هكذا، قدّمت «دنيا الوطن» المحليّة تحديداً خدمة مجانية للعدو بتسويق صوره التي تسفّه قيمة الشهيدين، وتظهرهما عاريين. بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن استشاطوا غضباً على تناقل تلك الصور، عمدوا إلى لفّ الجسدين بالعلم الف
برغم أنّ السلطة الفلسطينية لم تنبس ببنت شفة إزاء خنق الشاب يوسف الرموني على يد المستوطنين، إلا أنّها هرعت إلى التنديد بعملية القدس أمس. على خطاها، سارت وكالة «وفا» وتلفزيون «فلسطين» في تعاطيهما مع التطورات
كالعادة، لم تهتزّ السلطة الفلسطينية أمام جريمة خنق الشاب المقدسي يوسف الرموني على يد المستوطنين، غير أنّ مشاعرها اندلقت بسخاء على خمسة قتلى إسرائيليين إثر انقضاض الشهيدين غسان وعدي أبو جمل على كنيس يهودي في القدس المحتلة أمس.
إعلام السلطة تلقّف هذه الأحاسيس، فجاهرت وكالة «وفا» الرسمية بالتبرؤ من الشهيدين، ومرّت مروراً عابراً على ذكرهما، قائلةً: «قتل 5 إسرائيليين في عملية طعن في القدس، والمنفّذان يقضيان».
لم ينتهِ مسلسل تهميش الشهداء عند هذا الحد. نصّبت «وفا» نفسها «حمامة سلام» تحطّ «بجناحيها» عند الحقّ والباطل على حدٍّ سواء، إذ أوردت: «دانت الرئاسة على الدوام عمليات قتل المدنيين من أي جهة كانت، وهي تدين اليوم عملية قتل المصلين في أحد دور العبادة في القدس الغربية».
هكذا، قدّمت «وفا» المبرّرات الجاهزة للصهاينة لشرعنة قتل الفلسطينيين. في المقابل، لم تضع «وفا» الشرارة الأصلية للعملية في رأس الخبر، بل في ذيله كأنّه رفعٌ للعتب ليس إلا، إذ كتبت «تطالب الرئاسة بوقف الاقتحامات للمسجد الأقصى واستفزازات المستوطنين وتحريض بعض الوزراء الإسرائيليين». أما اللفتة «المبهرة»،
تبنّت «وفا» التقسيم الصهيوني للقدس إلى شرقية وغربية
فتمثّلت في تبني «وفا» التقسيم الصهيوني للقدس إلى شرقية وغربية، مختلقةً ذريعة جديدة لإدانة العملية التي قالت إنها «حدثت في القدس الغربية» المحسوبة على الطرف الإسرائيلي، والمحرّمة على الفلسطينيين!
أما تلفزيون «فلسطين» الرسمي، فلم يستفق من سكرته بعد. برغم اشتعال جذوة الغضب في القدس، آثر استعراض عضلات محمود عباس على مواكبة الأحداث الساخنة هناك. بعد ساعات قليلة من العملية، عرض التلفزيون برنامجاً مباشراً يتحدّث عن بطولات الرئيس «الدونكيشوتية» في وجه العدو، مع التعريج على آفاق مستقبل خيار «حل الدولتين» في وقت تغلي فيه القدس غضباً. وتهافتت وسائل اعلام محليّة على تحويل صور الشهيدين إلى مجرّد مادة تجارية رائجة، فنقلت عن إعلام الاحتلال صورهما وهما مجرّدان من الملابس.
هكذا، قدّمت «دنيا الوطن» المحليّة تحديداً خدمة مجانية للعدو بتسويق صوره التي تسفّه قيمة الشهيدين، وتظهرهما عاريين. بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن استشاطوا غضباً على تناقل تلك الصور، عمدوا إلى لفّ الجسدين بالعلم الفلسطيني. ومن إحدى المفارقات الفجّة التي طفت بعد تصاعد العمليات الفدائية في القدس، أن إحدى أهم الصحف المحلية التي تتخذ من «القدس» عنواناً لها، سمحت للأبواق الإسرائيلية بغزو صفحاتها الأولى.
نشرت «رجاءً» خبيثاً لأحد الصهاينة، يدعى موشي سمخوفيتش، جاء فيه «أتوجه إليكم راجياً أن تحدوا من وتيرة الصراع في القدس، وأن تمنحوا الفرصة لعقلاء الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لقول كلمتهم. وأحذّركم من الوقوع في شرك المؤامرة المحوكة ضدكم». وسط هذه التغطية المستفزة لأحداث القدس، يتضح أنّ معظم وسائل الإعلام الفلسطينية ليست سوى عبء إضافي وثقيل على كاهل القضية المقدسية.