25-11-2024 01:29 PM بتوقيت القدس المحتلة

تأهيل الذوق والجية بكلفة إنشاء معملين جديدين

تأهيل الذوق والجية بكلفة إنشاء معملين جديدين

بالحدّ الأدنى، ومهما كان مصير مناقصتي إعادة تأهيل معملي الذوق والجيّة الكهربائيين، فإن التعتيم سيزداد حدّة في السنتين المقبلتين

 

محمد وهبة

 

بالحدّ الأدنى، ومهما كان مصير مناقصتي إعادة تأهيل معملي الذوق والجيّة الكهربائيين، فإن التعتيم سيزداد حدّة في السنتين المقبلتين. هذا ما يشي به ملف المناقصتين المذكورتين المعروض على الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء: امّا السير بنتائج المناقصتين على الرغم من الاسعار المرتفعة جدّاً بالمقارنة مع تقديرات الاستشاري، وامّا اعادة المناقصتين بسبب عدم مشاركة سوى عارض واحد في كل منهما.

يناقش مجلس الوزراء في جلسته المقبلة مناقصتي تأهيل معملي الجية والذوق، وعليه أن يتخذ قراراً للبت بمصير هاتين المناقصتين في ظل مشاركة عارض واحد في كل مناقصة، وفي ظل اقتراحات متباينة رفعتها كل من وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار.

الوزارة تقترح التفاوض مع عرض شركة «انسالدو ــ ميتكا» لتأهيل معمل الذوق وإهمال نتائج مناقصة تأهيل معمل الجيّة، التي فازت فيها شركة «الخرافي»، نظراً إلى تقادم المعمل وعدم جدوى تأهيله بالأسعار المعروضة. أما مجلس الإنماء والإعمار ومؤسسة كهرباء لبنان، فيعتقدان أنه في ظل وجود عارض واحد لكل شركتين وبأسعار بعيدة جداً من تقديرات الاستشاري، فإنه تجب إعادة إجراء المناقصة وتصحيح الشروط الفنية لتوسيع المنافسة من خلال استقطاب عارضين أكثر. المشكلة أن الاقتراحين ينبئان اللبنانيين بمزيد من العتمة خلال السنوات المقبلة، وأن خيارات اللبنانيين محدودة بتحديد أي مسار أمرُّ من الثاني!

في عام 2012 أطلق مجلس الإنماء والإعمار مناقصتي تأهيل معملي الذوق والجيّة. في البدء تقدّمت ثلاثة شركات للمشاركة، إذ شاركت الشركة الصينية CNEEC في المناقصتين، فيما شارك تحالف «انسالدو ــ ميتكا» في مناقصة الزوق، وشركة «الخرافي ناشيونال» في مناقصة الجيّة. ورغم أن مجلس الوزراء منح الشركة الصينية مهلة أسبوع لتقديم الكفالة المالية المطلوبة منها، إلا أنها لم تتمكن من استيفاء شروط التأهيل للمشاركة في العروض الفنية ــ الإدارية والمالية للمناقصة، ما يعني عملياً أنها لم تشارك في المناقصة، وبقي عارض واحد لكل مناقصة هما «انسالدو ــ ميتكا» و«الخرافي ناشيونال»، ما استدعى عرض الموضوع على مجلس الوزراء لحسم مصير المناقصتين، امّا قبول العروض الفنية والمالية، او احداها، وامّا الغاء المناقصتين وإعادتهما.

جاء قرار مجلس الوزراء في شباط 2013 واضحاً لجهة فضّ العروض «على أن يكون عرض كل شركة متوافقاً مع دفتر الشروط وأن يكون العرض المالي لكلّ منهما لا يتجاوز التقديرات الموضوعة من قبل الاستشاري». هذا يعني أن قرار مجلس الوزراء ينسجم مع الموافقة المشروطة للجهة المموّلة للمشروع، أي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، الذي قدّم قرضاً لتمويل أشغال تأهيل معمل الزوق، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي قدم قرضاً لتمويل أشغال تأهيل معمل الجيّة.

على هذا الأساس فضّت لجنة التلزيم المعنية لدى مجلس الإنماء والإعمار العروض المالية للشركتين، فتبيّن أن «انسالدو ــ ميتكا» قدّمت عرضاً لتأهيل معمل الزوق بقيمة 206.7 مليون دولار، فيما قدّمت شركة «الخرافي» عرضاً لتأهيل معمل الجية بقيمة 298.8 مليون دولار.

شكّلت الاسعار المعروضة مفاجأة للجنة فضّ العروض، وخصوصاً أن تقديرات الاستشاري تشير إلى أن كلفة التأهيل لا تتجاوز 250 مليون دولار للمعملين، لكن مجموع العرضين يبلغ 505.5 ملايين دولار، أي أكثر من التقديرات بنسبة 102.2%. وقد أوضحت مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان أن تقديرات الاستشاري لاعادة تأهيل كل كيلواط ساعة تبلغ 170 دولار في الذوق و330 دولار في الجية، لكن عرض «انسالدو ــ ميتكا» رفعها إلى 500 دولار وعرض الخرافي إلى 1000 دولار، وذلك بذريعة أن دفتر الشروط يفرض إعادة المعامل إلى قدرتها الاسمية الاصلية على الرغم من ان عمر المعملين تجاوز 32 سنة.

رفعت لجنة التلزيم النتائج إلى مجلس الوزراء مقروناً بتوصياتها لجهة التفاوض مع العارضين تمهيداً للتلزيم او إعادة المناقصة. لكن خلافاً نشب بين أعضاء اللجنة، إذ يرى ممثلو مجلس الإنماء والإعمار في اللجنة أن المناقصة بشكلها الحالي لم تتمكن من استقطاب أكثر من عارض واحد بسبب تعقيدات دفتر الشروط، وأن الكلفة بعيدة جداً من تقديرات الاستشاري، ما يعني أنه يجب عدم التفاوض مع عارض وحيد على أسعار بعيدة جداً من التقديرات، لأن هذا الامر يتيح للعارض الوحيد أن يتحكّم بالمفاوضات ويمنحه أفضلية فرض شروطه على الدولة، علماً أن الكلفة الموضوعة تتيح للدولة اللبنانية إنشاء معملين جديدين على أساس أن الكلفة المتعارف عليها عالمياً لكل ميغاوات تبلغ مليون دولار. وبحسب تقرير مجلس الإنماء والإعمار المرفوع إلى مجلس الوزراء، فإن هناك خيارين: الأول يكمن في إعادة إجراء المناقصتين بعد إعادة النظر في ملف التلزيم الأساسي، الذي أعد «بهدف زيادة المنافسة واستقطاب عدد أكبر من العروض». أما الخيار الثاني، فهو يشير إلى «صرف النظر عن التأهيل الشامل لمعمل الذوق والجيّة والاكتفاء ببعض أعمال التأهيل الضرورية التي تجريها مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تبدأ التحضيرات لتلزيم إنشاء معلمين جديدين يحلان محل المعملين القائمين».

ممثلو وزارة الطاقة في اللجنة، يتحدثّون عن ضرورة السير بالمناقصة، وخصوصاً في الذوق، حيث يمكن تأهيل مجموعات المعمل، فيما تقادم مجموعات الإنتاج في الجيّة لا يسمح بالتفاوض مع العارض الوحيد بسبب عدم جدوى التأهيل من أصله بهذه الكلفة التي تساوي كلفة إنشاء معمل جديد. وقد جاء اقتراح وزارة الطاقة في إطار سرد انعكاسات إعادة إجراء المناقصة وصرف النظر عن التأهيل الشامل على خطّة وزارة الطاقة التي أقرها مجلس الوزراء، وعلى توفير الطاقة الكهربائية.

قالت الوزارة: «إن أسعار العروض وإن جاءت أكثر من الأسعار المرتقبة من الاستشاري، تبقى ضمن المعقول بالنسبة إلى معمل الذوق، مقارنة بأسعار معامل جديدة مماثلة»، لافتة إلى ان الفرق كبير بين متطلبات التأهيل وبين متطلبات إنشاء معامل جديدة. خيار التأهيل يختصر على توقيف مجموعة واحدة فقط في كل معمل طول فترة التنفيذ، أما خيار إنشاء معامل جديدة فيتطلب التوقيف الكلي للمعامل القديمة لفترة تتراوح بين أربع وخمس سنوات، «ونظراً إلى النقص الحاد في الإنتاج، فإن مدّة توقيف المجموعات عن الإنتاج هي عنصر حيوي في معادلة اتخاذ القرار، وإن ورقة سياسة الكهرباء قدّرت معدل الخسائر على الاقتصاد من خلال كلفة الطاقة غير المتاحة بنحو 700 دولار لكل ميغاوات ساعة». وبالتالي تشير وزارة الطاقة إلى أن «خيار التفاوض بناء على العروض المقدمة لا يجب أن يُستَبعَد قبل دراسة جوانبه كافة، لأن تأهيل المعامل الموجودة هو عنصر رئيسي في ورقة سياسة الكهرباء وله تأثير في نتائج المبادرات الأخرى كافة التي قد تبدو من دون فائدة ملموسة في حال تدهورت القدرة الإنتاجية للمعامل القديمة».

وبعد عرض مختصر من وزارة الطاقة لورقة سياسة الكهرباء على المدى القصير والمتوسط والطويل، تبيّن لها أن إعادة إجراء المناقصة يتطلب أكثر من سنة، تليها حاجة إلى توقيف المعامل نهائياً عن الإنتاج لثلاث سنوات، ما يعني «نقص حاد في التغذية بالتيار الكهربائي خلال الأعوام 2015، 2016، 2017، 2018، وتكون سنة 2016 قاسية جداً، بالإضافة إلى تمديد استئجار البواخر حتى عام 2018، ومع افتراض زيادة 1500 ميغاوات بالشراكة مع القطاع الخاص في نهاية عام 2018 و2000 ميغاوات إضافية في عام 2020». وتشير الوزارة إلى أن خيار «بدء تأهيل معملي الذوق والجية في مطلع 2015 يؤدي إلى نقص حاد في التغذية خلال 2015 و2016 مع تحسن ملحوظ خلال 2017 و2018، فضلاً عن تمديد استئجار البواخر حتى عام 2018 مع افتراض زيادة 1500 ميغاوات إضافية عام 2018».

وخلصت الوزارة إلى أنه من الضروري التنبّه «إلى اعتماد السيناريوات كافة على فرضية إنجاز مشاريع كبرى بآلاف الميغاوات خلال السنوات المقبلة، وليس من المضمون أنها ستنجز ضمن المواقيت المقدّرة لها، ما يجعل عملية تأهيل المعامل القديمة ذات أهمية لضمان الحدّ الأدنى من الاستمرارية في الإنتاج في المرحلة المقبلة وتوفير ملحوظ في استهلاك الفيول وتحسن ملحوظ في الانبعاثات الناتجة من تشغيل المعامل... إن خيار إعادة المناقصة له أضرار على الاقتصاد اللبناني ناتج من الطاقة غير المعطاة خلال السنوات المقبلة، وهي تفوق بكثير التوفير المحتمل وغير المضمون الذي يمكن أن ينتج من الإعادة... إن تأهيل المعامل سيحدّ من الاستهلاك المفرط للفيول وسيحسن مؤشراتها البيئية بشكل ملحوظ».

ومن ضمن التداعيات التي تشير إليها وزارة الطاقة، أن «خيار إعادة المناقصتين ستكلف 800 مليون دولار أكثر من خيار المضي في التأهيل فوراً (الكلفة المباشرة وغير المباشرة)، وذلك في حال اقتصرت مدّة اطلاق المناقصتين الجديدتين على سنة واحدة، بينما الكلفة المقدّرة لخيار استبدال المعامل القديمة كلياً بمعامل جديدة هي بنحو 2.8 مليار دولار أكثر من خيار المضي فوراً في التأهيل».

وبصرف النظر عن قرار مجلس الوزراء المرتقب، فإن العتمة ستلاحق اللبنانيين لفترة إضافية وبحدّة أكبر مما هي عليه الآن لفترة سنتين على الأقل، او اكثر.

 

أفضلية كبيرة للشركتين

يشير المطلعون على دفاتر الشروط في مناقصتي تأهيل معملي الذوق والجية، أن مشاركة عارض واحد في كل مناقصة لم تكن مجرّد صدفة محض، بل هي متصلة بالتعقيدات الواردة في دفتر الشروط المعقّد جداً في شقه التقني. هذا الأمر منح العارضين المشاركين، أي «انسالدو» و«الخرافي»، أفضلية كبيرة على غيرهما من الشركات المهتمة بالمشاركة، نظراً إلى أن «انسالدو» هي الشركة التي تقوم بصيانة معمل الذوق منذ سنوات طويلة ولديها اطلاع واسع على مشاكله وتعقيداته. أما شركة «الخرافي» فقد تحالفت مع شركة نمساوية لديها اطلاع واسع على تعقيدات ومشاكل معمل الجيّة. هذا يعني أن تسهيل شروط المشاركة في المناقصة سيلغي هذه الأفضلية ويفتح المنافسة.


http://www.al-akhbar.com/node/219472

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه