25-11-2024 01:36 PM بتوقيت القدس المحتلة

أوروبا والإرهاب.. جدلية العلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان

أوروبا والإرهاب.. جدلية العلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان

حين يريد مسؤولون أوروبيون الاحتجاج على أنهم لا يحصلون على السلطات التي يطلبونها لمواجهة تهديد "الجهاديين"، تراهم يسارعون إلى مقارنتهم بمرض "السرطان"

مدير "يوروبول" لـ"السفير": "الجهاديون" يستغلون أعز قيمنا لتحقيق مكاسبهم

 

وسيم ابراهيم

 

حين يريد مسؤولون أوروبيون الاحتجاج على أنهم لا يحصلون على السلطات التي يطلبونها لمواجهة تهديد "الجهاديين"، تراهم يسارعون إلى مقارنتهم بمرض "السرطان". النتيجة التي يوصلونها هي أنه إذا لم تمنح الصلاحيات لسياسة مشتركة متينة، في الوقت المناسب، ربما سيأتي العلاج متأخراً.

لكن طبيعة التحرك وسرعته جعلتا الأوروبيين يعيشون إجراءات رقابة غير مسبوقة، لا تزال تثير جدلا واعتراضات، كما رأى بعض مسؤوليهم أنها تشكل تهديدا للحريات العامة.

وفي هذا السياق، يقول روب وينرايت، رئيس وكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول"، خلال حديث إلى "السفير" إن "التهديد الحقيقي الذي يمثله الإرهابيون، وتنظيم داعش خصوصا، هو الاعتداء الذي يقومون به على القيم الأعز لدينا، فيستغلوها لمكاسبهم الخاصة".

من مقر "يوروبول"، في مدينة لاهاي الهولندية، يقوم حوالي 800 موظف بمهام التنسيق اليومي بين أجهزة الشرطة في دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، كما يتولون قيادة عملياتها المشتركة، بالإضافة إلى تعاونهم مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية.

خلال زيارة إلى بروكسل، يشرح مدير الوكالة الاوروبية أن تطويق خطر "الجهاديين" يضر بالحريات العامة، ويؤدي على أرض الواقع إلى التضييق على "حرية الأوروبيين في أن تبقى هويتهم مجهولة على الانترنت، وحرية السفر والتنقل المضمونة في الاتحاد الأوروبي".

العمل على سياسة أوروبية مشتركة لمواجهة هذه الظاهرة مستمر منذ حزيران العام 2013.

تضاعفت أعداد "الجهاديين" الأوروبيين منذ ذلك الوقت، وتقدر الأرقام الرسمية أنهم يفوقون الثلاثة آلاف حالياً.

خلال الأشهر الماضية، تبنى الأوروبيون إجراءات غير مسبوقة، كان آخرها الموافقة على تنفيذ حملة تفتيش منهجي ومتزامن على الحدود الخارجية لفضاء "شنغن". وحتى مواطني الدول الست والعشرين التي شكلت هذا الفضاء الحر للحركة، مسقطة الحدود بينها، سيضطرون لإخراج وثائق سفرهم وتمريرها على أجهزة المراقبة الالكترونية.

في السابق كان التفتيش يجري في مناسبات متقطعة، عبر الملاحظة العينية، ولكن نظام "شنغن" الالكتروني سيستخدم الآن بعدما ضم أسماء "الجهاديين" المطلوبين والمشتبهين.

وجعلت خشيةُ الأوروبيين، المعلنة من تنفيذ "الجهاديين" اعتداءات إرهابية، إذا عادوا مسلحين بالخبرات القتالية، تحركهم يسجل سوابق أخرى.

الآن بات تجريد مواطنين من جنسيتهم الأوروبية سارياً في كل من بريطانيا وهولندا، وهو خاضع للنقاش في دول اخرى، من بينها فرنسا وبلجيكا واسبانيا. وفي الوقت ذاته، تقوم فرنسا بتجريد "الجهاديين" المحتملين من جوازات سفرهم، في محاولة لمنعهم من التوجه إلى سوريا والعراق.

هذه الإجراءات المشددة تثير جدلاً واعتراضات في العديد من الأوساط. هناك من يعارضها لأنه لا يرى فائدة عملية منها، لكن بعض السياسيين يتهمون الحكومات اليمينية باستغلال هذا الظرف لتمرير سياساتها المتشددة.

يقول سياسي أوروبي، يعمل على القضية لـ "السفير" إن "مواجهة الإرهاب صارت عذراً جيدا لكي يسكت الأوروبيون ويقبلون إجراءات تشبه نوعا ما أحكام الطوارئ".

وعلى سبيل المثال، فإنّ إجراء سحب الجنسية يطبق على مَن ينضمون للقتال مع مجموعات متطرفة، ممن يحملون جنسية مزدوجة، لكن تنفيذه لا يحتاج إلى إدانة قضائية لكونها تتطلب وقتاً طويلاً لجمع الأدلة والمحاكمات والاستئناف. الاعتراض القضائي يمكن أن يأتي لاحقا، لتصير القاعدة الشهيرة مقلوبة: "أنت متهم حتى تثبت براءتك".

هذه المخاوف لم تقلل منها وكالة العدل الأوروبية "يوروجست"، التي تتولى التنسيق بين الأجهزة القضائية في دول التكتل الأوروبي.

خلال جلسة استماع أمام البرلمان الأوروبي، قالت مديرة الوكالة ميشيل كونينكس: "علينا بالفعل ألا نبالغ، ويجب أن نحقق توازنا بين مواجهة التهديدات الإرهابية وبين ضمان حرية التنقل والحريات المدنية".

كان كلامها صدى للانتقادات التي وجهها نواب أوروبيون.

البرلمانية الاشتراكية آنا غوميز كانت من بين من اعترضوا بشدة على إجراء سحب الجنسية، معتبرة أن لا وجود لأي منطق يبرر الرد على جريمة بعقاب كهذا "لأن الجنسية حق إنساني لا يجوز التجريد منه". وتساءلت كيف تضع السياسة الأوروبية قضية "الجهاديين" أولوية عاجلة، وفي الوقت ذاته تقفز بسهولة عن تناقضاتها، ومنها أن "السعودية وقطر تشاركاننا الآن في قتال داعش، لكننا نتجاهل أن دعمهما هو الذي جعل هذا التنظيم يصل إلى ما هو عليه الآن".

وباتت قضية الخوف على الحريات تشكل تحدّياً لعمل أجهزة الشرطة والاستخبارات، مع تزايد القلق من انتهاك مبدأ الخصوصية على نحو واسع.

جاء ذلك خصوصا بعدما كشف إدوارد سنودن، عميل الاستخبارات الأميركية السابق، عن فضائح تجسسها على ملايين رسائل واتصالات الأوروبيين.

تحدث مدير "يوروبول" أمام البرلمان الأوروبي عن التحدي الذي يواجهونه في مجال جمع المعلومات، لا سيما من فضاء الانترنت. وركز على ميل شركات القطاع الخاص إلى عدم العمل مع الحكومات، معتبرا أنها "مشكلة" صارت تميّز ما سماها "بيئة ما بعد سنودن". قدم شركة "غوغل" كمثال، مع قيامها بإجراءات تشفير تعيق الوصول إلى المعلومات، بغض النظر عن وجود أمر قضائي أو عدمه.

وحرمت الشكوك، التي عززتها فضيحة سنودن، الأجهزة الأوروبية من أداة تطالب بها منذ وقت طويل، وهي إقرار تشريع أوروبي يتيح تبادلاً تلقائياً لقوائم المسافرين بين دول التكتل الموحد. البرلمان الأوروبي رفض العام الماضي تمرير هذا التشريع، على خلفية فضيحة سنودن، معتبرا أنه ينتهك حماية الخصوصية.

ولكن تحت الضغوط الكبيرة، بدأ البرلمان الجديد، الذي انتخب خلال العام الحالي، جولة جديدة من النقاش حول ما يسمى "بي إن آر" (سجل معلومات المسافرين). المطلوب هو إلزام جميع شركات الطيران بوضع بيانات المسافرين في نظام رقمي، بحيث تكون الأجهزة الأوروبية على معرفة بكل شخص يدخل أو يخرج، أو يعبر من الفضاء الأوروبي.

الدول الأوروبية تقول إنها تحتاج إلى هذا القانون بشكل عاجل، كما أن المسؤولين المعنيين صاروا يضغطون ملوحين بقرار الأمم المتحدة 2178 الذي يطالب باتخاذ كل ما يلزم لإيقاف "المقاتلين الإرهابيين الأجانب".

وحتى مديرة "يوروجست"، التي دعت إلى عدم المبالغة، قالت إن تبادل معلومات المسافرين هو جزء من سياسة أوروبية مشتركة "لا غنى عنها" لمواجهة "الجهاديين". ورأت أن سرعة التحرك حاسمة في هذه المواجهة، لأنها "مثل معالجة مرض السرطان... إذا لم تتحرك في الوقت المناسب سيكون الوقت قد تأخر".

لكن المشاكل لا تأتي فقط من المكاسب التي تجنيها شبكات دعم "داعش" من عالم "ما بعد سنودن". ثمة عراقيل يفرزها تنافس أجهزة المخابرات الأوروبية، كما يبين مدير "يوروبول"، الذي قال في لهجة انتقاد واضحة: "نحن نحتاج من أجهزة استخبارات الدول الأوروبية أن تتشارك المعلومات معنا، فكيف تتشاركها مع بعضها البعض ولا تفعل ذلك مع يوروبول؟".

وكان رئيس الشرطة الأوروبية يتحدث عن "نقطة الاتصال" التي أنشأتها وكالته خصيصاً لجمع المعلومات حول "الجهاديين" وتحليلها، والتي تأتي معطياتها من كل دول الاتحاد الأوروبي. ويعمل فريقها الآن على تحديد قائمة بالمطلوبين "رقم واحد"، بهدف "تحديد من يشكل التهديد الأكبر من بين آلاف المنخرطين"، كما قال، وينتظر أن تنضم الولايات المتحدة إلى قائمة المزودين والمستخدمين لهذه الآلية، والتوقيع سيكون "قريبا جداً" بحسب ما أكد وينرايت لـ"السفير".

في هذا الوقت، يستمر العمل على تشكيل "فريق العمل الاستراتيجي حول سوريا"، وهو أشبه بهيئة أركان أوروبية لخوض حرب على "الدعاية الجهادية"، بعدما حصل على تمويل من المفوضية الأوروبية بقيمة مليون يورو.

سيكون على هذا الفريق من المتخصصين التعامل أيضا مع "مشاكل داخلية"، كما سمّاها برلمانيون أوروبيون، بعضها يتعلق بقضايا العزلة والتطرف المنتشرة في بعض بيئات المجتمعات المسلمة في أوروبا.

وفي هذا السياق، قال المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيركوف، في حديث الى "السفير"، إن الجهود يجب أن تتنشط "من اجل إنشاء إسلام أوروبي، وليس إسلام في أوروبا"، قبل أن يوضح "هناك فصل بين الدين والدولة، ولكن يمكننا خلق بيئة أكثر ملائمة لتطوير إسلام أوروبي، لأن لأوروبا قيمها الخاصة، وهي ليست جاهزة للمساومة حول قيم مثل المساواة بين الرجل والمرأة".

أحد المشاكل التي يذكرها دو كيركوف تأتي من بعض الأئمة الذين يخطبون في جوامع أوروبا، إذ يلفت إلى أن "لدينا حوالي 20 مليون مسلم في أوروبا، معظمهم معتدلون جداً، ومن المهم للغاية أن يكون الأئمة مدربين"، مضيفاً: "لديك أئمة ينصبون أنفسهم بأنفسهم، لكن المفروض، كما في أديان أخرى، أن يمروا بتدريب طويل وأن يكون لديهم حد أدنى من التعليم".


http://assafir.com/Article/1/383564

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه