25-11-2024 01:32 PM بتوقيت القدس المحتلة

اللاجئون في جرود عرسال: ألف عائلة في الصقيع

اللاجئون في جرود عرسال: ألف عائلة في الصقيع

كالعادة، يقف الجميع منتظراً وقوع الكارثة الإنسانية في عرسال. اللاجئون المقيمون في الخيم على ارتفاع يتجاوز الـ 1600 متر

 

 

 إيفا الشوفي

 

كالعادة، يقف الجميع منتظراً وقوع الكارثة الإنسانية في عرسال. اللاجئون المقيمون في الخيم على ارتفاع يتجاوز الـ 1600 متر، يعلمون أنهم سيكونون ضحايا مناخٍ قاتلٍ قريباً في ظل انسحاب مفوضية شؤون اللاجئين من البلدة منذ الاشتباكات مع الجيش في آب الفائت. التحضيرات لتجنّب الكارثة خجولة جداً، فكم طفلٍ سوري يجب ان يموت من البرد كي يتحرك «المجتمع المدني»؟

 

«تفاجأت» منظمات المجتمع الدولي السنة الماضية، بهول العاصفة «أليكسا» التي ضربت لبنان. في اليوم الأول جرفت السيول خيم اللاجئين السوريين في عرسال، تحوّلت المخيمات إلى برك مياه وخسر كثيرون أغلى ما يمكن أن يملكوه في هذا المناخ: بطانياتهم و»صوبياتهم». انتشرت صور مخيمات عرسال الغارقة في الثلج، بياضٌ كان ثقيلاً جداً وأحياناً قاتلاً، أطفال يبكون من البرد، نساءٌ يحاولن إنقاذ آخر ممتلكاتهن من الخيم التي هوت وهنّ يرددن بوجع «ذبحنا البرد وما حدا عم يتطّلع فينا».

 

لن يتغيّر المشهد هذا العام، بل على الأرجح، سيزداد سوءاً وفظاعةً، مع انسحاب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والكثير من المنظمات الدولية من عرسال بعد المعارك الأخيرة في آب. تناسى الجميع أنّ في عرسال (أيضاً) لاجئين أبرياء، معظمهم نساء وأطفال، هربوا من الموت. «سيتفاجأ» العالم مجدداً ويطلق صرخات استغاثة، سيبكي الكثيرون على معاناة الأبرياء الفقراء، لكن أياماً قليلة ستكون كافية لأن ينسى الجميع بانتظار مأساة أخرى.

يدرك الجميع ما سيحصل للاجئين في عرسال خلال فصل الشتاء لكن التحرك الجدي والفاعل غير موجود. فالأمطار التي تساقطت الأسبوع الفائت فضحت حجم التقصير والتراجع في دور المنظمات، وأثبتت ما يردده اللاجئون دائماً «لم نر من هيئات الإغاثة سوى الوعود والصور، يأتون زيارات ليلتقطوا الصور ويغادروا». دخلت السيول إلى الخيم مبللةً جميع البطانيات، انهمرت الأمطار من ثقوب الخيم، وأصبحت المخيمات عبارة عن ماء ووحل، هذا كان أول اختبار «خفيف» يواجهه اللاجئون والواضح أن عليهم ترقّب الأسوأ.

يوجد في عرسال اليوم نحو 80 ألف لاجئ سوري ينتظرون بخوف ما سيحلّ بهم في فصل الشتاء على ارتفاع يتجاوز الـ 1600 متر. أرقام المفوضية تشير إلى 41933 لاجئاً مسجّلاً و2045 شخصاً ينتظرون أن يجرى تسجيلهم، إلّا أن الجميع يؤكد أن عدداً موازياً لرقم المفوضية لم يتسجّل. يعلن اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية أن عدد المخيمات في عرسال داخل نطاق سيطرة (حواجز) الجيش بلغ 67 مخيماً تضم 4809 خيم أي نحو5000 عائلة، إضافةً إلى أكثر من 7000 عائلة تسكن بيوتاً أو مستودعات.

 

هؤلاء سيواجهون ظروف مناخية قاسية تبدأ بالسيول والبرد القارس ولا تنتهي بالثلوج، خصوصاً بعد تضرر قسم كبير من الخيم جرّاء الاشتباكات الأخيرة مع الجيش. إحصائيات «هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية» (الموجودة منذ سنة ونصف في عرسال) تبيّن تضرر 56 مخيم واحتراق 6 مخيمات بشكل كامل، ما أدّى إلى تأذي 822 خيمة بالكامل، و600 خيمة بشكل جزئي. كما أن عوامل الطقس خلال السنوات الماضية أدّت إلى اهتراء الخيم وبالتالي أصبح لا بدّ من ترميم الخيم وتوزيع خيم عوض التي احترقت.

 

تشرح المديرة الإقليمية لـ«هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية» هدى الأتاسي أن الحاجات الملحّة للاجئين اليوم هي التدفئة والمأوى، «فوضع المخيمات مأسوي إذ سيتهاوى أكثر من نصف الخيم بسبب الثلوج، وستُغرِق الأمطار المخيمات في ظل غياب إجراءات مسبقة لتجنّب هذه الأزمة».

الكارثة الكبرى سيواجهها اللاجئون الموجودون في الجرود خارج نطاق سيطرة (حواجز) الجيش. لا توجد أرقام دقيقة حول عددهم، إلا أن المعلومات تشير إلى أكثر من ألف عائلة تسكن في خيم بالية وتفتقر إلى الخدمات الإغاثية والطبية. تقول مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية لمنطقة البقاع، ليزا أبو خالد أنه «لا يمكن أن نقوم بأي شيء مع الموجودين في الجرود، فحتى عندما كنا نتواجد في عرسال لم تكن التغطية تشملهم». قبل أحداث عرسال كانت بضع منظمات تغيث اللاجئين في الجرود، لكن اليوم ممنوعٌ على أية منظمة الدخول إليهم، فهؤلاء يتم التعامل معهم دائماً من منظار أمني من دون الالتفات إلى أن هناك أطفالاً ونساء ومسنين سيموتون من البرد قريباً. تكشف مديرة البرامج في اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية جيهان القيسي عن «وجود 10 مخيمات في الجرود تعاني من وضع مأسوي».

تتضارب المعلومات بين منظمات وجمعيات الإغاثة نفسها، فمفوضية اللاجئين تعترف أنها خرجت من عرسال بسبب الأوضاع الأمنية لكنها تصرّ على أنها مستمرة في العمل عبر شركائها. بينما تؤكد منظمات أخرى أن وجود المفوضية وشركائها شبه غائب حتّى أنهم ناشدوهم «بالعودة الفورية لإغاثة اللاجئين». تؤكد الأتاسي أن «المشكلة الكبرى هي رفض المنظمات الدولية وعلى رأسها مفوضية شؤون اللاجئين الدخول إلى عرسال لأنها تعتبرها منطقة خطرة وغير آمنة». يطرح خروج المفوضية من عرسال منذ آب الماضي العديد من التساؤلات عن الدور الفعلي لهذه المنظمة في حماية اللاجئين. ترى المفوضية أن الوضع الأمني في عرسال خطير ولا يمكن أن تعرّض حياة فريقها للخطر، لكن ماذا عن اللاجئين؟ إذا كان الوضع خطيراً ألا يتوجب إخلاء المخيمات ونقل اللاجئين إلى أماكن آمنة؟

توضح ليزا أبو خالد أنه على الرغم من عدم وجود المفوضية في عرسال «إلا أننا نحاول قدر الإمكان أن نوصل المساعدات إلى اللاجئين.

تمّ توزيع 8000 شادر للخيم استفاد منها 17 ألف شخص، كذلك بدأنا بتوزيع مساعدات الشتاء منذ يومين عبر دار الفتوى وستستفيد منها 9700 عائلة أي تقريباً 87% من المسجلين». كذلك ستقوم المفوضية بتخزين كميات من الأدوية الأكثر استعمالاً في الشتاء تحسّباً لحالات قطع الطرقات بسبب العواصف. مساعدات الشتاء هي عبارة عن صوبيات، بطانيات وبونات مازوت بقيمة 100 دولار بالشهر لكل عائلة؛ هذه الكمية لا تكفي لتأمين تدفئة مناسبة قياساً على البرد القارس في عرسال خلال فصل الشتاء. كما ان هذه المساعدات وُزعت نفسها العام الفائت ولم تمنع وقوع الكارثة. لكن إذا تمكنت المفوضية من تغطية 87% من المسجلين لديها، ماذا عن اللاجئين غير المسجلين الذين يقارب عددهم الـ 40 ألفاً؟

الجمعيات والمنظمات الأخرى لا تملك حجم تمويل يضاهي إمكانات المفوضية وبالتالي فهي لن تتمكن من تغطية عدد كبير من غير المسجلين، تؤكد الأتاسي أن «نسبة كبيرة من اللاجئين لا تملك وسائل تدفئة، ومساعدات الشتاء لا تحمي بشكل كامل لكنها تؤمن البقاء على قيد الحياة». الأضرار التي لحقت بالمخيمات الأسبوع الفائت دفعت اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية إلى المطالبة بتحقيق «مع كل جهة أقامت مخيماً للاجئين في عرسال في ممر مجرى مائي شتوي ما أدى إلى طوفان المخيم ولم تقم بالتدخل لإغاثة الناس وفتح ممرات مائية لمجرى السيل بعيداً من المخيم». اعتبر الاتحاد أن ذلك جريمة بحق الإنسانية ودليل على فساد حاصل، وبالتالي على الجمعيات أن تتحمل المسؤولية.

 

مازوت لصوبيا على الغاز

قد يكون صقيع شبعا القابعة على سفح جبل الشيخ، أرحم قليلاً من عرسال. فاللاجئون الذين انخفض عددهم من 8000 إلى 7000، لا يقطنون في الخيم، إنما في بيوت ومستودعات استأجروها لتحميهم من السيول والثلوج. خلال هذا الشهر غادرت 80 عائلة بلدة شبعا عائدةً إلى سوريا، تحديداً بلدة بيت جن التي يفصلها عن شبعا جبل الشيخ. يعتبر رئيس بلدية شبعا محمد صعب أن هؤلاء غادروا بسبب عدم قدرتهم على تدبّر أمورهم في ظل تخفيف المعونات والمساعدات من قبل المنظمات. تعمل في شبعا منظمات دولية ومحلية عدّة منها مفوضية شؤون اللاجئين، الجماعة الإسلامية، تيار المستقبل... غياب التنسيق بين هذه الأطراف ينعكس على اللاجئين الذين يحصلون على صوبيات غاز ثم تأتيهم بطاقات مازوت للتدفئة!


http://www.al-akhbar.com/node/219388

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه