يحظى تهديد زعيم تنظيم «داعش» ابو بكر البغدادي للمملكة العربية السعودية باهتمام واسع في الاعلام العربي والدولي وفي المحافل الدولية
روزانا رمّال
يحظى تهديد زعيم تنظيم «داعش» ابو بكر البغدادي للمملكة العربية السعودية باهتمام واسع في الاعلام العربي والدولي وفي المحافل الدولية، بين متخوّف وداعم لمفاوضات ترسي وضعاً امنياً اكثر استقراراً في الخليج، وبين تقارير جدية تستعيد استهداف الارهاب للسعودية منذ العقد الماضي، بالاضافة الى الحديث عن جاهزية سعودية عسكرية كبرى، حيث ذكرت وسائل اعلام بريطانية ان السعودية حشدت أكثر من 30 ألف جندي على حدودها الشمالية مع العراق تحسّباً للخطر الذي يشكله تنظيم «داعش».
اللافت أنها المرة الاولى التي يتمّ فيها تناول السعودية بتسجيل ابو بكر البغدادي بتهديد مباشر، بوصفه اياها رأس الافعى، والذي ان لم يكن مجرد تهديد عادي، فهو بحدّ ذاته تحريضاً حقيقياً وحشداً هادفاً للجماعات المسلحة حول العالم وكل مناصر لأفكار هذا التنظيم للحشد ضدّ السعودية بشكل او بآخر.
ليست السعودية دولة عادية بالنسبة إلى هؤلاء، فهي وانْ كانت راس الافعى بالنسبة إليهم فهي بشكل اساس رمز لأرض المسلمين والدعوة الاسلامية، وأهمّ بقعة جغرافية في هذه الارض يقصدها المسلمون كلّ عام لأداء فريضة الحج، وفيها كعبة المسلمين، هذا يبقي من ارض السعودية بنظامها الحالي، او ممن قد يحكمها من اليوم حتى قيام الساعة، تجسيد للاسلام وانبياء الله ورسله من ابراهيم حتى محمد، ما يجعلها بالنسبة إلى »داعش» هدفاً أكبر من اي هدف وواجباً لا بدّ من العمل على إتمامه حسب معتقداتهم الأبعد عن الاسلام.
اكثر ما يدعو إلى القلق انّ التقارير الرئيسية بمراكز الأبحاث الغربية بين لندن والولايات المتحدة تحدثت عما يقارب 12 ألف سعودي انضمّوا إلى جبهات القتال في سورية خلال السنوات الماضية، وبات عدد القتلى بينهم هو الأعلى بين قتلى الحرب الأجانب هناك، وفي هذا إشارة أوتوماتيكية إلى أنّ في السعودية نسبة لا يستهان بها من أتباع هذا الفكر او ممن يهوون هذه التنظيمات الاصولية بين وهابية وداعشية وغيرها، وهم الذين يشكلون قاعدة رئيسية وحقيقية ينحدر منها هؤلاء المسلحون في داخل السعودية، حتى اذا اعلن الجهاد في سورية والعراق سارعوا اليها، أما وقد اعلنت السعودية ارضاً أو هدفاً لـ«داعش» فيجب عليهم ان يعودوا اليها وهم الأخطر بعددهم الكبير، هذا نسبة إلى مجموعات مسلحة، لأنهم أبناء البلد الذين يعرفون أكثر من غيرهم مفاصل الأمور والحياة المعيوشة والذين يمكن ان يحشدوا معهم شباناً ينتظرون هذه الفرصة منذ زمن طويل.
في المقابل ترفض السعودية ايّ لوم او عتاب او اتهام موجه اليها رفضاً مطلقاً وقاطعاً قد يعتبرها سبباً لظهور «داعش» وغيرها وتمددها في المنطقة، إلا انّ الوقائع والدلائل والتصريحات أثبتت انّ السعودية في حشدها مؤتمرات تسليح ودعم المعارضة السورية التي لم تثبث يوماً واحداً انها معارضة معتدلة، والتي تلاشت في صلب الكيانات الصغيرة للمجموعات المسلحة، بعدما أغدقت السعودية عليها المال الوفير، هي وجيرانها وحلفاؤها الغربيين، وهذا كله منذ بداية الأزمة السورية، حيث ترأس الامير المبعد بندر بن سلطان الملف الامني الاستخباري، وفي هذا ضلوع سعودي مباشر حاولت السعودية التراجع عنه واتخذت منحى خاصاً وموقفاً خاصاً من الصراع، خصوصاً بعد تمدّد الاخوان في مصر.
الفرق بين السعودية وكلّ بلد غذّى الإرهاب كما بين السعودية وكلّ بلد مهدّد من الإرهاب، انّ السعودية وحدها مدّت الإرهاب أكثر من السلاح والمال بالغذاء الثقافي والمعنوي بمدرسة الوهابية التي تتشكل منها السعودية والارهاب فكرياً وعقائدياً، والسعودية في المقابل بهذا الافكار تقدم بيئة حاضنة جاهزة لـ«داعش» إذا تجذرت فيها يصعب اقتلاعها.
كلّ هذا الاتهام لا يعني انه يجب تقبّل اصوات ومواقف داعية لإسقاط النظام السعودي، ليس من باب رفع التهمة، انما من باب قلق مبني على وقائع من انّ ايّ خلل او اهتزاز في الأمن السعودي، واي فوضى قد تعمّ البلاد هي تربة خصبة جداً وفرصة لن يفوّتها المسلحون لعبور الحدود اولا ولايقاظ الخلايا النائمة ثانياً، وبالتالي فإنّ هذا الوضع ينذر بوقوع ارض عربية اخرى بين يد المتطرفين الداعشيين، واذا كان الخيار بين النظام الحالي وبين «داعش» فإنّ الجواب أشدّ ما يكون اليوم واكثر من اي وقت مضى دعماً لأي اصلاحات يقوم بها النظام، ودعوة شديدة اليها ورفضاً قاطعاً لأي مطالبة بإسقاط النظام السعودي على طريقة الربيع العربي او الفوضى.
وعليه يبرز الدور الاكبر لايران والولايات المتحدة اللتين قطعتا شوطاً كبيراً من التواصل الذي يمهّد لتناول كافة ملفات المنطقة والخليج تحديداً، حيث توضع ايران امام مسؤولية تذليل العقبات بينها وبين السعودية، وكذلك المسؤولية نفسها مطلوبة من السعودية تجاه ايران، وتقريب وجهات النظر او حتى «إنزال السعودية عن الشجرة»، كما يقال، ضمن خطة خليجية حقيقية لمكافحة الارهاب، لا يُستثنى فيها ايّ حلّ من الحلول لا إيران ولا السعودية وتتضمّن امن السعودية والبحرين واليمن على حدّ سواء…
ان اي جهد لمساعدة السعودية على النزول عن الشجرة والانخراط في لغة سياسية جديدة لإراحتها وفتح افاق حركتها للتعاون في ملف مكافحة الارهاب غير مضمون النجاح بمجرد التجاوب السعودي السياسي كما هو حال اي بلد اخر، فدون تعاون السعودية بتحرير الثقافة الدينية من نصوص التكفير الدموية في المعتقد الديني الوهابي يصعب ان تنجح اي جهود لمنع «داعش» من التمدّد وتسهيل محاربتها،
هذا الكلام ليس دعماً ولا تبريراً لإرهاب حذر منه الرئيس السوري وساهمت في تغذيته السعودية، وها هو ينقلب عليها إنما هذا محاولة لنشر مشهد سيتكرّر فيها وسيكون هذا كله عندما تسقط السعودية…
«داعش» ستحضر عندما تسقط السعودية وستحضر في الاردن وغيرها…
وعليه لا لهذا النوع من الأمنيات مهما اختلفت القضية، فهذا الإرهاب خطر على السعوديين مثلما ما هو خطر على الإنسانية برمّتها، وأول من اكد هذا الكلام واول من حذر من انقلاب الموازين كان الرئيس السوري بشار الاسد الذي اعتبر ان دولاً اخرى داعمة للإرهاب ستذوق النار نفسها اذا بقيت بنفس السياسة والتوجه والإصرار.
ولا لـ«داعش» مكان السعودية…
http://al-binaa.com/albinaa/?article=21118
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه