احتل التوتر الذي سيطر على قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة بريزبن في اوستراليا بين رؤساء الدول الغربية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين
روزانا بومنصف
احتل التوتر الذي سيطر على قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة بريزبن في اوستراليا بين رؤساء الدول الغربية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الازمة في اوكرانيا الواجهة، فأخذ الضوء من أمام القمة ومحادثاتها ونتائجها التي يفترض ان تدور على اصلاح النظام المالي الدولي والقضايا المتعلقة بالطاقة والنظام الضريبي وتخرج بقرارات فاعلة ومؤثرة.
فاللقاءات الثنائية التي تميزت بطابع حاد بين رؤساء او رؤساء وزراء الدول الغربية والرئيس الروسي كانت هي العناوين. وقد اجبر الرئيس الروسي على اختصار مشاركته في القمة ومغادرتها مبكرا بعدما انتشرت في وسائل الاعلام حفلة "التقريع" الذي اعتمدها رؤساء الدول ازاءه من بينها ما قاله له رئيس الوزراء الاوسترالي ستيفن هاربر علناً: "اتخيل ان علي ان اصافحك، ولكن ليس لدي الا شيء واحد اقوله لك. يجب ان تخرج من أوكرانيا". ولم تكن لقاءات بوتين مع نظرائه الآخرين اقل توترا وفجاجة ايضا كما بينه وبين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. الا ان الابرز انه في الوقت الذي توقع كثر ان تتطور المصافحات الحارة الى تردد ان الرئيسين الاميركي والروسي باراك اوباما وبوتين تبادلاها خلال قمة "آبيك" في بكين (منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادىء) قبل اقل من اسبوع وتناولت الاحاديث بينهما ملفات سوريا وايران واوكرانيا، وفق ما أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ولم تستبعد الادارة الاميركية اجراء حديث اكثر مضمونا لاحقا، ذهبت اجواء قمة مجموعة العشرين في اتجاه آخر كان مفاجئا من حيث مناقضته كليا لاجواء قمة "آبيك". اذ تبين سريعا ان هذه المصافحات لم تتعد حدودها البروتوكولية الى اي بحث فعلي وان لا استعداد لتراجع اي من الجانبين الاميركي والروسي عن مواقفهما، بل ان قمة مجموعة العشرين بدت محطة اخرى من محطات تصعيد الخلاف بدلا من تخفيفه. فالرئيس الاميركي اكد لدى وصوله الى بريزبن ان الولايات المتحدة تقود المجتمع الدولي في معارضة "عدوان روسيا المروع" على أوكرانيا والذي يمثل تهديدا للعالم، وفق تعبيره، وهو موقف نادر لرئيس اميركي غلب على ولايتيه الرئاستين طابع القيادة من الخلف في حين يجاهر بقيادته المواجهة مع روسيا بالنسبة الى اوكرانيا. وهذا لا يعني ان مواقف الرئيس الروسي كانت اقل حدة في بريزبن ايضا حيث اعلن ان روسيا لن تسمح للحكومة الاوكرانية ان تدمر خصومها السياسيين في شرق اوكرانيا وانه من المهم الا يكون للمرء وجهة نظر من جهة واحدة للمشكلة. (وهو موقف يدعو بالنسبة الى مراقبين كثر الى تساؤل يتجدد عن تناقض مقاربته للازمة في اوكرانيا مع مقاربته للوضع في سوريا حيث يدعم النظام في سحق معارضيه وتكتفي روسيا بوجهة نظر من جهة واحدة للازمة).
ومع ان مواضيع القمة مهمة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي وتوجهت اليها الانظار من اجل رصد ما اذا كان قادة الدول العشرين يمكن ان يساهموا في اعادة ترميم معدل النمو الاقتصادي في العالم، لم يكن واضحا الى اي مدى يمكن ان ينجح ضغط العقوبات الغربية على روسيا التي باتت تعاني من مشكلات وازمات حقيقية نتيجة هذا الضغط في اقناعها بتغيير مقاربتها للوضع في اوكرانيا، وذلك من دون تجاهل واقع ان ما يجري في الدول الغربية ايضا على وقع الازمة الاوكرانية التي باتت بمثابة عض اصابع لمن يصرخ اولا. الا ان المؤشر بالنسبة الى المراقبين هو في اتجاهين احدهما اصرار اوباما بعد سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الاميركي في الانتخابات النصفية على متابعة التشدد وتصعيده في وجه روسيا في موضوع اوكرانيا بما يثير التساؤل اذا كان اوباما سيوافق على تزويد اوكرانيا اسلحة اميركية ومساعدة الحكومة الاوكرانية بعد معارضته لها سابقا، ام ان هذا التصعيد استيعابي من اجل عدم الذهاب في هذا المنحى الذي تجنبه اوباما في الكونغرس لاشهر عدة خلت تجنبا لمزيد من التصعيد مع روسيا فيما الضغوط في الكونغرس باتت مختلفة الآن. وثمة رهانات قوية في هذا الاتجاه.
أما الاتجاه الآخر الذي يرصده المراقبون الكثر للتطورات في العلاقات بين الدول الكبرى نظرا الى تفاعل تأثير هذه العلاقات على الازمات المستعرة في اوروبا او في الشرق الاوسط، فهو اثر استمرار الخلافات بين الرؤساء بهذه الحدة في تعميم الانطباع بعدم جواز الرهان على حلول في المدى المنظور لا يمكن ولا يحتمل ان تكون واردة في هذه الاجواء المتوترة تصاعديا من جهة ومن دون توافق هذه الدول من جهة اخرى، خصوصا متى كان الخط البياني للقاءات بينهم منذ اشهر يسجل ابتعادا اكثر فأكثر عن القدرة على اللقاء والجلوس لبحث هذه المسائل الخلافية الكبرى. فروسيا شريكة اساسية في اوكرانيا لكنها ايضا شريكة اساسية في المنطقة ولا سيما في سوريا مما يساهم اكثر فاكثر في وضع اي مشاريع حلول على الرف لأجل غير معروف خصوصا متى كان الوضع في سوريا لا ينحصر بها بل ينسحب على دول الجوار ايضا. ودلالة ذلك في تعثر كل ما يتصل بجهود السلام من اجل سوريا، بغض النظر عن جديتها او عدمه، مع انطلاق ازمة أوكرانيا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه