وعاظ السلاطين هم أيضا من ألد أعداء الحسين (ع)، ولا فرق بين من كان يعيش في ظل حكم بني أمية ومن يعيش اليوم في ظل حكم الطغاة، بالأمس أفتى الفقيه المالكي ابن العربي بفتوى رأى فيها الحسين (ع)قُتل بسيف جده لأنه خرج على إمام زمانه..!!
المتناقضان لا يجتمعان ، حقيقة بديهية ، فلا يمكن أن يجتمع النور والظلام ، ولا العدل والظلم ، ولا التقوى والتهتك ، ولا الكرم والبخل ، ولا الكبرياء والخسة ، ولا العنفوان والضعة ، ولا الرفعة والدناءة ، ولا البطولة والجبن ، ولا الأصلاب الشامخة واللقطاء ، ولا الإيمان والكفر، ولا ثورة كربلاء والإستبداد ، ولا الإمام الحسين(ع) والطغاة.
مخطئ من يظن أن ثورة الحسين (عليه السلام) ، هي جزء من الماضي ، وحدث أكل عليه الدهر وشرب ، وأن من العبث إحياء ذكرى هذه الثورة ورموزها كل عام ، من باب أن تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
إن الحسين (ع) ، ليس اسما لحفيد سيد الكائنات المصطفى محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فقط ، ولا هو اسم لحفيد زوج الرسول الأكرم (ص) خديجة الكبرى (ع) فقط ، ولا هو اسم لابن الزهراء البتول (ع) بضعة الرسول (ص) فقط ، ولا هو اسم لابن أمير المؤمنين يعسوب الدين أسد الله الغالب الإمام علي بن ابي طالب (ع) فقط، ولا هو اسم لشقيق الإمام الحسن المجتبى (ع) فقط، ولا هو اسم لشقيق بطلة كربلاء عقيلة بني هاشم زينب الكبرى(ع) فقط ، فالحسين (ع) عقيدة ومبدأ وموقف ومنار ولواء وفكرة ومدرسة وثورة لا تعرف المكان ولا الزمان ، فهي على امتداد المكان والزمان ، فكل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء.
التعاليم والمبادىء الاسلامية السامية التي تربّى عليها لإامام الحسين (ع) في البيت المحمدي العلوي الفاطمي ، الذي أذهب الله الرجس عن ساكنيه ، جعلت من حفيد محمد (ص) تجسيدا حيا للاسلام المحمدي الأصيل ، وهذا التجسيد العملي حوًله إلى صرخة مدوية أبدية في وجه الظلم والظالمين والطغاة والمستبدين ، فنال الحسين و ذكرى الحسين وعاشوراء الحسين وكربلاء الحسين وثورة الحسين وأتباع الحسين وأنصار الحسين ومحبي الحسين ، على يد الطغاة ، على مدى ألف وأربعمائة عام ، كل صنوف القتل والتعذيب والتنكيل والتشريد والتحريف والطمس ، فكم مرة سوى الطغاة ضريحه الطاهر بالأرض، ولكن الحسين هو الذي طمس كل الطغاة والمستبدين والظالمين ، وبقي ضريحه قبلة لعشاق الحق والحقيقة ، والمتبرمين من الظلم والفساد والقهر والاستبداد ، ومنارا ينير درب الأحرار في كل عصر ومصر.
الخوف من الحسين (ع) كابوس ينغّص على الطغاة حياتهم، فأما أن تكون مع الحسين فأنت حر أبي ، وأما أن تكون ضد الحسين فأنت عبد ذليل أو طاغ عنيد ، لا مكان بين الاثنين ، إما مع الحسين وإما مع الطغاة والاذلاء وعبدة الدنيا ، فالحسين قسيم الحق والباطل ، فهو وأخوه الحسن إمامان قاما أو قعدا ، بنص صريح من جدهم محمد الأمين (ص) ، لذا فالذين يبغضون الحسين من الطغاة ، وعلى مدى قرن وأربعمائة عام ، هم صنف واحد من البشر قديما وحديثا ، فهم من أمثال يزيد و صدام ، والحجاج والزرقاوي ، والخوارج و "الدواعش" ، وبنو أمية والوهابية ، كما هو الحسين حقيقة واحدة فإن أعداءه كذلك أيضا.
أما وعاظ السلاطين والنواصب وعبيد الدنيا ، فهم أيضا من ألد أعداء الحسين (ع) ، ولا فرق بين من كان يعيش في ظل حكم بني أمية ومن يعيش اليوم في ظل حكم الطغاة ، بالأمس أفتى الفقيه المالكي ابن العربي بفتوى رأى فيها الحسين (ع) قُتل بسيف جده لأنه خرج على إمام زمانه ، والإمام عند ابن العربي هو يزيد !!، واليوم يخرج على الناس مفتي السعودية الوهابي عبدالعزيز أل الشيخ ويفتي بشرعية بيعة يزيد ويقول :"إن الحسين غير مصيب لأنه عارض يزيد .. وإن أهل السنة متفقين على الذي اجتمع الناس عليه بالبيعه وجب على الناس السمع والطاعه وحرم الخروج عليه والحسين لم يلتزم بهذا فقُتل .. من الواجب على الحسين بيعة يزيد لكن الحسين غرر به و لم يبايع يزيد".
فتوى أال الشيخ جاءت في إطار برنامج تلفزيوني بث على قناة "المجد" الفضائية الوهابية ، وكان يجيب على سؤال وجهته له سيدة ، وعندما قالت السائله للشيخ هل من الممكن أن ترشدني لكتاب اقرأه عن الحسين (رضي الله عنه) فقال لها "لا ننصحك بقراءة ماجرى عليه ، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. وفي ختام كلامه قال مفتی السعودیة : نسأل الله أن يعفو عن الحسين.
لسنا هنا بصدد ذكر ما أنزل يزيد بالإسلام والمسلمين من الكوارث ، وندعو القارىء ليتصفّح أي كتاب أُرخ لحكم يزيد، عندها سيُصدم بما اقترفه من جرائم يندى لها جبين الانسانية بحق المسلمين ، وصحابة رسول (ص) ومكة والمدينة ، وهي جرائم ما زالت الأمة الإسلامية تدفع ثمنها إلى اليوم.
الشعوب الحية في العالم ، والتي لها مساهمات في بناء الصرح الحضاري للانسانية ، ما كانت ليكون لها مثل هذا الدور لولا هدي عظمائها ورموزها ، وفقدان مثل هؤلاء العظماء والرموز ، في التاريخ العربي والإسلامي ، هو سبب الإنتكاسة الحضارية التي مني بها العرب والمسلمون ، لماذا؟ لأن طغاتهم يخشون الحسين ، فالحسين يقض مضاجعهم ، لذلك يحاولون طمسه وطمس الرموز الحقيقية التي تجسد خير تجسيد تعاليم الإسلام العظيم ، بينما على العكس من ذلك يبرزون الظالمين والفاسدين والمجرمين ، لشرعنة حكمهم وظلمهم ، فمن هذا العمى وهذا الظلال خرجت "داعش" وإخواتها اليوم ، ومن هذا المسخ التاريخي الممنهج للشخصية الإسلامية على يد الطغاة ، يخرج علينا أحد خريجي مدرسة الوهابية في القرن الحادي والعشرين ليأسف لعدم مشاركته في قتل الحسين (ع) .