قليل من الوقت، ويستحيل السودان قطعتين. هو الوقت الذي يتطلبه الإستفتاء المزمع إجراؤه في التاسع من الشهر الجاري، الإستفتاء الذي سيحسم الخيار الأكثر ترجيحاً: الإنفصال.
قليل من الوقت، ويستحيل السودان قطعتين. هو الوقت الذي يتطلبه الإستفتاء المزمع إجراؤه في التاسع من الشهر الجاري، الإستفتاء الذي سيحسم الخيار الأكثر ترجيحاً: الإنفصال.
عند ولوج ذاكرة الإنفصال السوداني، يبرز بشكل واضح الدور الذي لعبته واشنطن لتشجيع فكرة إنفصال الشمال عن الجنوب. في عام 1972م نجحت واشنطن ومعها مجلس الكنائس العالمي، في التوصل إلى اتفاقية أديس أبابا بين نظام جعفر النميري وحركة أنانيا، قبل أن يتكرر السيناريو نفسه من خلال الرعاية الأميركية لاتفاقية السلام الشمال في عام 2005 بضغط من اللوبيات الداعمة للحركة الشعبية لتحرير السودان التي صورت الصراع على أنه صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين من جهة وبين العرب والأفارقة من جهة ثانية.
ومنذ بداية التسعينيات، نشطت مجموعات يمينية أميركية، تتصدرها حالياً «جويش وورلد سيرفس» التي تضم منظمات «سيف دارفور» و«ايناف» و«هيومانتي يونايتد» و«جينوسايد انترفنشن»، إلى جانب مجلس الكنائس العالمي وعدد من مراكز الأبحاث، لمصلحة دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان. وقامت هذه المجموعات بالضغط على الإدارات الأميركية المتعاقبة لإجبارها على تبني سياسات متشددة تجاه نظام الرئيس السوداني عمر البشير، والدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في الجنوب.
وفي عهد الرئيس جورج بوش، أدّى القس جون دانفورث، الذي عينه بوش مبعوثاً خاصاً للسودان عام 2001، دوراً رئيسياً في التوصل إلى اتفاقية السلام بعدما أمنت له اللوبيات وسيلة إضافية للضغط على الخرطوم من خلال نجاحها في إقناع الكونغرس الأميركي بإقرار قانون سلام السودان أواخر عام 2002 بعد سنوات من التأجيل.
وبالتزامن مع إقرار المشروع، انطلقت جولات من المفاوضات الجادة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، أفضت في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاقية نيفاشا برعاية أميركية. وفي ظل إدراك واشنطن أن انفصال الجنوب واقع لا محالة، تركزت الجهود الأميركية بعد توقيع اتفاقية السلام على تقديم المساعدات المالية لحكومة جنوب السودان، لتمكينها من إرساء البنية التحتية الضرورية لصمودها كدولة مستقلة بعد انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاقية السلام.
بالنسبة للحركة الشعبية لتحرير السودان المسيطرة على الجنوب، والمطالب الأول بإنفصاله عن الشمال. فقد سبق وأن كانت هذه الحركة من المؤمنين بخيار الوحدة، وذلك في عهد زعيمها جون قرنق. أما بعد رحيل قرنق، تحديداً بعد فترة قصيرة من توقيع اتفاق السلام عام 2005م، بدأت الحركة بالمجاهرة بخيار الإنفصال. وينسب المحللون تبني قرنق لخيار الوحدة استناداً لعقيدة تهدف لتحديد هوية مفقودة للسودان المتنوع دينياً وعرقياً وثقافياً.
على أبواب الإستفتاء، الذي يعتقد معظم المراقبون أن يؤدي إلى إعلان الجنوب كدولة مستقلة عن الشمال، تبرز الكثير من الأسئلة والهواجس عن تبعات الإنفصال بالنسبة للجنوب أو للدول المجاورة. يرى دكتور العلاقات الدولية غسان العزّي أن للإنفصال تبعاته السلبية على الجنوب، الذي يعتبر دولة هشة بلا نظام حكم واضح وبموزاييك قبلي متصارع في ما بينه منذ زمن. لذا يرجح الدكتور العزّي في حديث لموقع قناة المنار ان اندلاع نوع من الحروب القبلية تدفع بواشنطن والمجتمع الغربي للتدخل بإرسال قوات حفظ للسلام. من هنا يشير العزّي في حديثه، إلى قيام واشنطن وكذلك كيان العدو بالتسلل إلى الجنوب خلف المظلة الدولية وذلك للسيطرة على ثروات الجنوب الضخمة المتمثلة بالثروة الزراعية والحيوانية والبترول واليورانيوم والثروة المعدنية، ويلفت الدكتور في العلاقات الدولية، إلى إمكانية قيام واشنطن بمساومة الرئيس السوداني عمر البشير على القبول بالإنفصال مقابل إلغاء مفاعيل المحكمة الدولية التي تتهم البشير بارتكاب جرائم حرب.
أما بالنسبة لتأثير الإنفصال على دول الجوار، فيقول العزّي،"عندما يستيقظ مارد الإنفصال في دولة ما، قد يمثل خطوة أولى لانفصالات أخرى"، موضحاً أن نجاح الإنفصال قد يشجع حركات انفصالية أخرى في أنحاء مختلفة من العالم إلى المطالبة بالإنفصال أسوة بالسودان.
العد العكسي السوداني بدأ، الجنوب يتحضر لحقبة جديدة. خلال فترة النضال الإنفصالي حرصت القبائل الجنوبية اللامتحابة على التركيز على مطلبها المشترك، أما ما بعد الإنفصال فثورة لنار كانت راقدة تحت الرماد. فمن المرجح أن يكون الإنفصال بداية عودة للصراع بين القبائل النيلية (الدينكا، النوير، والشلك)، من جهة وبين القبائل الإستوائية من جهة ثانية. سيما أن بعض القبائل الجنوبية تشعر بالتهميش بسبب النفوذ الكبير لقبيلة الدينكا.