25-11-2024 01:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

ما هي أسرار الاهتمام التركي ـ الفرنسي الأممي بحلب؟

ما هي أسرار الاهتمام التركي ـ الفرنسي الأممي بحلب؟

يزداد الاهتمام «المفتعل» بمصير مدينة حلب في غير موقع إقليمي ودولي في شكل غير مسبوق يدفع المحللين إلى وضع أكثر من علامة استفهام حول خفاياه

 

د. وفيق ابراهيم

 

يزداد الاهتمام «المفتعل» بمصير مدينة حلب في غير موقع إقليمي ودولي في شكل غير مسبوق يدفع المحللين إلى وضع أكثر من علامة استفهام حول خفاياه.

اللقاء الرئاسي الفرنسي ـ التركي، الأخير عكس اهتماماً عالي المستوى إلى درجة أن هولاند كاد يئنّ حزناً على مصير أهل المدينة. وواكبه أردوغان بشجن شرقي كان ينقصه عزف ناي حزين. وتماهى معهما المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي اعتبر أن إيجاد حل للأزمة السورية يبتدئ من العثور على حلّ لمدينة حلب.

لماذا هذا الاهتمام الحصري؟ يقول العسكريون إن قوات النظام السوري أنجزت في الأسبوعين المنصرمين التفافاً عسكرياً ناجحاً ولافتاً لم يُبقِ للتكفيريين منافذ اتصال كثيرة بأرياف حلب حتى الحدود التركية، ما يعني خنقها بحصار يؤدي إلى استسلامها كما جرى في غير منطقة سورية.

سياسياً، يعتبر الخبراء إمساك النظام الكامل بمدينة حلب، بداية انهيار المعارضة التكفيرية في سورية. لأن ارتياح الجيش السوري على مساحة كبيرة تبتدئ من أرياف حلب عند الحدود التركية، مروراً بدمشق ودرعا وبادية الشام يحصر الإرهابيين في بؤر فارغة في الرقة والحسكة ودير الزور.

هذا التحليل هو الذي أرغم أردوغان التركي على الالتقاء بنظيره الفرنسي للبحث عن وسيلة لدعم الإرهابيين في المدينة. فتحريرها لا يعني إلا تدمير الدور التركي ـ العثماني بشكل نهائي مع وضع خاتمة مأسوية لمشروع كونفيديرالية الإخوان المسلمين.

وما إضفاء الطابع الإنساني على موضوع مدينة حلب إلا لذرّ الرماد في العيون. أليست المعارضة هي من دمّر حلب وهجّر سكانها وعمالها وقصف مصانعها وسرق ما تبقى منها وباعها قِطعاً في أسواق تركيا بشهادة رئيس جمعية الصناعيين في المدينة الشهابي؟ لذلك كان أولى بالحلف الفرنسي ـ التركي أن يطالب بسحب المسلحين الإرهابيين لتنعم حلب بالاستقرار وتعود العاصمة الاقتصادية الأولى إلى سورية.

ماذا يريد أردوغان؟ بكل بساطة، يصرّ على اختراع وسائل تمنع نظام الأسد من الحسم.

ويحاول تأمين مناطق بحماية دولية ـ جوية تعيد المعارضة تنظيم نفسها فيها، للاستمرار في حربها الإرهابية على النظام ـ ومنع الجيش السوري من التقاط أنفاسه ومعاودة الهجوم في مناطق جديدة.

دي ميستورا الأممي الذي يصل إلى دمشق في اليومين المقبلين يحمل في جعبته مشروع وقف للنار في حلب وشمولها بنظام حماية دولية، ويغطي مشروعه بطابع إنساني لإنقاذ المدنيين وسياسي للبدء بإيجاد حلول لأزمة البلاد. لكن المتتبع يعرف أن هدف المبعوث الدولي الخفي، بناء منطقة محمية من حلب حتى الحدود التركية تحظى بالدعم وتكون محمية بغطاء جوي ـ غربي، فتتحول الشهباء إلى مراكز تدريب وتسليح للمعارضة التكفيرية، وتمدّ بعمر الأزمة عقوداً طويلة.

المعتقد أن نظام الرئيس الأسد لن يوافق على خطة كهذه لا تفعل إلا إعادة إحياء المشروع العثماني، لا سيما أن إيران تقف بقوة ضد هذا المشروع في ما يشبه صراعاً إيرانياً ـ تركياً فعلياً لا تحمد عقباه. وأيّ خطأ فيه قد يدفع المنطقة بأسرها إلى حرب إقليمية.

أما محاولات جعل حلب مشمولة بخدمات التحالف الدولي ـ الجوي، فأمرها مرهون بموافقة مجلس الأمن الدولي كما قالت روسيا في لغة دبلوماسية ذكية، وهناك في مجلس الأمن لن يجد الأميركيون إلا رفضاً روسياً وصينياً استجابة للرفضين السوري والإيراني.

والذرائع الإنسانية التي تقدمها أنقرة الحريصة على المدنيين في حلب، كما تزعم، والمصرة على عجزها عن استقبال لاجئين سوريين جدد والاستمرار في إغاثة ما لديها من لاجئين، إنما هي حجج غير منطقية، لأن ما ينطبق على حلب يسري على بعض أنحاء سورية المحتلة من الإرهابيين التكفيريين.

ما هي إذن ردود فعل واشنطن على موضوع المدينة؟

 

يكتفي البيت الأبيض حتى الآن بإطلاق كلام عام حول أن أميركا تركز اهتمامها في الوقت الحالي على الإرهاب حصراً، وترجئ المواضيع الأخرى إلى مراحل لاحقة. وهذه إجابة لا تقطع نهائياً مع الموقف الفرنسي ـ التركي، ولا تؤيد الموقف الآخر وذلك في محاولة لعدم تفجير التناقضات بين حلفائها من جهة وبينها وبين الروس والإيرانيين من جهة ثانية.

ولا يمكن التطرّق إلى موضوع حلب من دون مقاربة مجمل مناطق سورية المخترقة من قبل إرهاب مدعوم من معظم دول الجوار والإقليم وجهات عالمية.

لذلك، فإن المراهنات على اجتماع «النواة الصلبة» من أصدقاء سورية ـ وهم إحدى عشرة دولة، الذي سيلتئم في لندن في العاشر من الشهر المقبل ـ ستكون سخيفة لأن تدخلها من دون مرجعية أممية يعتبر إعلان حرب، لن تسكت عنه إيران وروسيا، لذلك ستكون مهمة هذا المؤتمر إعلامية ـ تشهيرية.

والموقف السوري ـ الإيراني ـ الروسي يرى أن المعارضة المدنية انتهت في سورية ولم يبق إلا «أشلاء» إعلامية الطابع للزوم التصوير وللمحافظة على النوع، والجهتان الوحيدتان اللتان تسيطران على 95 في المئة من مناطق المعارضة هما «داعش» و«النصرة» الموضوعتان على لائحة الإرهاب الأممي.

لذلك تطالب سورية وإيران وروسيا المجتمع الدولي بدعم النظام السوري المعتدل للقضاء على الإرهاب في سورية كمقدمة لإنهاء الإرهاب في العالم. ولن يستجيب أحد لرئيس فرنسي يبحث لبلاده المأزومة عن دور بات من الماضي والتهمته أميركا ولرئيس تركي خائب الرجاء يرى كونفيديراليته في إطار الإخوان المسلمين تتهاوى فيندفع كالثور للبحث عن موطئ قدم له في حلب تبقيه على لائحة المؤثرين في المنطقة.

لذلك قد يكتفي دي ميستورا بعرض معادلات سياسية تطرح إشراك ما تبقى من المعارضة المدنية في العملية السياسية، واختيار الأكثر اعتدالاً.

أما من ينجح في مشروعه… فميادين المعارك لها الفصل في الإجابة. وفيما تلتهم القوى الإرهابية بعضها بعضاً، يواصل الجيش السوري معركة تحرير البلاد بتضحيات غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.


http://al-binaa.com/albinaa/?article=20152

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه