لم تكن ريتا تعلم أنّها ستفقد أموالها وأوراقها الثبوتيّة، عندما غادرت ليلاً مكان عملها في الأشرفية متّجهةً نحو برج حمّود
ألان سركيس
لم تكن ريتا تعلم أنّها ستفقد أموالها وأوراقها الثبوتيّة، عندما غادرت ليلاً مكان عملها في الأشرفية متّجهةً نحو برج حمّود، حيث إعترضها شبان، سلبوها محفظتها وحقيبة يدها بقوّة السلاح.
تقف ريتا يومياً في ساحة ساسين تنتظر سيارة أجرة، وفي إحدى الليالي استقلّت سيارة في داخلها شابان وقبل وصولها الى منزلها، سحبا سلاحاً وهدّداها به، وسلباها ورمياها إلى جانب الطريق.
ومن شدّة خوفها، سارعت إلى الإتصال بزوجها، وانتظرت إلى اليوم الثاني لتُبلِّغ القوى الامنية، لكنّها تأخّرت في الشكوى. تُعتبر قضية ريتا عيّنةً بسيطة عن نشاط عصابات السلب التي تزرع الرعب بين اللبنانيين، في بلدٍ فقد الأمان، وبات المواطن فيه يخاف التنقّل ليلاً.
تكثيف العمل
تُعرّف القوى الأمنية والقانون اللبناني، السلب، بأنّه سرقة المواطنين بقوّة السلاح، وتقول المادة 336 من قانون العقوبات إنّ كلّ جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر تؤلف عصابة مسلّحة بقصد سلب المارة والتعدي على الاشخاص أو الأموال، يُعاقَب أفرادها بالأشغال الشاقة الموقتة لمدّة أقلها سبع سنوات، تصل الى إعدام مَن أقدم على القتل خلال عملية السلب.
ساهمت عوامل كثيرة في تنامي السلب، أبرزها غياب الإستقرار السياسي، والدخول في دوّامة النزاع الطائفي، إضافةً الى تدفّق نحو مليون ونصف المليون نازح سوري، ووجود غطاء سياسيّ لبعض العصابات، وخروج مناطق في الأطراف والحدود وداخل المخيّمات الفلسطينية عن سيطرة الدولة، حيث تنفّذ العصابات جريمتها وتختبئ بلا ملاحَقة.
تضاعف الجريمة
تُظهر الإحصاءات الرسمية، بعد مقارنتها مع الأعوام السابقة، مدى تأثير النزوح وغياب الإستقرار في إرتفاع عمليات السلب. ففي عام 2010 أيْ قبل إندلاع الثورة السورية بعام، عاش لبنان استقراراً سياسياً بوجود حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، فكان معدّل السلب 49 عملية شهرياً أيْ 588 عملية سنوياً، لكنّ هذه النسبة بدأت بالارتفاع منذ العام 2011 عندما إنطلقت الثورة وأُسقطت الحكومة، فسجّل المعدّل الشهري 70 عملية، أيْ 840 عملية سنوياً.
وعام 2012 إرتفع المعدل الشهري الى 92، أيْ 1104 سنوياً، وعام 2013 وصل المعدل الشهري الى 98 عملية، أيْ 1176 سنوياً، أما سنة 2014 فسجلت أعلى معدّل ووصلت الى 105 عمليات شهرياً، حتى نشر هذا التحقيق.
هذه الأرقام تشير الى أنّ نسبة جرائم السلب زادت بين عامَي 2010 و2014 بمعدّل 110 في المئة. وفي هذا الإطار، يعزو مدير العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي المقدّم جوزف مسلّم الذي يتابع هذا الملف، سبب زيادة نسبة السلب الى «تدفّق النازحين وغياب الإستقرار السياسي والأمني»، ويقول لـ«الجمهورية»: «عندما تضيف نحو مليون ونصف المليون نازح على سكان بلد، ستتكاثر الجريمة، وإذا قارنا الارقام، فإنّ عام 2010 كان مثالياً، بينما بدأت ترتفع الأرقام مع الازمة السورية التي أثّرت في الأمن والإقتصاد، علماً أنّ العصابات مؤلفة من اللبنانيين والسوريين، والضحايا من الطرفين، ومعالجتنا بعيدة من العنصرية».
طريقة عملها
تعمل عصابات السلب بطريقة خفية، وتتألّف من شخصين الى 6 أشخاص وتستخدم السيارات والدراجات النارية لتنفيذ مهماتها، وتصطاد المواطنين المهمّشين الذين لا يملكون سيارات للتنقل، ومعظم الضحايا هم من العمّال الذين يداومون ليلاً، ولا يحتاج تنفيذ العملية الى أعداد كبيرة، لتوزيع الغلة. وأثبتت التحقيقات أنّ العصابات غير مرتبطة بعضها ببعض، وهي تراقب المنطقة أولاً، ثمّ تحدّد الهدف لتنقضّ عليه، علماً أنّ العصابات مختصّة، فبعضها يسلب الصيادلة والبعض الآخر الأشخاص، فيما يداهم البعض الثالث الورش.
القوى الأمنية
يروي مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ الدولة تنظّم حواجز ليلية لمراقبة المناطق وتسيّر دوريات بلباس مدني لإصطياد العصابات، وتقيم حواجز ظاهرة لإخافتهم وردعهم. وفي هذا السياق تكشف إحصاءات أعدّتها قوى الأمن الداخلي منذ مطلع السنة حتى تاريخنا هذا، أنّ 383 عملية سلب حصلت بواسطة السيارات، و226 عملية بواسطة دراجات نارية.
أما التهديد والتنفيذ فشملا الطرق الآتية: 243 بالمسدس، 150 بسلاح مختلف، 95 بواسطة السكين، 27 بواسطة كلاشنكوف، 29 بواسطة انتحال صفة. والمفارقة أنّ 806 ضحايا هم من الذكور، و74 من الإناث فقط.
ويتركّز عمل العصابات في المناطق الثرية، حيث سجّلت 294 حادثة سلب في جبل لبنان، 119 في البقاع، 104 في بيروت، 58 في الشمال و19 في الجنوب. لكن ما يثير الإستغراب هو إرتفاع عدد الضحايا السوريين، إذ يبلغ عدد المستهدفين 394 لبنانياً، و372 سورياً، و14 فلسطينياً و23 من جنسيات أخرى.
وفي هذا السياق، يؤكد مستشار وزير الداخلية والمكلّف بملف النازحين السوريين خليل جبارة لـ»الجمهورية»، أنّ «دخول النازحين سببّ مشكلة أمنية للدولة، فارتفعت نسبة الجريمة بمعدّل 68 في المئة، وإكتظّت السجون، وتشير دراسات الوزارة الى أنّ النزوح سبّب هذا الإرتفاع، لذلك نعمل على محاربة ظاهرة السلب ومختلف الجرائم بشتى الأساليب الأمنية».
التأثير الإقتصادي
عانى لبنان إنكماشاً إقتصادياً منذ إندلاع "الثورة السورية"، ما زاد نسبة الجريمة. ويوضح الخبير الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي لـ»الجمهورية» أنه «إذا نظرنا الى متوسّط معدل عمليات السلب، نرى أثر تدفق النازحين. فمعظمهم من الفقراء الذين يفتقدون أبسط مقومات الحياة، وقدّ سجّلت ولادة نحو 30 الف طفل سوري، وهؤلاء النازحون يحتاجون الى إعانة فيما المساعدات الدولية تأخرت، إضافة إلى أنّ قسماً منهم لم يجد فرص عمل، ولجأ بعضهم الى السلب»، مرجِّحاً أن «يرتفع المتوسّط الشهري للسلب من 105 الى 200، إذا لم يُعالَج الموضوع إقتصادياً وأمنياً، خصوصاً أنّ القوى الأمنية لا تعالج القضية بالشكل المطلوب».
على رغم تمدّد هذه الظاهرة، لا بدّ من إستعجال الحلول، حيث يشرح المقدّم مسلّم، أنّ «الحلّ الاول يكون بضبط اللوحات الحمر وملاحقة اللوحات المزوّرة، وقد وضعت الدولة في قانون السير الجديد بنداً يلزم أن تكون اللوحة ذكيّة، لتخفيف نسبة الجريمة قبل وقوعها، وتعمل قوى الأمن على ملاحقة المجرمين لضبط الجريمة».
ويدعو الى «إبلاغ قوى الامن الداخلي فوراً لإستعجال الملاحقة أو الاتصال على الرقم 112، أو التواصل معنا عبر تويتر». وينصح مسلّم المواطنين بـ«عدم وضع أموال كثيرة في المحفظة عند التنقل وإعتماد بطاقات المصارف التي يسهل ضبطها، والابتعاد عن الطرق غير الآمنة ليلاً».
http://www.aljoumhouria.com/news/index/186501
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه