كان اليمن كله خارج السياسة وخارج الثقافة وخارج الحضارة وقطعة قات تلوكها الأفواه وعسكراً متخلفاً وعشائر تعيش في الماضي
ناصر قنديل
كان اليمن كله خارج السياسة وخارج الثقافة وخارج الحضارة وقطعة قات تلوكها الأفواه وعسكراً متخلفاً وعشائر تعيش في الماضي، بنظر ما يسمى بالمثقفين العرب، والمقصود كتاب الأعمدة الرئيسية في الصحف العربية الكبرى ومقدمو البرامج السياسية الأوسع انتشاراً، والذين يرتبطون بدرجة أو بأخرى بنمط من الثقافة تختصرها مجموعة سرياليات لا يفسرها إلا مقدس واحد اسمه المال السعودي، فهذه الثقافة تحمل راية الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية عندما يجري الحديث عن سورية، فتحضر مظلومية شعب تاق لثورة الحرية بوجه نظام ديكتاتوري، وفجأة يصير الشعب طائفة تريد تغيير وجه الخليج لحساب إيران عندما يتحرك في البحرين، على رغم سلميته، وتمثيله الصارخ للغالبية، والطبيعة الثابتة للنظام الحاكم كحالة من التخلف والتبعية، وهي ذات الثقافة التي تتحدث عن الشعب الفلسطيني بعين السلطة حيث كل مقاومة مغامرة، حتى صارت «حماس» في موقع مختلف عن سورية وحزب الله، صارت زيارة غزة حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً برعاية قطر أو أنقرة، فالمهم أن يكون الراعي من حلف الأطلسي فيبقى الكلام تحت سقف المقبول الأميركي، ولما تصير المقاومة لبنانية، تفقد قضيتها لأنها تقاتل في سورية، كأن هؤلاء أنصفوها قبل ذلك ولم ينضمّوا إلى صراخ اتهامها بالمغامرة والدولة ضمن الدولة، ولم يصنّفوا سلاحها بحروب الآخرين على «أرضنا»، التي لا تعود أرضنا عندما تستبيحها «النصرة»، فهنا يصير الشعب السوري، ولا يعود الشعب السوري هو نفسه موضع العطف، عندما يخرج بعشرات الألوف متظاهراً في يوم الانتخابات الرئاسية ليمنح صوته للرئيس بشار الأسد، فيصير الشعار «ما دمتم تحبونه فعودوا إليه»، وتبدأ من هنا الحملة ضدّ الفائض الديمغرافي السوري وليس من كثافة النزوح، وهذه الثقافة تتحدث عن العقلانية العربية التي تحتاج حكماً يراعي خصوصيات التقاليد العربية والإسلامية، عندما تتناول الحكم السعودي البلا دستور وبلا انتخابات، فيصير رمز العقلانية والخصوصية حكم المثقف الكبير حكيم حكماء العرب، الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي لم يحسن قراءة آية قرآنية بصورة صحيحة وهي آية من ست كلمات فقط.
ثقافة الصيف والشتاء على سطح واحد والمعايير غب الطلب، للمواءمة مع الإرضاء والاسترضاء تشتغل كسيمفونية واحدة، ففجأة يكون البرنامج عن المرأة في مصر ويحضر حزب الله، أو يكون المقال عن مياه النيل وتحضر إيران، ويكون عن القدس فتدخل سورية وتصير هي الموضوع، وبتوقيت واحد وعبارات مكرّرة يتجانس أصحاب الحملات من مواقعهم ومنابرهم المختلفة.
فجأة صار اليمن في واجهة الحدث وصارت فيه مناطق استراتيجية، وصار فيه حراك سياسي بين الاعتدال والتطرف، وهو ما لم يكن يستحق العناية طوال فترة ازدهار نشاط «القاعدة»، وفجأة صارت صنعاء أم العواصم العربية، وصار هناك علمانيون في حكم اليمن ودعاة إصلاح وورثة ثورة، يمثلهم من يرضى عنه حكيم حكماء العرب، فطالما حاز اليمن المكرمة الملكية بتنصيب عبد ربه منصور هادي رئيساً، لماذا يتنطح بعض اليمنيين للاعتراض وطرح المطالب، فهم إذن متطرفون، وراءهم إيران وسورية وحزب الله.
التعليمة اليوم اهجموا على الحوثيين، فبرنامج حوار سياسي عن لبنان يجب أن يلاقي محط رجل لتذكر اليمن وتلبية الرغبة الملكية، وعمود صحافي عن «داعش» يخترع سبباً للتشبيه بين رجالها وقساوة قلوبهم على قبائل العراق وقساوة قلوب الحوثيين في معاملة قبائل العرب الأقحاح، ومن مع الحوثيين من قبائل ليسوا إلا مرتزقة جرى شراؤهم بالمال، أما من يبايعون حكيم الحكماء فقد اقتنعوا بنظرياته عن علم الفلك أو الطب النووي.
الحوثيون يقلقونهم كما أقلقهم حزب الله وكما أقلقهم الجنرال عون وكما أقلقهم بشار الأسد، والأميركيون أسياد لعبة الملك الحكيم يعرفون ما يريدون فيقسمون العرب قسمين، من تمكن إدارته ومن يقع خارج نطاق السيطرة، والذين خارج السيطرة قسمان، من يمكن توقع ردود أفعاله ومن لا يمكن توقع ردود أفعاله، ومن يمكن توقع ردود أفعالهم قسمان، من يمكن استيعاب ردود أفعاله ومن لا يمكن استيعابها.
الثقافة العربية للأسف ومعها الكثير من الحبر العربي وللأسف ضجيج الكلام العربي، ما يقع خارج دائرة الاهتمام لأنه تحت السيطرة ومعروفة ردود أفعاله ولا تخرج عن دائرة الاستيعاب، الكلام لهنري كيسنجر.
http://al-binaa.com/albinaa/?article=19367
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه