فتح الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية، والتمديد الطويل المدى لمجلس النواب، الباب واسعا أمام محاكمات سياسية للنيات.
عماد مرمل - صحيفة "السفير"
فتح الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية، والتمديد الطويل المدى لمجلس النواب، الباب واسعا أمام محاكمات سياسية للنيات، وَجَّهَ خلالها البعضُ في قوى «14 آذار» اتهاماتٍ الى العماد ميشال عون و«حزب الله» بدفع المأزق الداخلي نحو حده الاقصى، وصولا الى محاولة الإجهاز على اتفاق الطائف وعقد مؤتمر تأسيسي على أنقاضه، لإنتاج نظام جديد، يعيد توزيع الصلاحيات والحصص.
بمعزل عن المزايدات والمماحكات السياسية، يبدو واضحا ان العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وإجراء الانتخابات النيابية ليسا سوى أحد عوارض الامراض المزمنة والمستعصية التي يعاني منها نظام «الطائف»، إما بفعل تشوه خلقي عند الولادة، وإما بسبب عدم اكتمال نموه لاحقا تحت وطأة عناصر الخلل الكامنة فيه.
وهناك من يقول إنه إذا كان تَعَذُّرُ انتخاب الرئيس حتى الآن قد شكّل تعبيرا حادا عن أزمة داخلية عميقة، فان الإخفاق في إجراء الانتخابات البرلمانية أوحى بان النظام أطلق النار على قدميه، حتى أصبح نظاما مقعدا، لا يقوى على التحرك إلا بكرسي متحرك.
بل ان بعض السياسيين يذهبون في مجالسهم الخاصة الى أبعد من ذلك عندما يقولون ان «الطائف» دخل عمليا في طور «الموت السريري»، في انتظار «الموت الرحيم» الذي يتوقف على نزع أنابيب التنفس الاصطناعي عنه.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي ان هناك قرارا خارجيا، بإبقاء دستور الطائف يتنفس، ولو كان قد دخل في غيبوية، حفاظا على حد أدنى من الاستقرار الداخلي او الـ«ستاتيكو» القائم، لان نعيه ودفنه من دون توافر البديل او «الوريث»، سيقودان الى المجهول المفتوح على كل الاحتمالات، وهو امر لا يناسب في هذا التوقيت «الكبار» الذين يهمهم من «الطائف» انه اتفاق لوقف إطلاق النار، يسمح بـ«ربط النزاع» الى حين تبدل الحسابات وتغير وظيفة الساحة اللبنانية، وبالتالي لا تعنيهم الشكوى من ضعف صلاحيات رئيس الجمهورية او الخلل في آلية الحكم.
والمفارقة، ان بعض أشد المدافعين عن «الطائف» هم من المتورطين في سفك «دمه»، على قاعدة ان «من الحب ما قتل».
وانطلاقا من هذه المقاربة، تعتبر أوساط سياسية واسعة الاطلاع ان الحريص على حماية هذه الصيغة واستمرارها كان يجب ان يدفع نحو حصول الانتخابات النيابية لا التمديد، أولا للإبقاء على متنفس يمنع اختناق النظام ويبرر بقاءه، وثانيا لإثبات قدرته على حماية حد أدنى من الانتظام العام للدولة ومؤسساتها، بينما ضاعف خيار التمديد النقمة على صيغة «الطائف» وفضح عجزها.
ووفق الاوساط نفسها، فان «المتعصبين» في الدفاع عن «الطائف» هم اصحاب مصلحة، بالدرجة الاولى، في الإتيان برئيس قوي للجمهورية ووضع قانون انتخاب عادل لتحقيق الشراكة الفعلية، لان من شأن العدالة في توزيع السلطة تحصين النظام ورفده بمزيد من أسباب البقاء، في حين ان إحساس المسيحيين بالغبن والتهميش يزيد نقمتهم عليه، ما يجعل مناعته أضعف.
وإذا كان البعض يعتبر ان «الطائف» يتضمن إيجابيات تحقق توازنا مع السلبيات وتخفف من مفاعيلها، إلا ان الاوساط التي واكبت مراحل تطبيقه تنبه الى ان أخطر ما في هذا الاتفاق ـ الدستور ان النقاط السيئة فيه طُبقت بشكل جيد وان النقاط الجيدة فيه طُبقت بشكل سيئ!
ولا ينكر أحد المقربين من العماد ميشال عون ان التعاطي مع «الطائف» يتم على أساس انه مجموعة من «الأخطاء الشائعة» التي أصبحت مع الممارسة أمرا واقعا، لا يمكن تجاهله، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن التسليم به.
ويشير الى ان الذين أنهكوا «الطائف»، وربما أنهوه، هم من يقدمون أنفسهم بمثابة مدافعين عنه، وليس عون الذي لا يكف عن اقتراح الحلول لتحسين شروط التعايش مع هذا النظام في انتظار ان يتم التوافق الوطني على تغييره، إلا ان هناك من يرفض حتى تطوير النظام من داخله، باسم الدفاع عنه، وبالتالي فان من يفعل ذلك هو الذي يدفع نحو الاستعصاء والتفتيش عن بدائل.
http://assafir.com/Article/20/385230
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه