دق وزير البيئة الإسرائيلي عمير بيرتس، أمس، أول مسمار في نعش الحكومة الإسرائيلية الحالية بإعلان استقالته منها
حلمي موسى
دق وزير البيئة الإسرائيلي عمير بيرتس، أمس، أول مسمار في نعش الحكومة الإسرائيلية الحالية بإعلان استقالته منها. وجاءت هذه الاستقالة في ظل تنامي الخلافات السياسية بين مكونات الائتلاف الحكومي، خصوصاً على خلفية إقرار الميزانية العامة لإسرائيل. وشهدت الأيام الأخيرة تصاعد المناكفات، ليس فقط داخل الائتلاف وإنما أيضاً داخل حزب «الليكود» نفسه على أرضية قناعة بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يبني لنفسه أسس ائتلاف جديد بعد انتخابات مبكرة يعمل لإجرائها.
وقد نشب أمس شجار كلامي خلال جلسة الحكومة الأسبوعية بين بيرتس ونتنياهو، أعلن خلاله وزير البيئة أنه فور انتهاء الجلسة سيقدم استقالته. وحينها أثنى نتنياهو على قرار بيرتس، قائلا «أشكرك لأنك فهمت أن مكانك ليس حول طاولة الحكومة».
وكان الخلاف انفجر حين أعلن بيرتس، في حلقة تلفزيونية أذيعت على القناة الثانية أمس الأول، أن «نتنياهو ليس الحل، بل هو المشكلة. سأصوت ضد الميزانية، وأنا أنوي تقديم الاستقالة». وأضاف «فيما كل شيء حولنا ملتهب، رئيس الحكومة يشعل الأرض. وفي مراسم ذكرى (اسحق) رابين اختار إلهاب المشاعر وتوجيه الاتهامات، وفقط بسبب احترام المقام لم أنهض لأخرج. إن نتنياهو يقودنا إلى اليأس، وقد حان الوقت لجلب الأمل. لقد ضيع كل الفرص التي توفرت له، واختار أن يبقى أسيراً ومشلولا بيد المتطرفين».
وفي اجتماع الحكومة أمس طلب بيرتس حق الكلام، معلناً أنه ينوي الاستقالة ولن يصوت إلى جانب ميزانية وصفها بأنها «معادية اجتماعياً».
وفي الجلسة اتهم بيرتس رئيس الحكومة بأنه لا يقود، وإنما يبحث عن متهمين. وقال «في الشهور الأخيرة تحدث هزة أرضية على كل المستويات، ورئيس الحكومة بدلاً من أن يقود ويجد حلولا يبحث عن متهمين. إن دور رئيس الحكومة هو التسامي فوق كل ارتجال واحتياجات سياسية وإظهار مسؤولية تجاه الإسرائيليين». وأضاف «لا يجوز أن أسلوباً فيه أناس ذوو رؤية واسعة، ويرون أيضاً أن الحل السياسي جزء مركزي من الجهد، يتم اتهامهم بالإرهاب. لقد أدرت حرباً حازمة ضد الإرهاب، ليس أقل منك، سواء ضد حزب الله أو ضد حماس، وآمنت وسعيت لعملية سياسية كجزء من نظرية أمن شاملة».
ورد نتنياهو على بيرتس قائلا «عندكم المبادرة الوحيدة هي القفز من الجرف والتراجع. ونحن نعيش في حمى حملة تحريض إسلامية من جانب متطرفين ينكرون، ليس فقط حقوقنا في القدس وجبل الهيكل، وإنما حقنا في الوجود كشعب وأفراد». وأضاف «أنتم ترون ذلك في الشرق الأوسط، مع دول تتفكك وتسقط بيد الإسلام المتطرف الذي لا يدع مجالا لوجود إسرائيل. ولأسفنا فإن السلطة الفلسطينية برئاسة (محمود عباس) أبو مازن تشارك في ذلك، ونحن نسمع ذلك من قادة دول عربية. ومن يفترض بهم الاتحاد ضد ذلك هم أعضاء الحكومة». وأنهى نتنياهو كلامه شاكراً له فهمه أن مكانه ليس في الحكومة.
ومن المعروف أن بيرتس هو الوزير الثاني لـ«حركة» تسيبي ليفني في حكومة نتنياهو، الأمر الذي سيوجه الأنظار نحو موقف هذه الحركة من الاستقالة ومن الائتلاف. وكان بيرتس أطلع ليفني على نيته الاستقالة، لكن ليس واضحاً بعد موقفها النهائي، رغم أنها تظهر طوال الوقت خلافاً مع نتنياهو والميل العام داخل حكومته، وخصوصاً تجاه مسألتي التسوية مع الفلسطينيين والقوانين القمعية وغير الديموقراطية التي تحاول الحكومة إقرارها.
ولا يُعتقد أن استقالة بيرتس ستقود إلى هزة أرضية في الحلبة السياسية، لكنها من شبه المؤكد تشير إلى الطريق الذي تتجه فيه حكومة نتنياهو. فالخلافات تزداد عمقاً على أكثر من صعيد بين نتنياهو وحزب «هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد الذي أنشأ نوعاً من التحالف مع «حركة» ليفني. ويرى خبراء في إسرائيل أن الائتلاف الذي اضطر نتنياهو لتشكيله بعد الانتخابات السابقة يوشك على التفكك، في ظل سعي واضح من جانب نتنياهو لبلورة ائتلاف «حلفائه الطبيعيين» في الانتخابات المقبلة مع الحريديم واليمين القومي.
ويعتقد كثيرون أن ميل نتنياهو المتزايد لإرضاء اليمين المتطرف داخل «الليكود» وفي الحلبة السياسية، من خلال تركيزه على القدس ومشاجرته مع الإدارة الأميركية وتأييده للاستيطان وإيقافه للعملية السياسية مع الفلسطينيين، كلها مجرد خطوات على طريق ترسيخ مكانته كقائد لليمين. ويسعى نتنياهو منذ أسابيع لحسم الخلافات داخل «الليكود»، وإجراء انتخابات تمهيدية لزعامة الحزب، كخطوة أولى نحو تقديم موعد الانتخابات العامة. وفي كل حال فإن غالبية المراقبين لا يمنحون حكومة نتنياهو الحالية عمراً يزيد عن عام من الآن.
فحتى الآن يدور الحديث عن بقاء الحكومة نظراً لعدم وجود مصلحة لأي من أطرافها في خوض انتخابات مبكرة. لكن نتنياهو يظهر أن له مصلحة، سواء لإعادة بلورة حكومته وتحديد موازين القوى فيها، أو لإعادة تموضع حكومته في مواجهة إدارة أميركية تناصبها العداء في مجالات تتعلق بالعملية السياسية.
http://assafir.com/Article/1/383161
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه