، أسباب نشوء هذه التيارات والقوى التكفيرية في العالم الإسلامي بل في غير العالم الإسلامي أيضاً، ما هو السبب؟

طبعاً البعض يأتي ويقول لك هناك أسباب سياسية، وضع الأنظمة والحكام وأداء الحكام والأزمات الاقتصادية والأزمات الاجتماعية والفقر والبطالة وهيمنة إسرائيل واحتلالها لفلسطين المحتلة وأهانتها لكرامة الأمة منذ أكثر من 60 عام وكذا.

طبعاً قد تكون هذه من الأسباب، أنا لا أنكر ذلك، وإن كنت أحب أن أقول ملاحظة أولية سريعة. يبدو موضوع احتلال إسرائيل لفلسطين لا علاقة له بكل هذا الموضوع، بدليل أن أتباع وقادة هذه التيارات التكفيرية لا تعنيها فلسطين ولا القدس ولا الصراع مع إسرائيل بشيء على الإطلاق، ولم تخض معركة مع المشروع الصهيوني أو العدو الصهيوني في يوم من الأيام. هذا دليل أنه لا، ليست رد فعل على احتلال الصهاينة لفلسطين، لا، حتى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمالية ممكن أن يُناقش فيها. نعم هي هذه الظروف إذا كنا واقعيين هي أعطت الظروف أو الحجج أو الذرائع، ولكن السبب الحقيقي ليس هنا. لنأتِ في ليلة حسينية نصدح بالحق، وإن كان هذا الحق الذي أقوله ويقوله غيري سيزعج كثيرين لكن نحن اليوم محتاجون لأن نسمي الأشياء بأسمائها، لأنه في زمن الفتنة الكبرى واشتباه الحق بالباطل مسؤولية الجميع أن يقولوا للباطل هذا باطل وللحق هذا حق.

السبب بالدرجة الأولى هو سبب فكري ثقافي، عقائدي. بتعبير آخر نتحدث عن التفصيل أنه منذ أكثر من مئتي عام من 300 سنة لليوم نشأ اتجاه جديد ومذهب جديد وتيار فكري جديد في المنطقة العربية، هذا التيار الفكري قُدّر له فيما بعد أن تتوفر له إمكانات حكومية ومنذ 100 سنة هذا التيار الفكري يعمل لتعزيزه ولتقويته ونشر أفكاره ومفاهيمه في كل أنحاء العالم، في العالم الإسلامي وفي كل أنحاء العالم.

طبعا أنشئت له مدارس وكليات ومعاهد وجامعات في كل أنحاء العالم، قدمت له تسهيلات قانونية وسياسية وإدارية في كل أنحاء العالم، أسست له مراكز دراسات وعقدت لنشره مؤتمرات طوال 100 سنة في كل أنحاء العالم، أُنفقت وأُسست له صحف ودور نشر ومجلات ووسائل إعلام وصولا إلى الفضائيات وإلى مواقع الإنترنت في كل أنحاء العالم.

أُنفقت من أجل نشر هذا الفكر عشرات أو مئات مليارات الدولارات خلال مئة سنة في كل أنحاء العالم.

من هنا بدأت القصة..

لا نذهب ونختبئ ونقول، "والله هنا حاكم ما بعرف شو وهناك نظام لا أعرف شو" وهناك حكومة وفي ذلك المكان هناك وضع اقتصادي. هذه ظروف ساعدت لكن أصل المشكلة بدأت من هنا.

هذا الفكر يعتمد على تكفير كل من سواه وبالتالي استباحة دماء وأموال وأعراض كل أولئك الذين كفّرهم. هذه هي المشكلة.

بل هذا التيار اعتمد منهجاً تكفيرياً يكفّر الناس ويكفر عموم المسلمين لأدنى سبب ولأبسط سبب وخلافاً لما كان عليه المسلمون وإجماع المسلمين طوال التاريخ.

سأضرب أمثلة:

إذا جاء شخص وقال: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك وحبيبك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا موجود، والصحابة كانوا يتوسلون والتابعون أيضاً، وهو موجود بتاريخنا وعند السنة وعند الشيعة. هذا ليس موضوعاً شيعياً، حتى لا يلتبس الموضوع على الشباب. لا، هذا شرك، "خلص صار مشرك". يا اخي والله أنا أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأؤمن بالقرآن وبالجنة والنار والحساب والثواب والعقاب وبالقرآن وبالنبي وبالصحابة وبأهل البيت وكل مقدسات المسلمين، لكن  أنت لأنك تتوسل بالنبي أو تتشفع به أنت مشرك، بات مشركاً.

إذا بنى شخص على قبر ولي من أولياء الله أو نبي من أنبياء الله غرفة وقبّة، هذا مشرك. إذا شخص يزور هذه المراقد هذا مشرك، لأنه يعبدها سواء كانوا الشيعة أو السنة، عندما يذهبون بعد الحج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليسلموا عليه، هل يذهبون للتسليم عليه أو عبادته. هناك شيء بسيط وواضح جداً، لا، هذا مشرك وهذا شرك.

الانتخابات، بالأمس مثلا في تونس حصلت انتخابات وعلى مدى أيام. بحسب هذا المنهج الفقهي والفكري كل من شارك من التونسيين بالانتخابات فهو كافر، وتذكرون بالسنوات الماضية عندما يحرمون الانتخابات العربية لا يقولون حرام أو معصية، بل يقولون كفر، كل شيء كافر، انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني كفر، الانتخابات كفر. هناك فتوى لبعض علماء هذا الاتجاه مفادها أن الانتماء إلى الأمم المتحدة كفر. يا أخي قل معصية، قل خطأ، قل خطيئة، لا، كفر. وهذا ليس من عندي، هذا موجود في كتب الفتاوى، "أنا مش جايب شيئ من عندي".

ولا أود ذكر أسماء. أحد المفتين  الكبار في هذا الاتجاه يقول: من يعتقد بأن الأرض تدور حول الشمس ـ كلنا نعتقد هكذا، العلم يقول ذلك، هذه ليست مسألة دينية، مسألة عقائدية، "مش هيك" هذا موضوع علمي، علم الفلك هو الذي يقول، العلماء اكتشفوا وهذا من المسلمات اليوم في العالم المعاصر، من المسلمات أن الأرض تدور حول نفسها وتدور حول الشمس، (عند هؤلاء) من يقول إن الأرض تدور حول الشمس فهو كافر. رأيتم؟ لأبسط سبب، تقول له يا أخي على مهلك أنا أؤمن بالله وبرسول الله وبأنبياء الله وكتب الله واليوم الآخر والجنة والنار وا وا وا كل هذا لا ينفعك. لأنك تعتقد أو تؤمن بأن الأرض تدور حول الشمس فأنت كافر.

لا أعرف داعش ماذا يعلمون بالجغرافيا وعلم الفلك. قرأت هذه الفتاوى للمفتي الكبير. أيضا سؤال يقول هناك صحيفة كتبت أن هناك إمرأة دهست السيارة ولدها، وهذه الأم تعيش مصيبة وجحيماً إلى آخر حياتها، يوصّف، "شو تقول الفتوى؟" هذا كفر بواح، هذا كفر، من يكتب هذا المقال بالجريدة هو كافر، كفر بقوله هذين السطرين، لماذا لأنه يعترض على المشيئة الإلهية.

أقرأ لكم من الكتاب حفيد المؤسس لهذا المذهب ولهذا الاتجاه، له مجموعة رسائل وفتاوى، هم طبعا يعتبرون كل ما لم يكن موجوداً في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو بدعة هو اعتبر الأمور التالية واسمعوا معي، اسمعوا وتعجبوا واستغربوا، هي موجودة بالكتب لديهم، يدرسونها من مئة سنة للأولاد الصغار، يتعلمونها ويدرسها الكوادر، وتقول من أين جاء داعش وغير داعش.

يعتبر كل من الأمور التالية بدع يستحل بها دماء المسلمين، لنرَ ما هذه البدع المصيبة، التي إذا ارتكبها شخص يستحل دمه:

ـ رفع الصوت عند الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ارفعوا أصواتكم)

ـ قراءة القرآن بعد الأذان: من موضع الأذان، وقف، أذن، انتهى الأذان، إذا انتهى الأذان، هو يقف بمكان الأذان وبدأ بقراءة القرآن، هذا بدعة وكفر يستباح بها الدم.

ـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان. بعدما ينتهي الأذان، تقول وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الظاهرين أو وآله وصحبه او لا تضع آله وصحبه ـ "مشكلته هو مش مع آله وصحبه" ـ  أن تصلي على محمد بعد الأذان هذه بدعة وكفر يستباح دماء المسلمين.

أنا أذكر قبل عدة سنوات هنا بمساجد بيروت حصل مشكل داخل المسجد والناس ضربت بعضها بالعصي والسكاكين لأن المؤذن كان يصلي على النبي بعد الأذان وبعض الأشخاص اعتبروا هذه بدعة وكفر لا يجوز السكوت عنها.

ـ قراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل خطبة الجمعة، يقف إمام وخطيب الجمعة، بسم الله الرحمن الرحيم يبدأ بالخطبة، إذا قرأت أحاديث النبي، هذه بدعة.

ـ قراءة سيرة المولد الشريف، وهذه موالد معروفة عند أخواننا السنة أكثر من الشيعة. هذا المولد، أن يخرج واحد ويقرأ سيرة المولد وكيف ولد النبي وكيف، هذا كفر وبدعة يستباح عليها الدم.

ـ الأذكار بعد صلاة التراويح، إخواننا السنة عندهم مستحب بشهر رمضان في الليل يصلون صلاة التراويح، إذا قام بأذكار بعد صلاة التراويح هذه بدعة وكفر.

ـ اتخاذ المسابح، المسبحة بدعة وكفر.

ـ قراءة الفاتحة بعد الانتهاء من الصلاة بدعة. ماذا أبقى؟

ـ بعد، رش القبر بالماء

ـ قرأة سورة الفاتحة على الأموات، كل المسلمين يقومون به.

لا اعرف إن كان بقية علماء هذا الاتجاه وهذا المذهب يوافقون حفيد المؤسس أو لا.

ويقال إن أحد العلماء الكبار في هذا الاتجاه قتل رجلاً أعمى، كان مؤذناً صالحاً ذا صوت حسن، نهاه عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنارة بعد الأذان "بالميدنة" فلم ينتهِ فأمر بقتله فقتل. ثم قال إن الربابة ـ آلة لعزف ـ في بيت الخاطئة أقل إثماً من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنائر، لأن الربابة لا يتجاوز أثمها صاحبها، أما الصلاة على النبي فهي بدعة يتعدى أثمها كل من يقتدي بفاعلها.

إذا أردت المتابعة فالقصة طويلة.

إذا هناك منهج جاء وتبين معه تكفير عن جنب وطرف ولذلك هم يعترفون، هنا نص مكتوب أن أحد المفتين يقول نعم، يقولون له يا شيخنا أنت كفرت المسلمين، من تتحدث عنهم 95 بالمئة من المسلمين، قال وإن يكن؟ المسلمون هم الخمسة بالمئة الباقية.

الشيعة معلوم حالهم. عندما نأتي للسنة: الصوفية كفار، المعتزلة كفار، الأشاعرة وهم أغلب السنة الآن في العالم الأشاعرة من الناحية الكلامية يتبعون مدرسة أبي الحسن الأشعري هم يسمونهم أشاعرة، هؤلاء كفار، وهؤلاء ليسوا أهل سنة وجماعة، وأهل السنة والجماعة هم فقط هؤلاء.

لأدنى سبب يتم تكفير المسلمين بأغلبيتهم الساحقة وهناك أسباب بعد، وأنا لم استطع من أمس لليوم (تحضيرها كلها)،  وإلا ممكن يوم من الأيام أن يكلف أحد ويضع لائحة ويتعرف عليها الناس لماذا يكفرون الناس؟

ولماذا يكفّر المسلمون على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم؟ هل واقعاً هذه أسباب تؤدي إلى الحكم بالشرك وبالكفر على المسلمين؟

الأخطر من ذلك كما قلنا في أكثر من مناسبة هو أنه عندما يأتي ويقول أنتم مشركون، كل هؤلاء المسلمين مشركون يجب قتالهم. هنا لا أحد له قصة، لا مسألة الصهاينة احتلوا فلسطين، لأن هذه القصة من قبل احتلال الصهاينة لفلسطين، هذه القصة حدثت في نجد والحجاز والعراق وشبه الجزيرة العربية، وقُتل المسلمون وذبحوا وسبيت نساؤهم وصودرت أموالهم وأكثرهم من المسلمين السنّة قبل ولادة هيرتزيل ربما، وقبل ظهور المشروع الصهيوني بالمنطقة. لا علاقة. هناك منهج فكري يقول هؤلاء مشركون ويجب عليكم قتال المشركين وقتلهم حيث وجدتموهم أو ثقفتموهم، وهنا يستندون على الآية الاستناد الخاطئ والظالم.

وبالتالي يفعلون الأفاعيل ويعتبرون هذا واجبهم الديني وواجبهم الشرعي، بأدبياتنا: هذا تكليفهم، هم يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى ولذلك لا ينبغي لأحد أن يأخذ هذه الظاهرة ببساطة.

أنا سأحاول حتى بالتوصيف أن أكون واقعياً نحن نعرف ما معنى العمليات الاستشهادية وليس سهلاً أن تجد أناساً ينفذون عمليات استشهادية، لا أحد.

يمكنهم تبسيط الموضوع، ويقولون إن هؤلاء الذين يقاتلون مع داعش أو مع القاعدة في أكثر من بلد عربي وإسلامي هؤلاء قصتهم قصة مال. لا ليست قصة مال. "ما نضحك على أنفسنا، مش قصة مال"، هؤلاء كثير منهم يقاتلون حتى أنهم  لا يريدون شيئاً من حطام هذه الدنيا الفانية. هناك ناس يريدون مالاً وآخرون سلطة، ناس يريدون حطام دنيا، متع دنيا، هذا بحث آخر، لكن هناك ناس لا. والدليل يقدم لك 10 و20 و30 و40 انتحارياً  بجبهة واحدة أو بعملية واحدة. مئات الانتحاريين خلال أشهر قليلة. ل،ا نحن نفهم هذا الموضوع، هؤلاء يعتقدون أن هذا طريق موصل إلى الله سبحانه وتعالى، "عن جد مقتنعين" أنهم ذاهبون إلى الجنة ومقتنعين أنهم سيتغدون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، "عن جد مقتنعين".

وغير المقتنع لا يذهب ليعمل بهذه الطريقة، وينفذ عمليات انتحارية بهذه الطريقة.

إذاً علينا أن لا نبسّط الموضوع اليوم، في العالم هناك محاولة لتبسيط الموضوع، لا، البعد الحقيقي لهذه الظاهرة الخطيرة الموجودة الآن في بلادنا العربية والإسلامية هو بعد ثقافي، وفكري، وعقائدي، هؤلاء مقتنعون بما يقومون به.

المشكلة أين؟ أنهم مقتنعون والمشكلة ليست فقط بالتكفير، "واحد يقول لك أنت كافر "اصطفل انت مقتنع بي كافر خذ راحتك أو أنت مشرك أنت حر" لكن القصة لم تقف هنا، وقفت أن الحكم بالكفر وبالشرك له مستلزمات وبعده خطة وبرنامج وسلوك وموقف وأداء وعمل وعنوانه العريض هو القتال والقتل والذبح والتدمير ومصادرة الأموال وسبي النساء وهتك الأعراض وكل ما نراه الآن وباسم الإسلام.

هذا التشخيص الحقيقي في المعالجة لا يكفي. من يذهب إلى معالجة أمنية فقط أو معالجة عسكرية فقط هو مشتبه. هذا الموضوع أعمق من أن يعالج أمنياً وعسكرياً، أو مثلا بعض الناس يقول لك نعم هذه التيارات تكبر في البيئة الفقيرة لنذهب وننجز إنماء، الانماء مطلوب على كل حال، لكن هناك كثر من هؤلاء الآن لا يعيشون ببيئة فقيرة، هؤلاء القادمون من أوروبا كثير منهم أحوالهم المادية جيدة ويعيشون حياة طبيعية وحياة مترفة.

هذا تبسيط، دعوني أحسم هذه النقطة وأقول: البحث عن الأسباب السياسية أو الاسباب الاقتصادية أو الأسباب الاجتماعية يذهب إلى المكان الخاطئ. ربما تكون هذه عوامل مساعدة، ظروف، حجج، ذرائع، بيئة، ولكن السبب الحقيقي الجوهري هو هذا السبب العقائدي الفكري الثقافي.

إن جاء من جاء في العالم الإسلامي وقال للآلاف من الشباب وعشرات الآلاف من الشباب أو العائلات أنتم مسؤوليتكم أن تطهروا الأرض من الكفر وأن تطهروا الأرض من الشرك ومن كل المشركين، أترون، شعوب المنطقة كلها، حكامها أو حكوماتها وجيوشها وطوائفها، كلهم مشركون ويجب عليكم أن تقاتلوهم وأن تقتلوهم وأن تفعلوا وتفعلوا وتفعلوا وتفعلوا، هم الجماعة يقومون بتكليفهم الشرعي ويتقربون بهذا إلى الله زلفى، ويجاهدون في سبيله، هكذا يعتقدون. المصيبة الحقيقة تكمن هنا.

طالما قلت سنتحدث بالأمور بصراحة نحن جميعاً، ولا أود إدخال هذا بأدبيات الخطاب ولكن ولو لمرة واحدة حتى لا نستفز أحد لكن لمرة واحدة من الواجب أن نقول الحق كما هو، وهو أنه نعم هذا الذي أتحدث عنه كلنا نقعد "نمغمغ" ونعمم ونعنون بطريقة ونقول التيار التكفيري. عمق هذا الفكر هو الفكر الوهابي، الوهابية، هؤلاء ليسوا أتباع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، هؤلاء أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذه الوهابية الذي عمل على نشرها كما تحدثت قبل قليل وتوزيعها ودعمها في كل أنحاء العالم.

هو هذا، الآن عندما تذهب للقاعدة أو داعش أو النصرة، ما هي الكتب التي يدرسون فيها، أي كتب يتم تدريسها؟ هي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء مدرسته، مشايخ مدرسته، والمفتين الذين جاءوا من بعده. هذا الذي يدرّس، هذه الثقافة، هذا الفكر، هذا المنهج، وهنا تكمن الخطورة. الذي يبحث على علاج جوهري وحقيقي وجذري لما نعانيه كمسلمين ومسيحيين وكل شعوب هذه المنطقة من هذه التحديات، يجب أن يذهب إلى أصل الموضوع ويبحث كيف يعالجه.

بالمواجهة نعم، هي بالدرجة الأولى، يجب أن تكون مواجهة فكرية وثقافية وعلمية بالدرجة الأولى. هنا ما هي مسؤولياتنا؟ أذكرها باختصار شديد:

أولاً: أن ندافع عن الإسلام. هذه ليست فقط مسؤولية العلماء، طبعا بالدرجة الأولى، لكن ليس فقط العلماء، علماء الشيعة، علماء السنة، كل علماء المسلمين. ولأكون واضحاً جدا هذه التيار لا يمكننا أن نقول هؤلاء هم أهل السنة والجماعة. هذا ظلم، هذا عدم انصاف، هم يسمون أنفسهم هكذا، هم يعتبرون أهل السنة والجماعة الموجودين اليوم في العالم، ربما يكون مليار مسلم سني من أهل السنة والجماعة، لا يعتبرونهم أهل سنة وجماعة، يقولون أنهم صوفية، أشاعرة، كذا.

إذاً مسؤولية علماء المسلمين من سنة وشيعة، مسؤولية كل مثقف، كل أستاذ، كل معلم ومعلمة، كل شاب وشابة، نحن ليس لدينا سلك اسمه سلك رجال الدين، لا، كل واحد لديه ثقافة إسلامية وفهم إسلامي ومعرفة إسلامية بالفضائيات والمجلات على الانترنت وفي المواقع وبكل ما أوتينا من قوة وفي كل أنحاء العالم يجب أن يكون صوتنا أعلى لأن هم صوتهم عالٍ. صوتهم عالٍ والمقدرات الإعلامية المتوافرة بين أيديهم مقدرات ضخمة جداً. يجب أن يكون الصوت عالياً. أيها الناس، أيها المسلمون ويا غير المسلمين ويا كل شعوب العالم هذا الذي ترونه ليس هو الإسلام ولا يمت إلى الإسلام بصلة وليس هذا هو ما يريده القرآن وليس هذا هو دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا الصوت يجب أن يرتفع أولا في المبدأ وثانياً حتى في التوضيح وفي الشرح لا يكفي فقط أن نطلق خطاباً عاماً نأتي ونقول هذه الآية التي يستدلون بها هذا خطأ، "مش هيك" طبعا هم لديهم طريقة خاصة بالاستدلال لا وقت الآن للحديث عنها، لاحقا ممكن.

هذه الرواية التي يستدلون بها هي عن رسول الله، هذه موضوعة مكذوبة لا يقبل بها المسلمون ولا علماء المسلمين كثير من هذا موجود.

أولا: الدفاع عن الإسلام.

ثانياً: شرح حقيقة الإسلام للعالم، هنا ليس موضوع مذهب دون مذهب أو أن هذا إسلام شيعي ولا هذا إسلام سني ولا هذا إسلام على المذهب الفلاني، لا هذا الإسلام الذي نتفق عليه نحن اتباع المذاهب الإسلامية على القسم الأكبر والأعظم منه هذا يجب أن نقدمه للناس جميعا.

ثالثاً: وهو على درجة عالية جدا من الأهمية: تقديم النموذج. هم يقدمون نموذجاً متوحشاً مرعباً  مخيفاً مسيئاً ومشوهاً للإسلام، غير بقية المسلمين شيعة وسنة. اليوم مسؤولية المسلمين كأفراد أينما كانوا، بلبنان أو بالعالم العربي أو بأوروبا وفي إفريقيا وأمريكا الشمالية أو اللاتينية أو أينما كان، كأفراد أو عائلات أو جاليات أو جامعات او أحزاب وحركات نخب أو عامة، "مين ما كانوا خواص أو عوام"، نعم في هذا الزمن مسؤولية تقديم من خلال السلوك من خلال "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم" من خلال كونوا زيناً لمحمد نبيكم ولا تكون شيناً على محمد نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم. هذه اليوم اكبر مسؤولية.

حتى يقال ليس هذا الإسلام، هو هذا، عندما جماعات المسلمين، شعوب المسلمين في أوطانهم ومع غيرهم في كل أنحاء العالم يقدمون النموذج الطبيعي عن الإنسان المسلم، الذي لديه صدق حديث وأداء الأمانة، الذي لديه الكذب حرام والسرقة حرام والنهب حرام وقتل النفس المحترمة حرام، الذي لا يذبح ولا يخون ولا يغدر ولا يعتدي على الآخرين، المنفتح على الآخرين، ديننا دين حوار، نبينا نبي حوار، قرآننا كتاب حوار، يحاور الآخرين، حاضر يأخذ ويعطي معهم ويبحث معهم عن الحق والباطل، ويتعاطى مع الآخرين بالقسط والبر وبالإحسان، وهذا مضمون الآيات القرآنية أيضاً التي تدعونا إلى ذلك.

اليوم تقديم نموذج آخر هو مسؤولية كبيرة جداً وأكثر من أي زمن مضى. "في يوم من الأيام أنا أعمل منيح لأن أنا مسؤوليتي أعمل منيح"، اليوم أنا مسؤوليتي مضاعفة :"أن أعمل منيح" وأن أقدم نموذجاً طيباً عن الدين والقرآن والنبي الذي انتمي إليه، لأن هناك خطراً لتشويه هذا الدين وهذا القرآن وهذا النبي الذي أنتمي إليه. هنا تصبح المسؤولية مسؤولية مضاعفة.

رابعاً: نعم مواجهة هذا الفكر وتتعاون الحكومات والدول والعلماء والجمعيات والمسلمين جميعاً على منع انتشاره، وقف انتشاره.

وحتى نكون صريحين: الذي يتحمل المسؤولية اليوم في العالم الإسلامي لوضع حد لانتشار هذا الفكر هو المملكة العربية السعودية التي عانت في الماضي البعيد والماضي القريب والآن هي أيضاً تعاني بمعزل عن أي توصيف سياسي آخر.

نعم هي أيضا تتحمل المسؤولية، لا يكفي يعملوا ـ نحن ما عملنا ولا نعمل ، تحالف دولي لتأتي جيوش العالم لتقاتل داعش. في البداية أوقفوا ـ هذا خطاب للكل ـ في البداية أقفلوا المدارس التي تخرّج أتباع هذا الفكر الداعشي، أوقفوا وأغلقوا أبواب التكفير والحكم على الناس بأنهم مشركون لأدنى الأسباب ولأتفه الأسباب. دعوة إلى علماء هذا الاتجاه، إلى علماء هذه الوهابية ليعيدوا النظر ويقبلوا أن يحاورهم بقية علماء المسلمين من شيعة وسنة في هذه الأفكار التي يعملون على ترويجها وعلى نشرها في العالم.

وأيضا حتى في مواجهة الذين حملوا السلاح في أي بلد من البلدان العربية والإسلامية، نعم نحن ندعو إلى ان لا يسارع  ـ إلى إلا إذا وقعت المعركة بحث آخر لكن ـ طالما لم تقع المعركة أن تبذل الجهود الفكرية والحوارية والثقافية ويحصل نقاش مع هؤلاء ويتصدى للنقاش مع هؤلاء علماء عارفون لديهم بصيرة لديهم وعي وكثير من هؤلاء هم لديهم شبهة ولديهم فهم خاطئ ولديهم اعتقاد خاطئ. الأصل في مواجهة شباب هذا التيار هو استنقاذهم وليس استئصالهم.

البعض سريعاً يفكر أنه يجب أن الحكومات والأنظمة والجيوش والدول تعقد تحالفات لإستئصال أتباع هذا التيار، لا بالبداية يجب التفكير باستنقاذ هؤلاء وبمدّ اليد لهؤلاء ويحصل معهم حوار علماء ممكن أن يكونوا مؤثرين وبطبيعة الحال هنا المسؤولية على اخواننا علماء السنة أكبر بكثير من المسؤولية بالنسبة للمسؤولية على علماء الشيعة.

علماء الشيعة من جاء بالنسبة لهؤلاء محسوم وضعه، لكن ممكن أن يقبلوا من علماء السنة، هنا تقع مسؤولية كبيرة جداً على علماء السنة ليناقشوهم. ولا أحد من الآن يقول لا أمل لا رجاء لا نتيجة من قال هكذا؟.

نحن لدينا تجربة في التاريخ. اليوم كل من يقارب هذه القضية قضية التيار التكفيري وما يجري يقاربها على قاعدة المثال التاريخي هو مثال الخوارج.

في زمن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي هو عند المسلمين جميعاً خليفة شرعي، السنّة يعتبرونه الخليفة الراشد الرابع والشيعة يعتبرونه إمام المسلمين على طريقتهم، لكن لا نقاش بأنه الخليفة الشرعي بمعزل عن الحيثية الخاصة بالخليفة الشرعي، خرج عليه قوم سمّوهم الخوارج والأمير عليه السلام ذهب لقتالهم ومعه بقية الصحابة والمهاجرين والأنصار وأبنائهم. كانوا 12000 بعضهم ارتكب جرائم، والأمير قال لهم من اليوم الأول سلمونا من ارتكب جرائم، رفضوا التسليم. مع ذلك هو لم يتخذ قرار أنه يجب استأصال ال12000. دعا عبد الله بن عباس (قال له) أنت لك مكانتك وموقعك العلمي وكذا. تفضل. قام عبد الله بن عباس، خطب وتحدث واستدلّ وأجرى حواراً معهم. جادلوه وناقشوه. بنتيجة الجهد لعبد الله بن عباس عاد 4000، انسحبوا، كانوا 12000 انتهى، "ما في أحد". جاء الإمام عليه السلام تقدم وخاطب وتحدث وناشد واستدل وذكّر وجادل الخ أيضا انسحب 4000 ليصبح العدد 8000. بقي 4000 ليس لديهم استعداد أن يسمعوا "خلص" لا ندري ما تقول، "قفّلت". وقعت الحرب وكانت معركة النهروان التي كانت قاسية جداً بالنسبة إليهم.

إذاً ليس صحيحاً في مواجهة هذا التيار أنه دائما الذي يسيطر على عقول من يدير الأمور في عالمنا العربي والإسلامي نذهب مباشرة للأمن والعسكر والاستئصال والقتال. لا هناك مسؤولية بالحقيقة، مسؤولية شرعية ودينية وأخلاقية وإنسانية، أن يكون هناك عمل جدي وعمل فكري ثقافي عقائدي إيماني إعلامي حواري "شو ما كان" لاستنقاذ هؤلاء.

هذا هو ديننا. ديننا لا يبحث عن القتل، وإنما يبحث عن النجاة، عن إنقاذ الناس في الدنيا وانقاذ الناس في الآخرة. بل بالعكس، كثير من هؤلاء هم مساكين، هم خسروا الدنيا وسيفاجأون بأنهم خسروا الآخرة، وكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. ولذلك هؤلاء هم مساكين وأيتام أكثر من الأيتام وتأتي المسؤولية الكبرى لاستنقاذهم.

إذاً أمام هذا التحدي الخطير والكبير، إذا اردنا أن ندافع عن إسلامنا وعن أمتنا وأن نستبعد هذا الخطر يجب ان يكون الجهد بالدرجة الأولى جهد علمي جهد فكري، جهد ثقافي على خطين: الخط الأول تحصين بقية المسلمين من هذا الفكر الهدام، تحصينهم، وهنا يأتي عمل العلماء والمثقفين والسياسييين والأحزاب والرجال والنساء والأباء والأمهات ووسائل الإعلام ألخ.

ثانياً: العمل على استنقاذ من يمكن استنقاذه من أتباع هذا الفكر التكفيري الخوارجي التقتيلي الذي فيه خسران الدنيا وخسران الآخرة وبعد ذلك لكل حادث حديث.

اليوم نعم، ديننا يواجه هذا التحدي، أمتنا تواجه هذا التحدي، والمطلوب منا جميعاً أن نتخذ هذا الموقف الحسيني الواضح حيث يتطلب منا الموقف ان نصدح بالحق، نقف في وسط الميدان ونصدح بالحق ونسمي الأشياء بأسمائها، وعندما يتطلب منا الموقف أن نقدم دماءنا وأعزاءنا وأحباءنا دفاعاً عن إسلامنا وعن أمتنا وعن شعوبنا، كما فعل الحسين بكربلاء سنفعل وفعلنا وسنفعل إن شاء الله.

السلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبد الله الحسين يا ابن رسول الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعا، منا جميعا، سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، وعظم الله أجوركم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.