أعلنت الولايات المتحدة عن انتهاء المرحلة الأولى من الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش" والبدء بمرحلة جديدة "هجومية"
عبدالله سليمان علي
أعلنت الولايات المتحدة عن انتهاء المرحلة الأولى من الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش" والبدء بمرحلة جديدة "هجومية"، بالتزامن مع الإعلان عن مقتل بعض قادة التنظيم وإصابة زعيمه أبي بكر البغدادي.
وإذ لم يصدر عن "داعش" أي رد فعل على الأنباء الواردة عن استهداف قادته، فقد جاءت المفاجأة من مصر، حيث أعلن فيها عن مبايعة جماعة "أنصار بيت المقدس" للبغدادي، وانضمامها إلى "الدولة الإسلامية"، ليتوالى بعدها إعلان البيعات من كل من اليمن والجزائر والجزيرة العربية توالياً لافتاً أثار التساؤلات حول أسلوبه الاستعراضي.
وبدا واضحاً أن الإدارة الأميركية أرادت أن يشكل الإعلان عن استهداف بعض كبار قادة "داعش" مرتكزاً قوياً لها للشروع في ما أسمته "مرحلة جديدة"، تتمثل في الهجوم على التنظيم المتشدد، بدلاً من محاولة وقف تقدمه فقط، في خطوة تهدف، كما يبدو، إلى إعطاء هذا الإعلان زخماً إعلامياً كبيراً من شأنه التغطية على حقيقة غياب التطورات النوعية على الأرض، القادرة على رسم حدود بين مرحلتين.
ومع ذلك بقيت المعلومات حول استهداف قادة "داعش" متضاربة، وتفتقر إلى أدلة تسند مصداقيتها، الأمر الذي قد يشير إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما اضطر إلى الاستعجال لبدء مرحلة جديدة تحت تأثير ضغوط، قد لا يكون للساحة العراقية أو السورية علاقة بها. ومن غير المستبعَد أن يكون لذلك صلة باستحواذ الجمهوريين على غالبية مقاعد الكونغرس، ورغبة أوباما في وضعهم أمام الأمر الواقع، لا سيما أن ذلك ترافق مع إرسال دفعة جديدة من الجنود الأميركيين إلى العراق، ليتضاعف عددهم هناك ويصل إلى حوالي 2900 جندي.
وخلافاً لمسارعته في حزيران الماضي إلى الإقرار بمقتل القائد العسكري لـ"غزوة الموصل" أبو عبد الرحمن البيلاوي، لاذ "داعش" بصمت مطبق، وتكتم شديد، تجاه التقارير الإعلامية التي تحدثت عن مقتل عدد من كبار قادته وإصابة زعيمه، فلم يصدر عنه أي نفي أو تأكيد لهذه التقارير.
وبالرغم من أن هذا الصمت سمح للرواية الوحيدة المتوافرة بأن تحتلّ وسائل الإعلام، ومن ثم التعاطي مع الخبر على أنه صحيح، إلا أن ذلك لا ينفي أن أصحاب هذه الرواية لم يستطيعوا حتى الآن تقديم ما يثبت صحة روايتهم، مع أنهم يتداولون أسماء محددة، ولها وزنها في التنظيم، مثل أبو مهند السويداوي وأبو زهراء المحمدي وأبو علاء العفري، علاوة على تأكيد بعضهم إصابة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.
وسواء صحت هذه الأنباء أم لم تصحّ، فإن تأثيرها سيبقى في إطار الساحة الإعلامية والحرب النفسية، ولن يتعدى ذلك، إذ من غير المتوقع أن يترك خبر مقتل البغدادي، فضلاً عن إصابته، آثاراً سلبية كبيرة على بنية التنظيم أو هيكليته القيادية، وذلك لسببين رئيسيين: الأول أن التنظيم خلال السنوات العشر الماضية تعرض إلى مقتل الكثير من قادته، أهمهم أبو مصعب الزرقاوي، الأب الروحي له ومؤسسه الحقيقي، وكذلك كلٍّ من أبو عمر البغدادي، أول "أمير" لـ"دولة العراق الإسلامية" ووزير حربيته أبو حمزة المهاجر (أبو أيوب المصري)، ولم يؤد ذلك إلى انهيار التنظيم أو تزعزع أركانه.
والثاني أن مجلس شورى "الدولة الإسلامية"، مستفيداً من تجربة شغور منصبين مهمين فيه بعد مقتل أبو عمر وأبو حمزة، أدخل تعديلاً مهماً على هيكلة التنظيم القيادية، من خلال استحداث منصب "نائب الأمير"، والذي يشغله حالياً شخص لا يجري تداول اسمه كثيراً، هو أبو عبدالله البغدادي، وبالتالي فإن مقتل أبي بكر البغدادي لن يؤدي إلى إحداث شغور في القيادة، حيث سيتولاها مباشرة نائبه أبو عبدالله إلى أن يتسنى لمجلس الشورى الاجتماع بحسب الظروف واختيار "أمير" جديد.
ومن غير المستبعَد في حال عدم صحة مقتل أو إصابة قادة "داعش"، أو أن يكون من جرى استهدافهم من درجة أخفض في درجات القيادة، أن يستغل التنظيم التكفيري هذا الأمر لنصب كمين إعلامي، عبر ترك وسائل الإعلام تسترسل في الحديث عن مقتل قادته وتأثير ذلك عليه، ثم يقوم بنفي ذلك عبر مقاطع مصورة تقلب السحر على الساحر، خاصة أن بعض الأسماء المذكورة تكرر خبر مقتلها أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، مثل أبو مهند السويداوي.
وإذا كان إعلان أوباما عن المرحلة الجديدة تزامن مع خبر مقتل قادة "داعش"، فقد كان لافتاً أنه بعد ساعات فقط من هذا الإعلان، جاءت مفاجأة غير متوقعة من مصر، حيث أعلنت جماعة "أنصار بيت المقدس"، عبر تسجيل صوتي، مبايعتها للبغدادي وانضمامها إلى صفوف "الدولة الإسلامية". والغريب في هذه البيعة أنها جاءت بعد أيام فقط من نفي "أنصار بيت المقدس" بيعتها للبغدادي، عقب نشر بيان مكتوب على مواقع التواصل الاجتماعي يعلن ذلك.
وبالرغم أن الحساب الرسمي (الاحتياطي) للجماعة على "تويتر" نشر التسجيل الصوتي، الأمر الذي يؤكد صحته مبدئياً، إلا أن ثمة ملاحظات من شأنها إثارة بعض الشكوك حوله، أهمها أن التسجيل الصوتي صدر من دون إيضاح هوية المتحدث فيه وصفته ضمن الجماعة. وكان واضحاً أن الصوت لا يعود إلى أبي أسامة المصري، مسؤول الإعلام الخارجي في الجماعة، والذي صدر له أكثر من تسجيل من قبل، بالرغم من أن الأصول تقتضي أن تكون "بيعة" أي جماعة صادرة عن "أميرها العام" لتشمل كل أفراد الجماعة.
وعطفاً على الإرباك الذي حصل الأسبوع الماضي، حيث صدر بيان مكتوب يعلن "بيعة أنصار بيت المقدس" للبغدادي، وصدور نفي رسمي من الجماعة بعدم صحة هذا البيان، ثم صدور التسجيل الصوتي المجهول الهوية - لكن عبر الحساب الرسمي - فإن كل ذلك قد يشير إلى وجود خلافات، وربما انقسامات، داخل "أنصار بيت المقدس" من موضوع "البيعة".
كذلك صدر، أمس، عن "مؤسسة البنيان"، الذراع الإعلامية لـ"مجاهدي اليمن المؤيدين للدولة الإسلامية"، تسجيل صوتي، يعتقد أنه للشيخ مأمون حاتم، يجدد فيه "البيعة" لأبي بكر البغدادي. كما صدر تسجيل صوتي في ليبيا يعلن المتحدث فيه "بيعة" كتائب وألوية عدة - من دون تسميتها - في برقة وفزان وطرابلس، للبغدادي. وأعلن "أمير جند الخلافة في الجزائر" خالد أبو سليمان تجديد "بيعته" للبغدادي عبر تسجيل صوتي نشرته مساء أمس "مؤسسة الفتح الإعلامية"، ليصدر بعدها بقليل بيان عن "مجاهدي الجزيرة العربية" يعلن كذلك "البيعة" للبغدادي. وشدّد جميع المبايعين على مطالبة المسلمين بتأييد "دولتهم" والالتفاف حول "خليفتهم".
ونظراً للكثافة غير المعهودة في صدور "البيعات" خلال يوم واحد، استبعد مصدر مقرّب من "الدولة الإسلامية" أن تكون هذه "البيعات" صدرت من دون تنسيق مع قيادة "داعش"، معرباً عن اعتقاده أنها تمهيد لخطوة يجري التخطيط لها لمواجهة ما أسماه "المكر الأميركي". ولم يستبعد المصدر أن تشهد الأيام القليلة المقبلة نشر تسجيل صوتي لأحد قيادات "الدولة" أو حدوث أمر ما يكون ترجمة لـ"بيعات" أمس.
وفي الواقع فإن توالي "البيعات"، الذي أخذ شكلاً استعراضياً على مواقع التواصل الاجتماعي، يطرح تساؤلاً مهماً: هل توارد الإعلان عن "البيعات" في هذا التوقيت، بغض النظر عن صحتها من عدمه، يهدف إلى تغطية "داعش" على الأنباء التي تتحدث عن استهداف قادته، أم أنه يأتي في سياق الردّ على إعلان واشنطن عن "المرحلة الجديدة"، وبالتالي التهديد بتوسيع المواجهة لتشمل أراضي أخرى غير العراق وسوريا؟
http://assafir.com/Article/1/383562
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه