25-11-2024 03:20 PM بتوقيت القدس المحتلة

تونس خزان «الجهاد».. والشباب وقوده!

تونس خزان «الجهاد».. والشباب وقوده!

تحوّلت تونس منذ أكثر من سنة إلى أرض «جهاد» بعدما سوّقت التنظيمات المتشددة أنها لا تعدو أن تكون سوى محطة «عبور»

 

حسان الفطحلي

 

تحوّلت تونس منذ أكثر من سنة إلى أرض «جهاد» بعدما سوّقت التنظيمات المتشددة أنها لا تعدو أن تكون سوى محطة «عبور». ولكن المسكوت عنه أن هذا البلد الصغير الواقع في شمال افريقيا أصبح «خزانا» يضخ أعتى المقاتلين نحو بؤر التوتر والإرهاب و«حاضنة» مثالية لتفريخ الجهاديين.

وأعلنت وزارة الدفاع التونسية، أمس، ارتفاع حصيلة الهجوم أمس الأول على حافلة عسكرية قرب الحدود الجزائرية إلى خمسة قتلى، فيما تبنت «أنصار الشريعة» المسؤولية عن الهجوم.

وخلال عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، اقتصر نشاط التنظيمات السلفية بمختلف مشاربها العلمية والحركية والجهادية على العمل في كنف السرية، فلم يعرف لها تحركات أو نشاط الا خارج حدود الوطن، إلى ان خرجت الى العلن غداة السقوط المدوّي للنظام السابق في الثورة الشعبية التاريخية، التي كانت فاتحة ما صار يعرف بـ«الربيع العربي».

 

نشأة «أنصار الشريعة»

عمل الرئيس المخلوع طيلة عقود على الحدّ من انتشار التيارات الفكرية الإسلامية، وبخاصة المتشددة منها. واعتمد في ذلك على شدة قانون مكافحة الإرهاب وبطش الجهاز الامني، فتمكن من اجتثاث هذه التنظيمات من جذورها، وكاد يجفف جميع منابعها عبر اعتقال قياداتها، والزج بأكثر من ثلاثة آلاف شاب سلفي في غياهب السجون، وفقاً لما يشير تقرير صادر عن المنظمة الحقوقية التونسية «حرية وإنصاف».

واثر سقوط نظام بن علي، اكتسبت هذه التنظيمات حرية أكبر، وانكسر حاجز الخوف لديها، فاستعادت خلاياها «النائمة» نشاطها، وبخاصة بعد الإفراج عن عدد كبير من مناصريها، في إطار العفو التشريعي العام الذي أقرته الحكومة التونسية غداة الثورة.

وعزز هؤلاء حضورهم، في موازاة عودة عدد من القيادات الجهادية التي كانت تنشط في الخارج (أوروبا وأفغانستان والعراق)، ومن أشهرهم سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض التونسي، الذي جمع من حوله عشرات الشبان المتحمسين للفكر السلفي، والمتعطشين لاقامة «دولة الخلافة» في تونس.

 

الخروج إلى العلن

وجاء تأسيس أبو عياض وعدد من القيادات «السجينة» و«المهجرية» تنظيم «أنصار الشريعة» في نيسان العام 2011، بمثابة بناء حاوية للجهاديين والمتشددين.

وبعد فترة قصيرة، اعلنت «أنصار الشريعة» ولاءها لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».

وعوّل أبو عياض في تنظيمه على الشاب سليم القنطري المكنى بأبي أيوب التونسي، وأولاه القيادة الميدانية، بينما تولى أبو أسامة الخطيب المكنى بالشيخ الخطيب الإدريسي القيادة الشرعية في التنظيم علماً بأن الاخير يتحدر من بلدة سيدي علي بن عون في محافظة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية في وسط البلاد.

بعد خروجه إلى العلن، عقد تنظيم «أنصار الشريعة» في أيار العام 2011 أول ملتقى له (اين)، وقد حضره أكثر من 15 ألف مناصر ومعظم قيادات الطيف «الجهادي التونسي».

وقتها، رفع الملتقى شعار «اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا»، وعكس ذلك رغبة ابداها التنظيم في التكيّف مع الواقع التونسي، والتغلغل في ثناياه، فوجد اهتماماً لافتاً للانتباه لدى التونسيين المتعطشين إلى اكتشاف هذه الظاهرة. كما وجد تنظيم «انصار الشريعة» في مواقع التواصل الاجتماعي مؤونة لبث دعوته ونشر أفكاره وحث التونسيين على الالتحاق بصفوفه.

ويرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية علية العلاني، في حديث إلى «السفير»، أن «انتشار الأفكار المتشددة وقبولها في الأحياء الشعبية التونسية، وبخاصة في الأوساط المحدودة التعليم والثقافة، والتي تعاني منذ عقود من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، حيث أصبحت بعض المناطق معاقلاً للتيار السلفي الجهادي، على غرار حي التضامن ودوار هيشر» في غرب تونس العاصمة.

ويشير العلاني إلى أن «قيادات هذه التنظيمات الإسلامية نجحت بسهولة في عمليات غسل الدماغ المتكررة، والتبشير بحسن الآخرة والوعود بالجنة».

ويؤكد العلاني ان تلك الأحياء، التي تعرف ثقلا وكثافة سكانية كبيرة، باتت تمثل بيئة مثالية لامتداد الظاهرة السلفية وانتشارها بين الطبقات المهمشة.

 

تحدي السلطة

شارك تنظيم «أنصار الشريعة» في تحركات واحتجاجات مناهضة لمؤسسات وأحزاب سياسية، واشتبه في تورطه في أحداث عنف وتخريب، من بينها ما عرف بـ«غزوة شارع بورقيبة» أكبر شوارع العاصمة تونس، حيث رفع التنظيم «رايات العقاب» (أعلام الخلافة) عاليا فوق «الساعة» التذكارية قبالة وزارة الداخلية التونسية، في تحد صريح للحكومة، كما اشتبه في تورطه في الهجوم على المحطة التلفزيونية الخاصة «نسمة» التي عرضت فيلم «بيرسبوليس»، الذي اعتبر «مسيئاً للرسول» في تشرين الاول العام 2011.

وفي اطار التصعيد، تمكن تنظيم «أنصار الشريعة» من عقد مؤتمره الثاني من دون ترخيص حكومي في محافظة القيروان في وسط البلاد في أيار العام 2012، اي أثناء حكم «حركة النهضة» الإسلامية. ورفع أمير التنظيم أبو عياض وقتها شعار «أسلمة مؤسسات المجتمع العلمانية»، فيما تخلل المؤتمر استعراض عضلات ببعض الرياضات القتالية.

ومنذ ذلك الوقت، تصاعد التوتر بين «انصار الشريعة» والحكومة التونسية، وخصوصاً بعد الهجوم على معرض فني المعروف بـ«العبدلية» في تموز العام 2012، وبلغ اشده خلال الهجوم على السفارة الأميركية في تونس، او ما عرف «بغزوة السفارة» غداة عرض فيلم «براءة الاسلام» الاميركي في ايلول العام 2012، وما نتج من ذلك من احراج دولي للحكومة التونسية.

وفي أيار العام 2013، حاول تنظيم «أنصار الشريعة» عقد مؤتمره الثالث، لكن الحكومة التونسية رفضت منحه الترخيص، وحالت دون إقامة الملتقى في محافظة القيروان، حيث حاصرت كل الطرق المؤدية إلى تلك المدينة. ومع ذلك، فقد تحدى «انصار الشريعة» السلطة، ونجح في القيام بتظاهرة في حي التضامن القريب من العاصمة، وبحضور زعيمه أبو عياض.

وفي سياق الاحداث الدموية التي ضربت تونس، وابرزها اغتيال السياسيين شكري بلعيد (6 شباط العام 2013)، ومحمد البراهمي (25 تموز العام 2013)، بالإضافة إلى العمليات الارهابية في جبل الشعانبي ومناطق اخرى، صنفت الحكومة التونسية «انصار الشريعة» كتنظيم «إرهابي محظور» في 27 آب العام 2013، ما دفع بالصراع الى مستوى اكثر تقدماً.

 

آلاف الجهاديين

وتتواتر الارقام حول عدد الجهاديين داخل تونس، حيث تتحدث بعض التقارير عن وجود ما بين 10 آلاف و15 الف عنصر.

وبحسب وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، فإن اجهزة الامن منعت ما يقرب من تسعة آلاف شاب وشابة من السفر الى سوريا، في حين يقدر بعض المختصين في الجماعات الإسلامية عدد المنتمين إلى التيار الجهادي داخل تونس بنحو أربعة آلاف جهادي.

وبرغم التفاوت في المعلومات، إلا ان الارقام المعلنة تعني ان ثمة «خزاناً» ممتداً للتيار الجهادي في تونس، ولا يمكن اختزاله في الخلايا النشيطة، كالمجموعة المحدودة العدد المحاصرة في غابات جبل الشعانبي في وسط غرب البلاد، والتي لا تتجاوز 100 عنصر، أو تلك المتحصنة في بعض التضاريس الجبلية الاخرى، كجبال ورغة في شمال غرب البلاد، والتي لا تتجاوز 50 عنصراً.

ويشير الامين العام المساعد في نقابة الأمن الجمهوري حبيب الراشدي، في حديث إلى «السفير»، إلى ان عدد الخلايا الإرهابية في البلاد يبلغ قرابة 420 خلية إرهابية منتشرة في 13 محافظة، لافتاً إلى ان «الإرهابيين يختارون المناطق الفقيرة والمهمشة للتغلغل فيها، والاختباء هناك، حتى تسهل عملية الهروب» في حال تمت ملاحقتهم.

وتقدر وزارة الداخلية التونسية عدد الجهاديين التونسيين الذين يقاتلون في سوريا والعراق بنحو 2500 مقاتل، معظمهم من الشباب، بينما يرتفع هذا العدد، بحسب تقارير دولية إلى ثلاثة آلاف مقاتل، 80 في المئة منهم ينتسبون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش».

وتسعى وزارة الداخلية التونسية إلى محاصرة الإرهاب وملاحقة الجهاديين عبر استباقهم، وقطع إمدادهم بالمال والسلاج، لكنها تجد صعوبات كبيرة في ذلك، نظراً إلى انتشار الخلايا الإرهابية. كذلك تسعى الحكومة التونسية الى منع وتجريم السفر للقتال في سوريا، وغيرها من الجبهات «الجهادية»، كما تبحث في سبل تتبع ومحاسبة الجهاديين العائدين من أفغانستان والعراق وسوريا.

ولكن برغم كل الاجراءات، لا شك في ان ثمة امراً واقعاً يصعب تغييره، اقله على المدى المنظور، فقد تمكن جهاديو تونس في وقت وجيز من تصدر الصفوف الأمامية لمعظم بؤر التوتر والإرهاب في مختلف أصقاع العالم، حتى أنهم احتلوا مواقع متقدمة في التنظيمات الإرهابية الدولية، ولم يعد نشاطهم مقتصراً على التنفيذ، بل أصبحوا اليوم في مراكز التخطيط والتدبير!


http://assafir.com/Article/1/382614

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه