كثرت الدراسات التحليلية التي تناولت مواقف حكومة العدالة والتنمية في أنقرة، وذهبت بعض الآراء إلى تصوير أردوغان بمظهر المتمرد على قرارات واشنطن، في حين ذهب قسم آخر إلى رسم سيناريوهات محتملة تحكم تداعيات الأحداث
حسن احمد حسن
كثرت الدراسات التحليلية التي تناولت مواقف حكومة العدالة والتنمية في أنقرة، وذهبت بعض الآراء إلى تصوير أردوغان بمظهر المتمرد على قرارات واشنطن، في حين ذهب قسم آخر إلى رسم سيناريوهات محتملة تحكم تداعيات الأحداث بعد تفسخ حلف واشنطن، وكأن تركيا أو مشيخات النفط والغاز تحولت إلى ندٍّ للولايات المتحدة الأمريكية، والأمر ذاته ينطبق على داعش التي سوقوها وكأنها ظاهرة قائمة بذاتها وتستطيع أن تسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب.
وبعيداً عن تفنيد هذه المقولات كان هناك رأي آخر يتحدث عن توزيع للأدوار وإسناد للمهام من قبل المايسترو الأمريكي والتزام بقية الحلفاء والأزلام والأدوات بالبوصلة الأمريكية التي تتخذ من مصالح الكيان الصهيوني شمالاً مغناطيسياً لا تستطيع الاتجاه بعكسه، فلا تناقضات جوهرية بل تكامل في أداء أدوار محددة بشكل مسبق.
وهذا ما أكدته بوضوح وصراحة وبشكل مباشر الناطقة باسم الخارجية الأمريكية /جين بساكي/ التي دعت إلى عدم تصديق ما تناقلته صحيفة الواشنطن بوست عن علاقات واشنطن مع أنقرة، وقالت: «لا تصدقوا كل ما تتناقله الصحف، لأن تركيا ليست حليفاً لنا في حلف شمال الأطلسي فحسب، وإنما شريك في عمليات إضعاف، وإنهاء تنظيم داعش، ونحن نعمل معا في سلسة من الموضوعات المشتركة»، وأكدت أن بلادها تجري «حوارات فعالة مع المسؤولين الأتراك حول عدد من القضايا الهامة، ولاسيما بشأن الخطوات المستقبلية «.
وقراءة المكتوب بين السطور في تصريحات بساكي وما نشرته الصحيفة الأميركية يؤكد أن الاستهداف الممنهج للدولة السورية لم يتوقف ولم تنخفض وتيرته، وكل ما يتم تسويقه تحت مسميات وعناوين مختلفة لا يخرج عن كونه سيناريوهات احتياطية يتم استحضارها بعد التيقن من استحالة تحقيق ما سبقها من سيناريوهات، وجميعها تصب في خدمة الهدف الصهيو ـ أمريكي المحوري، وهو تفتيت المنطقة إن أمكن، وهدم البنى السياسية وإعادة تركيبها بما ينسجم ومصالح الغرب الأطلسي بقيادة واشنطن.
لكن الأمنيات والأهداف في واد والقدرة على تنفيذها في واد آخر، فوقائع الميدان تفرض على كل الأطراف أخذها بالحسبان، وهذه الوقائع والحقائق تؤكد أن عوامل صمود الدولة السورية وروافع قوتها الذاتية والموضوعية في نمو وازدياد، الأمر الذي أصاب أردوغان وزبانيته بالهستيريا، فارتفع صراخهم وتساقطت بقايا الأقنعة الممزقة التي كانوا يخفون وراءها وجوههم القبيحة وأدوارهم العدوانية عبر الرعاية التركية والخليجية المباشرة لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ، وما لم يتم الانطلاق من هذه الحقيقة ستبقى كل التفسيرات التي يتم تقديمها عرجاء وغير مقنعة.
فمن غير المعقول أن تقوم أمريكا أو أي دولة أخرى بتدمير قاطرة مشروعها الاستراتيجي الذي تعمل بكل إمكانياتها على تقدمه وإزالة كل ما يقف في طريقه من عقبات وعوائق، وفي حال التيقن من العجز عن التقدم تنصب الجهود على التراجع بأقل خسائر ممكنة، ولضمان التراجع الآمن لا بد من الاستعانة بالكثير من القنابل الدخانية لحجب الأبصار عن حقيقة ما يجري، وقد تتم الاستعانة بالدفاتر القديمة لعل فيها ما يمكن استثماره عملاً بالمثل الشامي المعروف: «التاجر المفلس يعود إلى دفاتره القديمة» وهذا هو حال أردوغان وأعوانه وأنصاره ، فكل ما تطرحه حكومة حزب العدالة والتنمية في جوهره لا يخرج عن كونه طروحات قديمة ثبت عقمها واستحالة تنفيذها، ولو كان لدى إدارة أوباما أي بصيص أمل بإمكانية المضي بأي من هذه السيناريوهات لما ترددت لحظة واحدة.
والجميع يتذكر كيف توجهت البوارج والأساطيل الأمريكية إلى مياه المتوسط وعادت أدراجها بعد أن تم تأمين سلم مئوي الدرجات لإنزال أوباما عن الشجرة العالية التي تسلقها، وها نحن اليوم أمام حماقة أردوغان الكفيلة ـ في حال استمرارها ـ بضمان سقوطه في أي لحظة من أعالي شجرة لا تحتمل أي وزن إضافي، ولا يستبعد أن يكون أردوغان وحزبه الحاكم الأضحية الجديدة التي تحتاجها إدارة أوباما لضمان الاستدارة الآمنة، في وقت يكون العالم مشغولاً بدق عنق أردوغان وأوغلو جراء سقوطهما الحتمي بعد تكسر ما تبقى من أغصان يابسة في شجرة أوهام السلطنة العثمانية البائدة.
إن قراءة متأنية لمجريات الأحداث في عين العرب والمواقف التركية المعلنة كفيلة بتوضيح ما خفي من أهداف هذا التصعيد الجديد والخطير، و لتوضيح ذلك من المفيد التوقف عند عدد من النقاط، ومنها:
1- إدخال العشرات من عناصر البشمركة وإرهابيي ما كان يقولون عنه جيش حر لن يؤثر في مجريات المعارك، والغاية الأساسية لهذه الخطوة العدوانية هي محاولة شرعنة اختراق سيادة الدولة السورية بذريعة منع سقوط عين العرب في إطار تحالف دولي، ومن قال لأولئك أن تحالفهم شرعي أو قانوني؟ وكيف يمكن لمن يدعي مكافحة الإرهاب أن يعلن سلفاً وقوفه ضد الجيش العربي السوري الذي قدم أنموذجا للعالم في مكافحة الإرهاب، وكيفية القضاء على عصاباته على الرغم من كل ما يتم تقديمه لتلك العصابات من دعم لا محدود من الدول التي تدعي أنها تحارب داعش في التحالف الذي تقوده واشنطن.
2- إدخال العصابات الأردوغانية تحت عنوان المسلحين المعتدلين يستهدف إعادة تلك العصابات إلى الأضواء بعد أن تلاشى بريقها المصطنع جراء فقدانها لأية فاعلية أو قدرة يمكن البناء عليها، وبإعادة الروح إلى الجيفة المنتنة تتحول إلى مسمار جحا الذي تهزه أنقرة كلما طاب لها، وتعمل على تسويقهم كمنقذ للأكراد وكبديل للجيش العربي السوري من حيث القدرة على مسك الأرض التي يتم تطهيرها من داعش.
3- دخول أي عناصر مسلحة إلى أراضي دولة مستقلة من دون التنسيق معها يعني خرقاً للقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة وافتئاتاً على السيادة، ومن حق الدولة السورية الرد على هذا الخرق بكل ما تملك ووفق ما تراه مناسباً.
4- حديث حكومة أردوغان عن نيتها إرسال ألف وثلاث مئة مسلح ممن تسميهم مسلحين معتدلين هو اعتراف رسمي من أنقرة بوجود آلاف المسلحين على أراضيها، وهذا يؤكد بالدلائل القاطعة والدامغة تورط أردوغان وحزبه بسفك الدم السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، كما يؤكد تبعية أولئك الخونة للخارج، وهذا برهان ساطع على أن الإرهاب الداعشي وغيره ما كان له أن يتمدد لولا الرعاية الأردوغانية.
5- لعل من الأهداف الرئيسة وراء إدخال المسلحين إلى عين العرب من الأراضي التركية تعميق الخلاف وإحداث شروخ وانقسامات في صفوف السوريين الأكراد الذين طالبت غالبيتهم بعدم إدخال قوات أجنبية أو عصابات مسلحة تحت أي مسمى، فضلاً عن إمكانية استثمار الداخلين في شق وحدة الصف الكردي بعد تطهير عين العرب وإبقاء الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات.
باختصار شديد يمكن القول: إن هذا الفصل الجديد من المسرحية الهزيلة التي تتم منتجتها في استوديوهات هوليود لن يكتب لها النجاح، بل ستؤدي إلى نتائج عكسية فالعالم برمته رأى وتابع كيف منعت أنقرة دخول أهل عين العرب وبقية الأكراد السوريين لمواجهة داعش في عين العرب، وكيف تمددت داعش تحت نظر الجنود الأتراك وبمباركة أمريكية وتمويل خليجي، وكل ذلك لم يزد الدولة السورية إلا مزيداً من الإصرار على التمسك بأهداب السيادة الوطنية والاضطلاع بكل واجبات الدولة تجاه مواطنيها واستمرار ملاحقة العصابات الإرهابية على اختلاف مسمياتها وعلى امتداد الجغرافيا السورية إلى أن يتم القضاء على آخر إرهابي تم تجنيده وزجه في الداخل السوري، وإلى أن يأتي ذلك الوقت يؤكد السوريون استعدادهم لدفع ضريبة الكرامة والسيادة محتفظين لأنفسهم بحق التمتع بالانتصار رغم أنوف المعتدين.
http://thawra.sy/_archive.asp?FileName=84654545720141103171746
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه