22-11-2024 08:43 PM بتوقيت القدس المحتلة

الإرهاب العالمي والإعلام الأوروبي

الإرهاب العالمي والإعلام الأوروبي

السؤال الملح هو: هل يعتبر مخططو السياسات الإعلامية في أوروبا أنفسهم جزءاً من المعركة أم أنهم قرروا الاكتفاء بالبقاء على هامشها؟

الخطوات التي بدأتها الدول الأوروبية لمكافحة الإرهاب اتّخذت مسلكين: الأول عبارة عن خطة جماعية وضعها المختصون بمكافحة الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي، والثاني تمثل بإجراءات وطنية خاصة بكل دولة.

حسن م. عبد الله / جريدة السفير

الإرهاب العالمي والإعلام الأوروبيومهما كانت قناعات الأوروبيين بفعالية هذه التوجهات، إلا أن الملاحظ هو عدم انتباه المسؤولين عن ملف مكافحة الإرهاب الى أن نصف المعركة في مواجهة الظاهرة الخطيرة التي تقرع أبواب أوروبا وأروقتها هي معركة الإعلام.

بعض خِطط دول الاتحاد الأوروبي تضمنت محاور للعمل تتعلق بضرورات الوقاية الاجتماعية ومخاطبة الناشئة والبيئات المستهدفة بالفكر الإرهابي والتطرف. وقد اضطرت بعض حكومات أوروبا متأخرة إلى تقديم مشاريع وقوانين لمكافحة نمو الشبكات الإرهابية وما يدور في فلكها، من جمعيات وتنظيمات للتمويل والتجنيد والتحريض، كبريطانيا وفرنسا.

والأخيرة تقدمت حكومتها مؤخراً بمشروع قانون لمكافحة الإرهاب، ناقشه البرلمان ويُنْتَظر أن يناقشه في مجلس الشيوخ، وسط انقسام حول الموقف منه، حيث إنه ينص في مادته التاسعة، الأكثر حساسية، على معاقبة من يبث رسائل التحريض على الجهاد وتجنيد مقاتلين محتملين عبر الإنترنت، بسبع سنوات سجناً. كذلك يسمح بحجب بعض المواقع، وقد بلغ عددها 160 تلك التي أعلن عنها في 2013.

ويقدم مهلة 24 ساعة إلى المحرر والمضيف، للسماح لهم بإزالة المحتوى بأنفسهم قبل حجب الموقع. وبرغم أن ذلك يسهم في المكافحة المرتجاة للإرهاب، إلا اننا لم نلحظ ترجمة ناشطة لهذه السياسات والخطط، لا سيما في شبكات البرامج التي تبثها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة.

بداية، تمتلك معظم الدول الأوروبية وسائل إعلام متطورة وفعالة، بعضها يخصص محطات تلفزة وإذاعات ناطقة باللغة العربية. إلا ان من يراقب عن كثب البرامج الإخبارية والثقافية والاجتماعية لوسائل الإعلام هذه، خصوصا الناطقة بالعربية منها، يستنتج أن صدى مكافحة الإرهاب والتطرف لا يُسمع بقوة لدى مخططي السياسات الإعلامية.

نشير إلى ان محطات تلفزة وإذاعة عريقة مثل "بي . بي. سي" البريطانية و"يورو نيوز" الأوروبية و"مونت كارلو" و"فرانس 24" الفرنسيتين و"دويتشه فيله" الألمانية، تبث عبر لغات متعددة منها العربية، وتُعتبر الأكثر تأثيرا في الرأي العام الغربي وبعض الرأي العام العربي في الغرب على وجه الخصوص. هذه المحطات لم تنسج، حتى الآن، خططا إعلامية محددة وواضحة وفعالة لمكافحة الإرهاب على المستويات السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية. يحصل هذا فيما التطرف والإرهاب وضع على أجندته المعركة الإعلامية كأولوية، وأنشأ لهذا الهدف مئات الأدوات على الفضاء الافتراضي، وآخرها محطة تلفزيون خاصة بتنظيم «داعش»، لترويج أخباره وسياساته وأفكاره، ولبثها لأوسع شريحة ممكنة إسلامية وعربية وغربية.

فيما لا تزال وسائل الإعلام الغربية تقتصر في التعامل مع قضية الإرهاب، بفروعها المختلفة وتداعياتها الهائلة، على متابعة خبرية تتراوح بين المعلومة المتلقاة والريبورتاج الميداني، ضمن نشرات إخبارية تستضيف محللين سياسيين ومختصين بشؤون الإرهاب وسوى ذلك من أنماط الإعلام البارد. ولم يُلحظ حتى الآن تحول جوهري يتناسب مع التحدي الذي فرضته التنظيمات الإرهابية على مستوى الإعلام والوعي.

صحيح أن لأوروبا أزماتها الداخلية التي تفرض أولوياتها على برامج الإعلام، غير أن من يستمع إلى رؤساء حكومات ووزراء داخلية ودفاع فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا في تعبيرهم عن خطر الإرهاب ومستوى التهديد الإستراتيجي الذي يمثله، يفاجأ بأن برامج وخطط وسائلهم الإعلامية فارغة تقريبا من تعديلات تلحظ نشرات يومية وملفات كاملة وبرامج أسبوعية أو شهرية يكون الإرهاب فيها موضوعا رئيسيا للبحث والتحليل والنقاش والاستشراف والتوعية.

ربما يكون الاعتراف الأوروبي المتأخر بحقيقة وخطر الإرهاب والتطرف هو المسؤول عن عدم وصول صدى المذبحة التي تدور في المشرق على يد أخطر التنظيمات الإرهابية، إلى المشرفين على غرف التحرير ومنسقي البرامج. إلا أن ذلك لا يعفي المسؤولين المباشرين عن وسائل الإعلام الأوروبية من مسؤولية تستوجب الانتقال من موقع توصيف ما يجري ومواكبته بالطرق التقليدية إلى مرحلة تبني قضية مواجهة الإرهاب والتطرف بكل ما يتوافر من مساحات مرئية ومسموعة ومقروءة.

الإرهاب العالمي والإعلام الأوروبيالمهتمون بما يجري في المشرق من غربيين وعرب في أوروبا، ومن يتابع منهم تطور الحرب على الإرهاب خصوصاً، يظهرون ذهولا إزاء استنكاف وسائل الإعلام الأوروبية عن الاهتمام بمواجهة الإرهاب والتطرف. أحد العاملين في إذاعة أوروبية ناطقة بلغات عدة (فضل عدم كشف اسمه) يرى أن مشكلة بنيوية تضرب الإعلام كما السياسة في أوروبا.

ويقول إنه إذا كانت الحكومات الأوروبية قد تجاهلت خطر التنظيمات الإرهابية منذ نشوئها في سوريا والعراق وانساقت وراء وهم استخدام تأثيرها ودورها في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية، فلا مفاجأة في أن تسلك وسائل إعلامها أو تلك المستقلة السلوك نفسه، فلا تقيم وزناً لهذا الخطر، وبالتالي لا تفرض على أجندتها استنفارا إعلاميا يتناسب حجمه.

السؤال الملح هو: هل يعتبر مخططو السياسات الإعلامية في أوروبا أنفسهم جزءاً من المعركة أم أنهم قرروا الاكتفاء بالبقاء على هامشها؟ ومع انخراط عديد من الدول الأوروبية في الحلف الدولي ضد الإرهاب، هل تشهد محطات التلفزة والإذاعة وغيرها من وسائل إعلامية أوروبية استنفارا في برامجها ونشراتها وفترات بثها، تتلاءم والحدث العالمي الذي فرضته الأصوليات المتوحشة ورعاتها؟ وإذا كان في الاتحاد الأوروبي جهاز خاص لمكافحة الإرهاب، فلماذا لا يفكر مسؤولو قطاع الإعلام في الاتحاد بإنشاء وحدة إعلامية لتضع البرامج والخطط، ولتوجّه العمل الإعلامي في ميادينه كافة؟..