يرى المخرج إبراهيم شمعون إن الفيلم ردّ مباشر على تساؤل كان يطرح منذ بدأت المقاومة الإسلامية تفرض انتصاراتها الساطعة عن سرّ مجتمع المقاومة الذي لا يكلّ من دفع التضحيات والشهداء، فمن يمدّه بكل هذا الشجن الإنساني ؟!
تُعرّف الثورة، أي ثورة، أنها "الإنفعال في عقول الأشخاص"، بما يؤدي لتغيّر في القيم، ومسلّمات المجتمع، أو في مؤسساته السياسية، أو هيكله الاجتماعي، أو في قياداته، أو في نشاطه الحكومي وسياساته. في حين قد يضمر هذا التغيير حين تنطفئ جذوة الثورة في المجتمع وتبطل مفاعليها فيه وينحدر إما متقهقراً إلى الوراء أو غارقاً في تداعيات نشوة النصر الغرور..
مع ثورة الإمام الحسين وهو سليل بيت خاتم الأنبياء والوحي الإلهي في العام 61 للهجرة، لا تزال جذوتها مشتعلة تتجدد مع كل ذكرى، إلا إن هذا التجدد والاشتعال كانت تتفاوت قوته ومساراته مع اختلاف الأجيال الإسلامية واختلاف العصور والأزمنة. ما يثبت أن مفاعيل الثورة وقدرتها على التغيير مناطة بالمجتمع الإنساني الذي يدرك كيفية استثمار القيم النهضوية والتقدمية لثورة الحسين (ع) ويستجلبها إلى الواقع لتصبح حالاً معاشاً في معتقداتهم وقناعاتهم يمارسونها بحبّ وترسم لهم معالم المستقبل والأمل بغد أفضل.
استحضرنا هذه المقدمة لنقول إن الفيلم الوثائقي "علّمنا الحسين"، يستقدم كل ما ورد أعلاه، مبرهناً بشفافية وروحية صافية كيف يغيّر حب الحسين ونهجه عائلة كاملة، تمثّل مجتمع المقاومة في لبنان، ويُظهر للعلن تلك المقدرات الفذة في فهم معاني ملحمة كربلاء ويستلهم قيمها الإنسانية الكبرى في أكبر عملية تغيير اجتماعية وثقافية حصلت بفعل هذه الثورة في هذا العصر تحديداً. ولا مبالغة في ذلك، وما يثبت الأمر كلمة الإمام الخميني الشهيرة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران "كل ما لدينا من عاشوراء".
في "علّمنا الحسين"، عملت "هناء قصاص"، المعدة والمحققة، على استظهار معاني النصر والعزة والإباء والتضحيات الجسام، المستلهمة من وحي عاشوراء، فبحثت عن عائلة، تجسّد في مسيرتها هذا الانتماء والسلوك. الجميل في الفيلم أنه مروى عبر شخصية الطفل "علي السجاد" الذي يحكي قصة جده المقاوم وأبيه وعمومته المجاهدين، والذين اشتهدوا تباعاً في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني، وتحديدا في حرب العام 2006، ولاحقاً في مواجهة التكفيريين في سوريا العام الماضي.
تقول هناء إن المكان قرية "الجبين"، المحاذية لفلسطين المحتلة، يحتلّ وجوداً متخيلاً ينبش عمق الذاكرة الجمعية في الجهاد ضد الكيان الصهيوني مع أب الأسرة، الذي بدأت رحلته مع المقاومة منذ العام 1982، إذ يرتبط المكان بالزمان في فيلم "علّمنا الحسين" إرتباطاً كرونولوجياً يحدّد معالم الثورة الحسينية العابرة للأزمان والأمكنة بحيث تنتقل تلك الروح النابضة بالحياة الحرة من عصر كربلاء إلى واقعنا الراهن، لتحقق النتائج الضمنية المستبطنة لمفاعيلها إذ تتحول من ممكن بالقوة إلى ممكن بالفعل مع نهوض المقاومة الإسلامية في لبنان رافعة شعار "لبيك يا حسين" في كل عام.
يرى المخرج الزميل إبراهيم شمعون إن الفيلم ردّ مباشر على تساؤل كان يطرح منذ بدأت المقاومة الإسلامية تفرض وجودها بانتصاراتها الساطعة عن سرّ مجتمع المقاومة هذا، الذي لا يكلّ من دفع التضحيات والشهداء، فأي معدن ينصبّ فيه ومن يمدّه بكل هذا الشجن الإنساني ..؟!! الفيلم يقول إننا من مدرسة أهل بيت الطهر والنبوة، من مدرسة سيد شهداء الجنة ذلك الذي خلّد التاريخ ذكراه عندما قال كلمته للأجيال "هيهات منّا الذلة".
"علّمنا الحسين" فيلم وثائقي يعلو بجماليته الفنية بين دروب قرية "الجبين" مستحضراً من عمق التاريخ الإسلامي تلك الملحمة ليروي كيف تُعاش اليوم بلغة معاصرة وأداء مغاير.
"علّمنا الحسين" : إخراج إبراهيم شمعون - تحقيق وإعداد هناء قصاص
توقيت العرض : الأحد 09-11-2014 الساعة 20.30 بتوقيت بيروت
الإعادة الأثنين 10-11-2014 الساعة 13.35 بتوقيت بيروت