إن انكفاء أو نأي علم الكلام عن القيام بهذه المهمة المزدوجة: التجديدية والرصدية، أدى في نهاية الأمر إلى انكفاء الإسلام نفسه عن التأثير المطلوب والتغيير المرجو في واقع الأمة
صدر حديثاً كتاب تحت عنوان: "مفاهيم ومعتقدات – بين الحقيقة والوهم" لحسين الخشن، (دار الانتشار العربي، ط.أ 2014).
حسن حمود/ خاص
يحوي الكتاب عدّة مفردات منها: "في القواع العامة"، "التنبّؤات الفلكية واستطلاع المغيّبات"، "نحوسة الأيام وسعودتها"، "التشاؤم: عادة جاهلية رفضها الإسلام"، "مفهوم الحظ في الميزان الإسلامي"، "الإصابة بالعين بين الحقيقة والخرافة"، "التداوي بالقرآن والأحراز و"الطب النبوي"". وتحت المجهر: قراءة نقدية في مفاهيم وسلوكيات ومعتقدات"، "الاستخارة.. في ميزان العقل والشرع"، "الوسوسة بين العلم والدين"، "دور الرؤيا والأحلام في الثقافة الإسلامية"، "زواج القاصرات"، "ذريّة الرسول(ص) الخيط الرفيع بين المحبة والطبقية"، "الكرامات والخرافات"، "هل أرسل النبي(ص) إلى الجن؟"، "الدعاء وسيلة ضعف أم قوة"، "نظرة إسلامية حول ظاهرة الأمثال الشعبية".
وجاء في التمهيد بقلم المؤلّف حسين الخشن: إن الوظيفة التقليدية التي رُسمت لعلم الكلام هي قيامه بتأصيل العقائد الإسلامية وتصحيح الانحراف العقدي والوقوف بوجه كل محاولات التشويه والتحريف المقصودة أو غير المقصودة، هذا التحريف أو الانحراف الذي أصاب الرسالات السماوية بأجمعها، وأساء – بمرور الوقت – إلى نقاء بعض المفاهيم الدينية وعكّر صفوها.
فالجمود الذي أصاب علم الكلام قروناً طويلة، لم يفقد هذا العلم – فيما نعتقد – حيويته الاجتهادية وقدرته الذاتية على التجدد شكلاً ومضموناً وحسب، بل أضعف وظيفته الأساسية في الرصد المستمر والعمل على حياطة الدين بمنع تسلل المفاهيم الدخيلة أو اجتياح الأفكار المشوهة، وغربلتها وتصحيحها، ووضع الحدود الفاصلة بين الحقائق والأوهام، والمقدس والنسبي، والثابت والمتغير.
إن انكفاء أو نأي علم الكلام عن القيام بهذه المهمة المزدوجة: التجديدية والرصدية، أدى في نهاية الأمر إلى انكفاء الإسلام نفسه عن التأثير المطلوب والتغيير المرجو في واقع الأمة، وفسح في المجال أمام أمرين خطيرين وهما: 1 – غزو الفكر الآخر، واجتياحه قطاعات واسعة من أبناء الأمة. 2 – انبعاث الفكر السلفي المتحجّر محمّلاً ومعبّأ بكل هموم الماضي ومشاغله.
إن هذه الاعتقادات أو الطقوس أو "الشعائر" التي سوف نتناولها بالبحث والدراسة هنا تضم مفردات من قبيل: التنبّؤات الفلكية، نحوسة الأيام، التشاؤم أو الطِّيَرة، الرّقى والأحراز، الإصابة بالعين، الحظ والنصيب، إلى غير ذلك من المفردات التي ينتشر الاعتقاد بها في مختلف الأوساط الشعبية وغير الشعبية على امتداد العالمين العربي الإسلامي، بل في كل أنحاء العالم، ويحاول الكثيرون إضفاء طابع ديني عليها.
والسؤال الذي يواجهنا: ما هو الموقف من هذه المعتقدات؟ هل لها واقعية وصدقية، أم أنها مجرّد أوهام وخرافات؟ هل يؤيدها العلم ويقرّها الدين؟ هل نؤمن بها ونرتّب الآثار عليها ونتحرك في ضوئها، أم ننكرها ونرفضها، ونحاصر الأشخاص الذين يأخذون بها ونقاطعهم؟
ولأن الدين لا يزال يمتلك هذا الحضور والتأثير في النفوس، فقد كان ولا يزال الأكثر عرضة للتشويه والتحريف، والاستغلال والتوظيف، ولسنا نبالغ في القول: إن أخطر التحريف التي تعرض لها الدين كانت على أيدي بعض المتديّنين أنفسهم، سواء أَمِنَ الجهلة المتنسِّكين ذوي النيات الحسنة كانوا، أو من العلماء المتهتكين المداهنين، هذا ناهيك بالتجار المخادعين الذين يعتاشون على جهل الناس واستغلال مشاعرهم الدينية.
ومن هنا كانت الحاجة الملحة إلى وجود المصلحين الديّنيين الذين يعملون باستمرار ودون كلال أو ملل على رصد الانحراف في المجال الديني، فيحركوا راكداً هنا، أو يثيروا ساكناً هناك قد ألفه الناس واعتادوه واعتقدوه ديناً، أو أن يصدموا الوجدان العام في قول كلمة الحق، أو يحفروا في الموروث بغية إزالة التكلّس الذي علق بصورة الإسلام بفعل تراكم السنين وتشابك المصالح.