يبدو أن قرار ذبح العسكريين أو تأجيله، لم يعد بيد تنظيم «الدولة الإسلامية» في القلمون بشكل منفصل، بل بات مرتبطاً بشكل مباشر بالقيادة المركزية للتنظيم.
رضوان مرتضى
يبدو أن قرار ذبح العسكريين أو تأجيله، لم يعد بيد تنظيم «الدولة الإسلامية» في القلمون بشكل منفصل، بل بات مرتبطاً بشكل مباشر بالقيادة المركزية للتنظيم. هذا الربط، بحسب مصادر مقرّبة من التنظيم، مردّه إلى صدور أحكام وقرارات قضائية بحق سجناء في تنظيمات إسلامية، بينهم موقوفون سعوديون. وتزامن ذلك مع ورود معلومات تتحدّث عن مبايعة قرابة سبعين سجيناً في سجن رومية المركزي لـ«الخليفة أبو بكر البغدادي». بناء على ذلك، وصلت تهديدات حقيقية بقتل العسكريين الأسرى إن نُفِّذ أي من الأحكام. في المقابل، وعلى أرض «الدولة الإسلامية» في الجرود العرسالية، كان يرتسم مشهدٌ آخر.
«إن أردتِ إحضار ملابس لزوجك، أبلغي إم عمار لتأتي وأحضرا الملابس معكما. أمامكما ٢٤ ساعة إن أردتما رؤية ولديكما أو سيموتان من البرد». لم يدم الاتصال دقيقة. لم ينتظر المتّصل لسماع الإجابة حتى. أقفل الخط فلم يبق سوى صدى صوته في أُذن غنوة يوسف، زوجة العسكري المخطوف لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» محمد يوسف.
هي المرة الأولى التي يلتقي فيها أحدٌ من الأهالي بأبنائهم المخطوفين لدى التنظيم الأكثر تشدّداً. استعدّت والدتا العسكريين المخطوفين حسين عمار ومحمد يوسف للانطلاق نحو جرود عرسال. ورافقتهما زوجة يوسف وطفله وخال عمّار، أحمد زكريا، الذي أقلّهم على متن سيارته.
يروي أفراد العائلة تفاصيل الرحلة. يستعيد كلٌّ منهم الجانب الذي أثّر فيه. يتحدثون كيف اجتازوا ثلاثة حواجز للجيش. يخبر خال العسكري المخطوف كيف كانت والدة محمد يوسف تفتعل إشكالاً على كل حاجز لشدة توتّرها. لا تريد من العسكريين عرقلة رحلتها. كانت تصرخ في وجههم قائلة: «رايحين نشوف ولادنا وآخدينلن تياب».
يستعيد أفراد العائلة الذين لا يعرفون أيفرحون أم يحزنون، كيف توسّط والد العسكري المخطوف يوسف لدى استخبارات الجيش لتسهيل مرورهم عند الحاجز الأخير عند آخر نقطة في وادي حميد في عرسال. يروون كيف انتظروا هناك سيارات «الدولة» كي تأتي لاصطحابهم، متحدثين عن لحظات رعب لم يعيشوها من قبل. يصفون الدراجات النارية التي تمر في الجرود من أمامهم كأنّها دوريات استطلاع. في تلك الأثناء، لم يلبث أحمد زكريا، خال العسكري المخطوف، أن سحب سيجارة وأشعلها لتدخينها حتى نهره أحد الشبان المارين على متن دراجة نارية قائلاً: «ألستم عائلة عسكري أسير.. ارمِ الدخان فوراً». وبالفعل، لم يفكّر زكريا بل رمى السيجارة وعلبة الدخان. انتظر أفراد العائلتين قرابة ٣٥ دقيقة، وصلت بعدها سيارتان رباعيتا الدفع يستقل كل واحدة مسلّحان ملثّمان. يطلبان منهم الركوب، فيصعد زكريا في سيارة وحده، فيما يصطحب الآخران باقي أفراد العائلة. تذكر والدة المخطوف عمّار أنهم مكثوا أكثر من ساعة ونصف ساعة في السيارة. تتحدّث عن طبيعة غبراء. تحكي باستغراب عن الغبار الأبيض الذي يغطي كل شيء في تلك المنطقة.
تصل السيارة إلى مكان مجهول. يُخبر الزوّار أنّهم أُدخلوا إلى إحدى المغاور بعدما لقّنهم أحد المسلّحين المسموح والممنوع. وكيف اشترطوا عليهم إبقاء رؤوسهم منخفضة وأنّه ممنوع عليهم السؤال، إنما الإجابة عندما يُسألون فقط. بعد قرابة عشر دقائق، يدخل شابان ملتحيان، يجرّ كل واحد منهما مسلّحان. يخبر الزائرون أنهم لم يتعرّفوا إلى ولديهما إلا بعدما دفعهما المسلّحون باتجاههم. تخبر والدة حسين عمار كيف أمسكت بولدها تُخبره: «أنا أمك.. جبتلك تياب». تحكي كيف لم يكن يستجب لها، كيف كان شارداً بذهول قبل أن يتعرّف إليها. أخبرها عندها قائلاً: «إيه يا إمي.. نحن هون متل الكلاب». بحطولنا برغل وعدس مرطبين بمي وبقولولنا كلوا..».. حال عمار لا تختلف عن محمد يوسف. يشاطر الأخير زميله القول: «متل الكلاب بحطولنا الأكل على الأرض». تصف الوالدتان حال ابنيهما كيف كانا منهارين. كانا يعتقدان أنّهما منقادان ليُذبحا. وبحسب الأهالي، هم في كل مرّة يأخذونهم إلى مكان يقولون لهم: «يللا عالذبح».
حكى المخطوفان كيف يُجبران، مع رفاقهما، على حفر الأنفاق. وكيف يُجبرهم الخاطفون على العمل قائلين: «يللا عالشغل.. بدكن تشتغلوا باللي عم تاكلوهن».
لم تدم الزيارة أكثر من ربع ساعة. تخبر والدة يوسف كيف حاولت تقبيل يد أحد الخاطفين باكية وهي تقول: «خلينا هون وخلي ولادنا يروحوا»، لكن المسلّح نهرها قائلاً: «لا يجوز لك لمسي. أنتم تنسبون لنا أشياء زوراً وبهتاناً. نحن أولادنا في رومية غاليين علينا أيضاً». ثم يردف قائلاً: «المشايخ عندكن بالضيعة ضالين. ألم ينبهوكم بأن الانخراط في الجيش حرام؟». عندها تتدخّل والدة حسين عمّار راجية: «أنا ابني مش الحق عليه. ضل يبكي ما بدو يروح عالجيش. أنا اللي جبرتو يفوت ليأمن وظيفة. خدوني محله»، فأجابها: «شو بدنا فيكن. بدنا ولادنا». ثم أضاف: «أبلغي كل الأهالي الذين لا يستجيبون لمطلبنا بالاعتصام بالشارع، بأنّ ابن كل متخلّف سيُجلد ٢٠ جلدة عن تخلّف الوالد و٢٠ جلدة عن تغيّب الوالدة».
بدورها، تروي غنوة، زوجة العسكري يوسف، ما حصل معها عندما وصلت مع ابنها الذي لم يبلغ السنة بعد. «أخذوا ابني. لم أجرؤ أن أقول لا. خفت كتير، لكنن صاروا يلعّبوه.». تخبر كيف رفض زوجها السلام عليها قائلاً: «لست زوجتي ولست حلال علي. أنت مخالفة للشرع. لا تحلّين لي»، تعلّق الزوجة المفجوعة: «رأيت محمد شكلاً.. كأنّ أحدهم بدّل عقله».
http://www.al-akhbar.com/node/219917
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه