يحاول فلاسفة الإدارة الأمريكية بين الفينة والأخرى استغباء شعوب العالم وتصوير أنفسهم على أنهم الوحيدون القادرون على تخليص هذا العالم من شرور الإرهاب
طلال ياسر
يحاول فلاسفة الإدارة الأمريكية بين الفينة والأخرى استغباء شعوب العالم وتصوير أنفسهم على أنهم الوحيدون القادرون على تخليص هذا العالم من شرور الإرهاب، فتارة يعمدون إلى التمييز بين إرهاب متطرف وآخر معتدل، وتارة أخرى وبعد انكشاف الخيار الأول يذهبون إلى محاربة هذين النوعين مجتمعين، وكأن المراقب لما يجري لا يدرك أن المسألة هنا ليست منوطة بتوصيف الظاهرة وفرزها، بل هي في الحقيقة مرتبطة بالسبب الكامن وراء هذا النوع من الصناعة "صناعة الإرهاب"، فيبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول جاهدة أن تحصر ذهن المتلقي في توصيف ظاهرة الإرهاب وتحديد المنظمات أو الجهات التي تمارسه، وبالتالي تمنعه من البحث وراء الهدف الحقيقي لصناعة هذا الإرهاب.
وإذا كنا هنا قد تعمّدنا الولوج إلى هذا الموضوع من هذه الزاوية، فذلك لأننا ندرك أن صناعة الإرهاب هذه، هي صناعة أمريكية حصرية تشبه إلى حدّ كبير في حصريّتها صناعة الأفلام الهوليودية التي تمثل مصدراً خطيراً للإرهاب، فالصانع هنا لا يهمّه نوع المنتج وفائدته للبشرية بقدر ما يهمّه العائد المادي له، وهنا بيت القصيد.
فالأمريكي "على الطريقة المافيوية" يصنع الإرهاب الذي يستطيع هو بكل جدارة أن يتحكم به ويسيطر عليه ويوجّهه كيف شاء في هذا العالم، وقد أثبت ذلك في مناسبات عديدة، من أفغانستان إلى الصومال فالشيشان فالعراق فسورية، وهذا الأمر يعني أن هناك رغبة لدى الفكر الاستعماري الأمريكي في تعميم نوع من الفوضى في هذه المناطق من العالم، وهو ما يبرّر عدم وجود هذا النوع من الإرهاب في المناطق الحيوية للأمريكي، وبالتالي يتلخّص هنا الدور الأمريكي في إشعال بؤر التوتر في المناطق التي يستشعر اضمحلال قدرته على التأثير فيها، فيقوم بدعم القلاقل في هذه الدول حتى يعيد تشكيلها بطريقة تكون فيها موافقة أو راغبة في الجلوس في الحضن الأمريكي، كما يحدث في دول الخليج التي تحظى بحماية أمريكية خاصة في هذا المجال لأنها تابعة للبلاط الأمريكي.
لذلك لا يظنّن أحد أن الإدارة الأمريكية تعمل جادة على استئصال آفة الإرهاب، بل هي تعمل على إدارته في المنطقة بالطريقة التي تخدم مصالحها، ولذلك يمكن للطائرات الأمريكية أن تسقط السلاح للطرفين المتحاربين في منطقة عين العرب في آن معاً، وذلك لأنها لا ترغب فعلياً بإنهاء الصراع بل بإدارته.
والشواهد كثيرة على مثل هذا النوع من التوجّه للإدارة الأمريكية حول العالم، كما جرى في السودان والصومال، وحتى في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وهي أمريكا اللاتينية تعمل الإدارة الأمريكية على إدارة الصراع بالطريقة ذاتها، لكي لا يكون هناك منتصر أبداً على الأرض فيبقى طرفا الصراع مشغولين بحربهما، بينما يقوم الراعي الأمريكي بجني المكاسب الآنية والبعيدة المدى من خلال دعم شركات السلاح الأمريكية حيث تعقد صفقات بمئات المليارات من الدولارات مع الدول التي تهدّدها بهذا الشبح كدول الخليج مثلاً التي تنفق على السلاح الأمريكي أضعاف ما تنفقه على أغراض التنمية، وكذلك تفتح أسواقاً جديدة لأسواق الدواء الأمريكية، والشركات العقارية التي ستبحث عن عقود إعادة الإعمار في الدول التي دمّرها الإرهاب، هذا فضلاً عن إشراف مافيات أمريكية على تجارة أعضاء وعبيد ومخدّرات وما إلى ذلك من الأمراض التي تصبح الدول المصابة بالإرهاب مهيّأة لاحتضانها.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه