يبدو أنه لم يعد ممكناً تجاهل ما تثيره قضية الصراع على المياه في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط بخاصة، وكان لافتاً أن تبادر الجامعة اللبنانية بفتح هذا الملف الشائك على مصرعيه في مؤتمر كبير ومهم رصدت له ميزانية ضخمة
يبدو أنه لم يعد ممكناً تجاهل ما تثيره قضية الصراع على المياه في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط بخاصة، وكان لافتاً أن تبادر الجامعة اللبنانية بفتح هذا الملف الشائك على مصرعيه في مؤتمر كبير ومهم رصدت له ميزانية ضخمة كما قال رئيس المؤتمر الدكتور أحمد مللي، واستقدموا من الخارج خبراء يشهد لهم بالباع الطويل في هذا المجال، خصوصا من مصر والسودان.
يوم أمس صباحاً، وبرعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا برئيس لجنة الاشغال العامة والنقل محمد قباني، افتتح المؤتمر الدولي الأول بعنوان "المياه معضلة القرن الحادي والعشرين، حوض النيل تعاون أم تصادم؟"، في الجامعة اللبنانية - الحدث، بمشاركة خبراء من دول حوض النيل ونخبة من الخبراء الدوليين والمحليين، في حضور حشد كبير من المهتمين تصدرتهم الوجوه الدبلوماسية والسياسية والنيابية والإعلامية، وممثل عن الأمين العام لحزب الله وزير الدولة لشؤون مجلس النواب الحاج محمد فنيش.
رئيس المؤتمر رئيس مركز الدراسات القانونية والادارية والسياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور أحمد مللي رحّب بالمشاركين والحضور مشيدا بـ"دور الجامعة اللبنانية الريادي وخصوصا في عملية تنظيم هذا المؤتمر" وقال إنها جامعة الوطن ونريدها أن تكون دائماً بالمستوى الآمال والطموحات وهي التي تحتضن أحلامنا الكبيرة ولا يمكن أن نقبل لها الإنكفاء". وتابع الدكتور مللي شارحا برنامج اعماله و"اهميته على الصعيدين العربي والدولي في طرح الافكار الآيلة الى تطوير مفهوم استثمار المياه العنصر الاول في حياة الانسان والنبات". وختم مللي كلمته بالتوجه إلى طلاب الجامعة قائلا :"أنتم الجيل الذي سيحمل المانة فعليكم إبقاء الجامعة اللبنانية عروس الجامعات في لبنان".
من مصر ألقى الدكتور علاء ياسين ممثلا وزير الري المصري السابق حسام مغازي كلمة قال فيها: "إن مصر تتعاون مع كل الدول الواقعة على حوض النيل لجهة التفاهم على استثمار الثروة المائية لمصلحة شعوب هذه الدول واقتصاداتها. وتقدم مصر كل العون لدول الحوض من اجل التنمية في كل المجالات وهي تعمل مع مراكز الابحاث من اجل وضع الدراسات الكفيلة من اجل حسن الاستثمار".
ومن السودان كانت كلمة لوزير الري السوداني السابق محمد عبدالله كلمة قال فيها: "إن حوض النيل تتشارك في أعاليه دول غير عربية ودول عربية في أسفل النهر، وتلك التي في الحوض الأعلى تعرف مستوى متساقطات كبير لا يجعلها في حاجة كبيرة الى مياه النيل، ولكن في المرحلة الحالية تعمل هذه الدول يمكن بسبب التغيير المناخي، لانشاء سدود على البحيرات العليا للحوض، مما يؤثر على مجرى النهر، خدمة لمصالحها وخصوصا أن حوض النيل يقع ضمن مصالح الدول الكبرى التي لها مصالح اقتصادية في منطقة حوض النيل، وهذا يدل على أهمية موقع الحوض الجيواستراتيجي. واليوم إن سياسة السودان المائية تعترف بحقوق كل دول الحوض في الإفادة من الموارد المائية المشتركة بشكل لا يشكل أي ضرر لأي دولة".
وكان لا بد من كلمة لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، التي حضّرت للمؤتمر، فكانت كلمة لعميد الكلية كميل حبيب، قال فيها: "نحن في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية ضنينون بحقوق الاشقاء العرب في توفير أمنهم الغذائي. إن قلق جمهورية مصر العربية على حصتها من مياه النيل أخذ يتزايد في الأونة الاخيرة بسبب التنمية التي تتطلع اليها دول المنبع والتي تتطلب بناء سدود على البحيرات نفسها وعلى بعض روافد النهر، مما يهدّد بخفض حصص المياه المكتسبة لكل من مصر والسودان". وأضاف: "إن المشروع الصهيوني الهادف إلى اعطاش الشعب المصري، وبالتالي إلى تجويعه ثم التمهيد له منذ العام 1899 من الانكليز الذين سيطروا على السودان وعزموا على إقامة السدود على مجرى النيل في الجنوب بما يمكنهم من التحكم بمياه النيل الواردة إلى مصر".
وتابع: "ان المكانة الجيو-استراتيجية لحوض النيل أضافت بعدا جاذبا للقوى الدولية من أجل ممارسة التدخل لحماية مصالحها المزعومة، فإلى جانب تمتعه بموارد مائية هائلة، فإن حوض النيل غني كذلك بالموارد الطبيعية مثل النفط والماس واليورانيوم والاخشاب. وغني عن القول إن هذه الثروات دفعت بالقوى الدولية (بريطانيا، فرنسان، والولايات المتحدة) وتلك الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل، بالاضافة إلى الكيان الصهيوني إلى حال من التنافس من أجل اكتساب الثروة والنفوذ".
وختم عميد الكلية بالقول: "على المستوى الأكاديمي البحت، هذا المؤتمر سيعالج الإتفاقات الدولية التي أبرمت بين دول الحوض مدى مئة عام، أي منذ اتفاق 1929 مرورا باتفاق 1959 ووصولا إلى مبادرة حوض النيل العام 1999، وما في ذلك من منفعة لطلاب العلاقات الدولية والقانون الدولي".
الدكتور عدنان السيد حسين رئيس الجامعة اللبنانية ألقى كلمة الجامعة الأم، وقال: "إن مؤتمرا بعنوان "المياه معضلة القرن الحادي والعشرين، حوض النيل تعاون أم تصادم"، بتنظيم من الجامعة اللبنانية هو تأكيد على أن كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية تتابع موضوعا مهما ورئيسيا في مسألة الأمن الدولي والإقليمي، وأن حوض النيل ليس فقط مهما لمصر والسودان وللدول الافريقية الأخرى بقدر ما هو مهم للأمن القاري وللأمن العربي". واضاف: "نظرا إلى الظروف العربية الراهنة وما تحمل من مشكلات وتحديات داخلية، فلا يجوز أن تغيب بلاد العرب وخصوصا مصر والسودان عن مبادرات موصوفة في القانون الدولي وفي السياسة الدولية والتنمية بكل ابعادها.
وذكر السيد حسين أن القانون الدولي العامل لم يتوصل بعد إلى إتفاق أو وضع قوانين تحدّد طريقة إفادة الدول من استثمار المياه على الحوض أو المجرى النهري نفسه وطريقة توزيع هذه المياه إنما تبقى مسألة السيادة بما تنطوي عليه من أوضاع اقتصادية ومن عدد السكان وما هناك من مؤشرات حول منسوب توزيع المياه". وتابع: "نحن نتكلم في إطار عام ضمن هذا المؤتمر الذي نرجو له النجاح ونتمنى أن تعقد مؤتمرات أخرى ربما حول الليطاني أو الحاصباني في لبنان وأنهار سوريا والعراق لأن هناك عشرات الحالات التي تؤشر حاليا إلى وجود أزمة دولية حول الأنهار الدولية، وخصوصا إذا ما علمنا أن البلدان الشحيحة في المياه يصل عددها إلى 80 دولة، وأن الشرق الاوسط وشمال أفريقيا هما من أفقر المناطق بالمياه وأكثر من 40 في المئة من سكان العام اليوم، يعانون قلة المياه العذبة إضافة إلى أن الزراعة مهددة في مناطق عديدة من العالم بسبب التصحر".
وكانت كلمة الختام للنائب محمد قباني، ممثلاً راعي المؤتمر الرئيس وقال فيها:"حملني دولة الرئيس الشكر للجامعة اللبنانية على اهتمامها بمسألة مياه النيل، وعلى طلب رعايته للمؤتمر، فإن ذلك يعود الى كون النيل هو مصدر الحياة لشعب مصر الشقيق. أليست المياه هي الحياة في الأديان كما في العلوم "وجعلنا من الماء كل شيء حي".ثم أليست مصر هي هبة النيل الذي يوفر 97 في المئة من حاجات مصر المائية. مصر التي هي شقيقتنا الكبرى ومركز الثقل في الحياة العربية".
وأضاف: "إن الجامعة اللبنانية- جامعتنا الوطنية، مطالبة وتستطيع، أن تعطي مسألة المياه في الوطن العربي الأهمية التي تستحق، وخصوصا مع الاخطار التي تواجه الشعوب العربية في حاجاتها المائية الضرورية".
ورأى قباني أن "الخطر على المياه العربية واضح في أكثر من مكان. فحصة مصر من مياه النيل تتعرض لتعدٍ من بعض دول المنبع، وخصوصا أثيوبيا وأريتريا وكينيا بحيث باشرت أثوبيا إنشاء سد النهضة الذي سيصبح أكبر سدود أفريقيا. ومطامح هذه الدول بمياه النيل غير مبررة لأنها تستطيع توفير أضعاف طاقة النهر من الأمطار الموسمية الغزيرة جدا. إلا أننا هنا نرى بوضوح أصابع العدو الصهيوني، فإسرائيل تملك نفوذا كبيرا لدى بعض دول منابع النيل، وتقوم بتسليح بعض جيوش هذه الدول وتدريبها. ثم إن دولا عربية أخرى وخصوصا العراق تتعرض لنقص كبير في مياه دجلة والفرات، نتيجة عدد من السدود التي أنشأتها دول الجوار". وتابع: "إن المياه ستكون في هذا القرن، السبب الأول للنزاعات والحروب. وحتى المنظمات التكفيرية مثل "داعش" تسعى الى استخدام المياه في الحروب.ألم تقم "داعش" باحتلال منطقة سد الموصل مشكلة خطرا هائلا على الناس؟
وتابع قباني "جامعتنا الوطنية، مع اهتمامها المشكور بمشاكل المياه في مصر والوطن العربي، مدعوة الى توجيه اهتمامها إلى مسألة المياه في لبنان. وأي منابع من منطلق علمي للدراسات المتوافرة في قطاع المياه في لبنان، يرى بوضوح أن الدراسات العلمية المستندة إلى الأبحاث والأرقام هي التي أعدها المهندس اللبناني العبقري ابراهيم عبد العال قبل أكثر من نصف قرن، أي في منتصف القرن العشرين. وأن الحاجة ملحة بعد ستين عاما إلى تحديث الأرقام والمعلومات في ضوء المتغيرات مع مرور الزمن، وإتباعا للأسلوب العلمي الذي تبعه المهندس الشهيد ابراهيم عبد العال، الذي دفع حياته ثمنا لانجازاته".
ولفت إلى أن الرئيس بري أولى الاهتمام لدراسات عبد العال، خصوصاً من أجل حفظ حقوق لبنان في استثمار مياه نهر الوزاني. فمطامع إسرائيل في مياه لبنان واضحة وقديمة، تعود إلى إنشاء الكيان الصهيوني الذي كان يريد توسيع حدود كيان الاغتصاب شمالا حتى نهر الليطاني من أجل الافادة من مياه النهر - كما أن طيران العدو قصف موقع عملمباشرة تحويل روافد نهر الأردن، تنفيذا لقرارات القمة العربية عام 1964، وتمكن من توقيف ذلك".